مدخل إلى رسالة يوحنّا الثّانية
لمزيد من المعلومات حول هذه الرّسالة، يُمكن العودةُ إلى مدخل رسالة يوحنّا الأولى.
واستنادا إلى الموروث القديم، فإنّ الحواري يوحنّا هو مَن كتب هذه الرّسالةَ وفيها نعثر على إشارة إليه بلقب “الشيخ” دون غيرها. غير أنّ هذه الرّسالة تُشبه إلى حدّ كبير في أسلوبها الوحي الذي سجّله يوحنّا حول سيرة السيّد المسيح (سلامه علينا)، وتشبه رسالتيه الأولى والثالثة. وما من إشارةٍ إلى تاريخ كتابة هذه الرّسالة، ولكن من المحتمل أنّها قد كُتبت في زمن متأخِّر من القرن الأول للميلاد، ويرى البعض أنّها دُوِّنت في مدينة أفاسوس.
وقد وُجِّهَت الرّسالةُ إلى “السيّدة التي اختارها الله”، وربّما يكون المقصود من هذا التعبير المجازيِّ جماعةَ المؤمنين في مدينة قريبة من مكان إقامة يوحنّا. ويظهر هذا جليّا في الآية الثّامنة في النص اليوناني الأصلي عند مخاطبته القرّاءَ باستعمال صيغة ضمير جمع المذكّر. وفي مثل هذه الحال، فإنّ معنى كلام يوحنّا الذي تُرجم حرفيّا بما يلي: “أولاد أختك التي اختارها الله” (آية 13) فيه إشارة إلى أفراد جماعة الإيمان الأخرى، وربّما استعمال هذه الصّيغة له دلالات رمزيّة لإخفاء هويّة كاتب الرّسالة ومتلقّيها خوفا من اضطهادهم.
إنّ الرّسالة الثانية والثالثة للحواري يوحنّا تتساويان في الطّول نفسه تقريبا، فطول كلتَيهما لا يتجاوز ورقةً من أوراق البَرْديّ، وقد كُتبت لتعالج اشكاليّات متشابهة. وانتشرت رسالة المسيح (سلامه علينا) في هذه الفترة من خلال رحلات المعلّمين والدّعاة، وبما أنّ النُزُلَ وأماكن الإقامة قد تكون خطرة، وسمعتها سيّئة، فإنّ المؤمنين قد رحّبوا بهؤلاء الدّعاة في منازلهم، ومنحوهم التجهيزات اللاّزمة ومَدُّوهم بزادٍ لرحلاتهم. أمّا بالنسبة إلى المعلّمين المضلِّلين الذين خرجوا عن جماعات المؤمنين، فقد طلب يوحنّا من المؤمنين ألاّ يرحّبوا بهم، لأنّ سيّدنا عيسى (سلامه علينا) لم يكن حسب اعتقادهم سوى نبيٍّ عظيم، مثله مثل يحيى بن زكريا (عليه السّلام) أو قائدٍ من قادتهم. ولم يكن (سلامه علينا) بالنسبة إليهم كلمةَ الله الأزليّة التي ألقاها إلى مريم.
ورضخ هؤلاء المضلّلون في معتقداتهم عن سيّدنا عيسى لضغوطات اليهود تارة، والوثنيّين تارة أخرى إذ قلّلوا من أهميّة سيّدنا عيسى قصد التعايش معهم. وهو ما جعلهم يحيدون عن الحقيقة التي بشّر بها الحواريّون الذين كانوا شهودَ عيان وصحابةَ السيّد المسيح.
بسم الله تبارك وتعالى
رسالة الحَواريّ يُوحَنَّا الثّانية إلى أحباب الله
1
تحيّة
مِن يُوحنّا الشَّيخِ،* أُطلِقت كلمةُ “المُشرِف” في الثقافة اليونانية على كلّ مسؤول رسميّ عن التنظيمات المدنيّة أو الدّينيّة. وتحمل كلمة “الشّيوخ” في الثقافة اليهودية المعنى نفسه. ويبدو أنّ الحواري يوحنّا كان شيخا في أواخر أيّام حياته للجماعات المؤمنة في أفاسوس والمنطقة المحيطة بها، شأن الحواري بطرس في روما. إلى السَّيّدةِ الّتي اختارَها اللهُ مِن بَينِ العالَمِينَ، جَماعةِ اللهِ وأبنائِها، الّذينَ أُكِنُّ لهمُ الحُبَّ لأنّنا نَنتَمي مَعًا إلى الحقِّ، ولَستُ أنا وَحدي مَن يُحِبُّهُم، بل يُحِبُّهُم كُلُّ مَن عَرَفَ الحقَّ في رِسالةِ اللهِ.
نعم، نَحنُ لكُم مُحِبّونَ، لأنّ الحقَّ راسِخٌ في قُلوبِكُم كَما في قُلوبِنا، ولا بُدَّ أن يُرافِقَنا إلى الأبَدِ، وسيَكونُ مَعَنا جَميعًا الفَضلُ والرَّحمةُ والسَّلامُ مِن عِندِ اللهِ الأبِ الصَّمَدِ، وَمِن سَيِّدِنا المَسيحِ الابنِ الرُّوحيِّ للهِ الأبِ الرَّحيمِ. عبارة “الابن الروحي لله” الواردةُ هنا هي ترجمة للعبارة اليونانية التي عُرّبت غالبا بصيغة “ابن الله”. وهي موجودة في كتب الأنبياء الأوّلين، وكانت لقبا لملك بني يعقوب الذي اختاره الله. وهذا لا يشير إلى تَناسلٍ بشريّ، ولكنّه يشير إلى العلاقة الوثيقة بين سيّدنا عيسى والله. وإنّ مقامه أمام ربّه يضاهي مقام البِكْر في الأسرة. ويرى البعض في هذا تلميحا إلى أنّه كلمة الله الأزليّة التي أرسلها إلى الأرض لتصبح بَشَرا يولد من مريم العذراء. نعم، سيَكونُ مَعَنا نَحنُ الّذينَ نَثبُتُ على الحقِّ والمَحَبّةِ.
طريق الحق
لقد عَمَّني الفَرَحُ عِندَما رأيتُ بَعضَ أهلِ جَماعتِكُم يَسلُكونَ طَريقَ الحقِّ وَفقًا لِما أوصانا بِهِ اللهُ الأبُ الرَّحيمُ. والآنَ، أيّتُها السَّيِّدةُ المُختارةُ، أُريدُ أن أطلُبَ مِنكِ أمرًا، وهو لَيسَ بِالأمرِ الجَديدِ عليكِ وعلى أبنائِكِ. وإنّما هو وَصيّةٌ أدرَكتُموها مُنذُ البِدايةِ، وهي مَحَبّتُنا لِبَعضِنا بَعضًا.
هي ذي المَحَبّةُ: أن نُطيعَ ما أوصى اللهُ بِهِ. وهذِهِ وَصيّتُهُ كَما سَمِعتُم مُنذُ البِدايةِ: أن تَهتَدوا بِالمَحَبّةِ. أقولُ لكُم هذا لأنّ عَدَدًا كَبيرًا مِن المُضلِّلينَ ظَهَرَ في الدُّنيا، وهم لا يَعتَرِفونَ أنّ سَيِّدَنا عيسى المَسيحَ (سلامُهُ علينا) هو كَلِمةُ اللهِ وقد جاءَ إلى العالَمِ بِجِسمٍ بَشَريّ، وكُلُّ مَن يُنكِرُ هذا فهو دَجّالٌ يَجحَدُ المَسيحَ العَظيمَ.
فانتَبِهوا كَي لا تَنخَدِعوا ولا تَترُكوا إيمانَكُم. واحذَروا أن يَضيعَ أجرُكُم عِندَ اللهِ أو أن يَضيعَ كُلُّ ما بَذلناهُ مِن جَهدٍ في سَبيلِكُم. لأنّ مَن تَعَدّى المَسيحَ (سلامُهُ علينا) ولم يَرسُخْ في تَعاليمِهِ، فلا صِلةَ بَينَهُ وبَينَ اللهِ. أمّا مَن ثَبَتَ على هذا الطَّريقِ القَويمِ، فإنّهُ يَكونُ قَريبًا مِن اللهِ الأبِ الرَّحيمِ ومِن المَسيحِ الابنِ الرُّوحيِّ لهُ تَعالى.
10 إن جاءَكُم أحَدٌ بِغَيرِ ما أبلَغَكُم سَيِّدُنا عيسى مِن تَعاليمٍ، فلا تَستَقبِلوهُ في بُيوتِكُم، ولا تُرَحِّبوا بِهِ. دأب اليهود وأتباع السيد المسيح على الترحيب بالمؤمنين وحُسنِ ضيافتهم خاصّة إذا كانوا من الدّعاة المتجوِّلين. وحذّر يوحنّا من استقبال الدجّالين منهم وتوفير الطعام والمأوى لهم، فهذا يُعتبر دَعماً “للعمل الملعون” وخضوعا لِدَجَلهم كما جاء في الآية 11. وتعني عبارة “السلام عليك” نوعا من أنواع البركات أو الدعاء، فإنّ يوحنّا يحذّر قرّاءه من توجيه هذه العبارة إلى الدّعاة الدجّالين. 11 لأنّ مَن يُرَحِّبُ بِهِ يُشارِكُهُ في عَملِهِ المَلعونِ.§ يعالج هذا المقطعُ التعاليمَ المزيَّفةَ للعرفانيين التي هاجمها يوحنّا في رسالة يوحنّا الأولى. وأصرّ الدجّالون على أنّ كلمة الله لم تتحوّل إلى بشر، بل حلّتْ على سيدنا عيسى الإنسان على امتداد الزمن من حين تَطهُّره بالماء إلى حين صَلبه.
الختام
12 كُنتُ أُريدُ الإطنابَ في هذِهِ الرِّسالةِ، ولكِنّي فَضَّلتُ عَدمَ تَدوينِها على وَرَقٍ، لأنّي أرغَبُ في زيارتِكُم شَخصيًّا لأُخاطبَكُم وَجهًا لِوجهٍ، لتَكتَمِلَ فَرحَتُنا. 13 تُسَلِّمُ عليكِ شَقيقتُكِ المُختارةِ وأحّباؤها.

*1:1 أُطلِقت كلمةُ “المُشرِف” في الثقافة اليونانية على كلّ مسؤول رسميّ عن التنظيمات المدنيّة أو الدّينيّة. وتحمل كلمة “الشّيوخ” في الثقافة اليهودية المعنى نفسه. ويبدو أنّ الحواري يوحنّا كان شيخا في أواخر أيّام حياته للجماعات المؤمنة في أفاسوس والمنطقة المحيطة بها، شأن الحواري بطرس في روما.

1:3 عبارة “الابن الروحي لله” الواردةُ هنا هي ترجمة للعبارة اليونانية التي عُرّبت غالبا بصيغة “ابن الله”. وهي موجودة في كتب الأنبياء الأوّلين، وكانت لقبا لملك بني يعقوب الذي اختاره الله. وهذا لا يشير إلى تَناسلٍ بشريّ، ولكنّه يشير إلى العلاقة الوثيقة بين سيّدنا عيسى والله. وإنّ مقامه أمام ربّه يضاهي مقام البِكْر في الأسرة. ويرى البعض في هذا تلميحا إلى أنّه كلمة الله الأزليّة التي أرسلها إلى الأرض لتصبح بَشَرا يولد من مريم العذراء.

1:10 دأب اليهود وأتباع السيد المسيح على الترحيب بالمؤمنين وحُسنِ ضيافتهم خاصّة إذا كانوا من الدّعاة المتجوِّلين. وحذّر يوحنّا من استقبال الدجّالين منهم وتوفير الطعام والمأوى لهم، فهذا يُعتبر دَعماً “للعمل الملعون” وخضوعا لِدَجَلهم كما جاء في الآية 11. وتعني عبارة “السلام عليك” نوعا من أنواع البركات أو الدعاء، فإنّ يوحنّا يحذّر قرّاءه من توجيه هذه العبارة إلى الدّعاة الدجّالين.

§1:11 يعالج هذا المقطعُ التعاليمَ المزيَّفةَ للعرفانيين التي هاجمها يوحنّا في رسالة يوحنّا الأولى. وأصرّ الدجّالون على أنّ كلمة الله لم تتحوّل إلى بشر، بل حلّتْ على سيدنا عيسى الإنسان على امتداد الزمن من حين تَطهُّره بالماء إلى حين صَلبه.