مدخل إلى رسالة تيموتاوي الثانية
تُعتَبر الرّسائلُ الثلاثُ، تيموتاوي الأولى وتيموتاوي الثّانية وتيتوس، متميّزةً في الشّكل والمحتوى من بين رسائل الحواري بولس كلِّها. ويبدو أنّ بولس قد كتبها في زمنٍ متأخّر من حياته. ولمزيد من المعلومات حول التأليف وتاريخ كتابة هذه الرّسالة، يُمكن العودةُ إلى مدخل رسالة تيموتاوي الأولى.
لقد تَمَّ إطلاقُ سراح بولس في المرّة الأولى سنة 62 للميلاد، أيْ بعدَ مرور فترة من الزّمن على الحوادث المدوَّنةِ في نهاية كتاب سيرة الحواريّين (أي أعمال الرّسل). ومنذ ذلك الوقت تابَعَ بولس عملَه في نشر الرّسالة، ورّبما يكون قد توجّه في البدء إلى إسبانيا، ليَعُود بعدها إلى اليونان ثمّ إلى جزيرة كريت. ومن المحتمَل أيضا أنّ هذه الرّسالة قد كُتبت بعد رحلته تلك، أي عند عودته إلى روما، حيث سُجن مرّة أخرى، حوالي سنة 67 للميلاد.
وكُتبت هذه الرّسالةُ خلال فترة سجن بولس في روما للمرّة الثانية عندما كان ينتظر إعدامَه، فأرسل هذه الرّسالة إلى تيموتاوي، وفيها آخرُ التّحذيرات والتّوجيهات إليه. وكتَبَ هذه الرّسالة لسببين: أوّلهما دوافعُ شخصيّة، وثانيهما ضرورةُ معالجة المشاكل المنتشرة بين جماعات المؤمنين. وقد شعر أنّه وحيد لا مُعينَ له، وكان يرجو تيموتاوي أن يلتحق به سريعا، وفي الأثناء كان خصوم بولس يعملون على نشر رسالتهم المُزيَّفة في مقاطعة آسيا، وازداد الوضع سوءا مقارنةً بالفترة التي كتب فيها رسالته الأولى لتيموتاوي، إذ كان قلِقا بسبب انتشار التّعاليم المزيّفة وظهور شقاق داخلي بين المؤمنين. فحثّ بولس تيموتاوي على التركيز على تعليم الكتب المقدّسة والحقائق الموجودة فيها. وكانت الرّسالة في أغلب أبعادها بمثابة آخر وصايا الحكمة من بولس قبل موته الوشيك.
بسم الله تبارك وتعالى
رسالة الحَواريّ بولُس الثّانية إلى تيموتاوي
الفصل الأوّل
تحيّة
مِن بولُسَ حَواريِّ سَيِّدِنا عيسى المَسيحِ، أرسَلَني اللهُ بأمرٍ مِنهُ لأُبَلِّغَ العالَمينَ وَعدَهُ بدارِ الخُلدِ لكُلِّ المؤمنينَ بِهِ (سلامُهُ علينا). إلى ابني الحَبيبِ تيموتاوي. لكَ الفَضلُ والرَّحمةُ والسّلامُ مِن اللهِ أبينا الأحَدِ الصَّمَدِ، ومِن سَيِّدِنا عيسـى المَسيحِ.
شدّ عزيمة تيموتاوي
أحمَدُ اللهَ الّذي أتَقَرَّبُ إليهِ بِضَميرٍ خالِصٍ، كَما أَخلَصَ إليهِ آبائي الأوّلونَ، وأَذكُرُكَ في تَضَرُّعاتي لَيلاً نَهارًا وفي كُلِّ حين. وأَذكُرُ الدُّموعَ الّتي كُنتَ تَذرِفُها لَحظةَ افتَراقِنا، فيَزدادُ شَوقي لرُؤيتِكَ ليَمتَلئ فؤادي فَرَحًا. وأتَذَكَّرُ إيمانَكَ الصّادِقَ أيضًا، ذلِكَ الإيمانَ الّذي أشرَقَ في قَلبِ جَدَّتِكَ لويزةَ سابِقًا، ثُمّ أشرَقَ في قَلبِ أُمِّكَ فائزةَ، وأنا على يَقينٍ أنّ هذا الإيمانَ في قَلبِكَ الآنَ.
ولهذا أُنَبِّهُكَ لتَتَذَكَّرَ اللَّحظةَ الّتي وَضَعتُ فيها يَدي عليكَ لِتَعيينِكَ لخِدمةِ اللهِ،* كان قادة المؤمنين بالسّيّد المسيح يَضَعون أيديهم على النّاس كعلامة لتعيينهم للوعظ أو لتعليم أناس آخرين من أتباع السّيّد المسيح، اقتداءً بالعادات اليهوديّة. وأن تُلهِبَ مِن جَديد الكَرامةَ الّتي حَصَلتَ عليها في تِلكَ اللَّحظةِ. لا تَخشَ أحَدًا، فقد أعطانا اللهُ رُوحَهُ، لا رُوحَ الخَوفِ، بل رُوحَ القوّةِ والمَحَبّةِ والبَصيرةِ. فلا تَتَرَدَّد حينَ تَدعو النّاسَ إلى الإيمانِ بِسَيِّدِنا عيسى، ولا تَخجَل مِنّي أنا السَّجينُ في سَبيلِهِ، ولكنّي أطلُبُ مِنكَ أن تُشاركَني المَصاعِبَ والمَشَقّاتِ في سَبيلِ البُشرَى بِهِ (سلامُهُ علينا)، مُتَوَكِّلاً على قُدرةِ اللهِ.
إنّ اللهَ جَعَلَنا مِن النّاجينَ، ودَعانا إلى العَيشِ مَنذورينَ لهُ، لا على أساسِ أعمالِنا، بل بِمُوجِبِ مَقاصِدِهِ وفَضلِهِ الكَريمِ. وقد أرادَ مُنذُ الأزَلِ أن يَمنَحَنا فَضلَهُ مِن خِلالِ سَيِّدِنا عيسـى المَسيحِ. 10 ولكِنّهُ لم يَكشِف عن فَضلِهِ هذا إلاّ بِتَجَلّي مُنَجّينا (سلامُهُ علينا) فهو الّذي سَحَقَ المَوتَ وأنارَ طَريقَ الحَياةِ والخُلودِ ببُشراهُ. 11 ولقد اختارَني اللهُ لهذِهِ الرِّسالةِ فكُنتُ رَسولاً مُرشِدًا وداعيةً إليها، 12 فأنا أُقاسي في سَبيلِها الضِّيقَ هُنا في السِّجنِ، لكِنّي لا أتَرَدَّدُ لأنّي أعرِفُ اللهَ الّذي وَثِقتُ بِهِ، وإنّي على يَقينٍ أنّهُ تَعالى قادِرٌ على حِفظِ ما أودَعتُهُ عِندَهُ إلى اليَومِ العَظيمِ.
13 فتَمَسَّكْ بالمَبادئ الّتي سَمَعتَها مِنّي، واجعَلْها مِثالاً يُحتَذى، إضافةً إلى مَحَبّتِكَ لِسَيِّدِنا عيسى المَسيحِ وإخلاصِكَ لِلمؤمنينَ. 14 واحفَظِ الوَديعةَ الصّالِحةَ، فهي رِسالةُ اللهِ الّتي جَعَلتُكَ عليها وَكيلاً، وحافِظْ عليها بِعَونِ رُوحِ اللهِ الّتي حَلَّت فينا.
15 وإنّكَ تَعلَمُ أنّ كُلَّ المؤمنينَ في مُقاطَعةِ آسيا قد تَخَلَّوا عنّي، لا سِيّما فيغالي وهارمُوجْني. 16 وتَرَكَني أنيسُ أيضًا، فلْيَرحَمْهُ سَيِّدُنا عيسى ولْيَشفَع لأهلِ بَيتِهِ أجمَعينَ. لقد كانَ سابِقًا يَزورُني مَرّاتٍ عَديدةً ويُدخِلُ الفرَحَ على قَلبي، ولم يَخجَل مِنّي يَومًا بسَبَبِ سَجني وقُيودي، 17 حَتّى إنّهُ بَذَلَ جَهدًا في بَحثِهِ عنّي عِندَما كانَ في روما إلى أن وَجَدَني في السِّجن. 18 وإنّكَ تَعرِفُ كَم خَدَمَني هذا الأخُ الكَريمُ وأنا في مَدينةِ أفاسوس. أجل، فليَرحَمْهُ سَيِّدُنا عيسى وليَشفَع لهُ يَومَ الدِّين!

*الفصل الأوّل:6 كان قادة المؤمنين بالسّيّد المسيح يَضَعون أيديهم على النّاس كعلامة لتعيينهم للوعظ أو لتعليم أناس آخرين من أتباع السّيّد المسيح، اقتداءً بالعادات اليهوديّة.