مدخل إلى يوحنّا
كان يوحنّا صيادا قبل أن يصبح تابعا لسيدنا المسيح (سلامُهُ علينا). وكما حدث مع متّى، فقد منّ الله عليه بأن أصبح واحدا من الحواريين الاثني عشر. ويعتقد كثير من العلماء أنّ يوحنّا إنّما يعني نفسه عندما يذكر في سجلّه عبارة “الحواري الذي كان سيدنا عيسى يحبّه” (كما في يوحنّا 13: 23)، لكن لا يمكننا معرفة ذلك على وجه التأكيد. وقد أقام الحواري يوحنّا بعد ذلك في المقاطعة الرومانية آسيا التي تقع اليوم في الجزء الغربي من تركيا. وقد يكون الله اختاره خلال تلك الفترة من الزمن ليدوّن الوحي عن سيدنا المسيح. كما قد يكون قام بذلك على الأرجح بعد أن كانت سجلاّت متّى ومرقس ولوقا قد انتشرت بين الناس، وبذلك يكون قرّاء سجلّ يوحنّا لدى انتشاره عارفين بمحتويات أحد السجلاّت الثلاثة على الأقلّ. لذا قد يكون من الأفيد أوّلا قراءة أحد تلك السجلاّت قبل قراءة هذا السجلّ، وليكن سجلّ مرقس (بما في ذلك المدخل إليه).
رغم معرفتنا الكثير عن سيدنا عيسى المسيح من خلال سجلاّت متّى ومرقس ولوقا، فإن سجلّ يوحنّا يملأ بعض الثغرات التي تساعدنا على مزيد من الفهم. طبعا، يؤكّد الحواري يوحنّا أنّ سيدنا عيسى هو المسيح الملك المرسل من الله، مثله في ذلك مثل الثلاثة الآخرين الذين سجّل الوحي بخصوص السيد المسيح. لكنّنا مع يوحنّا نغوص أكثر في كنه سيدنا عيسى من خلال استخدامه الموفّق والمميّز للمجاز والإيحاءات، كحديثه عن كلمة الله الأزلية التي صارت كائنا بشريّا (الفصل 1)؛ أو نور العالم الذي جاء ليخرجنا من الظلمات إلى النور (1: 9، 8: 12)، أو الذبح العظيم الذي أتى ليحمل عنا معاصينا (1: 29)؛ أو النبي الذي تجب طاعته، والذي أخبر عنه النبي موسى في التوراة (سفر التثنية 15‏:18‏-19)؛ أو الطريق الحقّ، ونبع الخلود (14: 6؛ 4: 14).
يخبرنا السيد المسيح في سجلّ يوحنّا أنّ أتباعه سوف يعانون الاضطهاد مثلما عاناه هو نفسه، لكنّه يعدهم بإرسال نصير لهم، هو روح الله التي ستقيم بداخلهم وتكون معهم إلى الأبد، وهي تساعدهم وتقودهم إلى الحقّ.
بسم الله تبارك وتعالى
الإنجيل الشّريف
الوحيُ الذّي سجّله الحَواريُّ يوحنّا
الفصل الأوّل
كلمة الله الأزليّ
في البَدءِ، قَبلَ خَلقِ الكَونِ، كانَ الكَلِمةُ - كَلِمةُ الله.
وكانَ الكَلِمةُ مَعَ اللهِ، وكانَ قائِمًا في ذاتِ اللهِ.
قَبلَ خَلقِ الكَونِ كانَ كَلِمةُ اللهِ الأزليّ عِندَ اللهِ.
وبِهِ أبدَعَ اللهُ كُلَّ شَيءٍ في الكَونِ
فلا شَيءَ مَوجودٌ بلا كَلمةِ اللهِ.
فيه كانَتِ الحَياةُ، فأنارَت الحَياةُ كُلَّ البَشَر.
ولم يَزَل نورُها مُشِعًّا في الظّلامِ
لأنّ الظّلامَ لا يَستَطيعُ حَجبَ النُّور.
 
بَعَثَ اللهُ رَسولاً اسمُهُ يَحيى (عليه السّلام)
جاءَ لِيُخبِرَ النّاسَ بِصِفاتِ ذلِكَ النُّورِ
ويَقودَ النّاسَ إلى طَريقِ الإيمانِ بذلِكَ النُّور.
لم يَكُن هو ذلكَ النّور، أو ذلِكَ الكلِمة،
بل جاءَ ليَشهَدَ بِهِ ولهُ ويُشهِدَ عليهِ الخَلائقَ.
فنُورُ الحَقِّ، أي كَلِمةُ اللهِ المُنيرُ قُلوبَ جَميعِ الخَلائِقِ
كانَ يُوشِكُ أن يَظهَرَ في الدُّنيا.
 
10 وكانَ في الدُّنيا، وبِهِ تَكوَّنَ العالمُ،
ولكنّ أهلَ العالَمِ لم يُدرِكوا حَقيقةَ الكَلِمة
عِندَما استحَالَ إلى كَينونةِ عيسى (سلامُهُ علينا)، ولم يَعرِفوهُ.
11 جاءَ إلى شَعبِهِ، إلاّ أنّ شَعبَهُ لم يَحفَلْ بِهِ.
12 وأمّا الّذينَ استَجابوا لهُ وآمَنوا بِهِ
فقد مَنَحَهُمُ الحَقَّ في أن يَكونوا عِيالَ اللهِ.
13 ولَيسَت هذِهِ البُنُوَّةُ ذاتَ طَبيعةٍ بَشَريّةٍ،
بل إنّ اللهَ هو مَن أسبَغَ عليهِم تِلكَ الصِّفةَ
فجَعَلَهُم عِيالَهُ.* كلمة “عيال” هنا كناية تعبّر عن اختيار الله لهؤلاء الأشخاص ليكونوا من ضمن أمّته، لكن ليس على أساس عنصري أو تناسلي.
 
14 واستحالَ الكَلِمةُ إلى كائنٍ بَشَريٍّ
وعاشَ في الدُّنيا بَينَنا
ورأينا عَظَمةَ شَأنِهِ،
الّتي تَتَناسَبُ مَعَ مَكانَتِهِ بما أنّهُ الابنُ الرُّوحيُّ الفَريدُ للهِ إنّ كلمة “الابن الرّوحيّ له” هنا تعريب للمصطلح الذي يُترجم عادة بكلمة “ابنه”. ولكن لا علاقة لمعناه مطلقا في لغة الوحي اليونانية بعملية الإنجاب المألوفة. معاذ الله! بل هو لقب مجازي للملك المختار الذي يجب أن يكون من سلالة النبي داود، فهذا اللقب يشير إلى الصلة الحميمة بين الله والسيد المسيح، وعلى هذا الأساس وعلى أساس طاعته لله يمنح المسيح أتباعه الحق ليكونوا من أهل بيت الله. وهذا اللقب يعني أيضا أنّه المسيح المنتظر الذي يحكم المملكة الأبدية التي وعد الله بها عباده الصالحين. وهو كلمة الله التي ألقاها إلى مريم العذراء فأصبحت إنسانًا بقوّة روحه تعالى. وكلمة الله، حسب الإنجيل، هي صفة قائمة في ذاته تعالى. ومن هذا المنطلق نفهم السلطة التي يمتلكها السيد المسيح (سلامه علينا) على بيت الله وهي سلطة شبيهة بسلطة الابن البكر عند الناس. الأبِ الرَّحيمِ،
المُجَسِّدِ لرَحمةِ اللهِ الفائقةِ وفيهِ تَحقيقٌ لوَعدِ اللهِ الحَقِّ وفَضلِهِ.
15 وجاءَ النَّبيُّ يَحيى (عليه السّلام) مُبَشِّرًا بقُدومِ هذا الرَّسولِ،
مُجاهرًا في مَنِ اجتَمَعوا حَولَهُ:
“هَذا هو الَّذي أنبأتُكُم بقُدومِهِ،
عِندَما قُلتُ لكُم إنّهُ أعظَمُ مِنّي قَدرًا،
لأنّهُ كانَ مَوجودًا قَبلَ أن أولَدَ”.
 
16 ونحنُ جَميعًا نِلنَا البَرَكاتِ مِن فَيضِ فَضلِهِ
إضافةً إلى ما كُنّا قد نِلناهُ مِن بَرَكاتٍ في القَديمِ.
17 فلئن جاءَ النَّبيُّ موسى (عليه السّلام) بالتَّوراةِ،
فإنّ رَحمةَ اللهِ وأمَانتَهُ في تَحقيقِ كُلِّ وُعُودِهِ
قد حَصَلنا عليهِما مِن خِلالِ سَيّدِنا عيسى المَسيحِ (سلامُهُ علينا).
18 فما مِن أحَدٍ حَظِيَ برُؤيَةِ اللهِ قَطعًا،
أمّا الابنُ الرُّوحيُّ الفَريدُ لهُ تَعالى،
المُقَرَّبُ للهِ الأبِ الصَّمَد،
فقد جاءَ ليُعرِّفَنا بذاتِهِ تَعالى.
شهادة النّبيّ يحيى (عليه السّلام) لعيسى (سلامُهُ علينا)
19 وبَعَثَ قادةُ اليَهودِ في القُدسِ ببَعضِ الأحْبارِ وبَعضِ خُدّامِ وهم اللاّويون، أو رجال الدين المنحدرون من سلالة لاوي بن يعقوب (عليه السّلام)، الذين خصّهم الله بقيادة العبادة في الحرم الشريف وبخدمة الأحبار وضبط النظام في الحرم. بَيتِ اللهِ إلى النَّبيِّ يَحيى (عليه السّلام) ليَسألوهُ مَن يَكونُ. 20 فلم يَتَرَدَّدْ في الإجابةِ، بل شَهِدَ لهُم شَهادةً صَريحةً: “أنا لَستُ المَسيحَ المُنتَظَرَ”.§ “المسيح” وهو لقب يعني (الممسوح بالزيت) ويعني أيضًا (المختار). فقد كان الناس في زمن بني يعقوب يسكبون الزيت على رأس الرجل الذي كان مختارًا لخدمة الله ولخدمة أمّة بني يعقوب (بني إسرائيل). وعلى سبيل المثال كان الأحبارُ والملوك يُدهنون بالزّيت، وأيضا الأنبياء أحيانا. وورد في التوراة كما في كتب الأنبياء أنّ من يُدعى بالمسيح هو من يكون في الغالب الملك المختار من سلالة النبي داود (عليه السّلام). وجاء واضحًا في عدد من الأناشيد في الزبور (أو المزامير) حول ملك بني يعقوب أنه بصفته مختارا من الله أو “الابن الروحي لله”، سيكون مسؤولا عن إقامة عدالة الله وسلامه على الأرض. وهذا يعني إنصاف المقهورين والمظلومين، وخاصة الفقراء منهم. ولقد وعد الله النبي داود الملك أن يكون الملك من سلالته دائمًا. وكانت نهاية مملكة النبي داود وسلالته بتدمير مدينة القدس في عام 586 ق.م. وقد توقّع بنو يعقوب أن يستمرّ الله في وعده لهم بحفظ المملكة لسلالة داود من خلال جعل المسيح، وهو في نظرهم حفيد النبي داود، ملكا يقيم العدالة على الأرض إلى الأبد. 21 فتابَعوا سائلينَ: “فمَن تَكونُ إذن؟! أأنتَ النَّبيُّ إلياسُ وقد عادَ مِن غَيبتِهِ؟”* والنبي إلياس (عليه السّلام) الذي عاش أكثر من 800 سنة ق.م. لم يمت بل رفعته إلى السماء زوبعة. وكان يعتبر نبيًا غائبًا سيعود من غيبته قبل ظهور المسيح المنتظر، وذلك بناءً على نبوءة أنبأ عنها النبي ملاكي (عليه السّلام). فأجابَهُم نافيًا ذلِكَ. ثُمَّ أضافوا: “أفأنتَ ذاكَ النَّبيُّ الّذي وَعَدَ بِهِ موسـى؟” تحدّث النبي موسى (عليه السّلام) في إحدى النبوءات عن نبي آتٍ من سلالة بني يعقوب سوف يتحدّث مثله بكلام الله (التوراة، سفر التثنية 18: 15‏-18). وكان اليهود منذ القدم يعتقدون أنّ ذلك إشارة لشخصٍ آتٍ قُبَيل قيام الساعة. ولكنّ السامريين كانوا يعتقدون بأنّ هذا النبي هو نفسه المسيح المنتظر. فأجابَهُم نافِيًا، 22 لكنّهُم ألَحّوا في السُّؤالِ قائلينَ: “قُل لنا مَن أنتَ حتّى نُجيبَ مَن أرسَلونا. ماذا تَقولُ عَن نَفسِكَ؟” 23 فأجابَهُم: “أنا مَن تَحَدَّثَ عَنهُ النَّبيُّ أَشَعيا بقولِهِ: صَوتٌ مُنادٍ في البَرارِي: مَهِّدُوا الطَّريقَ أمامَ مَولاكُم”. كان النبي أشعيا (عليه السّلام) يدعو الناس ليهيِّئوا قلوبهم للعودة إلى الله، مقارنًا ذلك بما يفعله القرويُّون عندما يُهيِّئون الطريق لقدوم ملك كبير عليهم. 24 ثُمَّ سألَهُ بَعضُ المُتَشدِّدينَ§ كان المتشدِّدون (أي الفريسيون) جماعة من اليهود. ومعناها بالعبرية “المنفصلون” وكانوا يريدون تجديد الدين اليهودي وحمايته من خلال دفْع جميع أفراد الشعب اليهودي - وعلى نحو صارم- إلى اتّباعِ تقاليدَ استندت على شرائع التوراة خاصّة القوانين التي تتعلّق بيوم السّبت، والصيام، والتطهّر من الطعام النجس. وكانوا يتشدّدون في ممارسة هذه التقاليد وبذلك يتميّزون عن بقية القوم. وقد اتّهمهم السيد المسيح (سلامُهُ علينا) أنّه التزامهم بهذه الشرائع التي استنبطوها من التوراة جعلهم يزيغون عن مقاصد شرع الله (انظر مرقس 7: 1‏-13). مِمَّن كانوا مِن بَينَ المَبعوثِينَ: 25 “إن لم تَكُنِ المَسيحَ المُنتَظَرَ، ولا النّبيَّ إلياس، ولا حتّى النّبيَّ الّذي وَعَدَ بِهِ سَيِّدُنا موسى، فبأيِّ حقٍّ تَدعُو النَّاسَ إلى التَّطَهُّرِ بالماءِ؟!”* كان النبي يحيى (عليه السّلام) يدعو اليهود إلى التطهّر بالماء كما يتطهّر الوثنيّون عند دخولهم في الديانة اليهودية، وهذا اتّهام ضمني بأنهم -أي اليهود آنذاك- لا يطبّقون تعاليم دينهم لذا عليهم الابتداء من جديد والرجوع إلى الله. وكان هذا بمثابة صدمة كبيرة لليهود. 26 فأجابَهُم: “ها أنتُم ترَونَني أُطَهِّرُ النّاسَ بالماءِ، لكِن هُناكَ بَينَكُم مَن لا تَعرفونَهُ، 27 الآتي مِن بَعدي والّذي سيَكونُ لهُ شأنٌ عَظيمٌ حتّى إنّني لا أستَحِقُّ أن أكونَ عَبدَهُ وأفُكَّ رِباطَ حِذائِهِ”. كانت مُهمّة ربط الحذاء وغسل القدمَين من عمل العبيد. وكان العبد يحظى بشرف خدمة سيده خاصّة إذا كان سيده ذا شأن مرموق في المجتمع، وهنا يعترف النبي يحيى أنّه لا يستحقّ شرف خدمة السيد المسيح. 28 جَرَى كُلُّ هذا في قَريةِ بَيتِ عَنْيا في شَرقِ نَهرِ الأُردُنّ وقرية بيت عنيا تلك ليست بقرية بيت عنيا التي على سفح جبل الزيتون، والتي عاش فيها لعازر ومرثا ومريم أتباع سيدنا عيسى (سلامُهُ علينا). حَيثُ كانَ يَحيى (عليه السّلام) يُطَهِّرُ النّاسَ في ماءِ ذلِكَ النَّهر.
عيسى (سلامُهُ علينا) يحمل الفداء
29 وفي اليَومِ التّالي رأى النَّبيُّ يَحيى (عليه السّلام) سَيِّدَنا عيسى (سلامُهُ علينا) مُقبِلاً عليهِ فقالَ لِمَن حَولَهُ: “اُنظُروا، هوذا الذِّبحُ العَظيمُ المُرسَلُ مِن اللهِ ليُزيلَ عن البَشَرِ ذُنوبَهُم، 30 هوذا مَن حَدَّثتُكم عَنهُ عِندَما قلتُ: يَجيءُ مِن بَعدِي مَن هو أرفَعُ مِنّي شأنًا، فهو المَوجودُ قَبلي،§ كانت هناك علاقة قربى بين النبي يحيى (عليه السّلام) وسيدنا عيسى (سلامُهُ علينا). ولأن يحيى كان يكبر عيسى بستّة أشهر، فهذا كان يعني أنّه أرفع منه قدرًا في نظر الناس. إلاّ أنّ النبي يحيى يشير هنا إلى أنّ سيدنا عيسى يستحقّ أن يكون أرفع شأنًا منه لأنّه كلمة الله الأزلية الموجودة قبل ولادة النبي يحيى. 31 وإنّني لم أكُن أعرِفُ مَن سيَكونُ، ولكنَّ اللهَ أرسَلَنِي لِتَطهيرِ النّاسِ بالماءِ في انتِظارِ أن يَكشِفَ هويّتَهُ لي، حتّى أكشِفَها لِبَني يَعقوبَ”.* تقبّلُ الناس التطهّر على يد النبي يحيى دليلٌ على أنّهم مستعدّون للإيمان بالمسيح المنتظر الآتي من بعده. وعليهم أن يتوبوا عن خطاياهم وذنوبهم كشرط للتطهّر بالماء.
32 وتابَعَ النَّبيُّ يَحيى (عليه السّلام) شَهادتَهُ قائلاً: “رأيتُ هُبوطَ رُوحِ اللهِ مِنَ السّماءِ كحَمامةٍ لتَستقِرَّ على عِيسَى (سلامُهُ علينا)، 33 ولم أكُن أدري أنّ هذا الشَّخصَ هو المَسيحُ المُنقِذُ، إلاّ أنّ اللهَ الّذي أرسَلَني لِتَطهيرِ النّاسِ بالماءِ أوحَى إليّ: “عِندَما تَرى رُوحَ اللهِ تَنزِلُ على شَخصٍ وتَحِلُّ فيهِ، فاعلَم أنّهُ مَن سيُطَهِّرُ النّاسِ بِرُوحي المُقَدَّسة”. 34 وقد تَحَقّقتُ مِن ذلِكَ بنَفسي، لذا أشهَدُ أنّهُ صَفيّ اللهِ”. أشارت بعض المخطوطات القديمة إلى معنى صفيّ الله، بينما أشارت نصوص أخرى إلى المصطلح الذي تُرجم تاريخيّا بمصطلح “ابن الله”، ولكن يبدو أنّ القراءة الأصلية تشير إلى أنّه صفيّ الله.
أتباعه (سلامُهُ علينا) الأوّلون
35 وفي اليومِ الثّاني كانَ النَّبيُّ يَحيى (عليه السّلام) واقِفًا في المَكانَ ذاتِهِ مَعَ اثنينِ مِن أتباعِهِ، 36 فرأى سَيِّدَنا عيسى (سلامُهُ علينا) مارًّا فقالَ: “انظرُوا! هذا هو الذِّبحُ العَظيم!” 37 فسَمِعَ تابِعاهُ كَلامَهُ وسارا خَلفَ عِيسَى (سلامُهُ علينا)، 38 والتَفَتَ سَيِّدُنا عِيسَى (سلامُهُ علينا) ورآهُما يَقتفِيانِ أثرَهُ فسألَهُما: “ما خَطبُكُما؟” فأجاباهُ: “يا سَيِّدَنا، أخبِرنا أينَ تُقيمُ؟” 39 فأجابَهُما قائلاً: “تَعاليا واُنظُرا”. وهكذا فَعَلا، فعَرَفا مَكانَ إقامتِهِ (سلامُهُ علينا)، وقد كانَ الوَقتُ نَحوَ الرّابعةِ عَصرًا، وبَقِيا مَعَهُ في ذلِكَ اليومِ. 40 وكانَ أَنْدَرَاوس (وهو أخُ سمْعانَ بُطرس) أحَدَ التّابعَيْن اللّذَينِ كانا قد سَمِعا ما أخبَرَ بِهِ النَّبيُّ يَحيى (عليه السّلام)، وتَبِعَا سَيّدَنا عِيسَى (سلامُهُ علينا). 41 وراحَ أَندَرَاوس إلى أخيهِ بُطرُس ليُخبِرَهُ قائلاً: “لقد تَعَرَّفنا على المَسيحِ مُنقذِ قَومِنا!” 42 وأخَذَهُ إليهِ. وعِندَما وَصَلا إليهِ حَدَّقَ إلى بُطرُسَ وقالَ لهُ: “اسمُكَ سَمعانُ بنُ يوحَنّا، إلاّ أنّني سأدعُوكَ بُطرُسَ (أي صَخر)”. هذا اللقب هو “بطرس” باللغة اليونانية و”صفا” باللغة الآرامية ومعناه “صخر”.
43 وعَزَمَ سَيّدُنا عِيسَى (سلامُهُ علينا) في اليومِ التّالي على الذَّهابِ إلى مِنطقةِ الجَليل، فصادَفَ شَخصًا اسمُهُ فِيلِيبَ، فقالَ لهُ: “تَعالَ وكُن مِن أتباعي”. 44 وقد كانَ فيليبُ هذا مِن قَريةِ بَيتِ صَيدا، وهي قَريَةُ أندراوسَ وبُطرُسَ الصَّخر أيضًا. 45 ومَضى فِيليبُ فوَجَدَ نَثْنائِيل فأخبَرَهُ قائلاً: “قد تَعَرَّفنا بالمَسيحِ المُنتَظَرِ الّذي أخبَرَ عَنهُ النَّبيُّ موسى في التّوراةِ، وكذلِكَ الأنبياءُ في كُتُبِهِم، إنّهُ عِيسَى بنُ يوسف مِن قَريةِ النّاصرة.§ كانت هوية المولود الشرعية في الشرق تعتمد على الأب (وليس على الأم). وهذا دلالة على أنّ يوسف كان وليّ أمر سيدنا عيسى (سلامُهُ علينا). 46 “ فقالَ نَثْنائِيل: “أتَقولُ مِن النّاصِرة؟! وهل مِن شَيءٍ صالحٍ يأتي مِن النّاصِرة؟” فأجابَهُ فِيليبُ: “تَعالَ وانظُر”. 47 وعِندَما أقبلا على سَيِّدِنا عِيسَى (سلامُهُ علينا)، نَظَرَ إليهِ وقالَ: “حقًّا، هذا رَجُلٌ مِن بَني يَعقوبَ صادقٌ غَيرُ مُخَادِع”. 48 فقالَ نَثْنائِيل: “وكَيفَ عَرَفتَني؟!” فأجابَهُ (سلامُهُ علينا): “قد رَأيتُكَ جالسًا تَحتَ شَجَرةِ التِّينِ قَبلَ أن يَدعُوكَ فِيليبُ”. 49 فقالَ نَثنائيلُ: “أيا مَولانا، إنَّكَ حقًّا الابنُ الرُّوحيُّ للهِ، أنتَ المَلِكُ الّذي يَنتَظِرُهُ بَنو يَعقوبَ!” 50 فأجابَهُ (سلامُهُ علينا): “هل آمنتَ بي لمُجَرّدِ أن أخبَرتُكَ أنّني رأيتُكَ تَحتَ شَجَرةِ التِّينِ؟ سَوف تَشهَدُ ما هو أعظَمُ مِن ذلِكَ وأبهَى! 51 الحقَّ أقولُ لكُم، سترَونَ السَّماءَ في رُؤيا وقد انشَقَّت ومَلائكةَ اللهِ صاعدةٌ هابِطةٌ على سَيّدِ البَشَر”.* يشير سيدنا عيسى هنا (سلامُهُ علينا) إلى رؤيا للنبي يعقوب (عليه السّلام) رأى فيها سلّمًا يصل السماء بالأرض والملائكة صاعدين هابطين عليه. (التوراة، سفر التكوين 28: 12). لقب “سيد البشر” هو اللقب المفضّل الذي كان سيدنا عيسى يحبّ إطلاقه على نفسه. ولمزيد من المعلومات حول هذا اللقب، انظر فهرس المصطلحات في نهاية هذا الكتاب.

*الفصل الأوّل:13 كلمة “عيال” هنا كناية تعبّر عن اختيار الله لهؤلاء الأشخاص ليكونوا من ضمن أمّته، لكن ليس على أساس عنصري أو تناسلي.

الفصل الأوّل:14 إنّ كلمة “الابن الرّوحيّ له” هنا تعريب للمصطلح الذي يُترجم عادة بكلمة “ابنه”. ولكن لا علاقة لمعناه مطلقا في لغة الوحي اليونانية بعملية الإنجاب المألوفة. معاذ الله! بل هو لقب مجازي للملك المختار الذي يجب أن يكون من سلالة النبي داود، فهذا اللقب يشير إلى الصلة الحميمة بين الله والسيد المسيح، وعلى هذا الأساس وعلى أساس طاعته لله يمنح المسيح أتباعه الحق ليكونوا من أهل بيت الله. وهذا اللقب يعني أيضا أنّه المسيح المنتظر الذي يحكم المملكة الأبدية التي وعد الله بها عباده الصالحين. وهو كلمة الله التي ألقاها إلى مريم العذراء فأصبحت إنسانًا بقوّة روحه تعالى. وكلمة الله، حسب الإنجيل، هي صفة قائمة في ذاته تعالى. ومن هذا المنطلق نفهم السلطة التي يمتلكها السيد المسيح (سلامه علينا) على بيت الله وهي سلطة شبيهة بسلطة الابن البكر عند الناس.

الفصل الأوّل:19 وهم اللاّويون، أو رجال الدين المنحدرون من سلالة لاوي بن يعقوب (عليه السّلام)، الذين خصّهم الله بقيادة العبادة في الحرم الشريف وبخدمة الأحبار وضبط النظام في الحرم.

§الفصل الأوّل:20 “المسيح” وهو لقب يعني (الممسوح بالزيت) ويعني أيضًا (المختار). فقد كان الناس في زمن بني يعقوب يسكبون الزيت على رأس الرجل الذي كان مختارًا لخدمة الله ولخدمة أمّة بني يعقوب (بني إسرائيل). وعلى سبيل المثال كان الأحبارُ والملوك يُدهنون بالزّيت، وأيضا الأنبياء أحيانا. وورد في التوراة كما في كتب الأنبياء أنّ من يُدعى بالمسيح هو من يكون في الغالب الملك المختار من سلالة النبي داود (عليه السّلام). وجاء واضحًا في عدد من الأناشيد في الزبور (أو المزامير) حول ملك بني يعقوب أنه بصفته مختارا من الله أو “الابن الروحي لله”، سيكون مسؤولا عن إقامة عدالة الله وسلامه على الأرض. وهذا يعني إنصاف المقهورين والمظلومين، وخاصة الفقراء منهم. ولقد وعد الله النبي داود الملك أن يكون الملك من سلالته دائمًا. وكانت نهاية مملكة النبي داود وسلالته بتدمير مدينة القدس في عام 586 ق.م. وقد توقّع بنو يعقوب أن يستمرّ الله في وعده لهم بحفظ المملكة لسلالة داود من خلال جعل المسيح، وهو في نظرهم حفيد النبي داود، ملكا يقيم العدالة على الأرض إلى الأبد.

*الفصل الأوّل:21 والنبي إلياس (عليه السّلام) الذي عاش أكثر من 800 سنة ق.م. لم يمت بل رفعته إلى السماء زوبعة. وكان يعتبر نبيًا غائبًا سيعود من غيبته قبل ظهور المسيح المنتظر، وذلك بناءً على نبوءة أنبأ عنها النبي ملاكي (عليه السّلام).

الفصل الأوّل:21 تحدّث النبي موسى (عليه السّلام) في إحدى النبوءات عن نبي آتٍ من سلالة بني يعقوب سوف يتحدّث مثله بكلام الله (التوراة، سفر التثنية 18: 15‏-18). وكان اليهود منذ القدم يعتقدون أنّ ذلك إشارة لشخصٍ آتٍ قُبَيل قيام الساعة. ولكنّ السامريين كانوا يعتقدون بأنّ هذا النبي هو نفسه المسيح المنتظر.

الفصل الأوّل:23 كان النبي أشعيا (عليه السّلام) يدعو الناس ليهيِّئوا قلوبهم للعودة إلى الله، مقارنًا ذلك بما يفعله القرويُّون عندما يُهيِّئون الطريق لقدوم ملك كبير عليهم.

§الفصل الأوّل:24 كان المتشدِّدون (أي الفريسيون) جماعة من اليهود. ومعناها بالعبرية “المنفصلون” وكانوا يريدون تجديد الدين اليهودي وحمايته من خلال دفْع جميع أفراد الشعب اليهودي - وعلى نحو صارم- إلى اتّباعِ تقاليدَ استندت على شرائع التوراة خاصّة القوانين التي تتعلّق بيوم السّبت، والصيام، والتطهّر من الطعام النجس. وكانوا يتشدّدون في ممارسة هذه التقاليد وبذلك يتميّزون عن بقية القوم. وقد اتّهمهم السيد المسيح (سلامُهُ علينا) أنّه التزامهم بهذه الشرائع التي استنبطوها من التوراة جعلهم يزيغون عن مقاصد شرع الله (انظر مرقس 7: 1‏-13).

*الفصل الأوّل:25 كان النبي يحيى (عليه السّلام) يدعو اليهود إلى التطهّر بالماء كما يتطهّر الوثنيّون عند دخولهم في الديانة اليهودية، وهذا اتّهام ضمني بأنهم -أي اليهود آنذاك- لا يطبّقون تعاليم دينهم لذا عليهم الابتداء من جديد والرجوع إلى الله. وكان هذا بمثابة صدمة كبيرة لليهود.

الفصل الأوّل:27 كانت مُهمّة ربط الحذاء وغسل القدمَين من عمل العبيد. وكان العبد يحظى بشرف خدمة سيده خاصّة إذا كان سيده ذا شأن مرموق في المجتمع، وهنا يعترف النبي يحيى أنّه لا يستحقّ شرف خدمة السيد المسيح.

الفصل الأوّل:28 وقرية بيت عنيا تلك ليست بقرية بيت عنيا التي على سفح جبل الزيتون، والتي عاش فيها لعازر ومرثا ومريم أتباع سيدنا عيسى (سلامُهُ علينا).

§الفصل الأوّل:30 كانت هناك علاقة قربى بين النبي يحيى (عليه السّلام) وسيدنا عيسى (سلامُهُ علينا). ولأن يحيى كان يكبر عيسى بستّة أشهر، فهذا كان يعني أنّه أرفع منه قدرًا في نظر الناس. إلاّ أنّ النبي يحيى يشير هنا إلى أنّ سيدنا عيسى يستحقّ أن يكون أرفع شأنًا منه لأنّه كلمة الله الأزلية الموجودة قبل ولادة النبي يحيى.

*الفصل الأوّل:31 تقبّلُ الناس التطهّر على يد النبي يحيى دليلٌ على أنّهم مستعدّون للإيمان بالمسيح المنتظر الآتي من بعده. وعليهم أن يتوبوا عن خطاياهم وذنوبهم كشرط للتطهّر بالماء.

الفصل الأوّل:34 أشارت بعض المخطوطات القديمة إلى معنى صفيّ الله، بينما أشارت نصوص أخرى إلى المصطلح الذي تُرجم تاريخيّا بمصطلح “ابن الله”، ولكن يبدو أنّ القراءة الأصلية تشير إلى أنّه صفيّ الله.

الفصل الأوّل:42 هذا اللقب هو “بطرس” باللغة اليونانية و”صفا” باللغة الآرامية ومعناه “صخر”.

§الفصل الأوّل:45 كانت هوية المولود الشرعية في الشرق تعتمد على الأب (وليس على الأم). وهذا دلالة على أنّ يوسف كان وليّ أمر سيدنا عيسى (سلامُهُ علينا).

*الفصل الأوّل:51 يشير سيدنا عيسى هنا (سلامُهُ علينا) إلى رؤيا للنبي يعقوب (عليه السّلام) رأى فيها سلّمًا يصل السماء بالأرض والملائكة صاعدين هابطين عليه. (التوراة، سفر التكوين 28: 12). لقب “سيد البشر” هو اللقب المفضّل الذي كان سيدنا عيسى يحبّ إطلاقه على نفسه. ولمزيد من المعلومات حول هذا اللقب، انظر فهرس المصطلحات في نهاية هذا الكتاب.