الفصل الثّاني
يا أبنائِي الأعِزّاءَ، أكتُبُ إليكُم هذِهِ الأُمورَ حَتّى أحمِيَكُم مِن ارتِكابِ الخَطايا. فإن أذنَبَ أحَدُنا، فإنّ لنا عِندَ اللهِ الأبِ الرَّحيمِ شَفيعًا ألا وهُو عيسى المَسيحُ المُرتَضَى. إذ بِحَياتِهِ ضَحّى، حَتّى تُغفَرَ بها الذُّنُوبُ والخَطايا، ولا يَقتَصِرُ الغُفرانُ على ذُنوبِنا فقط، بل يَشمَلُ ذُنوبَ النّاسِ جَميعًا.
إذا عَمِلنا بِوَصاياهُ كُنّا على يَقينٍ أنّنا العارِفونَ بِاللهِ. ومَن قالَ: “إنِّي عارِفٌ بِاللهِ”، ثُمّ تَخَلّى عن وَصاياهُ، فهُو كاذِبٌ مُعرِضٌ عنِ الحَقِّ. وأمّا مَن عَمِلَ بِكَلامِ اللهِ، فقد تَجَلّت مَحَبّتُهُ للهِ كامِلةً أمامَ النّاسِ، وبِهذا فنَحنُ على يَقينٍ أنّنا نَعتَصِمُ بِهِ تَعالى. ومَن رأى أنّهُ راسِخٌ في إيمانِهِ، فعَليهِ أن يَسلُكَ في حَياتِهِ النَّهجَ الّذي سَلَكَهُ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا).
يا أحِبّائي، لَيسَ ما أذكُرُهُ لكُم الآنَ بِجَديدٍ عليكُم، وإنّما هُو أمرُ اللهِ القَديمُ أن تُحِبّوا بَعضَكُم بَعضًا. وما ذلِكَ عن عِلمِكُم بِبَعيدٍ، فلَقَد تَلَقّيتُموهُ مُنذُ البِدايةِ في كَلامِهِ المَجيدِ،* يشير الحواري يوحنّا هنا إلى الوصيّة التي وجّهها سيدنا عيسى إلى أتباعه. وقد ذكر هذه الوصية في الوحي الذي سجّله (13: 34)، وهي مبنيّة على الوصايا القديمة في التوراة “أحبّ جارك كما تحبّ نفسك” (سفر اللاويين 19: 18). وكانت وصية سيدنا عيسى تحمل تأكيدا مختلفا وهو محبّة الواحد للآخر، ومحبّة الجميع لبعضهم بعضا. وكانت تلك المحبّة بالنسبة إلى جماعة المؤمنين أمرا يميّزهم عن بقيّة أهل الدنيا (انظر يوحنّا 13: 35). غَيرَ أنّهُ أمسى بما سَمِعتُموهُ جَديدًا، حَيثُ عاشَ سَيِّدُنا (سلامُهُ علينا) حَقيقةَ هذِهِ المَحَبّةِ كَما تَعيشونَها الآنَ. لِذلِكَ بُدِّدَتِ الظُّلُماتُ تَبديدًا، مُذ أشرَقَ نورُ الحقِّ إشراقًا مَجيدًا.
إنّ الّذينَ يَدَّعونَ أنّهُم ثابِتونَ في نورِ اللهِ، ومَعَ ذلِكَ يُبغِضونَ إخوانَهُم المؤمنينَ، ما زالوا في ظُلُماتِ الشَّرِّ قابِعينَ. 10 أمّا الّذينَ يُحِبّونَ إخوانَهُم في اللهِ فإنّهُم يَسيرونَ في النّورِ، ولا ضَلالَ فيهِم. 11 وأمّا الّذينَ يَكرَهونَ إخوانَهُم، فإنِّهُم في سَوادِ شَرِّهِم تائِهونَ، يَتَلَمَّسونَ طَريقَهُم، ويَجهَلونَ وِجهَتَهُم، لأنّ الظّلامَ قد جَعَلَهُم عُميانًا لا يُبصِرونَ. قطع كلّ الذين غادروا الجماعة المؤمنة والذين كَتَبَ إليهم يوحنّا علاقتَهم مع المؤمنين، وهو ما يفسّر الإشارةَ هنا إلى أنّهم كانوا يَكرهونهم بدل الإشارة إلى محبّتهم لهم. وقد ورد في التوراة نهيٌ عن كراهية المؤمن لأخيه المؤمن (انظر سفر اللاويين 19: 17). 12‏-14 
 
يا أعزائي الآباءُ والأطفالُ والشُّبّانُ، يا مَن تَنتَمونَ إلى جَماعةِ الإيمانِ:
أُرسِلُ إليكُم رِسالتي، وأخُصُّ الشُّيوخَ مِنكُم، لأنّكُم بسَيّدِنا عيسى المَوجودِ مُنذُ البَدءِ عارِفونَ.
وأُخاطبُكُم أيُّها الأطفالُ، لأنّ اللهَ غَفَرَ ذُنوبَكُم بِفَضلِ السَّيّدِ المَسيحِ، والآنَ أنتُم للهِ الأبِ الرّحيمِ مُدرِكونَ.
وأكتُبُ إليكُم أيُّها الشُّبّانُ، لأنّ رِسالةَ اللهِ راسِخةٌ في قُلوبِكُم، وانتَصَرتُم على الشَّيطانِ. ربّما أشار الحواري يوحنّا، وهو يكتب عن “الآباء” و”الشبان” و“الأطفال”، إلى المراحل المختلفة في التدرّج الإيماني. وربّما كان يُوجِّه النصائح لمراحل عمرية مختلفة، مع تعاليم أخلاقية معيّنة لكلّ مرحلة، كما فعل كتّاب آخرون في زمنه. فالآباء رمز لأصحاب السلطة والهيبة. والأطفال رمزا للذين لا يملكون سلطةً ومكانتُهم متواضعة في مجتمعهم، ومن المفروض أن يتعلّم هؤلاء مِن الذين يفوقونهم سنّا، أمّا بالنسبة إلى الشبّان فكانوا في نظر الناس أقوياء أشدّاء.
 
15 لا تَتَهافَتوا على حُبِّ الدُّنيا ولا إلى حُبِّ مَتاعِها، إنّ الّذينَ يُحِبّونَ الدُّنيا لا يُحِبّونَ اللهَ الأبَ الرَّحمنَ الرَّحيمَ. 16 فما كُلُّ شَيء في الدُّنيا مِن عِندِ اللهِ الأبِ الرَّحيمِ، إنّ ما تُزيّنُهُ الشَّهَوات لِلَذّةِ الجَسَدِ، وما تَطمَعُ فيهِ العُيونُ، وما يَتَباهى بِهِ المُوسرونَ، لَيسَ ما يُريدُهُ لنا اللهُ الأبُ الرَّحيمُ، بل هو مِن الدُّنيا. 17 والدُّنيا وكُلُّ ما فيها مِن أهواءٍ زائِلةٌ، أمّا الّذينَ يَبتَغونَ مَرضاةَ اللهِ فَهُم الرّاسِخونَ إلى الأبَدِ.
18 يا أبنائي الأعِزّاء، لقد اقتَرَبَت السّاعةُ. وكَما كُنتُم تَسمَعونَ، سيَظهَرُ الدّجّالُ في آخِرِ أيّامِ هذِهِ الدُّنيا، وهُو عَدُوُّ السَّيّدِ المَسيحِ، ولقد ظَهَرَ في الحَقيقةِ في زَمَنِنا هذا عَدَدٌ كَبيرٌ مِن الدَّجّالينَ لِيُقاوِموا سَيِّدَنا المَسيحَ. وبِهذا نَعلَمُ أنّهُ قد قَرُبَت السّاعةُ.§ ربّما كان قرّاء هذه الرسالة على وعي بقدوم العدوِّ الكبير، قبل تجلّي المسيح ملِكا، وهذا العدوّ يُطلَق عليه هنا اسم “الدجّال”. وسُمّي بـ”رجل المعصية” في رسالة تسالونكي الثانية 2: 3، وفي كلّ الأحوال يطلق لقب الدجّال على العديد من الناس الذين سيظهرون قَبلَ تجلّي السيد المسيح (سلامه علينا)، كما جاء في هذه الرسالة وفي رسالة يوحنّا الثانية. 19 إنّ هؤلاءِ الّذينَ يَنبُذونَ السَّيِّدَ المَسيحَ (سلامُهُ علينا) كانوا فيما مَضى يُسايِرونَ جَماعاتِ المؤمنينَ في إيمانِهِم، ولكِنّهُم لم يَنتَموا إلينا، لِذلِكَ تَرَكونا. فلَوْ كانَ انتِماؤهُم سَليمًا، ما ابتَعَدُوا عَنّا، فبِخُروجِهِم عنّا أكّدوا أنّهُم لم يَنتَموا إلينا يَومًا.
20 أمّا أنتُم يا أحبابي، فإنّكُم تَختَلِفونَ عَنهُم، إذ حَلَّ فيكُم فَيضُ رُوحِ اللهِ القُدّوسِ، وكُلُّكُم بِالحَقِّ عالِمونَ.* تشير عبارة “روح الله” هنا إلى الذّات الإلهية المقدّسة وهي ليست لقبا للسيد المسيح (سلامه علينا). 21 إنِّي بَعَثتُ إليكُم هذِهِ الرِّسالةَ، لا لأنّكُم تَجهَلونَ الحقَّ، بل لأنّكُم تُمَيِّزونَ بَينَ الحقِّ والكَذِبِ. 22 ومَن هُو الكَذّابُ؟ إنّهُ بِالتّأكيدِ مَن يُنكِرُ أنّ سَيّدَنا عيسى (سلامُهُ علينا) هُو المَسيحُ المُنتَظَرُ. إنَّ عَدوَّ السَّيّدِ المَسيحِ مَن يَرفُضُ اللهَ الأبَ الرَّحمنَ، والابنَ الرُّوحيَّ لهُ تَعالى. ربّما أنكرَ بعض أتباع السيد المسيح مِن بني يعقوب حقيقَتَه (سلامه علينا) باعتباره المسيح الملك المنتظَرَ، والسبيلَ الوحيد إلى الله، حتّى يُسْمَحَ لهم بالبقاء في الكنيس اليهودي. وبهذه الطريقة لا يُطلب منهم تقديمُ البخور كشكل من أشكال العبادة للقيصر. وكلّ يهودي يَتمُّ طرده من الكنيس لا بدّ أن يُواجِه التهديدَ بالاضطهاد والمضايقة بسبب إخفاقه في عبادة القيصر، ومن المتوقّع أن يحثّ مُدَّعُو النبوّة الناسَ على هذه العبادة (انظر هذه الرسالة 4: 1 – 6). 23 فَإنّ الَّذينَ يَرفُضونَ المَسيحَ الابنَ الرُّوحيّ، يَرفُضونَ اللهَ الأبَ الرَّحيمَ. والّذينَ يُبايعونَ الابنَ الرُّوحيّ، يُبايعونَ اللهَ الأبَ الرَّحيمَ أيضًا.
24 أمّا أنتُم، فَكُونوا مُخلِصينَ، راسِخينَ في الإيمانِ بِالبَلاغِ الّذي سَمِعتُموهُ مُنذُ البِدايةِ. فإن فَعَلتُم ذلِك، كُنتُم ثابِتينَ في الإيمانِ بِاللهِ الأبِ الرَّحيمِ وبالمَسيحِ الابنِ الرُّوحيّ له تَعالى، 25 راسِخين في الرِّسالةِ الّتي بَلَّغَنا إيّاها. وهذا وَعدُ اللهِ لنا بمَنحِنا دارِ البَقاءِ.
26 إنّي أكتُبُ إليكُم هذا حَتّى أُحَذِّرَكُم مِن الّذينَ يَسعَونَ إلى تَضليلِكُم. 27 ولكِنِّي واثِقٌ أنّكُم لن تَضِلّوا أبَدًا، لأنّ فَيضَ رُوحِ اللهِ حَلَّ فيكُم مَدَدًا. فلا حاجةَ بِكُم إلى النّاسِ حَتّى يَهدوكُم رَشدًا، فهي تَهدِيكم رُشدًا. وإنّكُم تَهتَدونَ بها إلى الحَقِّ لا إلى الكَذِبِ. فاثْبُتوا على إِيمانِكُم بِالسَّيّدِ المَسيحِ حَسَبَ إرشادِ رُوحِ اللهِ. ادّعى المعلِّمون من العرفانيين أنّ تعاليم الحواريين غيرُ كافية، وأنّ المؤمنين يحتاجون أيضا إلى اتّباع “المعرفة العليا” التي ادّعَوْا امتلاكها. ورفض الحواري يوحنّا هذه الادّعاءات واعتبر أنّ توجيه روح الله للمؤمنين من خلال الحواريين هو الحقيقة الوحيدة.
أهل بيت الله
28 نعم يا أولادي الأعِزّاءَ، اثبُتُوا على إِيمانِكُم، حَتّى إذا تَجَلَّى السَّيّدُ المَسيحُ بَينَنا نَكونُ على ثِقةٍ أنّهُ سيَتَقَبّلُنا، ولنَ نكونَ حينَ يأتي مَلِكًا في خِزيِ البُعدِ عنهُ أذِلاّءَ. 29 إنّكُم لتَعلَمونَ أنّ السَّيِّدَ المَسيحَ يُرضي اللهَ حَقَّ الرِّضى، فاعلَموا أيضًا أنّ كُلَّ مَن يُرضي اللهَ يَكونُ مِن أهلِ بَيتِهِ.

*الفصل الثّاني:7 يشير الحواري يوحنّا هنا إلى الوصيّة التي وجّهها سيدنا عيسى إلى أتباعه. وقد ذكر هذه الوصية في الوحي الذي سجّله (13: 34)، وهي مبنيّة على الوصايا القديمة في التوراة “أحبّ جارك كما تحبّ نفسك” (سفر اللاويين 19: 18). وكانت وصية سيدنا عيسى تحمل تأكيدا مختلفا وهو محبّة الواحد للآخر، ومحبّة الجميع لبعضهم بعضا. وكانت تلك المحبّة بالنسبة إلى جماعة المؤمنين أمرا يميّزهم عن بقيّة أهل الدنيا (انظر يوحنّا 13: 35).

الفصل الثّاني:11 قطع كلّ الذين غادروا الجماعة المؤمنة والذين كَتَبَ إليهم يوحنّا علاقتَهم مع المؤمنين، وهو ما يفسّر الإشارةَ هنا إلى أنّهم كانوا يَكرهونهم بدل الإشارة إلى محبّتهم لهم. وقد ورد في التوراة نهيٌ عن كراهية المؤمن لأخيه المؤمن (انظر سفر اللاويين 19: 17).

الفصل الثّاني:12‏-14 ربّما أشار الحواري يوحنّا، وهو يكتب عن “الآباء” و”الشبان” و“الأطفال”، إلى المراحل المختلفة في التدرّج الإيماني. وربّما كان يُوجِّه النصائح لمراحل عمرية مختلفة، مع تعاليم أخلاقية معيّنة لكلّ مرحلة، كما فعل كتّاب آخرون في زمنه. فالآباء رمز لأصحاب السلطة والهيبة. والأطفال رمزا للذين لا يملكون سلطةً ومكانتُهم متواضعة في مجتمعهم، ومن المفروض أن يتعلّم هؤلاء مِن الذين يفوقونهم سنّا، أمّا بالنسبة إلى الشبّان فكانوا في نظر الناس أقوياء أشدّاء.

§الفصل الثّاني:18 ربّما كان قرّاء هذه الرسالة على وعي بقدوم العدوِّ الكبير، قبل تجلّي المسيح ملِكا، وهذا العدوّ يُطلَق عليه هنا اسم “الدجّال”. وسُمّي بـ”رجل المعصية” في رسالة تسالونكي الثانية 2: 3، وفي كلّ الأحوال يطلق لقب الدجّال على العديد من الناس الذين سيظهرون قَبلَ تجلّي السيد المسيح (سلامه علينا)، كما جاء في هذه الرسالة وفي رسالة يوحنّا الثانية.

*الفصل الثّاني:20 تشير عبارة “روح الله” هنا إلى الذّات الإلهية المقدّسة وهي ليست لقبا للسيد المسيح (سلامه علينا).

الفصل الثّاني:22 ربّما أنكرَ بعض أتباع السيد المسيح مِن بني يعقوب حقيقَتَه (سلامه علينا) باعتباره المسيح الملك المنتظَرَ، والسبيلَ الوحيد إلى الله، حتّى يُسْمَحَ لهم بالبقاء في الكنيس اليهودي. وبهذه الطريقة لا يُطلب منهم تقديمُ البخور كشكل من أشكال العبادة للقيصر. وكلّ يهودي يَتمُّ طرده من الكنيس لا بدّ أن يُواجِه التهديدَ بالاضطهاد والمضايقة بسبب إخفاقه في عبادة القيصر، ومن المتوقّع أن يحثّ مُدَّعُو النبوّة الناسَ على هذه العبادة (انظر هذه الرسالة 4: 1 – 6).

الفصل الثّاني:27 ادّعى المعلِّمون من العرفانيين أنّ تعاليم الحواريين غيرُ كافية، وأنّ المؤمنين يحتاجون أيضا إلى اتّباع “المعرفة العليا” التي ادّعَوْا امتلاكها. ورفض الحواري يوحنّا هذه الادّعاءات واعتبر أنّ توجيه روح الله للمؤمنين من خلال الحواريين هو الحقيقة الوحيدة.