الفصل السّابع
بقاء المؤمن على وضعه الاجتماعي
وأمّا بخُصوصِ سؤالِكُم عن أُمورٍ تَشابَهَتْ عليكُم فكَتَبتُم أنّهُ “خَيرٌ للرَّجُلِ ألاّ يُعاشِرَ زَوجتَهُ”. ولكن أنّى للنّاسِ أن يُمسِكوا إرْبَهُم، فليَكُنْ لكُلِّ رَجلٍ زَوجتُهُ، ولكُلِّ امرأةٍ زَوجُها.* كان العهر الجنسي منتشرًا في كورنتوس. وفي زمنٍ ما كان معبد الإلهة أفروديت يضمّ ألف كاهنة يشتغلن مومسات. وليُوفِ كُلٌّ مِنهُما حقَّ زوجِهِ، فقد وَهَبَتِ المَرأةُ جَسَدَها لزَوجِها، وكذلِكَ وَهَبَ الرَّجُلُ جَسَدَهُ لزَوجتِهِ. فلا يَتَهاجَرِ الزَّوجانِ في الفِراشِ إلاّ عن اتِّفاقٍ ولفَترةٍ مَحدودةٍ، وذلِكَ قَصدَ الانقِطاعِ إلى الصَّلاةِ، وبَعدَ الفَراغِ مِن العِبادةِ عليكُم أن تَرجِعوا إلى المُعاشَرةِ الزَّوجيَّةِ، حتّى لا يوقِعَ الشَّيطانُ بَينَ الزَّوجينِ، بسَبَبِ عَدمِ قُدرتِكُم على ضَبطِ أنفُسِكُم. وما هذا مِنّي إليكُم بالأمرِ المَرسومِ، بل هو اقتِراحٌ لَستُم مُلزَمينَ بِهِ. وإنّي أتَمَنَّى لو أنّ جَميعَ النّاسِ مِثلي، لا تَتَسَلَّطُ عليهِم الرَّغبةُ في المُعاشَرةِ الجِنسيّةِ. ولكن هذا لا يَنطَبِقُ على الجَميعِ، فلكُلِّ إنسانٍ كَرامةٌ مِن اللهِ يَتَمَيَّزُ بها عن الآخرِ. تستدعي كلمات بولس هنا كلمات سيدنا عيسى في الإنجيل (متّى، 19: 10‏-12).
وليَعلَمِ الأرامِلُ مِن الرِّجالِ والنِّساءِ وكُلُّ الّذينَ لم يَبقَوا مُتَزَوِّجينَ أنّهُ خَيرٌ لهُم أَن يَعزِفوا مِثلي عن الزَّواجِ. فإن لم يَضبُطوا أنفُسَهُم فليَتَزَوَّجوا، إنّ الزَّواجَ خَيرٌ مِن التَّحَرُّقِ بالشَّهوةِ. يوجّه الحواري بولس للأرامل اللواتي لم يبلغن سنّ الستّين سنة نصيحة مماثلة لما ورد هنا، وذلك في رسالته الأولى إلى تيموتاوي، 5: 14. 10 أمّا المُتَزَوِّجونَ، فعليهِم الاقتِداءُ بكَلامِ سَيِّدِنا المَسيحِ لا بكَلامي أنا: لا تَترُكِ المَرأةُ زَوجَها،§ توجد بعض تعاليم سيدنا عيسى (سلامه علينا) بشأن الانفصال والطلاق بين الزوجين في الإنجيل: انظر متّى 5: 31‏-32، 19: 3‏-9، ومرقس، 10: 2‏-12، ولوقا، 16: 18. 11 وإن تَرَكَتْهُ فلِتَبقَ دونَ زَوجٍ أو فلتُصالِح زَوجَها، وعلى الرَّجُلِ أيضًا ألاَّ يُطَلِّقَ زَوجتَهُ.
12 أمّا فيما يَخُصُّ المؤمنينَ الّذينَ لم يؤمِن أزواجُهُم بَعدُ، فلم تَصِلْني تَعاليمُ بخُصوصِهِم مِن سَيِّدِنا عيسى. ولكنّي أقولُ لكُم: لا يُطَلِّقِ الأخُ المؤمنُ غَيرَ المؤمنةِ إن رَضِيَتْ أن تَعيشَ مَعَهُ. 13 ولا تُطَلِّقُ المؤمنةُ غَيرَ المؤمنِ إن رَضيَ أن يَعيشَ مَعَها. 14 فغَيرُ المؤمنِ مِن الرِّجالِ يُشرِقُ عليهِ نورُ إيمانِ زَوجتِهِ، وغَيرُ المؤمنةِ يُشرِقُ عليها نورُ إيمانِ زَوجِها، كذلِكَ أبناءُ هذِهِ الرِّابِطةِ الزَّوجيَّةِ لا يَكونونَ نَجِسينَ أو مَرفوضينَ، لأنّهُم يَحظَوْنَ بقَبسٍ مِن نورِ اللهِ.* يستنكر بولس هنا الاعتقاد السائد الذي يرى أنه إذا كان المؤمن (أو المؤمنة) متزوجا من غير المؤمن، فإن المؤمن يصبح نتيجة هذا الزواج نجسا أو مرفوضا عند الله. 15 أمّا إذا رَفَضَ غَيرُ المؤمنِ مِن الزَّوجينِ أن يَحيا مَعَ المؤمنِ وسَعى إلى الانفِصالِ، فالمؤمنُ غَيرَ مُقَيَّدٍ في هذِهِ الحالةِ. فاللهُ دَعانا لنَعيشَ في سَلامٍ. 16 واذكُرْنَ، أيَّتُها الزَّوجاتُ المؤمناتُ، أنّ أزواجَكُنَّ غَيرَ المؤمنينَ قد يَهتَدونَ بفَضلِكُنَّ، وهكذا يَفوزونَ بالنّجاةِ. واذكُروا أيُّها الأزواجُ المؤمنونَ، فلرُبَّما تَكونونَ سَبَبَ نَجاةِ زَوجاتِكُم.
17 ولكن اعلَموا، أحبابي، أنّهُ على كُلِّ مؤمنٍ أن يَبقى على وَضعِهِ الّذي كانَ عليهِ حينَ استَجابَ لدَعوةِ اللهِ. هذا هو المَبدَأُ الّذي أوصِي بِهِ كُلَّ جَماعاتِ المؤمنينَ. 18 فإنِ اهتَدَى فيكُم يَهوديٌّ مَختونٌ إلى الإيمانِ، فلا يُحاوِلْ أن يُزيلَ عَلامةَ خِتانِهِ. وإذا اهتَدَى مَن كانَ غَيرَ مَختونٍ إلى الإيمانِ فلا يَختَتِنْ فيَتَهَوَّدَ. كان الختان في زمن بولس عبارة عن قطع جزء بسيط من القُلفة، وليس إزالة كاملة للقلفة كما هو الختان في العصر الحديث. لذلك كان من الممكن إعادة القلفة إلى مكانها عبر إجراء عملية جراحية. فقد كان بعض اليهود المختونين يحاولون أن يُزيلوا بهذه العملية علامة الختان، كي ينسجموا مع المجتمعات غير اليهودية. ومن ناحية أخرى وُجِد بعضٌ من غير اليهود الذين آمنوا بسيدنا عيسى وقيل لهم عن خطأ إن عليهم أن يختتنوا، ليتمّ قبولهم كمؤمنين. ولكنّ بولس يبيّن أنّه لا حاجة للختان من عدمه لقبول المؤمنين عند الله. 19 فلا فَرقَ إذن بَينَ يَهوديٍّ وغَيرِ يَهوديٍّ، إلا بطاعةِ وَصايا اللهِ. 20 نعم، ليَبقَ كُلٌّ على حالِهِ لَحظةَ استِجابتِهِ لدَعوتِهِ تَعالى. 21 فإذا كانَ حِينَذاكَ عَبدًا مَملوكًا، فلا ضَيرَ، ولكن إذا سَنَحَت لهُ فُرصةٌ للتَّحَرُّرِ فلْيَغتِنمْها، إنّ ذلِكَ خَيرٌ. 22 إنّ المؤمنينَ الّذينَ كانوا عَبيدًا يُصبِحونَ أحرارًا للهِ، والّذينَ آمَنوا وهُم أحرارٌ يَصيرونَ عَبيدًا لسَيِّدِنا المَسيحِ. 23 لقد أعتَقَ اللهُ نُفوسَكُم بثَمَنٍ باهِظٍ، فلا تَكونوا عَبيدًا لِلبَشَرِ. 24 لذا يا إخوَتي في الإيمانِ، على كُلِّ واحِدٍ مِنكُم أن يَكونَ على وَضعِهِ حينَ أصبَحَ مِن المُهتَدين.
25 أمّا بخُصوصِ إخوانِنا الخاطبين، فأنا لا أملِكُ وَصيَّةً مُباشِرةً مِن سَيِّدِنا عيسى لأوصي بها، ولكنّي سأنصَحُكُم بما أراهُ مُناسِبًا، لأنّ سَيِّدَنا برَحمتِهِ مَنَحَ لي حِكمةً ويُمكنُكُم أن تَثِقوا بها. 26 فبسَبَبِ ما يواجِهُهُ المؤمنونَ الآن مِن ضِيقٍ، “الضيق” الذي يشير إليه بولس يعني على الأرجح، الاضطراب الذي وقع في مدينة كورنتوس بسبب أزمات النقص في الحبوب. وتوجد شواهد تؤكّد حصول نقص في الحبوب في كورنتوس ثلاث مرات خلال الفترة التي تزامنت مع كتابة هذه الرسالة. أعتَقِدُ أنّهُ مِن الخَيرِ أن يَبقى كُلٌّ على حالِهِ. 27 فمَن كانَ خاطِبًا لبِنتٍ، فليُبقِ على ما بَينَهُما مِن عُهودٍ، ومَن كانَ أعزَبَ فلا يُحاوِلْ أن يَتَزَوَّجَ الآن. 28 ولكنّهُ إن تَزَوَّجَ لا يَعني أنّهُ ارتَكَبَ خَطيئةً. ولا تَقَعُ الفَتاةُ في خَطإ إن تَزَوَّجَت، ولكنّ المُتَزَوِّجينَ يُلاقونَ في هذا الزَّمنِ مَصاعِبَ وإنّي أُريدُ أن أحمِيَكم مِنها.
29 إخوَتي في الإيمانِ، لم يَعُدْ لَدَيكُم كَثيرٌ مِن الوَقتِ لأنّهُ يَبدو أنّ أزمةً ستَحُلُّ بكُم. فبالنِّسبةِ إلى المُتَزَوِّجينَ، فليَكُنْ تَركيزُهُم على ما يُرضي سَيِّدَنا عيسى لا على زَوجاتِهِم فقط، 30 وأمّا الحَزانى مِنكُم، فعليهِم أن يُرَكِّزوا على إرضاءِ سَيِّدِنا لا على آهاتِهِم، وعلى الفَرِحينَ أن يُرَكِّزوا على إرضاءِ سَيِّدِنا لا على بَهجَتِهِم، وبالنِّسبةِ إلى المُشتَرينَ، عليهِم أن يَهتَمّوا بسَيِّدِنا المَسيحِ لا بمُمتَلَكاتِهِم. 31 وعلى الّذينَ يَستَعمِلونَ أُمورَ هذِهِ الدُّنيا أن يَستَفيدوا مِنها ولا يَنهَمِكوا فيها، إنّ هذِهِ الدُّنيا زائلةٌ وكُلُّ ما فيها زائلٌ.
32 أحبَّتي، أُريدُ أن أُخَفِّفَ مِن هُمومِكُم، فإنّ غَيرَ المُتَزَوِّجِ يَهتَمُّ بأُمورِ سَيِّدِنا عيسى، ويَسعى إلى إرضائِهِ، 33 أمّا المُتَزَوِّجونَ فعليهِم أن يَهتَمّوا بمَسؤوليّاتِهِم في الدُّنيا، بما في ذلِكَ إرضاؤُهُم لزَوجاتِهِم، 34 فاهتِماماتُهُم مُنقَسِمةٌ. ويُمكِنُ للعَزباءِ أو المَخطوبةِ العَذراءِ أن تَهتَمَّ بأُمورِ سَيِّدِنا عيسى، فتُكَرِّسَ جِسمَها ورُوحَها لهُ (سلامُهُ علينا). أمّا المُتَزَوِّجةُ فلا بُدَّ أن تَهتَمَّ بمَسؤوليّاتِها الدُّنيويَّةِ، بما في ذلِكَ إرضاءُ زَوجِها. 35 وما قَولي هذا إلاّ لصالِحِكُم، وما أبتَغي أن أُقَيِّدَ بِهِ الحُرِّيّاتِ، ولكنَّ رَغبَتي هي أن أشرَحَ لكُم كَيفَ يُمكِنُكُم أن تَعيشوا حَياةً كَريمةً وأن تَخدِموا سَيِّدَنا عيسى دونَ ارتِباكٍ. 36 فإن رأى أحَدُكُم، كَما كَتَبتُم لي، أنّهُ يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفًا غَيرَ لائقٍ مَعَ خَطيبتِهِ، وأنّهُ لا يَستَطيعُ أن يَكبَحَ شَهَواتِهِ فليَتَزَوَّجْها إذن، وهو في ذلِكَ لَيسَ بخَطَّاءٍ. نعم، فليَتَزَوَّجا، إنّ في ذلِكَ قَرارًا سَليمًا. 37 وأمّا مَن رَأى أن لا يَقتَرِنَ بخَطيبتِهِ العَذراءِ، وأنّهُ يُسَيطِرُ على شَهوتِهِ، وأنّهُ لا داعي أن يَتَزَوَّجَ خَطيبتَهُ في الحينِ، فليَكُنْ لهُ ذلِكَ، لأنّهُ حَسَنًا يَفعَلُ. 38 فمَن اختارَ مِنكُم الزَّواجَ الآنَ، فصَوابًا يَفعَلُ، ونَظَرًا إلى الضّيقِ الحالي، فإنّهُ مَن أجَّلَ زَواجَهُ يَكونُ قد اختارَ الطَّريقَ الأفضَلَ.
39 وعلى الزَّوجةِ أن تَبقى على عَهدِها لزَوجِها ما دامَ حيًّا، فإن ماتَ زَوجُها صارَ بإمكانِها أن تَتَزَوَّجَ مَرّةً أُخرى مَن تُريدُ، شَرطَ أن تَتَزَوَّجَ مِن مؤمنٍ بسَيِّدِنا فقط. 40 وإنّي أرى أنّها تَكونُ أكثَرَ سَعادةً إن بَقِيَتْ حُرَّةً مِن القُيودِ. أحِبَّتي، هذِهِ وَصايايَ وَفقًا لِما فَهِمتُهُ مِن رُوحِ اللهِ.

*الفصل السّابع:2 كان العهر الجنسي منتشرًا في كورنتوس. وفي زمنٍ ما كان معبد الإلهة أفروديت يضمّ ألف كاهنة يشتغلن مومسات.

الفصل السّابع:7 تستدعي كلمات بولس هنا كلمات سيدنا عيسى في الإنجيل (متّى، 19: 10‏-12).

الفصل السّابع:9 يوجّه الحواري بولس للأرامل اللواتي لم يبلغن سنّ الستّين سنة نصيحة مماثلة لما ورد هنا، وذلك في رسالته الأولى إلى تيموتاوي، 5: 14.

§الفصل السّابع:10 توجد بعض تعاليم سيدنا عيسى (سلامه علينا) بشأن الانفصال والطلاق بين الزوجين في الإنجيل: انظر متّى 5: 31‏-32، 19: 3‏-9، ومرقس، 10: 2‏-12، ولوقا، 16: 18.

*الفصل السّابع:14 يستنكر بولس هنا الاعتقاد السائد الذي يرى أنه إذا كان المؤمن (أو المؤمنة) متزوجا من غير المؤمن، فإن المؤمن يصبح نتيجة هذا الزواج نجسا أو مرفوضا عند الله.

الفصل السّابع:18 كان الختان في زمن بولس عبارة عن قطع جزء بسيط من القُلفة، وليس إزالة كاملة للقلفة كما هو الختان في العصر الحديث. لذلك كان من الممكن إعادة القلفة إلى مكانها عبر إجراء عملية جراحية. فقد كان بعض اليهود المختونين يحاولون أن يُزيلوا بهذه العملية علامة الختان، كي ينسجموا مع المجتمعات غير اليهودية. ومن ناحية أخرى وُجِد بعضٌ من غير اليهود الذين آمنوا بسيدنا عيسى وقيل لهم عن خطأ إن عليهم أن يختتنوا، ليتمّ قبولهم كمؤمنين. ولكنّ بولس يبيّن أنّه لا حاجة للختان من عدمه لقبول المؤمنين عند الله.

الفصل السّابع:26 “الضيق” الذي يشير إليه بولس يعني على الأرجح، الاضطراب الذي وقع في مدينة كورنتوس بسبب أزمات النقص في الحبوب. وتوجد شواهد تؤكّد حصول نقص في الحبوب في كورنتوس ثلاث مرات خلال الفترة التي تزامنت مع كتابة هذه الرسالة.