الفصل الثّامن
لا تأكلوا الذّبائح في معابد الوثنيين
وأمّا بخُصوصِ ما كَتَبتُموهُ لي في رِسالتِكُم، فقُلتُم: “إن أكَلنا في مَعابِدِ الوَثنيِّينَ لُحومًا أُهِلَّتْ لغَيرِ اللهِ،* كانت الحيوانات تذبح في كورنتوس بشكل منتظم خلال العبادات الوثنية التي كانت تُقَام في المعابد. وكان بعض هذا اللحم يُستهلك خلال تلك العبادات بينما يباع الباقي في أسواق كورنتوس، فكانت أغلب اللحوم الموجودة في الأسواق مصدرها الحيوانات التي ذُبحت في المعابد. وقد كتب مؤمنو كورنتوس إلى الحواري بولس يسألونه هل يجوز لهم المشاركة في الأكل خلال تلك الشعائر الوثنية (8: 4‏)، وهل يجوز لهم أيضًا أكل اللحم الذي يذبح في المعابد ويُباع في الأسواق (10: 25‏-27). فلا ضَرَرَ يُصيبُنا، فنَحنُ أهلُ العِلمِ اللّدُنّيِّ الغَيبيِّ”. لكن ما أكثَرَ المُتَكَبِّرينَ المُفتَخِرينَ بمَعرِفتِهِم! أمّا المُحِبّونَ لإخوانِهِم، فهَمُّهُم هِدايتُهُم وتَرسيخُ الإيمانِ في قُلوبِهِم. إنّ أدعياءَ المَعرِفةِ أكثَرُهُم جاهِلونَ، أمّا المُحِبّونَ لإخوانِهِم، فهُم أهلُ العِلمِ لا رَيبَ.
ولقد كَتَبتُم: “نَحنُ نَعلَمُ أنّ الأصنامَ آلِهةٌ مُزَيَّفةٌ يَنحَرونَ لها، وأنّهُ لا إلهَ إلاّ اللهُ، فأيُّ ضَرَرٍ يُصيبُنا إن أكَلْنا لَحمًا في مَعبَدِ الوَثنيِّينَ؟” وإنّ الوَثنيِّينَ لَواهِمونَ، إذ تَتَكاثَرُ عِندَهُم الآلِهةُ والأسيادُ في السَّماءِ والأرضِ، أمّا نَحنُ فنَشهَدُ أن لا إلهَ إلاّ اللهُ الأبُ الرَّحمنُ الرَّحيمُ، خالِقُ كُلِّ شَيءٍ، لأجلِهِ نَحيا أجمَعينَ. ونَشهَدُ أن لا سَيِّدَ لنا إلاّ سَيِّدُنا عيسى المَسيحِ الّذي بِهِ خَلَقَ اللهُ العالَمينَ، ولنا بِهِ الخُلودُ في جِوارِهِ. لأنّ الله هو ربّ كلّ شيء وخالق كل شيء بما في ذلك الطعام، فإنّ ما تمّ تقديمه من طعام للأوثان لا يمكنه أن يؤثّر روحيا على أتباع السيد المسيح.
نَحنُ نَعي هذِهِ الحَقيقةَ، ولكنَّ بَعضَ المؤمنينَ لَيسوا واعينَ مِثلَنا، وهُم تَعَوَّدوا على وَهمِ أُلوهيَّةِ الأصنامِ، وهُم إلى الآنَ عِندَما يأكُلونَ مِن ذلِكَ اللَّحمِ يَشعُرونَ أنّهُم شُرَكاءُ في عِبادةِ الأصنامِ. وهُم عاجِزونَ عن التَّمييزِ أنّ هذا اللَّحمَ لَحمٌ لا غَيرَ، لأنّهُم لم يَتَيَقَّنوا بَعدُ أنّ الأوثانَ باطِلٌ، فإن خالَفوا ما أمَرَهُم بِهِ ضَميرُهُم ارتَدّوا عن إيمانِهِم وشَعُروا أنّهُم يَتَنَجَّسونَ. إنّ ما تَقولونَهُ صَحيحٌ، إذ تَقولونَ: “لا يُقَرِّبُنا الطَّعامُ إلى اللهِ. فإن رَفَضنا أن نأكُلَ، ما كُنّا خاسِرينَ، وإن أكَلنا، لم نَكسِبْ أيَّ شَيءٍ”. هذا ما تَقولونَ، ولكن انتَبِهوا أحِبَّتي إلى الآخرينَ، حتّى لا يَكونَ امتِيازُ انضِمامِكُم إلى وَلائمِ الوَثنيِّينَ سَبَبَ تَضليلِ المؤمنينَ الّذينَ يَعجِزونَ عن التَّمييزِ. يشير بولس هنا على الأرجح إلى بعض مؤمني كورنتوس الأغنياء الذين كانوا يتمتّعون بوضع اجتماعي متميز يؤهّلهم لحضور ولائم خاصة بما في ذلك الولائم الوثنية وكانت هذه الولائم تقتصر على وجهاء المدينة فقط. ولم يرغب هؤلاء الأغنياء في التخلي عن هذه الامتيازات الاجتماعية المرموقة. 10 إنّكُم قُدوَتُهُم مِن بَينِ العالَمينَ، أنتُم أصحابُ المَعرِفةِ بأنّ هذا اللَّحمَ لا يَضُرُّ. فإن رآكُم أحَدُهُم تَجلِسونَ وتأكُلونَ لَحمًا في مَعبَدٍ وَثنيٍّ، فإنّهُ قد يَغفُل عن الدَّوافِعِ وَراءَ عَمَلِكُم، فيَتَشَجَّعُ ويَقتَدي بكُم ويُخالِفُ تَبكيتَ ضَميرِهِ ويُقبِلُ على ذلِكَ الطَّعامِ فيَعتَبِرُ نَفسَهُ مُشْرِكًا!§ ربّما تمّت دعوة بعض مؤمني كورنتوس إلى حفلات في المعابد الوثنية المحليّة حيث تناولوا طعاما قُدّم سابقا للأوثان. فرغم أن أكلهم من هذا الطعام لا يعني إيمانهم بالأصنام، فأنه إذا شاهدهم مؤمنون آخرون يأكلون منه، فقد يعتقدون أنهم شاركوا في الاحتفالات الدينية التي يُعَظَّم فيها الوثن في ذلك المعبد (وهي ممارسة يدينها بولس في هذه الرسالة، انظر 10: 18- 22)، وقد يؤدّي هذا الأمر إلى اعتقادهم أنّ المؤمن يجوز له أن يشترك في مثل هذه الممارسات الوثنيّة، وهذا سيؤدي إلى فقدان إيمانهم. 11 وعِندئذٍ يَتَحَوَّلُ عِلمُكُم هذا إلى مِعوَلٍ يَهدِمُ إيمانَ المَساكينِ الّذينَ ضَحّى السَّيِّدُ المَسيحُ بنَفسِهِ من أجلِهِم. 12 وإنّكُم إذ كُنتُم تُذنِبونَ في حقِّ إخوانِكُم في الإيمانِ، وتَقودونَهُم إلى ارتِكابِ ما يَعتَبِرونَهُ ذَنبًا، فإنّما تُذنِبونَ في حقِّ سَيِّدِنا المَسيحِ! 13 فاعتَبِروا! إن كانَ بَعضُ الطَّعامِ سَبَبًا في تَضليلِ إخواني المؤمنينَ، فلأترُكنَّهُ حتّى لا يَضِلَّ أخي في اللهِ.

*الفصل الثّامن:1 كانت الحيوانات تذبح في كورنتوس بشكل منتظم خلال العبادات الوثنية التي كانت تُقَام في المعابد. وكان بعض هذا اللحم يُستهلك خلال تلك العبادات بينما يباع الباقي في أسواق كورنتوس، فكانت أغلب اللحوم الموجودة في الأسواق مصدرها الحيوانات التي ذُبحت في المعابد. وقد كتب مؤمنو كورنتوس إلى الحواري بولس يسألونه هل يجوز لهم المشاركة في الأكل خلال تلك الشعائر الوثنية (8: 4‏)، وهل يجوز لهم أيضًا أكل اللحم الذي يذبح في المعابد ويُباع في الأسواق (10: 25‏-27).

الفصل الثّامن:6 لأنّ الله هو ربّ كلّ شيء وخالق كل شيء بما في ذلك الطعام، فإنّ ما تمّ تقديمه من طعام للأوثان لا يمكنه أن يؤثّر روحيا على أتباع السيد المسيح.

الفصل الثّامن:9 يشير بولس هنا على الأرجح إلى بعض مؤمني كورنتوس الأغنياء الذين كانوا يتمتّعون بوضع اجتماعي متميز يؤهّلهم لحضور ولائم خاصة بما في ذلك الولائم الوثنية وكانت هذه الولائم تقتصر على وجهاء المدينة فقط. ولم يرغب هؤلاء الأغنياء في التخلي عن هذه الامتيازات الاجتماعية المرموقة.

§الفصل الثّامن:10 ربّما تمّت دعوة بعض مؤمني كورنتوس إلى حفلات في المعابد الوثنية المحليّة حيث تناولوا طعاما قُدّم سابقا للأوثان. فرغم أن أكلهم من هذا الطعام لا يعني إيمانهم بالأصنام، فأنه إذا شاهدهم مؤمنون آخرون يأكلون منه، فقد يعتقدون أنهم شاركوا في الاحتفالات الدينية التي يُعَظَّم فيها الوثن في ذلك المعبد (وهي ممارسة يدينها بولس في هذه الرسالة، انظر 10: 18- 22)، وقد يؤدّي هذا الأمر إلى اعتقادهم أنّ المؤمن يجوز له أن يشترك في مثل هذه الممارسات الوثنيّة، وهذا سيؤدي إلى فقدان إيمانهم.