الفصل الحادي عشر
اقتَدوا بي كَما أقتَدي بالسَّيِّدِ المَسيحِ.
في الاجتماعات العامّة: السّلوك الملائم للنّساء والرّجال
إنّي لأُثْني عليكُم لأنّكُم تَذكُرونَني دائمًا، وتُحافِظونَ على التَّعاليمِ الّتي سَلَّمتُكُم إيّاها.* يتعرّض المقطع اللاحق لبعض الأسئلة التي كان يطرحها الكورنتيون عن الشكل الذي ينبغي أن تكون عليه اجتماعاتهم، باعتبارهم مؤمنين بالمسيح إذ يعتبرون أنفسهم إخوة في الإيمان، فهل تكون اجتماعاتُهم بمثابة لقاء عائليٍّ خاصٍّ، أم بمثابة اجتماع علني عام حتّى ولو كان هذا الاجتماع داخل بيت؟ علما أنّ الطريقة التي يتصرّف بها أعضاء العائلة الواحدة فيما بينهم تختلف كثيرا عن الطريقة التي يتعامل بها الناس بعضهم مع بعض علنا في اجتماعاتهم العامّة، كما أن وجبات طعامهم تختلف أيضا. أمّا السؤال عن النساء اللواتي لا يسترن رؤوسهن فإنه يتعلق بسلوكهن كما لو كنّ في فضاء خاص. ويرى بولس أنه ينبغي اعتبار اجتماعاتهم عامة وعلنيّة رغم كونهم بمثابة عائلة واحدة في الإيمان، وعليهم أن يتصرّفوا خلالها بطريقة لا تزعج الآخرين. ولكن اعلَموا أمرًا غَفَلتُم عَنهُ: إنّ أصلَ كُلِّ رَجُلٍ هو السَّيِّدُ المَسيحُ، وأصلَ المَرأةِ هو الرَّجُلُ، وأصلَ المَسيحِ هو اللهُ. كلمة “أصل” في اللغة العربية الواردة هنا هي ترجمة لكلمة وردت في النصوص اليونانية القديمة، وترجمت غالبا بكلمة “رأس”، وقد تُستخدم بمعنى مجازي يشير إلى أصل الشيء أو مصدر نموّه. وهذا هو المعنى المرجّح الذي كان يفهمه الكورنتيون من كلام بولس. وكلمة “رأس” في اليونانية القديمة لم تكن تفيد معنى “الحاكِم”. والمسألة المبدئية التي يناقشها بولس هنا، هي أن السيد المسيح يُعتبر مصدر شرف لكل رجل (زوج) من المؤمنين، في حين أن الرجل (الزوج) يُعتبر مصدر شرف لزوجته. وفي النهاية يُعتبر الله مصدر شرف السيد المسيح. ولذا يؤكد بولس على المؤمنين رجالا ونساء أن يُظهروا في سلوكهم احترامَهم ووقارهم لمصدر شرفهم. إنّ الرَّجُلَ لَيُهينُ السَّيِّدَ المَسيحَ إن صَلّى أو تَنَبَّأَ ورأسُهُ مُغَطَّى كالوَثنيِّينَ، كان من عادات الرومان أن يغطّي الكهنة والقادة الذين يشرفون على العبادة الوثنية رؤوسهم أثناء أدائهم شعائر الصلاة أو تقديم الأضاحي. ويبدو أنّ بعض أتباع سيدنا عيسى (سلامه علينا) في كورنتوس كانوا يُغَطُّون رؤوسهم عن قصد حين يصلّون أو يتنبّؤون، مقلدين النخبة الوثنية، وذلك كوسيلة لجلب الانتباه إلى منـزلتهم الدنيوية. وقد أدّى هذا إلى حدوث انقسامات بين المؤمنين، كما أساء هؤلاء احترام السيد المسيح رغم أنّه مصدر شرفهم بمحاولتهم الحصول على الشرف بوسائل دنيوية. وإنّ المَرأةَ لَتُهينُ زَوجَها إن صَلَّت أو تَنَبَّأت سافِرةً كغَيرِ المُتَزَوِّجات، وهي لَيسَت أفضَلَ مِن الزّانيَةِ الّتي أُجبِرَتْ على حِلاقَةِ شَعرِها، وإذا لم تُغَطِّ المَرأةُ رأسَها فلْتَحلِقْ شَعرَها! فإذا كانَ عارًا عليها أن تَبدُوَ زانيةً فعليها بالحِجابِ،§ كان من المتوقع أن ترتدي نساء كورنتوس الحجاب إسوة بنساء روما، ليُظهِرن للناس أنّهن متزوّجات، وكان رفض المرأة المتزوجة ارتداء الحجاب يدل على تنكّرها للعلاقة الزوجية التي تربطها بزوجها. وقد شبّه الحواري بولس التنكّر للحياة الزوجية بممارسة الزنى، قائلاً إنّ رفْض المرأة وضع حجاب الزواج عملٌ مُخز مثله مثل تعرُّض المرأة لحلق شعرها عقابا لها على كونها زانية. وإضافة إلى ذلك كانت نساء الطبقة الراقية اللواتي كنّ يرغبن في عرض تصفيفات شعرهن العصرية، لم يكنَّ يلتزمْنَ بستر الرأس. وقد أدّى ذلك إلى اختلاف في الرأي بين نساء الطبقة الراقية والنساء الأخريات اللواتي كنّ يرين أن الأخلاق عرضة للانتهاك. ورغم أن النساء لم يكنّ يرتدين حجابًا بين أفراد أُسَرهن، فإنّ بولس أكّد أن اجتماعات المؤمنين أشبه بالاجتماعات العمومية وإن كانوا مقرّبين جدا بعضُهم من بعض مثل أفراد الأسرة الواحدة. وإنّ الرَّجُلَ ليُخطِئُ إذ يُغَطِّي رأسَهُ كالوَثنيِّينَ أثناءَ الصَّلاةِ، فلقد خُلِقَ ليَكونَ ظِلَّ اللهِ، ويَرفَعَ شأنَهُ تَعالى. إضافةً إلى هذا، فالمَرأةُ عليها أن تَرفَعَ مِن هَيبةِ رَجُلِها أيضًا.* ورد في التوراة في سفر التكوين 1: 27 أن الله خلق الرجل والمرأة ليكونا ظلّه تعالى. وبولس لا يريد هنا القول إنّ النساء لا يستطعن تمجيد الله، بل على الإنسان ألاّ يقلد ممارسات الوثنيين فيدنّس شرف الخالق الذي صوّره، وقياسا على ذلك لا يجوز للمرأة أن تعرّي شعرها وتدنس شرف زوجها لأن الله خلق حواء كي تكرم آدم. فلقد خُلِقَت مِنهُ وما خُلِقَ مِنها، ووُجِدَت لأجلِهِ، وما وُجِدَ مِن أجلِها، 10 لذا يَجِبُ على المَرأةِ أن تَختارَ بكُلِّ حِكمةٍ كَيفَ تَتَصَرَّفُ في هذا الأمرِ بسَبَبِ المَلائكةِ. يؤكّد بولس ضرورة ارتداء المرأة للحجاب حتّى لا تجلب العار لزوجها بإيحائها للناس أنها غير متزوجة. 11 واعلَموا، أحبابي، أنّنا أتباعُ سَيِّدِنا عيسى المَسيحِ، رِجالاً ونِساءً، فلا يَستَغني أحَدُنا عن الآخَرِ. 12 فلئن خُلِقَتِ المَرأةُ مِن الرَّجُلِ، فهو مِنها مَولودٌ، وكُلُّ شَيءٍ مِن اللهِ.
13 فاحكُموا بأنفُسِكُم، هل تَرونَ صَوابًا في صَلاةِ المَرأةِ سافِرةً؟ 14 ألا يُعَدُّ الشَّعرُ الطَّويلُ في الرَّجُلِ عَيبًا؟ 15 ولكنّهُ فَخرٌ للمَرأةِ لأنّهُ سِترٌ لها، 16 فمَن أرادَ أن يُجادِلَ في هذا الأمرِ، فعَليهِ أن يَعلَمَ أنّ صَلاةَ المَرأةِ سافِرةً لَيسَت مِن عاداتِنا ولا مِن عاداتِ جَماعاتِ المؤمنينَ.
في الاجتماعات العامّة: ما يحدث خلال عشاء ذكرى السّيّد المسيح
17 وإنّي أُعاتِبُكُم على أمرٍ آخرَ: لا أرى في اجتِماعاتِكُم سَبَبًا لمَدحِكُم، إذ لا يَكونُ فيها نَفعٌ بَل ضَرَرٌ في أغلَبِ الأحيانِ، 18 ولقد بَلَغَني أنّكُم حينَ تَجتَمِعونَ، تَحدُثُ بَينَكُم انقِساماتٌ، وإنّي أُصَدِّقُ ما بَلَغَني، 19 فلا بُدَّ مِن وجودِ الخِلافاتِ بَينَكُم حَتّى يُمحِّصَكُم اللهُ ويُظهِرَ المُخلِصينَ مِنكُم. 20 وفي الحَقيقةِ، أنتُم لا تَحتَرِمونَ العَشاءَ الّذي تَتَناوَلونَهُ إكرامًا لسَيِّدِنا عيسى في اجتِماعاتِكُم! 21 فبَعضُكُم يأكُلُ بشَرَهٍ عَشاءَهُ الخاصَّ كامِلاً، ولا يُقَدِّمُ مِنهُ شَيئًا لبَقيَّةِ الحاضِرينَ في العَشاءِ العامِّ المُقَدَّسِ، ولهذا السَّبَبِ يَسكَرُ بَعضُكُم ويَجوعُ البَعضُ الآخَر، عند إقامة أغنياء اليونان والرومان حفلاً يستقبلون فيه ضيوفًا من طبقتهم الاجتماعية الراقية، كانوا يُجلسونهم في أفخم الغرف ويُقدّمون لهم أفخر الطعام، في حين يجلس الآخرون في غرفة أخرى مجاورة حيث يقدم لهم طعام وشراب أدنى مستوى في غالب الأحيان. وكان المؤمنون في كورنتوس يجتمعون في بيوت الأغنياء لإحياء ذكرى سيدنا عيسى (سلامه علينا)، فكان المضيفون يتّبعون عادات وتقاليد عصرهم التي عرفوها في الاحتفالات والاجتماعات اليونانية والرومانية. وكان المؤمنون الأثرياء لا ينتظرون بقيّة المؤمنين بل يأكلون بشَرَه حتّى أن بعض المؤمنين الفقراء الذين تأخّروا لا يجدون شيئا يأكلونه. وقد انتقد بولس معاملة مؤمني كورنتوس للأغنياء على نحو أكثر احتراما وإكراما مما يُعاملون به الفقراء، إذ كان يرى أن مثل هذه التصرفات تتطابق مع القيم الوثنية وتتناقض مع تعاليم سيدنا عيسى. وربّما كان مؤمنو كورنتوس إذا اجتمعوا أيضا للعشاء مع بعضهم بعضا، حمل كل واحد منهم طعامه الخاصّ معه. وفي هذه الحالة كان الأغنياء يأتون بطعام فاخر وفير، ويرفضون مشاركة الفقراء فيه، وبالتالي يبقى بعض الفقراء جائعين. 22 فكَأنَّكُم تَفتَقِدونَ للطَّعامِ والشَّرابِ وبُيوتُكُم خاليةٌ مِن الطَّعامِ! فكَيفَ تَستَهينونَ بجَماعةِ اللهِ؟! لماذا تَجعَلونَ إخوانَكُم الفُقَراءَ يَخجَلونَ؟ فماذا أقولُ لكُم في هذا الأمرِ؟ أتُراني مادِحَكُم؟ كَلاّ، لَستُ مادِحَكُم!
23 فاسمَعوا مِني ما بَلَغَني مِن تَعاليمِ سَيِّدِنا: لقد أخَذَ سَيِّدُنا عيسى خُبزًا في اللَّيلةِ الّتي خانَهُ فيها يَهوذا 24 وحَمِدَ اللهَ وقَسَّمَهُ بَينَ الحَواريّينَ، وقالَ: “هذا هو جَسَدي الّذي أُضَحّي بِهِ مِن أجلِكُم. فكُلوا مِن هذا الخُبزِ دائمًا تِذكارًا لي”. 25 ثُمّ أخَذَ الكأسَ بَعدَ العَشاءِ وقالَ للحُضورِ: “هذه كأسُ ميثاقِ اللهِ الجَديدِ مَعَكُم، ميثاقٌ يُبرَمُ بإراقةِ دَمي مِن أجلِكُم. فكُلَّما شَرِبتُم مِنها، فافعَلوا هذا تِذكارًا لي”. 26 فكُلّما أكَلتُم مِن هذا الخُبزِ وشَرِبتُم مِن هذِهِ الكأسِ، تُخبِرونَ بتَضحيةِ حَياةِ سَيِّدِنا عيسى حتّى يَتَجَلّى مَلِكًا إلى العالَمينَ.§ ليس المراد من العشاء التذكاري معنى تذكُّر شخص ميت، بل المراد هو المعنى ذاته الذي نجده في كتب الأنبياء الأقدمين. فقد سار أتباع سيدنا عيسى (سلامه علينا) على نهج بني يعقوب الذين كانوا يجتمعون لإحياء عيد الفصح وتذكّر يوم حرّرهم الله. وقد مدّد سيدنا عيسى معنى تحرير عباد الله الصالحين وإنقاذهم تحت قيادة النبي موسى (عليه السّلام) ليشمل تضحية السيد المسيح بنفسه لتحرير الناس وإنقاذهم من سطوة الشيطان. وهذه الآية تشير إلى أنّ بولس يحثّ المؤمنين على إحياء هذا الحفل التذكاري بشكل منتظم، ولكن الإنجيل لا يحدّد كيفية إحيائه ولا عدد مرّاته.
27 لذا، فكُلُّ مَن أكَلَ مِن خُبزِ سَيِّدِنا عيسى أو شَرِبَ مِن كَأسِهِ دونَ أن يَحتَرِمَ إخوتَهُ في اللهِ، فقد أساءَ لسَيِّدِنا عيسى، فيُثقِلُ بذلِكَ كَاهِلَهُ بذَنبِهِ لأنّهُ استَخَفَّ بالّذينَ ضَحَّى مِن أجلِهِم السَّيِّدُ المَسيحُ بجَسدِهِ ودَمِهِ.* يقول بولس إنّ المؤمنين عندما يفضلون الأغنياء على الفقراء من أعضاء جماعتهم خلال الحفل فإنهم يحتفلون بطريقة لا تليق بالمؤمنين. ولأنه يدرك صعوبة تغيير العادات، فإنه يقترح تسويةً لهذا الأمر، رغم تعارضها مع تعاليم السيد المسيح، وهي أن يتناول الغنيّ وجبته الخاصّة في منزله، حتّى إذا حضر حفل ذكرى تضحية سيدنا عيسى يتساوى الجميع في قيمة الوجبة التذكارية التي يتمّ تناولها. 28 فاختَبِرْ نَفسَكَ، وانظُرْ إن كُنتَ تَحتَرِمُ إخوتَكَ في الإيمانِ، ثُمّ كُلْ مِن خُبزِ المَسيحِ واشرَبْ مِن كأسِهِ، 29 فعلى الآكِلينَ والشّارِبينَ احتِرامُ جَماعةِ المؤمنينَ، وإلاّ جَلَبوا على أنفُسِهِم العِقابَ، يمثل تصرّف المؤمنين بمثل هذا السلوك الوارد في الآيتين 20- 21 عجزا لإدراك هؤلاء أن جماعة المؤمنين هي أمّة الجسد للسيد المسيح (10: 17، 12: 27). فإذا عامل مؤمن غيره في الجماعة باستخفاف، فإن هذه المعاملة تكون في حقّ سيدنا عيسى نفسه، وهو ما يستوجب حكم الله عليه. 30 ولذلِكَ أُصيبَ كَثيرٌ مِنكُم بالضَّعفِ والمَرضِ وماتَ بَعضُكُم. 31 فإذا راقَبنا أنفُسَنا، فلن يَحِلَّ علينا هذا العِقابُ الأليمُ. 32 إنّما يُعاقِبُنا اللهُ في الدُّنيا ويؤدِّبُنا حتّى لا يُهلِكَنا غَضبُهُ كَما يُهلِكُ الأشرارَ يومَ الدِّينِ.
33 إخوَتي في الإيمانِ، فلْيَنتَظِرْ بَعضُكُم بَعضًا إذا اجتَمَعتُم لعَشاءِ سَيِّدِنا المَسيحِ، 34 وإن كانَ أحَدُكُم جائعًا، فليَأْكُلْ في بَيتِهِ قَبلَ قُدومِهِ إلى العَشاءِ، حَتّى لا يَنزِلَ عِقابُ اللهِ عليكُم بسَبَبِ أنانيَّتِكُم، أمّا القَضايا الأُخرى الّتي طَرَحتُموها، فسأنظُر فيها عِندَما أكونُ بَينَكُم.

*الفصل الحادي عشر:2 يتعرّض المقطع اللاحق لبعض الأسئلة التي كان يطرحها الكورنتيون عن الشكل الذي ينبغي أن تكون عليه اجتماعاتهم، باعتبارهم مؤمنين بالمسيح إذ يعتبرون أنفسهم إخوة في الإيمان، فهل تكون اجتماعاتُهم بمثابة لقاء عائليٍّ خاصٍّ، أم بمثابة اجتماع علني عام حتّى ولو كان هذا الاجتماع داخل بيت؟ علما أنّ الطريقة التي يتصرّف بها أعضاء العائلة الواحدة فيما بينهم تختلف كثيرا عن الطريقة التي يتعامل بها الناس بعضهم مع بعض علنا في اجتماعاتهم العامّة، كما أن وجبات طعامهم تختلف أيضا. أمّا السؤال عن النساء اللواتي لا يسترن رؤوسهن فإنه يتعلق بسلوكهن كما لو كنّ في فضاء خاص. ويرى بولس أنه ينبغي اعتبار اجتماعاتهم عامة وعلنيّة رغم كونهم بمثابة عائلة واحدة في الإيمان، وعليهم أن يتصرّفوا خلالها بطريقة لا تزعج الآخرين.

الفصل الحادي عشر:3 كلمة “أصل” في اللغة العربية الواردة هنا هي ترجمة لكلمة وردت في النصوص اليونانية القديمة، وترجمت غالبا بكلمة “رأس”، وقد تُستخدم بمعنى مجازي يشير إلى أصل الشيء أو مصدر نموّه. وهذا هو المعنى المرجّح الذي كان يفهمه الكورنتيون من كلام بولس. وكلمة “رأس” في اليونانية القديمة لم تكن تفيد معنى “الحاكِم”. والمسألة المبدئية التي يناقشها بولس هنا، هي أن السيد المسيح يُعتبر مصدر شرف لكل رجل (زوج) من المؤمنين، في حين أن الرجل (الزوج) يُعتبر مصدر شرف لزوجته. وفي النهاية يُعتبر الله مصدر شرف السيد المسيح. ولذا يؤكد بولس على المؤمنين رجالا ونساء أن يُظهروا في سلوكهم احترامَهم ووقارهم لمصدر شرفهم.

الفصل الحادي عشر:4 كان من عادات الرومان أن يغطّي الكهنة والقادة الذين يشرفون على العبادة الوثنية رؤوسهم أثناء أدائهم شعائر الصلاة أو تقديم الأضاحي. ويبدو أنّ بعض أتباع سيدنا عيسى (سلامه علينا) في كورنتوس كانوا يُغَطُّون رؤوسهم عن قصد حين يصلّون أو يتنبّؤون، مقلدين النخبة الوثنية، وذلك كوسيلة لجلب الانتباه إلى منـزلتهم الدنيوية. وقد أدّى هذا إلى حدوث انقسامات بين المؤمنين، كما أساء هؤلاء احترام السيد المسيح رغم أنّه مصدر شرفهم بمحاولتهم الحصول على الشرف بوسائل دنيوية.

§الفصل الحادي عشر:6 كان من المتوقع أن ترتدي نساء كورنتوس الحجاب إسوة بنساء روما، ليُظهِرن للناس أنّهن متزوّجات، وكان رفض المرأة المتزوجة ارتداء الحجاب يدل على تنكّرها للعلاقة الزوجية التي تربطها بزوجها. وقد شبّه الحواري بولس التنكّر للحياة الزوجية بممارسة الزنى، قائلاً إنّ رفْض المرأة وضع حجاب الزواج عملٌ مُخز مثله مثل تعرُّض المرأة لحلق شعرها عقابا لها على كونها زانية. وإضافة إلى ذلك كانت نساء الطبقة الراقية اللواتي كنّ يرغبن في عرض تصفيفات شعرهن العصرية، لم يكنَّ يلتزمْنَ بستر الرأس. وقد أدّى ذلك إلى اختلاف في الرأي بين نساء الطبقة الراقية والنساء الأخريات اللواتي كنّ يرين أن الأخلاق عرضة للانتهاك. ورغم أن النساء لم يكنّ يرتدين حجابًا بين أفراد أُسَرهن، فإنّ بولس أكّد أن اجتماعات المؤمنين أشبه بالاجتماعات العمومية وإن كانوا مقرّبين جدا بعضُهم من بعض مثل أفراد الأسرة الواحدة.

*الفصل الحادي عشر:7 ورد في التوراة في سفر التكوين 1: 27 أن الله خلق الرجل والمرأة ليكونا ظلّه تعالى. وبولس لا يريد هنا القول إنّ النساء لا يستطعن تمجيد الله، بل على الإنسان ألاّ يقلد ممارسات الوثنيين فيدنّس شرف الخالق الذي صوّره، وقياسا على ذلك لا يجوز للمرأة أن تعرّي شعرها وتدنس شرف زوجها لأن الله خلق حواء كي تكرم آدم.

الفصل الحادي عشر:10 يؤكّد بولس ضرورة ارتداء المرأة للحجاب حتّى لا تجلب العار لزوجها بإيحائها للناس أنها غير متزوجة.

الفصل الحادي عشر:21 عند إقامة أغنياء اليونان والرومان حفلاً يستقبلون فيه ضيوفًا من طبقتهم الاجتماعية الراقية، كانوا يُجلسونهم في أفخم الغرف ويُقدّمون لهم أفخر الطعام، في حين يجلس الآخرون في غرفة أخرى مجاورة حيث يقدم لهم طعام وشراب أدنى مستوى في غالب الأحيان. وكان المؤمنون في كورنتوس يجتمعون في بيوت الأغنياء لإحياء ذكرى سيدنا عيسى (سلامه علينا)، فكان المضيفون يتّبعون عادات وتقاليد عصرهم التي عرفوها في الاحتفالات والاجتماعات اليونانية والرومانية. وكان المؤمنون الأثرياء لا ينتظرون بقيّة المؤمنين بل يأكلون بشَرَه حتّى أن بعض المؤمنين الفقراء الذين تأخّروا لا يجدون شيئا يأكلونه. وقد انتقد بولس معاملة مؤمني كورنتوس للأغنياء على نحو أكثر احتراما وإكراما مما يُعاملون به الفقراء، إذ كان يرى أن مثل هذه التصرفات تتطابق مع القيم الوثنية وتتناقض مع تعاليم سيدنا عيسى. وربّما كان مؤمنو كورنتوس إذا اجتمعوا أيضا للعشاء مع بعضهم بعضا، حمل كل واحد منهم طعامه الخاصّ معه. وفي هذه الحالة كان الأغنياء يأتون بطعام فاخر وفير، ويرفضون مشاركة الفقراء فيه، وبالتالي يبقى بعض الفقراء جائعين.

§الفصل الحادي عشر:26 ليس المراد من العشاء التذكاري معنى تذكُّر شخص ميت، بل المراد هو المعنى ذاته الذي نجده في كتب الأنبياء الأقدمين. فقد سار أتباع سيدنا عيسى (سلامه علينا) على نهج بني يعقوب الذين كانوا يجتمعون لإحياء عيد الفصح وتذكّر يوم حرّرهم الله. وقد مدّد سيدنا عيسى معنى تحرير عباد الله الصالحين وإنقاذهم تحت قيادة النبي موسى (عليه السّلام) ليشمل تضحية السيد المسيح بنفسه لتحرير الناس وإنقاذهم من سطوة الشيطان. وهذه الآية تشير إلى أنّ بولس يحثّ المؤمنين على إحياء هذا الحفل التذكاري بشكل منتظم، ولكن الإنجيل لا يحدّد كيفية إحيائه ولا عدد مرّاته.

*الفصل الحادي عشر:27 يقول بولس إنّ المؤمنين عندما يفضلون الأغنياء على الفقراء من أعضاء جماعتهم خلال الحفل فإنهم يحتفلون بطريقة لا تليق بالمؤمنين. ولأنه يدرك صعوبة تغيير العادات، فإنه يقترح تسويةً لهذا الأمر، رغم تعارضها مع تعاليم السيد المسيح، وهي أن يتناول الغنيّ وجبته الخاصّة في منزله، حتّى إذا حضر حفل ذكرى تضحية سيدنا عيسى يتساوى الجميع في قيمة الوجبة التذكارية التي يتمّ تناولها.

الفصل الحادي عشر:29 يمثل تصرّف المؤمنين بمثل هذا السلوك الوارد في الآيتين 20- 21 عجزا لإدراك هؤلاء أن جماعة المؤمنين هي أمّة الجسد للسيد المسيح (10: 17، 12: 27). فإذا عامل مؤمن غيره في الجماعة باستخفاف، فإن هذه المعاملة تكون في حقّ سيدنا عيسى نفسه، وهو ما يستوجب حكم الله عليه.