مدخل إلى رسالة يوحنّا الأولى
لم تقع الإشارةُ إلى اسم الكاتب في هذه الرسالةِ، ولكنّ الأسلوب الذي كُتبت به يُشبه كثيرا الأسلوبَ الذي سَجّلَ به الحواري يوحنّا الوحيَ حول سيرة سيدنا عيسى (سلامه علينا)، لذلك ذهب العلماء إلى أنّ كاتب الرسالة والسيرة شخص واحد وهو الحواري يوحنّا. ويبدو أنّ هذه الرسالة قد كُتبت في مدينة أفاسوس.
ولم تتضمّن هذه الرسالة أيّةَ قرينة تشير إلى تاريخ كتابتها، ولكنّ عددا كبيرا من الباحثين يعتقدون أنّها كُتِبت في زمن متأخّر من القرن الأول للميلاد. كما أنّها لم تلتزم بالتحية ولا بالنهاية المعتادِ اتّباعُهما في الرسائل العادية، وهو ما يرجّح كونها وثيقةً عقائدية أو عظة دينية أكثر من كونها رسالة. ويمكن أن يكون الهدف من عدم ذكر مُرسَلٍ إليه واضح وعدم تحديد موقع جغرافي بعينه، هو ترك هذه الرسالة تدور على نَحوٍ واسع بين أتباع السيد المسيح (سلامه علينا).
وربّما كانت هذه الرسالة تهدف إلى تشجيع اليهود الذين نبذَتْهم جماعاتهم بسبب اعترافهم أنّ سيدنا عيسى هو المسيح المنتظر، فالكثير من إخوانهم المؤمنين لم يتمسّكوا بهذا الاعتراف. (انظر رسالة يوحنّا الأولى 2: 19، 22؛ 4: 2 – 3).
ومن المرَجَّح أنّ الحواري يوحنّا كان مهتمّا بحالة المؤمنين في مناطق أخرى. وبالعودة إلى كتاب الرؤيا (2: 9 – 10 و 3: 7 – 9) نلاحظ أنّه في بعض المدن مثلَ إزمير وفيلادلفيا قد نبذ أتباعُ اليهوديّة أتباع السيد المسيح من أصل يهودي وسلّموهم إلى السّلطات. وقد ادّعى عدد من الناس النبوّة، فشجّعوا المؤمنين على إنكار إيمانهم بسيدنا عيسى ودفعوهم إلى المشاركة في عبادةٍ وثنية ومنها عبادة الإمبراطور، فكلّ من لا يقدِّمُ إلى الإمبراطور قربانا يُعتبر خائنا ويُحكم عليه بالإعدام.
وقد ظهرت العديد من الحركات الدينية زمنَ كتابة هذه الرسالة. ويبدو أنّ هذه الرسالة قد تناولت إحدى هذه الحركات وهي حركة مذهب العرفان (الغنوصيّة)، وهو المذهب الذي كان يزعم معلِّموه أنّ العالَم المادي هو الشرّ والعالم الروحي هو الخير. وادّعى أصحاب هذا المذهب أنّهم يملكون معرفة خاصّة سيكون من شأنها تحرير البشر من العالم المادي وهكذا يكون بإمكانهم السّموُّ إلى عالم الروح.
ويرى العرفانيون، بما أنّهم منغمسون في عالم الروح حسب ادّعائهم، أنّ الأحكام الأخلاقية لا تشملهم، وهو ما جعلهم ينغمسون في سلوكيات فاحشة، وبسببها اعتبرَهم أتباعُ السيد المسيح آثمين. واعتقدتْ إحدى جماعات مذهب العرفان أنّ السيد المسيح له صفات إلهيّة، وأنّه لم يكن في الواقع بشرا، بل كان يبدو على شكل بشر فقط، واعتقدت جماعة أخرى أنّ روح المسيح السماوي قد حلَّت في جسد سيدنا عيسى لبعض الوقت فحسب، وأنكرتْ أنّ السيد المسيح (سلامه علينا) هو المسيح الوحيد حقّا (اُنظر رسالة يوحنّا الأولى 2: 22).
ومهما يكن الأمر، فَمِن الواضح أنّ الذين يُعلِّمون التعاليم الباطلة هم أشخاص تركوا الجماعةَ المؤمنة التي وجّه إليها يوحنّا رسالتَه، وفيها يُخبر قرّاءَه أنّ عليهم إخضاعَ هؤلاء المعلمين إلى اختبارين حتّى يعرفوا مدى إخلاصهم لله.
الاختبار الأول هو: هل حافظ هؤلاء على الوصايا الإلهية، خصوصا محبّة المؤمنين الآخرين؟
الاختبار الثاني هو: هل نظرتُهم إلى سيدنا عيسى (سلامه علينا) سليمة أم لا؟
بسم الله تبارك وتعالى
رسالة الحَواريّ يُوحَنّا الأُولى إلى أحباب الله
الفصل الأوّل
المسيح كلمة الحياة
يا لَرَوعةِ مَن كانَ مُنذُ البَدءِ مَوجودًا، هو الّذي سَمِعناهُ وعاينّاهُ شُهُودًا. نعم، رَأيناهُ بِأبصارِنا ولَمَسناهُ بِأيدينا، إنّهُ كَلِمةُ الحَياةِ، سَيِّدُنا عيسى المَسيحُ مُنَجِّينا.* يعتقد الكثير من الباحثين أنّ هذا المقطع يلمّح إلى افتتاحية سيرة السيد المسيح التي سجّلها الحواري يوحنّا. ويظهر سيدنا عيسى في هذا المقطع على أنّه كلمة الله الأزلية التي صارت بشرا. وقد عارض هذه الحقيقةَ المعلّمون المضلّلون الذين تركوا جماعات المؤمنين بالسيد المسيح، والذين قالوا أنّ سيدنا عيسى ظهر في هيئة بشر ولكنّه في الحقيقة لم يكن بشرا أبدا. وتُشبه معتقداتهم هذه معتقدات الوثنيين تجاه آلهتهم، وخاصّة اعتقادهم أنّ آلهتهم تتجلّى لهم في هيئة بشر رغم أنّ طبيعتها ليست بشرية. ولكن الحواري يوحنّا أكّد أنّ شهود سيدنا عيسى قد قاموا بلمسه والشعور به، وهذا يؤكّد أنّ طبيعة سيدنا عيسى بشريّة دون شك.
لقد تَجَلَّى، مَن يَقودُنا إلى حَياةِ لا تَفنى، رَأيناهُ وشَهِدنا لهُ، وها نَحنُ نُخبِرُكُم عَنهُ (سلامُهُ علينا)، بأنّهُ السَّبيلُ القَويمُ إلى دارِ الخُلدِ، هُو الّذي كانَ مَكنونًا عِندَ اللهِ الأبِ الصَّمَدِ ثُمّ ظَهَرَ لنا وتَبَدَّى. نَحنُ نُخبِركُم بِما رَأينا وسَمِعنا، حَتّى تَستَمِرّوا مَعَنا في العُروةِ الوُثقى. ولا تَكونُ عُروتُنا الوُثقى إلاّ مَعَ اللهِ الأبِ الرَّحيمِ ومَعَ سَيِّدِنا المَسيحِ الابنِ الرُّوحيِّ لهُ تَعالى. عبارة “الابن الروحي لله” الواردة هنا هي ترجمة للعبارة اليونانية التي عُرّبت غالبا بصيغة “ابن الله”. وهي موجودة في كتب الأنبياء الأوّلين وكانت لقبا لملك بني يعقوب الذي اختاره الله. وهذا لا يشير إلى تناسل بشري، ولكنه يشير إلى العلاقة الوثيقة التي تربط سيدنا عيسى بالله. وإنّ مقامه أمام ربّه مثل مقام البكر في العائلة. ويرى البعض في هذا تلميحا إلى أنّ السيد المسيح هو كلمة الله الأزلية، وقد تَمَّ إرسالُه إلى الأرض ليصبح بشرا يولد من مريم العذراء. ونَحنُ نَكتُبُ إِليكُم هذِهِ الرِّسّالةَ حَتّى نَفرَحَ حقَّ الفَرَحِ بإيمانِكُم الرّاسِخِ القَويمِ.
الرّسوخ في نور الله
وهذِهِ هي الرِّسالةُ الّتي سَمِعناها مِن سَيِّدِنا المَسيحِ، ونُعلِنُها إليكُم الآنَ: إنّ اللهَ نورٌ أبهى، ولَيسَ في ذاتِهِ ظَلامٌ أبَدًا. فإنِ ادّعينا أنّنا مُستَوثِقونَ بِعُروتِهِ ونَحنُ نَسيرُ في سَوادِ الشَّرِّ والظَّلامِ، كُنّا كاذِبينَ، ولِغَيرِ الحقِّ فاعِلينَ. ادّعى المعلّمون المضلّلون الذين انتقدهم الحواري يوحنّا أنّ أتباع سيدنا عيسى (سلامه علينا) يمكنهم العيش كما يشاؤون دون قيود أو ضوابط أخلاقية. غير أنّ أتباع السيد المسيح كانوا في بعض الأحيان يرتكبون الخطايا وكان عليهم الاستمرارُ في الاعتراف بخطاياهم وآثامهم، مع العلم أنّ سيدنا عيسى قد خفَّف من وطأة الإثم على أتباعه من خلال تضحيته بنفسه. أمّا إن كُنّا حقًّا في النّورِ نَحيا، كَما هُو في النّورِ الأسمى، حَظِينا مَعَ بَعضِنا بَعضٍ بالعُروة الوُثقى، وكانَ دَمُ سَيّدِنا عيسى الابنِ الرُّوحيِّ للهِ لنا مِن كُلِّ خَطيئةٍ طُهرًا.§ لئن استعمل الناس الماء لتنظيف أجسادهم فإن دم الأضحية حسب التوراة هو الذي يمحو عواقب آثام الناس (انظر سفر اللاويين 16: 30). ويجب أن تُقدَّم هذه الأضاحي مرارا وتكرارا، ولكنّها لم تكن ناجعة في تطهير الخطايا، بل كانت فقط دليلا على أنّ تضحية سيدنا عيسى ذات أهميّة كبرى. وهي في الحقيقة الطريقة الوحيدة التي بها نحصل على غفران آثامنا. (انظر رسالة العبرانيين 10: 1 – 18). فإنِ ادّعينا أنّهُ لا خَطيئةَ فينا، خَدَعنا أنفُسَنا، وتَوَلّى عَنّا الحقُّ. أمّا إن اعتَرَفنا بِخَطايانا، غَفَرَها اللهُ لنا وطَهَّرَنا مِن كُلِّ إثمٍ، لأنّهُ بِالثِّقةِ جَديرٌ، وعلى الوَفاءِ بِوَعدِهِ قَديرٌ. 10 فإنِ ادّعينا أنّنا لم نَرتَكِب ذَنبًا، نَكونُ قد كَذَّبنا اللهَ وقُلوبُنا لا تَتَّسِعُ لكَلمَتِهِ تَعالى.

*الفصل الأوّل:1 يعتقد الكثير من الباحثين أنّ هذا المقطع يلمّح إلى افتتاحية سيرة السيد المسيح التي سجّلها الحواري يوحنّا. ويظهر سيدنا عيسى في هذا المقطع على أنّه كلمة الله الأزلية التي صارت بشرا. وقد عارض هذه الحقيقةَ المعلّمون المضلّلون الذين تركوا جماعات المؤمنين بالسيد المسيح، والذين قالوا أنّ سيدنا عيسى ظهر في هيئة بشر ولكنّه في الحقيقة لم يكن بشرا أبدا. وتُشبه معتقداتهم هذه معتقدات الوثنيين تجاه آلهتهم، وخاصّة اعتقادهم أنّ آلهتهم تتجلّى لهم في هيئة بشر رغم أنّ طبيعتها ليست بشرية. ولكن الحواري يوحنّا أكّد أنّ شهود سيدنا عيسى قد قاموا بلمسه والشعور به، وهذا يؤكّد أنّ طبيعة سيدنا عيسى بشريّة دون شك.

الفصل الأوّل:3 عبارة “الابن الروحي لله” الواردة هنا هي ترجمة للعبارة اليونانية التي عُرّبت غالبا بصيغة “ابن الله”. وهي موجودة في كتب الأنبياء الأوّلين وكانت لقبا لملك بني يعقوب الذي اختاره الله. وهذا لا يشير إلى تناسل بشري، ولكنه يشير إلى العلاقة الوثيقة التي تربط سيدنا عيسى بالله. وإنّ مقامه أمام ربّه مثل مقام البكر في العائلة. ويرى البعض في هذا تلميحا إلى أنّ السيد المسيح هو كلمة الله الأزلية، وقد تَمَّ إرسالُه إلى الأرض ليصبح بشرا يولد من مريم العذراء.

الفصل الأوّل:6 ادّعى المعلّمون المضلّلون الذين انتقدهم الحواري يوحنّا أنّ أتباع سيدنا عيسى (سلامه علينا) يمكنهم العيش كما يشاؤون دون قيود أو ضوابط أخلاقية. غير أنّ أتباع السيد المسيح كانوا في بعض الأحيان يرتكبون الخطايا وكان عليهم الاستمرارُ في الاعتراف بخطاياهم وآثامهم، مع العلم أنّ سيدنا عيسى قد خفَّف من وطأة الإثم على أتباعه من خلال تضحيته بنفسه.

§الفصل الأوّل:7 لئن استعمل الناس الماء لتنظيف أجسادهم فإن دم الأضحية حسب التوراة هو الذي يمحو عواقب آثام الناس (انظر سفر اللاويين 16: 30). ويجب أن تُقدَّم هذه الأضاحي مرارا وتكرارا، ولكنّها لم تكن ناجعة في تطهير الخطايا، بل كانت فقط دليلا على أنّ تضحية سيدنا عيسى ذات أهميّة كبرى. وهي في الحقيقة الطريقة الوحيدة التي بها نحصل على غفران آثامنا. (انظر رسالة العبرانيين 10: 1 – 18).