الفصل الثّالث
يا لَعَظَمةِ المَحَبّةِ الّتِي أحاطَنا بِها اللهُ أبونا الرَّحيمُ، إذ جَعَلَنا عِيالَهُ، ونَحنُ عِيالُهُ لا رَيبَ! أمّا أهلُ الدُّنيا فلا يَعتَرِفونَ بأنّنا مِن آلِ بيتِ اللهِ، لأنّهُم لا يَعتَرِفونَ بِاللهِ. يا أحِبّائي، نَحنُ حقًّا عِيالُ اللهِ، رَغمَ أنّهُ لم يَكشِفْ لنا بَعدُ الحالةَ الّتي سنَكونُ عليها عِندَما يَتَجَلَّى سَيِّدُنا المَسيحُ (سلامُهُ علينا)، غَيرَ أنّنا على يَقينٍ أنّنا حِينئذٍ سنَكونُ مِثلَهُ، لأنّنا سنَراهُ بكُلِّ بَهائِهِ وحَقيقتِهِ. وكُلُّ مُنتَظِرٍ لِلسَّيِّدِ المَسيحِ بِلَهفةٍ، حَتمًا لن يَتَوانَى عن تَطهِيرِ نَفسِهِ مِن خَطيئتِهِ، كَما أنّ السَّيِّدَ المَسيحَ طاهِرٌ مِن الخَطايا في ذاتِهِ.
أمّا كُلُّ مَن يَستَمِرُّ في اقتِرافِ الخَطايا، فهُو حَتمًا يُخالِفُ شَرعَ اللهِ، فكُلُّ خَطيئةٍ هي خَطيئةٌ بِحَقِّ أوامِرِ اللهِ والوَصايا. وإنّكُم لتَعلَمونَ أنّ السَّيِّدَ المَسيحَ مَعصومٌ مِن الذُّنُوبِ، وقد جاءَ إلى هذِهِ الدُّنيا لِيَمحُوَها. وكُلُّ مَن يَرسَخُ في إيمانِهِ بسَيِّدِنا المَسيحِ لن يَقَعَ في دَرَكاتِ الذُّنُوبِ. أمّا المُستَمِرُّ في ارتِكابِها فلا بَصيرةَ لهُ وهو يَجهَلُ حَقيقتَهُ (سلامُهُ علينا). يا أولادي الأحِبّاءَ، لا تَدعُوا أحَدًا يَخدَعُكُم فيُضِلُّكم. ومَن يَسعى إلى مَرضاةِ اللهِ فهو مُرتَضى، كَما أنّهُ (سلامُهُ علينا) هو المُرتَضَى. ومَن يَستَمِرُّ في ارتِكابِ الذُّنوبِ، فهو وَلِيُّ الشّيطانِ الّذي كانَ مُذنِبًا مُنذُ بِدايةِ الخَلقِ. وإنّما تَجَلَّى المَسيحُ الابنُ الرُّوحيُّ للهِ بَينَنا للقَضاءِ على أعمالِ الشَّيطانِ.
كُلُّ الّذينَ هُم مِن أهلِ بَيتِ اللهِ لا يَستَمِرّونَ عَمْدًا في ارتِكابِ الخَطايا، لأنّ اللهَ غَرَسَ فيهِم مِن ذاتِهِ، بل إنّهُم غَيرُ قادِرينَ على العَيشِ في الآثامِ، لأنّ اللهَ جَعَلَهُم مِن عِيالِهِ المُقَرَّبينَ. 10 وسأُوضِّحُ لكُم كَيفَ نُدرِكُ الفَرقَ بَينَ عِيالِ اللهِ وأولياءِ الشَّيطانِ: كُلُّ مَن لا يَسعى إلى مَرضاةِ اللهِ لَيسَ مِن اللهِ، ومَن لا يُحِبُّ إخوتَهُ المؤمنينَ لَيسَ مِن اللهِ أيضًا.
11 والرِّسالةُ الّتي سَمِعتُموها مُنذُ البِدايةِ هي: أن نُحِبَّ بَعضُنا بَعضًا. 12 ولا نَكونُ مِثلَ قابيلَ الّذي صارَ مِن أولياءِ الشَّيطانِ، فقَتَلَ أخاهُ هابيلَ. ولِماذا قَتَلَهُ؟ لأنّ أعمالَ قابيلَ المُذنِبِ كانَت شِرِّيرةً في حينَ رَضِيَ اللهُ عن أعمالِ أخيهِ هابيلَ الصّالِحةِ.
13 يا إخوتي، لا تَتَعَجَّبوا إن كَرِهَكُم أهلُ الدُّنيا! 14 إذ نَعلَمُ أنّنا انتَقَلنا مِن طَريقِ الهَلاكِ إلى طَريقِ الحَياةِ، لأنّنا نُحِبُّ إخوانَنا في اللهِ. أمّا مَن لا يُحِبُّ إخوتَهُ في اللهِ فإنّهُ يَظَلُّ مِن الهالِكينَ. 15 ومَن يَكرَهُ أخاهُ المؤمنَ فهُو في الحَقيقةِ كَالقاتِلِ الأثيمِ، وأنتُم تَعلَمونَ ألاّ نَصيبَ لِلقاتِلِ في دارِ الخُلدِ.
16 إِنّ سَيِّدَنا (سلامُهُ علينا) قد ضَحّى بِنَفسِهِ مِن أجلِنا، وبِهذا فنَحنُ نَعرِفُ كَيفَ نُحِبُّ الآخَرينَ، فنَحنُ مِثلُهُ يَجِبُ أن نُضحِّي بِأنفُسِنا مِن أجلِ إخوانِنا. 17 فمَن كانَت لهُ خَيراتُ هذِهِ الدُّنيا، ولاحَظَ اِحتِياجَ أخيِهِ في الإيمانِ، وأوصَدَ قَلبَهُ دونَهُ، فكَيفَ تَرسَخُ في قَلبِهِ إذن مَحَبّةُ اللهِ لِلعالَمينَ؟* رفَضَ أتباع السيد المسيح المشاركةَ في عبادة الإمبراطور، لذلك اعتُبِروا مُتمرِّدين عليه. ورغم قلّة عدد الذين استُشهِدوا من المؤمنين في الزمن الذي كتَبَ فيه يوحنّا هذه الرسالة، فقد توقّع المؤمنون مواجهةَ المزيد من الاضطهاد والتعذيب والموت في المستقبل القريب. وكان من المتوقَّع أن يلاقي المؤمنون التّعذيبَ لأنّهم امتنعوا عن تقديم معلوماتٍ تتعلّق بإخوانهم، فتحمّلوا المعاناة والتعذيب كي لا يغدروا بإخوانهم ويَخُونوهم. وفي المقابل، شجّع يوحنّا المؤمنين على الاهتمام باحتياجات الناس الماديّة.
18 يا أولادي الأعِزّاء، احذَرُوا أن تَقِفَ مَحَبّتُنا عِندَ حَدِّ اللِّسانِ، بل أظهِروا المَحَبّةَ الحَقيقيّةَ لِبَعضِكُم بَعضًا مِن خِلالِ أفعالِكُم. 19 فنَحنُ بِمَحَبّتِنا لإخوانِنا نَعرِفُ أنّنا مِن أهلِ الحقِّ، وبها نَطمَئِنُّ في حَضرةِ اللهِ، 20 حَتّى لو شَعُرنا بِالذَّنبِ، فإنّ اللهَ أعلَمُ بمَشاعِرِنا وهُو بِكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ.
21 يا أحِبّائي، إن أحبَبنا إخوتَنا في الإيمانِ، فلن نَشعُر بِالذَّنبِ، وعِندئذٍ سنَتَقَرَّبُ إلى اللهِ بِكُلِّ ثِقةٍ، 22 ومَهما تَكُنْ طَلَباتُنا مِنهُ، فإنّنا نَحصُلُ عليها، لأنّنا نُطيعُ أوامرَهُ ونَعمَلُ ما يُرضيهِ. 23 وأَمرُ اللهِ أَن نُؤمنَ بعيسـى المَسيحِ الابنِ الرُّوحيِّ لهُ تَعالى، وأن نُحِبَّ بَعضُنا بَعضًا كَما أوصانا. 24 فالّذينَ يَعمَلونَ بِوصاياهُ يَرسَخونَ في اللهِ واللهُ يَرسَخُ في قُلوبِهِم. وإنّنا نَعرِفُ أنّهُ تَعالى راسِخٌ في قُلوبِنا بفَيضِ رُوحِهِ الّذي وَهَبَهُ لنا.

*الفصل الثّالث:17 رفَضَ أتباع السيد المسيح المشاركةَ في عبادة الإمبراطور، لذلك اعتُبِروا مُتمرِّدين عليه. ورغم قلّة عدد الذين استُشهِدوا من المؤمنين في الزمن الذي كتَبَ فيه يوحنّا هذه الرسالة، فقد توقّع المؤمنون مواجهةَ المزيد من الاضطهاد والتعذيب والموت في المستقبل القريب. وكان من المتوقَّع أن يلاقي المؤمنون التّعذيبَ لأنّهم امتنعوا عن تقديم معلوماتٍ تتعلّق بإخوانهم، فتحمّلوا المعاناة والتعذيب كي لا يغدروا بإخوانهم ويَخُونوهم. وفي المقابل، شجّع يوحنّا المؤمنين على الاهتمام باحتياجات الناس الماديّة.