الفصل الرّابع
يا أحِبّائي، لقد كَثُر الدَّجّالونَ في هذا العالَمِ، الّذينَ يَدَّعونَ أنّ كَلامَهُم مِن رُوحِ اللهِ. فلا تُصَدِّقوهُم، بلِ امتَحِنوهُم لِتَعرِفوا مَصدرَ كَلامِهِم، إن كانَ مِن رُوحِ اللهِ، أم مِن الشَّيطانِ. ولِلّذينَ يَتَكَلّمونَ بِرُوحِ اللهِ عَلامةٌ يُعرَفونَ بِها وهي: اِعتِرافُهُم أنّ سَيِّدَنا عيسى المَسيحَ هو كَلِمةُ اللهِ الّتي ألقاها إلى مَريمَ فاستَحالَت بَشَرًا. فكَلامُ هؤلاءِ مِن رُوحِ اللهِ. أمّا الّذينَ أنكَرُوا حَقيقةَ سَيِّدِنا عيسى (سلامُهُ علينا)، فلَيسوا مِن اللهِ بل هُمُ الدَّجّالونَ، يَتَكَلَّمونَ بِرُوحِ الدَّجّالِ عَدُوِّ السَّيِّدِ المَسيحِ. وقد سَمِعتُم أنّ الدَّجّالَ آتٍ إلى هذِهِ الدُّنيا، والحَقُّ أنّهُ مَوجودٌ فيها الآن.* ربّما تعلّقَ الموضوعُ الّذي يشير إليه يوحنّا هنا بالذين تركوا جماعات المؤمنين وأنكروا حقيقةَ سيدنا عيسى باعتباره المسيحَ المنتظر، في حالة كان هؤلاء المعارضون من اليهود. ومن المرجَّح أنّ الموضوع يتعلّق بإنكار حقيقة سيدنا عيسى البشريّة وحقيقة موته، وهو ما فنّده يوحنّا باعتباره شاهدا على ذلك. وربّما كان خطأهم جعل سيدنا عيسى في منزلة نبي لا غير، كي يتجنّبوا الاضطهاد.
يا أولادي الأعِزّاء، إنّكُم أولياءُ اللهِ وإنّكُم لمُنتَصِرونَ على هؤُلاءِ الدَّجّالينَ، لأنّ رُوحَ اللهِ في قُلوبِكُم، وفَيضُها أقوى مِن إبليسَ الّذي يَسكُنُ الدُّنيا. إنّ هؤُلاءَ الدَّجّالينَ مِن هذِهِ الدُّنيا، يُعَبِّرونَ بصَوتِ أهلِها. لِذلِكَ يَسمَعونَهُم. أمّا نَحنُ، فإنّنا نَنتَمي إلى اللهِ، والّذينَ يَعرِفونَهُ يَستَمِعونَ إلينا، أمّا مَن اِبتَعَدوا عَنهُ، فقد صُمَّتْ آذانُهُم عن بَلاغِنا. وبِهذا نُمَيِّزُ بَينَ مَن يَقتَدي بِرُوحِ اللهِ لِيَقولَ الحقَّ وبَينَ مَن يُضلِّلِ النّاسَ بِكَلامِ الشّيطانِ.
محبّة الله فينا
يا أحبّائي، لِنُحِبَّ بَعضُنا بَعضًا، فالمَحبّةُ مِن اللهِ، وكُلُّ المُتَحابّينَ أهلُ اللهِ، كُلُّهُم عارِفونَ باللهِ. فاللهُ كُلُّهُ مَحَبّةٌ، ومَن لا يُحِبُّ فهُو في ضَلالٍ مُبِينٍ. وكذلِكَ أظهَرَ اللهُ مَدى مَحَبّتِهِ لنا إذ أرسَلَ إلى العالَمِ السَّيّدَ المَسيحَ، الابنَ الرُّوحيَّ الفَريدَ لهُ تَعالى كَي نُصبِحَ بِهِ مِن الخالِدينَ. 10 والمَحَبّةُ الحَقيقيّةُ ليسَت في عِشقِنا للهِ، بل في مَحَبّتِهِ لنا، إذ أرسَلَ الابنَ الرُّوحيَّ لِيُضَحِّي بِحَياتِهِ حَتّى يَمحوَ ذُنوبَنا.
11 أيُّها الأحبابُ، بِما أنّ اللهَ قد غَمَرَنا بِمَحَبّتِهِ، فلْنَفتَحْ أبوابَ المَحَبّةِ لبَعضِنا بَعضٍ. 12 فما مِن أحَدٍ رأى اللهَ مُطلَقًا. ولكِنْ إن أحبَبنا بَعضُنا بَعضًا، ظَهَرَ رُسوخُ اللهِ فينا، وتَجَلَّت مَحَبّتُنا لهُ كامِلةً أمامَ النّاسِ. ربّما ادّعى مَن ضَلَّ من المعلّمين رؤيةَ الله جهرًا. ولكنّ الحواري يوحنّا يُعارِض هذا الادّعاء الكاذب. فليس باستطاعة البشر رؤيةُ الله بِالعَين المجرّدة (انظر التوراة، سفر الخروج 33: 20)، ولكنّهم يستطيعون رؤيته تعالى من خلال الحبّ الذي يظهر بوضوح في تضحية سيدنا عيسى على الصليب (انظر هذه الرسالة 4: 9) وفي محبّة المؤمنين بعضِهم لبعض (4: 12). 13 وبِهذا نَتأكّدُ مِن رُسوخِنا في اللهِ ورُسوخِ اللهِ فينا، إذ وَهَبَنا مِن رُوحِهِ تَقَدَّسَ وتَعالى. 14 وإنّا لمُبصِرونَ، وإنّا لشاهِدُونَ أنّ اللهَ الأبَ الرَّحيمَ قد أَرسَلَ الابنَ الرُّوحيَّ مُنقِذًا للعالَمِينَ. 15 وإنّ الّذينَ اعتَرَفوا أنّ سَيِّدَنا عيسى هو الابنُ الرُّوحيُّ للهِ، لَيَرسُخُ اللهُ فيهِم، وهم يَرسُخونَ فيهِ تَعالى. 16 وإنّا لعارِفونَ أنّ اللهَ يُحِبُّنا وإنّنا على ثِقةٍ مِن ذلِكَ. فاللهُ مُحِبٌّ لِلنّاسِ دائِمًا، فمَن كانَ مِثلَهُ مُحِبًّا لهُم، ثَبَتَ في اللهِ وثَبَتَ اللهُ فيهِ. 17 وإذا تَجَلَّت مَحَبّتُنا للهِ كامِلةً فلْنَنتَظِرْ يومَ الحِسابِ بِكُلِّ ثِقةٍ ودونَ خَوفٍ، لأنّ سَيِّدَنا عيسى (سلامُهُ علينا) هُو مِثالُنا في المَحبّةِ، ولذلِكَ فنَحنُ في هذِهِ الدُّنيا ثابِتونَ في المَحَبّةِ.‏ 18 وبِتِلكَ المَحَبّةِ لا يَخافُ عُشاقُ اللهِ، فهِي إن كَمُلتْ طَرَدتِ الخَوفَ مِن قُلوبِهِم. إنّ مَن يَخافُ اللهَ ما زالَ يَتَوَقِّعُ العِقابَ، ومَحَبّتُهُ للهِ لم تَكتَمِل بَعدُ. إنّ أتباع السيد المسيح الّذين يُحبّون بعضهم بعضا لا يخافون يوم الدّين، لأنّ محبّة الله فيهم دليل على إخلاصهم لله، وبهذا فلن يَلقَوْا العقاب أبدا. فقد أخبرهم سيدنا عيسى أنّ ما يميّز بين من سيدخل مملكة الله الأبدية، وبين من سيَلقَى العقابَ هو مدى محبّته لأتباعه أو كراهيّته لهم (انظر متّى 25: 31 – 46). 19 ونَحنُ يُحِبُّ بَعضُنا بَعضًا لأنّ اللهَ أحَبَّنا أوّلاً. 20 كَذِبَ الّذينَ يَقولونَ: “نَحنُ للهِ مُحِبُّونَ” وهُم يَكرَهونَ بَعضَ إخوتِهِم. فمَن لا يُحِبُّ أخاهُ الّذي أبصَرَهُ، فكَيفَ يَقدِرُ إذن أن يُحِبَّ اللهَ الّذِي لا تُدرِكُه الأبصارُ؟ 21 ولقد أمَرَنا سَيِّدُنا المَسيحُ (سلامُهُ علينا) أنّ مَن يُحِبُّ اللهَ يَجِبُ أن يُحِبّ أخاهُ.§ انظر يوحنّا 13: 34.

*الفصل الرّابع:3 ربّما تعلّقَ الموضوعُ الّذي يشير إليه يوحنّا هنا بالذين تركوا جماعات المؤمنين وأنكروا حقيقةَ سيدنا عيسى باعتباره المسيحَ المنتظر، في حالة كان هؤلاء المعارضون من اليهود. ومن المرجَّح أنّ الموضوع يتعلّق بإنكار حقيقة سيدنا عيسى البشريّة وحقيقة موته، وهو ما فنّده يوحنّا باعتباره شاهدا على ذلك. وربّما كان خطأهم جعل سيدنا عيسى في منزلة نبي لا غير، كي يتجنّبوا الاضطهاد.

الفصل الرّابع:12 ربّما ادّعى مَن ضَلَّ من المعلّمين رؤيةَ الله جهرًا. ولكنّ الحواري يوحنّا يُعارِض هذا الادّعاء الكاذب. فليس باستطاعة البشر رؤيةُ الله بِالعَين المجرّدة (انظر التوراة، سفر الخروج 33: 20)، ولكنّهم يستطيعون رؤيته تعالى من خلال الحبّ الذي يظهر بوضوح في تضحية سيدنا عيسى على الصليب (انظر هذه الرسالة 4: 9) وفي محبّة المؤمنين بعضِهم لبعض (4: 12).

الفصل الرّابع:18 إنّ أتباع السيد المسيح الّذين يُحبّون بعضهم بعضا لا يخافون يوم الدّين، لأنّ محبّة الله فيهم دليل على إخلاصهم لله، وبهذا فلن يَلقَوْا العقاب أبدا. فقد أخبرهم سيدنا عيسى أنّ ما يميّز بين من سيدخل مملكة الله الأبدية، وبين من سيَلقَى العقابَ هو مدى محبّته لأتباعه أو كراهيّته لهم (انظر متّى 25: 31 – 46).

§الفصل الرّابع:21 انظر يوحنّا 13: 34.