مدخل إلى رسالة تيموتاوي الأولى
تعتبر الرّسائل الثّلاث: تيموتاوي الأولى وتيموتاوي الثانية وتيتوس، متميزة شكلا ومحتوى من بين رسائل الحواري بولس كلّها. ويبدو أن بولس قد كتبها في مرحلة متأخرة من حياته. وتناول فيها العديد من المواضيع، ومنها موضوع الدّعاة المضلّلين الذين شدّدوا على العرفان. وتهتمّ هذه الرّسائل الثلاث بالعقيدة الصحيحة وبطريقة تنظيم جماعة المؤمنين. إنّ هذه الرّسائل ليست موجّهة لعامّة المؤمنين، وإنّما هي موجهة إلى القادة الذين يرشدون هذه الجماعات ويوجّهونها. وسُمّيت هذه الرّسائل في العصر الحديث بـ “الرّسائل الرّعوية”، لأنّها تخاطب اهتمامات المرشدين الرّوحانييّن المسؤولين عن إرشاد جماعة المؤمنين ورعايتهم.
ومن المرجح أنّ هذه الرّسالة قد كُتبت في مقدونيا الواقعة شمال اليونان، وهي موجّهة لتيموتاوي، مساعد الحواري بولس ورفيقه في رحلتيه الثانية والثالثة للدعوة (انظر سيرة الحواريّين 16: 3، 19: 22). وكان بولس عادة يرسل تيموتاوي في مهمّات خاصّة، ويظهر في هذه الرّسالة أنّ بولس قد أرسله إلى مدينة أفاسوس ليشرف على جميع المؤمنين في المنطقة. وتيموتاوي هو ابن لأب وثنيّ وأمّ يهوديّة مؤمنة بالسيّد المسيح، واهتدى إلى الإيمان بفضل بولس.
تميّزت هذه الرّسائل لبولس (تيموتاوي الأولى، تيموتاوي الثانية وتيتوس) بأسلوب خاصّ وتعابير متميّزة نجدها في رسائل بولس السّابقة، لكنّ ترتيب هذه التعابير يختلف عن بقيّة الرّسائل. ويعتقد علماء الكتاب المقدّس والمفسّرون المحافظون، أنّ بولس هو الذي كتب هذه الرّسائل، في حين يرجّح آخرون أنه استعان بناسخ، واستدلّ بعضهم الآخر على أن لوقا هو ذلك الناسخ. ويقول فريق ثالث أن هذه الرّسائل هي مقتطفات من كتابات بولس التي تمّ جمعها من قبل محرّر.
وإذا افترضنا أنّ بولس هو الذي كتب هذه الرّسائل، فإنّ تاريخها يعود إلى فترة سجنه الثاني في روما، أي بعد سنة 62 للميلاد. واستنادا إلى الموروث، فقد تمّ تعذيبه بأمر من الإمبراطور نيرون، فلقي مصرعه شهيدا في تاريخ غير معلوم بين الفترة الممتدّة من سنة 63 إلى سنة 67 للميلاد.
بسم الله تبارك وتعالى
رسالة الحَواريّ بولُس الأُولى إلى تيموتاوي
الفصل الأوّل
تحيّة
مِن بولُس حَواريّ عيسـى المَسيحِ بِأمرِ اللهِ مُنَجّينا وعيسى المَسيحِ أمَلِنا اليَقينِ، أُرسِلُ هذِهِ الرِّسالةَ إِلى تيموتاوي، ابني الحَقيقيّ في الإيمانِ. السَّلامُ عليكَ والفَضلُ والرَّحمةُ مِن اللهِ أبينا الأحَدِ الصَّمَدِ ومِن سَيِّدِنا عِيسَى المَسيحِ (سلامُهُ علينا).
التّحذير من الدّعاة المضلّلين
تيموتاوي الحَبيبُ، إنّي أُناشِدُك، كَما ناشَدتُكَ سابِقًا حينَ تَرَكتُكَ وسافَرتُ إلى مَقْدونيا، أن تَبقى في مَدينةِ أفاسوس لِكَي تأمُرَ بَعضَ الدُّعاة ألاّ يُعَلِّموا الإخوةَ التَّعاليمَ الباطِلةَ. إنّهُم يُعَلِّمونَ المُؤمِنينَ خُرافاتٍ يَهوديةً عنِ الأنبياءِ، ويَروونَ عنهُم أنسابًا لا نِهايةَ لها.* من المرجح أنّ بولس يتحدث عن القصص التي ينشرها الناس والتي كانوا يتصرفون في مضمونها بناءا على قصص حقيقية وجدت في كتب الأنبياء القدامى (انظر رسالة تيتوس 1: 14). وربما قصد بولس بكلمة “الأنساب”، الطريقة التي كان يتبعها بعض الناس بإدّعاء نسب شريف مزيّف مع أنهم لا ينتسبون إلى أصل شريف. وقد وظّف أفلاطون وغيره من الفلاسفة من بعده عبارة “خرافات وأنساب” بطريقة سلبيّة. فيَنتَشِرُ بَينَ المُؤمِنينَ نِقاشٌ لا جَدوى مِنهُ، فيُحرَمونَ مِن الإيمانِ الحَقِّ ويَبتَعِدونَ عن قَصدِ اللهِ. وإنّ الهَدَفَ مِن أمري هذا هو المَحَبّةُ الصّادِرةُ عن قَلبٍ طاهِرٍ، وعن نيّةٍ صافيةٍ، وعن إيمانٍ مُخلِصٍ. ولكِنّ بَعضَ النّاسِ ضَلّوا عن هذِهِ الفَضائِلِ وانحَرَفوا إلى المُجادلاتِ الباطِلةِ. إنّهُم يَرغَبونَ في أن يُصبِحوا خُبَراءَ في أُمورِ التَّوراةِ، مَعَ أنّهُم لا يُدرِكونَ الكَلامَ الّذي يَتَفَوَّهونَ بِهِ ويُرَدِّدونَهُ بِكُلِّ ثِقةٍ.
إنّنا نَعلَمُ، نَحنُ المُؤمِنونَ، أنّ التَّوراةَ نافِعةٌ حينَ نَسلُكُ فيها النَّهجَ السَّليمَ. ونَحنُ نَعرِفُ أنّ اللهَ لم يُوَجِّه شَرائِعَ التَّوراةِ لِلّذينَ نالوا رِضاهُ، بَل للآثِمينَ العُصاةِ، والّذينَ لا يَخشَونَ اللهَ، ولِلخُطاةِ، ولِلكُفّارِ بِلا دِينٍ، ولقاتِلي آبائِهِم وأُمهاتِهِم، ولسافِكي الدِّماءِ، 10 وللّذينَ يأتونَ الفَواحِشَ، ولمُمارسي الشُّذوذَ الجِنسيَّ، ولِتُجّارِ الرَّقيقِ، ولِشُهودِ الزّورِ ولِلكَذّابينَ. إنّ اللهَ أنزَلَ هذِهِ الشَّريعةَ لِكُلِّ مَن خالَفَ الإرشادَ الصَّحيحَ 11 الّذي يوجدُ في البُشرى المَجيدةِ بِالسَّيِّدِ المَسيحِ، الّتي ائتَمَنَني عليها اللهُ تَبارَكَ وتَعالى.
الشّكر على رحمة الله
12 الشُّكرُ لِسَيِّدِنا عيسى المَسيحِ، الّذي وَثِقَ بي وأيَّدَني واختارَني لِخِدمَتِهِ. 13 مَعَ أنِّني تَجَّرأتُ عليهِ (سلامُهُ علينا) وأهَنتُهُ واضطَهَدتُ أتباعَهُ وأسأتُ إليهِم سابِقًا. لكِنّهُ رَحِمَني لأنّني لم أكُن أُدرِكُ ما فَعَلتُهُ، ولم أُؤمِن بِهِ حينَها، 14 فما أعظَمَ فَيضَ فَضلِ سَيِّدِنا (سلامُهُ علينا)، الّذي جَعَلَني أُؤمِنُ بِهِ وأستَمِدُّ مَحَبّتي مِنهُ لِلنّاسِ جَميعًا!
15 إنّ هذا القَولَ الّذي ستَسمَعونَهُ صادِقٌ أمينٌ، وعلى الجَميعِ أن يُصَدِّقوهُ: “لقد جاءَ سَيِّدُنا عيسى المَسيحُ إلى هذا العالَمِ ليُنقِذَ الضّالّينَ”، وقد كُنتُ أكبَرَهُم. 16 ومَعَ أنّي كُنتُ أشَدَّ الضّالّين، فإنّ مَولاي عيسى المَسيحَ قد رَحِمَني ليَرى النّاسُ صَبرَهُ الواسِعَ فيّ، وإنّي في ذلِكَ لأُسوةٌ لهُم، إذ يُمكِنُهُم أن يُؤمِنوا بِهِ ويَنالوا نَصيبهُم في دارِ الخُلدِ أيضًا. 17 فليَكُنِ الجَلالُ والإكرامُ إلى الأَبدِ، لِمَلِكِ العالَمينَ، الحَيِّ الّذي لا يَموتُ، ولا تُدرِكُهُ الأبصارُ، اللهُ الواحِدُ الأحَدُ. آمينَ.
التّذكير بالمَسؤوليات
18 أي بُنيّ تيموتاوي، إنّي أوصيكَ فاستَمِعْ لِما أقولُهُ لكَ وَفقًا للنُّبوءاتِ الّتي وَجَّهوها إليكَ سابِقًا، فاتبَعْها حتّى تُجاهِدَ في سَبيلِ الخَيرِ. 19 كُنْ في الإيمانِ راسِخًا، واحفَظْ ضَميرَكَ في صَفاءٍ. إِنّ الّذينَ رَفَضوا الضَّميرَ الصّافي تَحَطَّمَتْ فيهِم سَفينةُ الإيمانِ. 20 ومِن بَينَهُم هيمْناوي واسكَندرُ الّذَينِ طَرَدتُهُما مِن جَماعةِ المُؤمِنينَ، فأصبَحا عُرضةً لِلشَّيطانِ أمَلاً في أن يَتَأدّبا فلا يَكفُرا بِاللهِ. وقع هذان الشخصان تحت سطوة إبليس (انظر رسالة أفاسوس 6: 12؛ رسالة يوحنّا الأولى 5: 19)، وذلك عندما طردهما بولس من جماعة المؤمنين (انظر رسالة كورنتوس الأولى 5: 5). وطرْد هذين الشخصين من جماعة المؤمنين سيساعدهما على فهم قيمة التوبة وضرورة العودة إلى الجماعة من ناحية، والمحافظة على الصلاح الأخلاقي لبقية أفرادها من ناحية أخرى. ويبدو أن هِيمْناوي كان يعلّم المؤمنين أن البشر لن يبعثوا يوم القيامة بأجسادهم، وربما ذكر هذه الفكرة حتّى يساير بعض معتقدات الإغريق التي ترى أن جسد الإنسان يقل أهمية عن روحه.

*الفصل الأوّل:4 من المرجح أنّ بولس يتحدث عن القصص التي ينشرها الناس والتي كانوا يتصرفون في مضمونها بناءا على قصص حقيقية وجدت في كتب الأنبياء القدامى (انظر رسالة تيتوس 1: 14). وربما قصد بولس بكلمة “الأنساب”، الطريقة التي كان يتبعها بعض الناس بإدّعاء نسب شريف مزيّف مع أنهم لا ينتسبون إلى أصل شريف. وقد وظّف أفلاطون وغيره من الفلاسفة من بعده عبارة “خرافات وأنساب” بطريقة سلبيّة.

الفصل الأوّل:20 وقع هذان الشخصان تحت سطوة إبليس (انظر رسالة أفاسوس 6: 12؛ رسالة يوحنّا الأولى 5: 19)، وذلك عندما طردهما بولس من جماعة المؤمنين (انظر رسالة كورنتوس الأولى 5: 5). وطرْد هذين الشخصين من جماعة المؤمنين سيساعدهما على فهم قيمة التوبة وضرورة العودة إلى الجماعة من ناحية، والمحافظة على الصلاح الأخلاقي لبقية أفرادها من ناحية أخرى. ويبدو أن هِيمْناوي كان يعلّم المؤمنين أن البشر لن يبعثوا يوم القيامة بأجسادهم، وربما ذكر هذه الفكرة حتّى يساير بعض معتقدات الإغريق التي ترى أن جسد الإنسان يقل أهمية عن روحه.