الفصل الحادي عشر
التّحذير من الّذين يدّعون أنّهم حَواريون
ألاَ فاصبِروا عليَّ، واحتَمِلوا مِنّي حَديثي عن نَفسي، حَتّى لو بَدا حَماقةً. فاحتَمِلوهُ مِنّي، أرجوكُم، فأنا غَيورٌ عليكُم غَيرةَ اللهِ. فكَما يُدَبِّرُ الأبُ خُطبَةَ ابنتِهِ ويَحميها، ويُسَلِّمُها طاهِرةً لزَوجِها، كذلِكَ جَعَلتُ إيمانَكُم بسَيِّدِنا عيسى راسِخًا حَتّى تَكونوا مُخلِصينَ لهُ طاهِرينَ. وإنَّ خَوفي كَبيرٌ أن يُضِلَّكُم أحَدٌ عن وَلائِكُم وإخلاصِكُم للسَّيِّدِ المَسيحِ،* يصف بولُس معارضيه بالزناة الذين يدفعون العذارى المخطوبات إلى الانحراف، وهذا يعتبر جريمة عقابها الطرد والإبعاد في القانون الروماني، والموت في شريعة التوراة (سفر التثنية، 22: 23‏-27). ويَخدَعَكُم كَما خَدَعَتِ الحيَّةُ أُمَّنا حَوّاءَ، ولقد جاءَكُم الّذينَ يَبُثّونَ بَينَكُم الزَّيفَ والأخطاءَ عن سَيِّدِنا المَسيحِ، وعن صِفاتِ رُوحِ اللهِ، فيُخالِفونَنا ويَجحَدونَ تَعاليمَنا. ولقد شَوَّهوا البُشرى بالسَّيِّدِ المَسيحِ فقَبِلتُموهُم فَرِحينَ بما فَعَلوا. ولقد زَعَموا أنّهُم حَوارِيّونَ عُظَماءُ، فاعلَموا أنّي لَستُ أقَلَّ مِنهُم شَأنًا، وإنْ لم أكُن بَليغًا، فلا تَنقُصُني المَعرِفةُ، ولقد وَضَّحنا لكُم هذا الأمرَ في كُلِّ حينٍ بطُرُقٍ مُختَلِفةٍ. فهَلِ ارتَكَبتُ ذَنبًا عِندَما بَلَّغتُكُم رِسالَةَ اللهِ دونَ مُقابِلٍ؟ بل تَكَفَّلتُ بحاجياتي بعَمَلِ يَدي، فأنزَلتُ مَقامي، لِيَرتَفِعَ مَقامُكُم. كان المعلّمون الإغريق يكسبون رزقهم برعاية أحد السادة الكبار، أو من خلال طلبهم أجرةً مقابل عملهم التعليمي، أو بالاستجداء. أمّا الحواري بولس فقد اختار العمل بحرفة يدوية لسدّ حاجياته، وكان المؤمنون في كورنتوس يتحرَّجون من عمل بولُس، وخاصة الذين كانوا ينتمون إلى طبقة النبلاء الثرية. وربما فسّر الكورنتيون عدم قبول بولس لضيافتهم تحديًّا لمنـزلتهم وشرفهم. ولعلّ اجتناب بولُس لقبول أجرة مالية كان كي لا ينعته الناس أنه مجرّد سفسطائي عام يعلِّم لأجل كسب المال، أو لكي لا يُعوّل عليهم في احتياجاته. وقد انتقده معارضوه أمام المؤمنين في كورنتوس بسبب عمله اليدوي، معتبرين أنّ هذا العمل فاضح مهين. ولقد اعتَنَت بي جَماعاتٌ أُخرى مِن المؤمنينَ، وكَأنّي كُنتُ أسلِبُهُم لأخدِمَكُم أنتُم دونَ مُقابِلٍ. وعِندَما احتَجتُ وأنا بَينَكُم، لم أُثقِلْ على أحَدٍ مِنكُم في طَلَبِ حاجياتي، ولقد كَفاني الإخوةُ الّذينَ أقبَلوا مِن مَقدونِيا ما أحتاجُ إليهِ. وسأحرِصُ ألاّ أُثقِلَ عليكُم أبَدًا. لمّا كان بولُس مدعوما مِن قِبَل مجموعات أخرى من المؤمنين في اليونان، لم يكن يقبل دعم الكورِنتيين المادي له كمقابل لِما يقدّمه لهم من بركات روحية، وهو ما جعلهم مدينين له دائمًا، فتجنّب الاعتماد عليهم ولم يكن مُلْزَما لإرضائهم. 10 وها أنا أؤَكِّدُ لكُم بحقِّ السَّيِّدِ المَسيحِ، أنّهُ لن يَقدِرَ أحَدٌ مِنكُم في بِلادِ اليونانِ أن يُكَذِّبَ حَقيقتي الّتي أَفخَرُ بها، ألا وهي دَعوتي إلى السَّيِّدِ المَسيحِ بِلا مُقابِلٍ 11 وإنّي رَفَضتُ تَبَرُّعاتِكُم لي، لا عن كُرهٍ، بل عن مَحبَّةٍ لكُم، واللهُ عَليمٌ بذلِكَ، 12 ولكنّي سأستَمِرُّ في تَكَفُّلي بنَفسي لِكي أدحَضَ زَيفَ الدَّجّالينَ الّذينَ يَتَحَيَّنونَ الفُرصةَ ليَجعَلوا عَمَلَنا مُساوِيًا لعَمَلِهِم. 13 هُم الدَّجّالونَ، فاحذَروهُم، وما هُم بالحَواريِّينَ، يُخادِعونَكُم ويَدَّعونَ أنّ المَسيحَ أرسَلَهُم إليكُم. 14 ولا عَجَبَ، فحَتّى الشَّيطانُ يُمَوِّهُ فيَتَّخِذُ لنَفسِهِ شَكلَ مَلاكٍ مِن نورٍ، 15 فلَيسَ مِن الغَريبِ إذن أن يأتيَ إلينا أعوانُهُ في ثيابِ الصّالِحينَ، ومَآلُهُم سيَكونُ على قَدرِ أعمالِهِم.
معاناة بولس
16 وأكَرِّرُ قَولي مَرّةً أُخرى: لا يَظُنَّنَّ أحَدٌ مِنكُم أنِّي غَبيٌّ، ولئِنِ اعتَقَدتُم ذلِكَ فاقبَلوا مِنّي افتِخاري كَما تَقبَلونَهُ مِن هؤلاءِ الدَّجّالينَ.
17 والآنَ سأتَصَرَّفُ كَغَبيٍّ وسأتَجَرَّأُ على الافتِخارِ بنَفسي، ولكِن تَيَقَّنوا أنّ ما سأقولُهُ الآنَ غَيرُ صادِرٍ عن سَيِّدِنا المَسيحِ. 18 فإذا تَباهَى الآخَرونَ بإنجازاتِهِم الدُّنيَويَّةِ، أفلا أتباهى أنا أيضًا؟ 19 هل تَحسَبونَ أنّكُم عُقَلاءُ في حينِ أنّكُم تَحتَمِلونَ الجَهَلةَ بكُلِّ سُرورٍ؟ حقًّا إنَّكُم في ضَلالٍ مُبينٍ. 20 فكَيفَ تَحتَمِلونَ مَن يَستَعبِدُكُم، ويَستَغِلُّكُم، ويَسلِبُكُم، ويَتَعالى عليكُم، ويَلطِمُكُم على وُجوهِكُم؟§ الاستعباد الذي يتحدَّث عنه الحواري بولُس هنا هو فرض القواعد والعادات الإنسانية المناقضة للحرية التي تتمتَّع بها جماعة أتباع السيد المسيح. 21 يا للمَهانَةِ! كَم كُنّا ضُعَفاءَ في مُعامَلتِنا لكُم!
وما دُمتُ أتَكَلَّمُ في غَباءٍ، فسأتَجَرَّأُ على الافتِخارِ بكُلِّ ما يَفتَخِرُ بِهِ هؤلاءِ الدَّجّالونَ بكُلِّ جُرأةٍ. 22 إنّهُم يَتَباهونَ لأنّهُم عِبرانِيّونَ، وأنا أيضًا عِبرانِيٌّ صَميمٌ! وهُم يَتَفاخَرونَ لأنّهُم مِن بَني يَعقوبَ، فأنا أيضًا مِن بَني يَعقوبَ! ويَفتَخِرونَ أنّهُم يَنحَدِرونَ مِن نَسلِ النّبيِّ إبراهيمَ، فأنا أنحَدِرُ أيضًا منَ الأصلِ نَفسِهِ.* كان الدعاة الدجّالون يهودا مثل بولُس. وكان هؤلاء الدجّالون يعلّمون الناس أنه من الواجب على غير اليهود تبنّي العادات اليهودية والتهوّد كي يصبحوا جزءًا من أُمّة الله. أما بولُس، فكان يعلّم الناس بوحيٍ من الله أنّ كلّ الذين يتَّبعون سيدنا عيسى (سلامه علينا) هم أمّة الله الحقيقيّة. 23 فكَيفَ يَتَباهَونَ بِخِدمتِهِم للسَّيِّدِ المَسيحِ؟ فسأتَكَلَّمُ كالمَعتوهِ لأنّي أفوقُهُم في خِدمَتي لهُ (سلامُهُ علينا)، ففي سَبيلِهِ كُنتُ أُجاهِدُ أكثَرَ مِنهُم، وسُجِنتُ وتَعَرَّضتُ للجَلدِ والتَّعذيبِ وذُقتُ ألوانًا مِن المَوتِ أكثَرَ مِنهُم. 24 فقد جَلدَني اليَهودُ خَمسَ مَرّاتٍ، في كُلِّ مَرَّة تِسعًا وثلاثينَ جَلدةً. 25 ورَجَموني بالحِجارةِ مَرَّة. وضَرَبَني الرّومانُ بالعِصيِّ مَراتٍ ثَلاثًا. وتَحَطَّمَت بي السَّفينةُ مَرّات ثلاثًا. وقَضَيتُ يَومًا كامِلاً، بنَهارِهِ وليلِهِ، في عَرضِ البَحرِ بَعدَ أن غَرِقت سَفينتي. 26 وواجَهتُ في أسفارٍ عَديدةٍ مَخاطِرَ مِن الأنهارِ الجارِفةِ، ومَخاطِرَ مِن قُطّاعِ الطُّرُقِ، ومَخاطِرَ شَتَّى مِن اليَهودِ ومِن غَيرِ اليَهودِ، ومَخاطِرَ في المُدُنِ ومَخاطِرَ في القِفارِ، ومَخاطِرَ في البَحرِ ومَخاطِرَ مِن الّذينَ يَدَّعونَ الإيمانَ. 27 لقد اجتَهَدتُ وعانيتُ في سَبيلِ السَّيِّدِ المَسيحِ التَّعبَ والسَّهَرَ، وقاسيتُ جوعًا وعَطَشًا وبَردًا وعَراءً. 28 ويَنضافُ إلى هذا كُلِّهِ، انشِغالي اليَومِيُّ بكُلِّ جَماعاتِ المؤمنينَ الّتي أرعاها. 29 فعِندَما يَضعُفُ إيمانُ أحَدِهِم، فكَيفَ لا أتَعاطَفُ مَعَهُ ولا أحزَنُ مِن أجلِهِ؟! وعِندَما يَضِلُّ أحَدُهُم عنِ الإيمانِ، فكَيفَ لا أغضَبُ على مَن أَضَلَّهُ؟!
30 فإذا كُنتُ مُضطَرًّا للافتِخارِ، فإنّي سأَفتَخِرُ بما يُظهِرُ عَزْمي رَغمَ الضَّعفِ الّذي أقاسيهِ. 31‏-33 فعِندَما كُنتُ في مَدينةِ دِمَشقَ، أمَرَ الحاكِمُ الّذي يَعمَلُ تَحتَ سُلطةِ المَلِكِ الحارِثِ، مَلكِ الأنباطِ، كان الملك الحارث الرابع، الذي زوَّج ابنته إلى أنتيـباس بن هيرودس، حاكما على العرب الأنباط لمدّة تمتدّ تقريبا من سنة 9 قبل الميلاد إلى سنة 40 للميلاد. وربما كان الإمبراطور الروماني “كاليغولا” قد أعاد دمشق إلى مملكة الحارث من جديد، لأنها كانت فيما سبق جزءا من أراضي مملكته. أن تُحرَسَ بَوّاباتُ المَدينةِ حتّى يُقبَضَ عليَّ. ولكنّ إخواني دَبَّروا أمري فوَضَعوني في قُفَّةٍ، وأنزلوني مِن نافِذةٍ في السّورِ تُطِلُّ على خارِجِ المَدينةِ، فنَجَوتُ مِن يَدِ الحاكِمِ. ولَيَشهَد اللهُ الأبُ الرّحيمُ لِسَيِّدِنا عيسى -تَبارَكَ إلى الأبَدِ- أنّي في هذا مِن الصّادِقينَ.

*الفصل الحادي عشر:3 يصف بولُس معارضيه بالزناة الذين يدفعون العذارى المخطوبات إلى الانحراف، وهذا يعتبر جريمة عقابها الطرد والإبعاد في القانون الروماني، والموت في شريعة التوراة (سفر التثنية، 22: 23‏-27).

الفصل الحادي عشر:7 كان المعلّمون الإغريق يكسبون رزقهم برعاية أحد السادة الكبار، أو من خلال طلبهم أجرةً مقابل عملهم التعليمي، أو بالاستجداء. أمّا الحواري بولس فقد اختار العمل بحرفة يدوية لسدّ حاجياته، وكان المؤمنون في كورنتوس يتحرَّجون من عمل بولُس، وخاصة الذين كانوا ينتمون إلى طبقة النبلاء الثرية. وربما فسّر الكورنتيون عدم قبول بولس لضيافتهم تحديًّا لمنـزلتهم وشرفهم. ولعلّ اجتناب بولُس لقبول أجرة مالية كان كي لا ينعته الناس أنه مجرّد سفسطائي عام يعلِّم لأجل كسب المال، أو لكي لا يُعوّل عليهم في احتياجاته. وقد انتقده معارضوه أمام المؤمنين في كورنتوس بسبب عمله اليدوي، معتبرين أنّ هذا العمل فاضح مهين.

الفصل الحادي عشر:9 لمّا كان بولُس مدعوما مِن قِبَل مجموعات أخرى من المؤمنين في اليونان، لم يكن يقبل دعم الكورِنتيين المادي له كمقابل لِما يقدّمه لهم من بركات روحية، وهو ما جعلهم مدينين له دائمًا، فتجنّب الاعتماد عليهم ولم يكن مُلْزَما لإرضائهم.

§الفصل الحادي عشر:20 الاستعباد الذي يتحدَّث عنه الحواري بولُس هنا هو فرض القواعد والعادات الإنسانية المناقضة للحرية التي تتمتَّع بها جماعة أتباع السيد المسيح.

*الفصل الحادي عشر:22 كان الدعاة الدجّالون يهودا مثل بولُس. وكان هؤلاء الدجّالون يعلّمون الناس أنه من الواجب على غير اليهود تبنّي العادات اليهودية والتهوّد كي يصبحوا جزءًا من أُمّة الله. أما بولُس، فكان يعلّم الناس بوحيٍ من الله أنّ كلّ الذين يتَّبعون سيدنا عيسى (سلامه علينا) هم أمّة الله الحقيقيّة.

الفصل الحادي عشر:31‏-33 كان الملك الحارث الرابع، الذي زوَّج ابنته إلى أنتيـباس بن هيرودس، حاكما على العرب الأنباط لمدّة تمتدّ تقريبا من سنة 9 قبل الميلاد إلى سنة 40 للميلاد. وربما كان الإمبراطور الروماني “كاليغولا” قد أعاد دمشق إلى مملكة الحارث من جديد، لأنها كانت فيما سبق جزءا من أراضي مملكته.