الفصل الثّالث
تجلّي سيّدنا عيسى ملكًا
يا أحِبّائي، إنّ هذِهِ رِسالتي الثّانيةُ إليكُم، لَعَلَّكُم تَتَذَكّرونَ، فأُبعَثُ فيكُم الفِكرَ الصّالِحَ النَّقيَّ. فتَذَكَّروا الأقوالَ الّتي جاءَت على ألسِنةِ الأنبياءِ الصّالِحينَ، وما أبلَغَكُم بِهِ الحَواريّونَ مِن وَصايا سَيِّدِنا عيسى مُنَجّينا. فَاعْلَموا أَوّلاً أنّهُ سيَظهَرُ، في آخِرِ أيّامِ الدُّنيا، بَشَرٌ مُستَهزِئونَ ساخِرونَ، يَتَّبِعونَ أهواءَهُم* ربّما كان المقصود هنا من السّاخرين هو أناس يَنتمون إلى مذهب العرفانيّين، ويرفضون الاعتراف بيوم الحساب حين يجازي الله الناس على آثامهم. ويَقولونَ: “لقد وَعَدَ المَسيحُ بِأن يَتَجَلّى مَلِكًا، فأينَ هو؟ فمُنذُ وَفاةِ آبائِنا، لم يَأتِ يَومُ الحِسابِ، وما زالَتِ الأُمورُ على حالِها مُنذُ خَلقِ العالَمينَ”. وإنّهُم يَتَجاهَلونَ عَمدًا أنّ اللهَ خَلَقَ بِكَلِمةٍ مِنهُ السَّماواتِ مُنذُ القَديمِ، ودَحا الأرضَ مِن الماءِ وأحاطَها بِالماءِ. يمكن أن يكون هذا المقطع إشارةً إلى خلق الله للكون من خلال كلمته، أي أمره (انظر التوراة، سفر التكوين 1: 3 وما يليه)، وربّما أشار إلى الخلق من خلال سيّدنا عيسى كلمة الله الأزليّة (انظر يوحنّا 1: 1‏-3). وبِالماءِ أيضًا غَرِقَ العالَمُ وهَلَكَ في عَهدِ النَّبيِّ نوحٍ. أمّا في أيّامِنا هذِهِ، فستَبقى السَّماواتُ والأرضُ مَحفوظةً بِكَلِمةِ اللهِ ذاتِها حَتّى يَومِ الدِّينِ، ثُمّ يُدَمِّرُها بِالنّارِ ويُهلِكُ الأشرار.
يا أحِبّائي، انتَبِهوا إلى هذا الأمرِ، إنّ يَومًا واحِدًا عِندَ اللهِ كَألفِ سَنةٍ مِمّا تَعُدّونَ، وإنّ ألفَ سَنةٍ كيَومٍ واحِدٍ. واللهُ لا يَتَأخَّرُ عن تَحقيقِ وَعدِهِ، كَما يَظُنُّ البَعضُ، ولكِنّ اللهَ على النّاسِ صَبورٌ حَليمٌ، لا يُريدُ لأحَدٍ أن يَهْلِكَ، بل يُريدُ التّوبةَ لِلجَميعِ.
10 سيأتي يَومُ اللهِ فَجأةً ويُباغِتُ الأشرارَ كَما يأتي مَن يُباغِتُ في اللَّيلِ الغافِلينَ. تُصعَقُ السَّماواتُ بِدَويٍّ عَظيمٍ، وتَحتَرِقُ عَناصِرُ الكَونِ والأرضُ وما فيها. يعني “يوم الله” في كتب الأنبياء القدامى، اليوم الذي يقضي فيه الله تعالى على العُصاة ويعاقبهم. واستُعملت هنا العبارة نفسها باعتبارها مصطلحا آخر للإشارة إلى يوم الحساب، وهو اليوم المحدِّدُ لنهاية هذا العالم وفيه حساب لجميع البشر وفيه نجاة الصّالحين. 11 فإن كانَ كُلُّ شَيءٍ مَآلُهُ إلى الفَناءِ بِهذِهِ الطّريقةِ، فماذا أنتُم فاعِلونَ؟ ألا يَنبَغي أن تَتّصِفَ حَياتُكم بِالتَّقوى والصَّلاحِ، 12 بَينَما أنتُم تَنتَظِرونَ يَومَ اللهِ، وتَطلُبونَ قُربَ حُلولِهِ، ذلِكَ اليَومُ الّذي فيهِ تَذوبُ السَّماواتُ وتَزولُ، وتَنصَهِرُ العَناصِرُ بِنارٍ أتونٍ. 13 أمّا نَحنُ فنَنتَظِرُ سَماواتٍ جَديدةً وأرضًا جَديدةً يُقيمُ فيها الصّالِحونَ، كَما وَعَدَنا اللهُ.
14 إذن يا أحِبّائي، بَينَما أنتُم تَتَرَقِّبونَ تَحقيقَ هذا الوَعدِ، اجتَهِدوا في أن تَكونوا مُسالِمينَ طاهِرينَ دونَ شَوائبٍ، 15 واعْلَموا أنّ مَولانا عيسى يَصبِرُ بِفَضلِهِ ولا يَستَعجِلُ تَجَلّيهِ مَلِكًا على العالَمينَ، فما زالَت هُنالِكَ فُرصةٌ لِنَجاةِ العُصاةِ. إنّ هذا ما حَدَّثَ بِهِ أخونا الحَبيبُ بولُسُ على قَدرِ الحِكمةِ الّتي مَنَحَهُ اللهُ إيّاها،§ يمكن أن يكون بطرس قد أشار هنا إلى ما كتبه الحواري بولس في رسالته إلى أحباب الله في روما، 2: 4، فقد كُتبت هذه الرّسالة حوالي سنة 57 للميلاد، أمّا الرّسالة التي كتبها بطرس فقد تمّت ما بين سنتي 65 و 68 للميلاد. 16 حينَ كَتَبَ عن هذِهِ المَسائلِ في كُلِّ رَسائِلِهِ، ولقد جاءَت فيها أُمورٌ يَصعُبُ فَهمُها ويُحَرِّفُ الجَهَلةُ وغَيرُ الرّاسِخينَ تَفسيرَها، كَما يَفعَلونَ في سائِرِ الكُتُبِ المُقَدَّسةِ،* اعتبر الحواري بطرس أنّ كتابات بولس تَحظى بالمكانة نفسها التي تحظى بها التوراةُ وغيرُها من كتب الأنبياء الأوّلين. وهذا سيُؤدِّي بِهِم إلى الهَلاكِ.
17 يا أحِبّائي، أنذَرتُكُم بِكُلِّ هذا مُسَبَّقًا، فاحذَروا، حَتّى لا يَخدَعُكُمُ الأشرارُ المُضِلّونَ، فتَرتَدّونَ عن ثَباتِكُم في الإيمانِ. 18 ولكِن ارتَقَوا في فَضلِ اللهِ وفي مَعرِفةِ سَيِّدِنا ومُنَجّينا عيسـى المَسيحِ. فلْتَكُنِ لهُ الهَيبةُ، الآنَ وإلى يَومِ الخُلودِ. آمينَ.

*الفصل الثّالث:3 ربّما كان المقصود هنا من السّاخرين هو أناس يَنتمون إلى مذهب العرفانيّين، ويرفضون الاعتراف بيوم الحساب حين يجازي الله الناس على آثامهم.

الفصل الثّالث:5 يمكن أن يكون هذا المقطع إشارةً إلى خلق الله للكون من خلال كلمته، أي أمره (انظر التوراة، سفر التكوين 1: 3 وما يليه)، وربّما أشار إلى الخلق من خلال سيّدنا عيسى كلمة الله الأزليّة (انظر يوحنّا 1: 1‏-3).

الفصل الثّالث:10 يعني “يوم الله” في كتب الأنبياء القدامى، اليوم الذي يقضي فيه الله تعالى على العُصاة ويعاقبهم. واستُعملت هنا العبارة نفسها باعتبارها مصطلحا آخر للإشارة إلى يوم الحساب، وهو اليوم المحدِّدُ لنهاية هذا العالم وفيه حساب لجميع البشر وفيه نجاة الصّالحين.

§الفصل الثّالث:15 يمكن أن يكون بطرس قد أشار هنا إلى ما كتبه الحواري بولس في رسالته إلى أحباب الله في روما، 2: 4، فقد كُتبت هذه الرّسالة حوالي سنة 57 للميلاد، أمّا الرّسالة التي كتبها بطرس فقد تمّت ما بين سنتي 65 و 68 للميلاد.

*الفصل الثّالث:16 اعتبر الحواري بطرس أنّ كتابات بولس تَحظى بالمكانة نفسها التي تحظى بها التوراةُ وغيرُها من كتب الأنبياء الأوّلين.