الفصل الثّاني عشر
رؤى بولس
لا فائدةَ تُرجى مِنَ التَّباهي والتّفاخُرِ، ولكنّي مُضطَرٌّ إلى ذلِكَ حَتّى أُدافِعَ عن مَكانَتي كحَواريِّ سَيِّدِنا المَسيحِ، فدَعوني أُحَدَّثُكُم الآنَ عن الرُّؤى الّتي تَجَلَّت لي مِنَ اللهِ وعن غَيرِها مِمّا كَشَفَهُ لي تَعالى. فاعلَموا أنّي مُنذُ أربَعَ عَشَرةَ سَنةً رُفِعتُ فَجأةً إلى السَّماء الثّالثةِ، إلى حَضرةِ اللهِ تَعالى. فهل حَدَثَ ذلِكَ بجِسمي أم بغَيرِ جِسمي؟ لا أعلَمُ، بل اللهُ هو العَليمُ! نعم، اللهُ وَحدَهُ يَعلَمُ إِن كُنتُ رُفِعتُ بِجِسمي أو بغَيرِ جِسمي. ولكنّي أعلَمُ أني رُفِعتُ إلى حَضرةِ اللهِ، إلى فِردوسِ النَّعيمِ، وهُناكَ سَمِعتُ أُمورًا مُدهِشةً لا يُمكِنُ التَّعبيرُ عَنها، ولا يَحِقُّ للإنسانِ النُّطقُ بها.* تقول النصوص اليهودية إنّ الله سيوجِد “الجنةَ”، على الأرض في الحياة الآخرة، لكنها الآن محفوظة في السماوات. وهي نظير جنة عدن التي عاش فيها آدم وحواء. إنّ هذا الحَدَثَ يَستَحِقُّ الافتِخارَ، ولكنّي لن أفتخِرَ بِهِ، بل سأفتَخِرُ بضَعفي. وحتّى لو افتَخَرتُ بِهِ، فأنا لَستُ غَبيًّا، لأنّ كُلَّ ما ذَكَرتُهُ حَقيقةٌ. ومَعَ ذلكَ امتَنَعتُ عن التّباهي بنَفسي، لأنّي أُريدُ مِن النّاسِ أن يَعرِفوا حَقيقَتي بِسَماعِ كَلامي والنّظَرِ في أعمالي فَقَط.
وبسَبَبِ عَظمةِ التَّجَلِّيّاتِ الّتي عايَنتُها، وكَي لا أتَكَبَّرَ بها فقد سُمِحَ لأحَدِ أعدائي -وهو عَونٌ مِن أعوانِ الشَّيطانِ- أن يُعَذِّبَني كشَوكةٍ تَنغَرِزُ في جِسمي! يُطلق على الأشخاص الذين يُسـبِّبون العذاب والإرهاق للآخرين لقب الأشواك في كلّ من التوراة (سفر العدد، 33: 55) وكتابات الأنبياء (حزقيال (ذو الكفل)، 2: 6; 28: 24؛ وميخا، 7: 4). فاستَنجَدتُ بمَولايَ عيسى ثَلاثَ مَرّاتٍ أن يُبعِدَ عنّي شَوكَةَ اللَّعينِ. فقالَ لي: “فَضلي يَكفيكَ، ففي ضَعفِكَ تَكتَمِلُ قُدرتي”. إذن بكُلِّ سُرورٍ أفتَخِرُ بضَعفي، لكي يَعلَمَ النّاسُ أنّ القوَّةَ الكامِنةَ فيَّ إنّما هي قوّةُ السَّيِّدِ المَسيحِ! 10 وإنّي لأرضَى في سَبيلِهِ أن أتَحَمَّلَ الضَّعفَ والإهانةَ والبَلاءَ والاضطِهادَ وكُلَّ المَصائبِ، فأنا حِينَ أكونُ ضَعيفًا، فإنّي في الحَقيقةِ قَويٌّ بقوَّةِ مَولايَ المَسيحِ. في الديانات الوثنية، كان يتمّ عرض القوّة الإلهية من خلال العجائب الخارقة، أما بالنسبة إلى بولس، فإن قوّة الله هي التي تمكّن الإنسان الضعيف في ذاته من التحمّل والصبر.
اهتمامات بولس
11 لقد تَصَرَّفتُ كَغَبيٍّ حينَ تَباهَيتُ بنَفسي. ولكنَّكم دَفَعتُموني إلى ذلكَ دَفعًا! وكان مِنَ الواجِبِ عليكُم أن تَفتَخِروا بي، لا أن تَدفَعوني إلى الافتِخارِ بنَفسي، فرَغمَ أنّي لا أُساوِي شَيئًا، فأنا لَستُ أقَلَّ شأنًا مِن هؤلاءِ الدَّجّالينَ الّذينَ يَدَّعونَ أنَّهُم حَوارِيّونَ. 12 فحينَ كُنتُ مَعَكُم بَرهَنتُ لكُم أنّي حَواريُّ السَّيِّدِ المَسيحِ بصَبْري على كُلِّ ضيقٍ، وبالكَراماتِ الّتي جَرَت على يَدي، وبالأعمالِ الخارِقةِ والمُعجِزاتِ الّتي أظهَرتُها بَينَكُم. 13 فهل عاملتُكُم مُعامَلةً أدنى مِن الجَماعاتِ الأخرى؟ إلاّ أنِّي لم أُثقِلْ عليكُم بمَعاشي! فإن كانَ هذا ظُلمًا، فأرجوكُم سامِحوني!
14 أنا مُستَعِدٌّ الآنَ أن أزورَكُم للمَرَّةِ الثّالثةِ. ولن أُثقِلَ عليكُم بحاجياتي، فأنا أُريدُكُم أنتُم لا مالَكُم. وإنّي لكُم في إيمانِكُم أبٌ حَنونٌ، فالأولادُ لا يُنفِقونَ على والديهِم، بل يُنفِقُ الوالدانِ على أولادِهِم. 15 فها أنا أبذُلُ نَفسي ومَعَها كُلُّ شَيءٍ مِن أجلِكم بكُلِّ سُرورٍ. فإن كانَ حُبُّكُم مُهجتي، فكَيفَ تَبخَلونَ بحُبِّكم عليَّ؟ 16 إنّ بَعضًا مِنكُم يَعتَرِفونَ أنّي لم أُثقِلْ عليكُم بحاجياتي، ولكنّهُم يَزعُمونَ في الوَقتِ نَفسِهِ أنّي مُحتالٌ أسلِبُكُم أموالَكُم بالمَكرِ والخَديعةِ! 17 هل أكونُ قد استَغلَلتُكُم مِن خِلالِ الرِّجالِ الّذينَ أرسَلتُهُم إليكُم لِيُساعِدوكُم في جَمعِ التَّبَرُّعاتِ مِن أموالِكُم؟§ كان الدجّالون الذين يعارضون بولُس يدَّعون أنّ امتناعه عن قبول دعم ماديّ من الكورِنتيين، دليلٌ على عدم حبِّه لهم. واتّهموه بقولهم إنّ استقلاله المادي ناتج عن سرقة المال الذي جمعه لإغاثة المؤمنين الفقراء في القدس. 18 ولقد رَجَوتُ الأخَ تيتوسَ أن يَزورَكُم، وأرسَلتُ مَعَهُ الأخَ الّذي ذَكَرتُهُ سابِقًا. فهل أخَذَ تيتوسُ لنَفسِهِ شَيئًا؟ ألم يَكُن مِثلي صادِقًا مُستَقيمًا؟ ألم نَسلُكْ مَعًا الطّريقَ القَويمَ نَفسَهُ؟* أراد بعض المؤمنين في كورنتوس إعلاء شأنهم في المجتمع من خلال تقديمهم الدعم المالي للحواري بولس باعتباره معلّمًا مهمًّا. وعندما رفض قبول دعمهم، انتقدوه كثيرًا، كما انتقدوه أيضا بسبب جمعه المال لمساعدة المؤمنين الفقراء في القدس.
19 ورُبَّما تَعتَقِدونَ أنّنا نُدافِعُ عن أنفُسِنا بكُلِّ ما نَقولُهُ. كَلاّ، إنّنا أتباعُ السَّيِّدِ المَسيحِ واللهُ يَشهَدُ لنا، وإنّما قَصدُنا، يا أحِبائي، تَرسيخُ إيمانِكُم. 20 وإنّي لأخشى أن أجِدَكُم على غَيرِ ما أُريدُ وتَجِدوني على غَيرِ ما تُريدونَ عِندَما أزورُكُم، وأخافُ أن يَكونَ بَينَكُم نِزاعٌ وحَسَدٌ وغَضَبٌ وتَحَزُّبٌ وافتِراءٌ، وشَتائمُ وكِبرياءُ وفِتنةٌ. 21 وأخافُ أيضًا أن يُذِلَّني رَبّي بسَبَبِكُم عِندَما أزورُكُم، فأبكي لِفَشَلي في إِرشادِ الّذينَ أذنَبوا مِن قَبلُ ولم يَتوبوا ولم يَرجِعوا عمّا ارتَكَبوا مِن فَسادٍ وفَحشاءَ وفِسقٍ.

*الفصل الثّاني عشر:4 تقول النصوص اليهودية إنّ الله سيوجِد “الجنةَ”، على الأرض في الحياة الآخرة، لكنها الآن محفوظة في السماوات. وهي نظير جنة عدن التي عاش فيها آدم وحواء.

الفصل الثّاني عشر:7 يُطلق على الأشخاص الذين يُسـبِّبون العذاب والإرهاق للآخرين لقب الأشواك في كلّ من التوراة (سفر العدد، 33: 55) وكتابات الأنبياء (حزقيال (ذو الكفل)، 2: 6; 28: 24؛ وميخا، 7: 4).

الفصل الثّاني عشر:10 في الديانات الوثنية، كان يتمّ عرض القوّة الإلهية من خلال العجائب الخارقة، أما بالنسبة إلى بولس، فإن قوّة الله هي التي تمكّن الإنسان الضعيف في ذاته من التحمّل والصبر.

§الفصل الثّاني عشر:17 كان الدجّالون الذين يعارضون بولُس يدَّعون أنّ امتناعه عن قبول دعم ماديّ من الكورِنتيين، دليلٌ على عدم حبِّه لهم. واتّهموه بقولهم إنّ استقلاله المادي ناتج عن سرقة المال الذي جمعه لإغاثة المؤمنين الفقراء في القدس.

*الفصل الثّاني عشر:18 أراد بعض المؤمنين في كورنتوس إعلاء شأنهم في المجتمع من خلال تقديمهم الدعم المالي للحواري بولس باعتباره معلّمًا مهمًّا. وعندما رفض قبول دعمهم، انتقدوه كثيرًا، كما انتقدوه أيضا بسبب جمعه المال لمساعدة المؤمنين الفقراء في القدس.