الفصل الرّابع
بطرس ويوحنّا يحاكمان
وهكذا، بَينَما كانَ بُطرُسُ الصَّخرُ ويوحَنّا يُحدّثانِ الجُموعَ، أقبَلَ عليهِما بَعضُ الأحبارِ برِفقةِ قائدِ حَرَسِ بَيتِ اللهِ وبَعضِ الرِّجالِ مِن جَماعةِ الصَّدّوقيّينَ.* كانت مهمّة الأحبار تنحصر في تأدية العبادات في حرم بيت الله مثل تقديم الأضحيات. وقد كان مسموحًا لليهود، في زمن الاحتلال الروماني، تعيين من يحرس حرم بيت الله، إضافةً إلى إقامة النظام فيه والتأكّد من محافظة الزوّار على القوانين المتبّعة في الحرم المقدّس. وكان رئيس الحرس ينحدر من عائلات رجال الدين، حيث كان له شأن عظيم يقارب شأن كبير الأحبار. أمّا بالنسبة إلى حزب الصدّوقيين فقد كانوا فئة ثريّة من اليهود متحالفة مع كبير الأحبار والسلطة الحاكمة. وكانوا يعلّمون الناس أنّ تقديم الأضحيات وتأدية العبادات في الحرم الشريف من أهمّ أمور الحياة. وهذا يخالف تعاليم جماعة المتشدّدين (الفريسيين) الذين كانوا يؤمنون بأنّ تطبيق تعاليم التوراة بأسلوب فعّال هو أهمّ من تفاصيل العبادات في الحرم. وقد أصابَهُم ضِيقٌ شَديدٌ مِن جَرّاءِ الدَّعوةِ الّتي يَنشُرُها تِلمِيذا سَيِّدِنا عيسى بَينَ الجُموعِ ومَفادُها أنّ قيامَ عيسى (سلامُهُ علينا) بَعدَ الموتِ دَليلٌ على أنّ جَميعَ المَوتى سيَقومونَ في الآخِرة، كانت جماعة الصدّوقيين تنكر البعث والنشور. وكان قول الحواريين بالبعث والنشور تحدّيًا لهم ولرؤساء الأحبار الذين كانوا يدعمونهم. وجاءت عودة سيدنا عيسى للحياة بمثابة تصديق لدعوة الحواريين تلك وبرهانًا على خطإ تعاليم الصدّوقيين، وهو ما يقلّل من عدد أتباع هؤلاء. فقَبَضَ الأحبارُ ومُرافِقوهُم على بُطرُسَ ويوحنّا ووَضَعوهُما في السِّجنِ إلى مَساءِ اليَومِ التّالي. ولكنّ كَثيرًا مِمَّن سَمِعوا بالرِّسالةِ آمَنوا بها، فبَلَغَ عَدَدُ المُؤمنينَ بالمَسيحِ نَحوَ خَمسَةِ آلافٍ، دونَ النِّساءِ والأطفالِ.
ومَعَ طُلوعِ فَجرِ اليومِ التّالي، انعَقَدَ مَجلِسُ قادةِ اليَهودِ والمَشايخِ والفُقهاءِ في القُدسِ بحُضورِ حَنّا كَبيرِ الأحبارِ وقَيافا ويوحَنّا وإسكَندر وغَيرِهِم مِنَ المُنتَمينَ إلى عائلةِ كَبيرِ الأحبارِ. وَأُحضِرَ بُطرُسُ ويوحنّا ليَقفا أمامَهُم وليَستجوِبوهُما قائلينَ: “بأيِّ حَقٍّ أو بأيِّ اسمٍ عَمِلتُما هذا؟” فأجابَهُم بُطرُسُ الصّخرُ وهو مُفعَمٌ برُوحِ اللهِ قائلاً: “يا قادةَ الشَّعبِ ومَشايِخَهِ، هل تَستجوِبونَنا اليومَ عَن مَعروفٍ كانَ مِنّا لمَريضٍ؟ هل تُريدونَ الوُقوفَ على السِّرِّ وَراءَ شِفائِهِ؟ 10 إذن، اعلَموا جَميعًا وليَعلَمْ كُلُّ أبناءِ بَني يَعقوبَ أنّ هذا الرَّجُلَ إنّما يَقِفُ الآنَ أمامَكُم مُعافىً بقوَّةِ اسمِ عيسى النّاصريّ، المَسيحِ المُخَلِّصِ المُختارِ الّذي قُمتُم أنتُم بصَلبِهِ، ولكنّ اللهَ بَعَثَهُ حَيًّا! 11 وإنّ عيسى هو مَن جاءَ ذِكرُهُ في الزَّبورِ عِندَ الحَديثِ عنِ الحَجَرِ الّذي رَفَضتُموهُ أيُّها البُناة، وهو الّذي صارَ حَجَرَ الأساسِ في بَيتِ اللهِ! 12 فاعلَموا أنّهُ لا نَجاةَ إلاّ بِسَيِّدِنا عيسى، فلَيسَ مِن أحَدٍ في كُلِّ العالَمِ سِواهُ خَصَّهُ اللهُ بإنقاذِ النّاسِ”.
13 وعِندَما أحَسَّ أعضَاءُ المَجلِسِ بجُرأةِ بُطرُسَ ويوحنّا وشَجاعتِهِما، وكانوا يَعلَمونَ أنّهُما مِن عامّةِ الشَّعبِ وأنّهُما على غَيرِ دِرايةٍ بالعُلومِ الشَّرعيّةِ، أخَذَهُم العَجَبُ وأدرَكوا أنّهُما مِن صَحابةِ عيسى (سلامُهُ علينا) حقًّا. 14 وحُبِسَت ألسنِتُهُم عنِ الإجابةِ، إذ بِماذا يُجيبونَ والرَّجُلُ الكَسيحُ المُعافى واقِفٌ أمامَهُم؟! 15 فصَرَفوهُم مِن مَجلِسِهِم ليَتَشاوروا فيما بَينَهُم، 16 وقالوا: “ما نَحنُ فاعِلونَ بهَذينِ الرَّجُلينِ؟ وكُلُّ سُكّانِ القُدسِ يَعلَمونَ الآنَ بما فَعَلاهُ للرَّجُلِ الكَسيحِ. إنّ ما فَعَلاهُ لَمُعجِزةٌ عَظيمةٌ لا سَبيلَ لإنكارِها. 17 ولكنّنا سنُهَدِّدُهُما ونُرَوِّعُهُما حتّى لا يَذكُرَا اسمَ عيسى مُطلقًا في حَديثِهِما لكي لا تَنتَشِرَ الدَّعوةُ بَينَ النّاسِ ويَنفَرِطَ الأمرُ مِن بَينِ أيدينا!”
18 وأحضَرُوهُما وأمَرُوهُما بعَدمِ الحَديثِ عن عيسى (سلامُهُ علينا) أمامَ النّاسِ، ولا عَمّا كانَ يُعَلِّمُهُ. 19 ولكنّ بُطرُسَ ويوحنّا أجابا قائلَينِ: “اُحكُموا أنتُم! ألكُم تَجوزُ الطّاعة، أم للهِ؟ 20 أمّا نحنُ، فلا نَستَطيعُ الصَّمتَ، وسنُعلنُ ما رأينا وسَمِعنا”. 21 فهَدَّدَهُما رِجالُ المَجلِسِ مَرّةً أُخرى، ولكنّهُم حاروا كَيفَ يُعاقبُونَهُما، فأخلَوا سَبيلَهُما، لأنّهُم خافوا مِن إثارةِ الجُموعِ الّتي كانَت تُسَبِّحُ للهِ مِن عُمقِ القَلبِ بسَبَبِ هذِهِ المُعجِزةِ، 22 ذلِكَ لأنّ الرَّجُلَ الّذي شُفي كانَ مُقعَدًا لأكثرَ مِن أربعينَ سَنةً.
صلاة المؤمنين
23 ورَجَعَ بُطرُسُ ويوحنّا إلى أصحابِهِما المُؤمِنينَ بَعدَ إطلاقِ سَراحِهِما، وأسَرّا لهُم بكُلِّ ما جَرى على لِسانِ كِبارِ الأحبارِ والمَشايخِ مِن أقوالٍ، 24 وعِندَ سمَاعِهِم ذلِكَ، اتّجَهوا بتَضَرُّعاتِهِم إلى اللهِ جاهِرينَ بالدُّعاءِ قائلينَ: “يا رَبُّ يا خالِقَ السَّماواتِ والأرضِ وما بَينَهُما، 25 يا مَن أوحَيتَ إلى عَبدِكَ النّبيِّ داود بواسِطةِ رُوحِكَ القُدّوسِ بالكَلامِ التّالي: “لِماذا ثارَتِ الأُمَمُ على اللهِ؟ لِمَ تآمَروا بالباطلِ على حُكمِهِ؟ 26 واستَنفَرَت مُلوكُ الأرضِ، واجتَمَعَ حُكّامُها جَبهةً واحِدةً ضِدَّ اللهِ ومَسيحِهِ المُختارِ!” 27 ولقد تَحَقّقَت نُبوءةُ النّبيِّ داود تِلكَ هُنا في مَدينةِ القُدس، حَيثُ اجتَمَعَ الأميرُ أنتيباسُ بِن هيرودُس والحاكمُ بيلاطُس البُنطيّ مَعَ الأجانبِ ومَعَهُم بَنو إسرائيلَ جَبهةً واحِدةً ضِدَّ عَبدِكَ المُقَدَّسِ عيسى الّذي اصطَفيتَهُ ليَكونَ مَلِكًا، 28 ونَفَّذوا كُلَّ ما نَفَّذوهُ مِن أعمالٍ بقَدرِكَ وبقُدرَتِكَ القاهِرةِ! 29 يا رَبُّ إنّهُم في تَهديدِنا الآنَ ماضونَ، فأمِدَّنا نَحنُ عِبادَكَ بالقوّةِ لإعلانِ رِسالتِكَ دونَ وَجَلٍ، 30 وامنَحنا القُدرةَ على شِفاءِ المَرضَى وإجراءِ مُعجِزاتٍ وعَجائبَ بشَفاعةِ عَبدِكَ المُقَدَّسِ عيسى”.
31 وبَعدَ فَراغِهِم مِنِ ابتِهالاتِهِم، سَرَت، حَيثُ كانوا مُجتَمِعينَ، هَزّةٌ، وغَمَرَهُم بَعدَها فَيضٌ مِن رُوحِ اللهِ، وانطَلَقوا إثرَ ذلِكَ يُعلنونَ بِجُرأةٍ رِسالةَ اللهِ في الأرجاءِ.
المؤمنون يتشاركون في ممتلكاتهم
32 وهكذا كانَ جَميعُ المُؤمنينَ بِهِ (سلامُهُ علينا) على قَلبٍ واحدٍ وفِكرٍ واحدٍ، ولم يَكُن أحَدٌ مِنهُم يَستأثرُ بما يَملِكُ، إذ أضحَت مُمتلكاتُهُم مُشاعةً بَينَهُم جَميعًا. 33 واستَمَرَّ الحَواريّونَ في تَقديمِ شَهاداتِهِم حَولَ قيامةِ سَيِّدِنا عيسى (سلامُهُ علينا) مِنَ الموتِ، وقد كانَ لها تأثيرُها الكَبيرُ. وأفاضَ اللهُ عليهِم مِن فَضلِهِ وبَرَكتِهِ، 34 فلم يَبقَ فيهِم مُحتاجٌ أو مُعوِزٌ، لأنّ الّذينَ يَملِكونَ الأراضيَ أوِ البُيوتَ كانوا يَبيعُونَها، ويأتونَ بثَمَنِها 35 ويَضَعونَهُ في تَصَرُّفِ الحَواريِّينَ الاثنَي عَشَرَ فيُوَزِّعُونَهُ بدورِهِم على المُؤمنينَ كُلٌّ حَسَبَ حاجتِهِ. 36‏-37 حتّى إنّ يوسِفَ القُبرُصيَّ وهو مِن قَبيلةِ لاوي، كانَ لَدَيهِ حَقلٌ، فباعَهُ وجاءَ بثَمَنِهِ إلى الحَواريِّينَ. وكانَ الحَواريّونَ يُطلِقونَ عليهِ لَقَبَ “بَرنابا”، يَعني الرَّجُلَ المُشجِّعَ الّذي يَشُدُّ عَزيمةَ النّاسِ.

*الفصل الرّابع:1 كانت مهمّة الأحبار تنحصر في تأدية العبادات في حرم بيت الله مثل تقديم الأضحيات. وقد كان مسموحًا لليهود، في زمن الاحتلال الروماني، تعيين من يحرس حرم بيت الله، إضافةً إلى إقامة النظام فيه والتأكّد من محافظة الزوّار على القوانين المتبّعة في الحرم المقدّس. وكان رئيس الحرس ينحدر من عائلات رجال الدين، حيث كان له شأن عظيم يقارب شأن كبير الأحبار. أمّا بالنسبة إلى حزب الصدّوقيين فقد كانوا فئة ثريّة من اليهود متحالفة مع كبير الأحبار والسلطة الحاكمة. وكانوا يعلّمون الناس أنّ تقديم الأضحيات وتأدية العبادات في الحرم الشريف من أهمّ أمور الحياة. وهذا يخالف تعاليم جماعة المتشدّدين (الفريسيين) الذين كانوا يؤمنون بأنّ تطبيق تعاليم التوراة بأسلوب فعّال هو أهمّ من تفاصيل العبادات في الحرم.

الفصل الرّابع:2 كانت جماعة الصدّوقيين تنكر البعث والنشور. وكان قول الحواريين بالبعث والنشور تحدّيًا لهم ولرؤساء الأحبار الذين كانوا يدعمونهم. وجاءت عودة سيدنا عيسى للحياة بمثابة تصديق لدعوة الحواريين تلك وبرهانًا على خطإ تعاليم الصدّوقيين، وهو ما يقلّل من عدد أتباع هؤلاء.