الفصل الرّابع
الوحدة والتّعدُّد
أنا السَّجينُ في سَبيلِ الدَّعوةِ إلى السَّيِّدِ المَسيحِ أُوصِيكُم أن تَعيشوا كَما يَليقُ بِالّذينَ استَجابوا لدَعوَةِ اللهِ. فتَحَلَّوا دائِمًا بالتَّواضُعِ واللُّطفِ والصَّبرِ، وليَتَحَمَّلْ بَعضُكُم أخطاءَ بَعضٍ بِكُلِّ مَحبّةٍ،* في المفاهيم اليونانية القديمة هناك تصوّر عند الناس يقول أن التواضع والحِلم واللّطف والتضحية بالنفس هي بمثابة ضعف. ولكن الحواري بولس يوضّح أنه ينبغي على الناس تبادل المحبة فيما بينهم، تلك التي كانت متجلّية في تواضع السيد المسيح (سلامه علينا). واجتَهِدوا كَي تَظَلّوا مُتَّحِدينَ بِرُوحِ اللهِ وفي السَّلامِ الّذي يَربِطُكُم بَعضَكُم ببَعضٍ. فكُلُّنا نَنتَمي إلى أُمَّةِ الجَسَدِ الواحِدِ ونَتَمَتَّعُ بقَبَسٍ مِن رُوحِ اللهِ الواحِدةِ، كَما دَعانا تَعالى لنَحظى مَعًا بيَقينٍ واحِدٍ. ولنا سَيِّدٌ واحِدٌ، وإيمانٌ واحِدٌ، وتَطَهُّرٌ واحِدٌ صِبغةً للهِ. لا إلهَ إلاّ اللهُ الأبُ الأحَدُ الصَّمَدُ، وهو فَوقَ الجَميعِ، يَحُلُّ فينا وبَينَنا نَحنُ المؤمنينَ جَميعًا.
أجل، ففَضلُ اللهِ العَظيمُ يَغمُرُ كُلَّ واحِدٍ مِنّا، حَسَبَ عَظمةِ تَضحِيةِ سَيِّدِنا المَسيحِ. فقد أوحى اللهُ في الزَّبورِ بهذا الفَضلِ الكَبيرِ: “عِندَما صَعِدَ مَولانا مُنتَصِرًا إلى العُلى، أخَذَ مَعَهُ عَدَدًا كَبيرًا مِن الأسرى، وأعطى قَومَهُ هِباتٍ”. يقتبس بولس هنا من كتاب الزّبور في الترجمة اليونانيّة (مزمور 68: 17‏-18) وفيه يصف كيف غادرت تجلّيات الله جبل سيناء وحلّت في القدس لإقامة مملكة الله الموعودة. ويشير بولس من خلال هذه الكلمات إلى صعود السيّد المسيح وارتقائه وتتويجه في السّماء. وبهذه الطريقة، يشير إلى أن مملكة السيّد المسيح هي استمرار للمملكة ذاتها التي تمّ تأسيسها قبل قرون في القدس تحت حكم النّبي داود (عليه السّلام). فقَولُهُ: “صَعِدَ” يَدُلُّ على أنّ (سلامُهُ علينا) قد نَزَلَ إلى أسفَلِ الأرضِ. 10 إنّ مَن نَزَلَ إلى الأسفَلِ هو الّذي صَعِدَ فَوقَ كُلِّ السَّماواتِ، حَتّى يَهَيمِنَ مِن عَليائِهِ على كُلِّ المَوجُوداتِ 11 مُغدِقًا على قَومِهِ الهَدايا، فجَعَلَ بَعضَهُم حَواريّينَ، وبَعضَهُم يَتَمَتَّعونَ بكَرامةِ النُّبوءَةِ، أو دُعاةً، أو مُشرِفينَ ومُرشِدينَ، 12 حَتّى يُؤهِّلوا المؤمنينَ للقيامِ بِعَمَلِ اللهِ، ولِيُشرِفوا على تَنميتِهِم كَأعضاءٍ لأُمّةِ الجَسَدِ الواحِدِ للسَّيِّدِ المَسيحِ 13 حَتّى نَصِلَ إلى دَرجةِ تَوَحُّدِنا جَميعًا في الإيمانِ والحُصولِ على العِلمِ واليَقينِ بالسَّيِّدِ المَسيحِ، الابنِ الرُّوحيِّ للهِ، فنَرتَقي بذلِكَ إلى مَقامِ الإنسانِ الكامِلِ، ونَصِلَ إلى فَيضِ صِفاتِ السَّيِّدِ المَسيحِ.
14 وهكذا لا نَظَلُّ في إيمانِنا كَالأطفالِ غَيرَ راشِدينَ، ولا نَنقادُ إِلى الضَّلالِ بِكَذِبِ الكاذِبينَ واحتِيالِهِم، ولا نَستَمِعُ إلى تَعاليمِ الدَّجّالينَ، فتَعبَثُ الرِّياحُ والأمواجُ بإيمانِنا كَقارِبٍ يُساقُ على غَيرِ هُدى. 15 بل عَلينا أن نَكونَ صادِقينَ ومُحِبِّينَ بَعضُنا لِبَعضٍ، فنَرتَقي مِن كُلِّ النَّواحي حَتّى نُشابِهَ السَّيِّدَ المَسيحَ أكثَرَ فأكثَرَ، باعتِبارِهِ رأسَ جَماعةِ المؤمنينَ، عندما قال بولس إنّ السيد المسيح هو بمثابة الرأس وإن المؤمنين هم جسد تلك الرأس، فهو يشير إلى المفهوم الطبي الشائع في زمنه، والذي يعتبر الرأس الجزء الذي يوجّه الجسد كلَّه ويقوّيه. 16 وبِهِ تَتَماسَكُ أعضاءُ الجِسمِ فيَقومُ كُلُّ عُضوٍ بِدَورِهِ، فيَنمو الجِسمُ كُلُّهُ ويَتَكامَلُ بالمَحبَّةِ.
تجدُّد العقل والرّوح
17 وإنّي أُلِحُّ عَليكُم في وَصيّةٍ بِاسمِ سَيِّدِنا عيسى (سلامُهُ علينا): لا تَتَّبِعوا بَعدَ الآنَ سِيرةَ عَبَدةِ الأوثانِ، فأفكارُهُم باطِلةٌ، 18 وبَصائرُهُم غارِقةٌ في الظُّلُماتِ، جَهَلةٌ وقد تَمادوا في عِنادِهِم، وهُم مَحرومونَ مِن الحَياةِ في حَضرةِ اللهِ. 19 لا يَستَطيعُونَ التّميِيزَ بَينَ الخَيرِ والشَّرِّ، مُستَسلِمونَ للفَواحِشِ، مُنغَمِسونَ في كُلِّ فِسقٍ لا يَرتَوونَ.
20 وإنّ هذِهِ الصِّفاتِ تُخالِفُ تَمامًا ما تَعَلَّمتُموهُ مِن مَبادِئَ حينَ أصبَحتُم تابِعينَ للسَّيِّدِ المَسيحِ. 21 فطَريقُهُ (سلامُهُ علينا) هُو طَريقُ الحَقِّ، وإذا تَعَلَّمتُم كَلِمتَهُ صِرتُم تابِعينَ لهُ (سلامُهُ علينا). 22 فاخلَعوا عنكُم سيرتَكُم الماضيةَ، وكُلَّ ما تَدعوكُم إليهِ النَّفسُ الفاسِدةُ مِن الهَوى. 23 وجَدِّدُوا ما فيكُم مِن مَشاعِرَ ونُهًى. 24 ولِتَكُنِ النَّفسُ الجَديدةُ كِسوةً لكُم خَلَقَها اللهُ ليَعكِسَ صِفاتِهِ، لِتَكونوا مَرضيِّينَ عِندَهُ ومَنذورينَ لهُ بالحَقِّ.
25 لذا، تَجَنَّبوا الكَذِبَ، وكونوا صادِقينَ مَعَ جيرانِكُم، فكُلُّنا مُوَحِّدُونَ كَالأعضاءِ لأنّنا أتباعُ سَيِّدِنا المَسيحِ. 26 ولقد جاءَ في الزَّبُورِ: “ولئِن غَضِبتُم فاجتَنِبوا خَطأَ الخَطّائينَ”،§ يقتبس بولس هنا من كتاب الزّبور، (مزمور 4: 4 في الترجمة اليونانيّة) حيث نبّه النبي داود كل الذين يصابون بالغضب ألاّ يرتكبوا إثما باتّهامات كاذبة أو نشر الإشاعات. فلا تَغرُبَنّ الشَّمسُ وأنتُم غاضِبونَ، 27 فلا تَجعَلوا غَضَبَكُم يَفسَحُ المَجالَ لدُخولِ إبليسَ بَينَكُم. 28 فمَن كانَ مِنكُم سارِقًا قَبلَ إيمانِهِ، فليَتَوَقَّفْ عن السِّرقةِ، وليَجتَهِدْ في عَمَلٍ شَريفٍ، ليَكفُلَ نَفسَهُ ويُعينَ المُحتاجينَ.
29 وإذا تَكَلَّمتُم، فلا تَتَفَوَّهوا ببَذِيءِ الكَلامِ، بل قولوا قَولاً صالِحًا يَنفَعُ السّامِعينَ، ويَدفَعُهُم إلى ما هو خَيرٌ. 30 ولا تُزعِجوا رُوحَ اللهِ تَقَدَّسَ وتَعالى بسُوءِ أعمالِكُم، إنّ اللهَ خَتَمَكُم بِرُوحِهِ ضَمانًا مِنهُ بأنّكُم ستَتَحَرَّرونَ يَومَ الدِّينِ. 31 وانبُذُوا الشَّرَّ بِأنواعِهِ مِن حِقدٍ وغَضَبٍ وهَيَجانٍ وعِراكٍ وشَتيمةٍ وغَيرِهِ. 32 ومُقابِلَ ذلِكَ كونوا لُطَفاءَ رُحَماءَ على بَعضِكُم، وكونوا مُتَسامِحينَ كَما سامَحَكُم اللهُ بِفَضلِ السَّيِّدِ المَسيحِ.

*الفصل الرّابع:2 في المفاهيم اليونانية القديمة هناك تصوّر عند الناس يقول أن التواضع والحِلم واللّطف والتضحية بالنفس هي بمثابة ضعف. ولكن الحواري بولس يوضّح أنه ينبغي على الناس تبادل المحبة فيما بينهم، تلك التي كانت متجلّية في تواضع السيد المسيح (سلامه علينا).

الفصل الرّابع:8 يقتبس بولس هنا من كتاب الزّبور في الترجمة اليونانيّة (مزمور 68: 17‏-18) وفيه يصف كيف غادرت تجلّيات الله جبل سيناء وحلّت في القدس لإقامة مملكة الله الموعودة. ويشير بولس من خلال هذه الكلمات إلى صعود السيّد المسيح وارتقائه وتتويجه في السّماء. وبهذه الطريقة، يشير إلى أن مملكة السيّد المسيح هي استمرار للمملكة ذاتها التي تمّ تأسيسها قبل قرون في القدس تحت حكم النّبي داود (عليه السّلام).

الفصل الرّابع:15 عندما قال بولس إنّ السيد المسيح هو بمثابة الرأس وإن المؤمنين هم جسد تلك الرأس، فهو يشير إلى المفهوم الطبي الشائع في زمنه، والذي يعتبر الرأس الجزء الذي يوجّه الجسد كلَّه ويقوّيه.

§الفصل الرّابع:26 يقتبس بولس هنا من كتاب الزّبور، (مزمور 4: 4 في الترجمة اليونانيّة) حيث نبّه النبي داود كل الذين يصابون بالغضب ألاّ يرتكبوا إثما باتّهامات كاذبة أو نشر الإشاعات.