الفصل الخامس
الإيمان يحرّر من تقاليد بني يعقوب
إنّ السَّيّدَ المَسيحَ قد حَرَّرَنا مِن عُبوديّةِ التَّقاليدِ، فَابقَوا في الإيمانِ راسِخينَ، واحذَروا الرُّجوعَ لتِلكَ التَّقاليدِ. وإنّي -أنا بولُسَ الحَواريَّ- أقولُ لكُم إن قَبِلتُم الخِتانَ، فقد استَغنَيتُم عَن السَّيّدِ المَسيحِ ولن يَنفَعَكُم عندَئذٍ! وإنِّي أُحَذِّرُكُم مَرّةً أُخرى: فكُلُّ مَن رَضِيَ بالخِتانِ فعَليهِ أن يُطَبِّقَ شَرائعَهُم وعُهودَهُم كُلَّها.* اعتبر معظم اليهود أنّ ختان المؤمن بالسيد المسيح يجبره على التزام أسلوب الحياة اليهودية ككلّ. ولم يكن المطلوب مجرّد فعل واحد هو الختان، وإنّما اقتضى الأمر اندماجه في الشعب اليهودي وانسلاخه عن الهوية غير اليهودية. وإنَّكُم إذ تُحاوِلونَ نَيلَ مَرضاةِ اللهِ بانضِمامِكُم إلى أهلِ التَّوراةِ، فإنّكُم تَنفَصِلونَ عَن السَّيّدِ المَسيحِ وتَخسَرونَ فَضلَ اللهِ عَليكُم. يعتبر بولس هنا أنّ إصرار دعاة التّهويد على انتماء غير اليهود بشكل رسمي إلى الشّعب اليهودي من خلال الختان، هو اعتراف منهم أن إيمانهم بسيّدنا المسيح غير كاف وبذلك يستغنون عن إيمانهم به ويقطعون علاقتهم به (سلامُهُ علينا). وحصروا دور سيّدنا عيسى في اليهود فقط، بدلاً من اعتباره سيّدًا ومخلّصًا لجميع البشر. أمّا نَحنُ، أهلُ رُوحِ اللهِ، فإنّنا على يَقينٍ أنّ اللهَ سيَرضى عنّا على أساسِ إيمانِنا بسَيِّدِنا عيسى المَسيحِ، ونَحنُ نَنتَظِرُ بلَهفةٍ تَحقيقَ وُعودِهِ لنا. إنَّنا نَنتَمي إلى سَيِّدِنا عيسى المَسيحِ، فلا يَهُمُّنا الخِتانُ مِن عَدَمِهِ، بَل هَمُّنا الوَحيدُ هو المَحبّةُ النّابِعةُ مِن الإيمانِ.
لقد كُنتُم تَسيرونَ على الصِّراطِ المُستَقيمِ، فمَن حالَ بَينَكُم وبَينَ طاعةِ الحَقِّ؟ لقدِ استَجَبتُم لدَعوةِ اللهِ، لكنّ هذا الإغراءَ الّذي يَدعونَكُم إليهِ لَيسَ مِن اللهِ دونَ شَكٍّ! وهو شَبيهٌ بالمَثَلِ القَديمِ: “خَميرةٌ صَغيرةٌ تُخَمِّرُ كُلَّ العَجينِ”. ورد استخدام رمز الخميرة كثيرًا في الإنجيل كرمز للشّرّ والفساد. والفكرة هي أنّ قليلاً من الشّرّ يمكن أن يكون سببًا في إفساد الكثير من النّاس. 10 وإنّي على يَقينٍ أنّ السَّيّدَ المَسيحَ سيُغيثُكُم لتَرفُضوا هذِهِ الأكاذيبَ، وأيًّا كانَ مَن يُزعِجُكُم، فإنّ اللهَ سيُنزِلُ عليهِ عِقابَهُ!
11 إخواني في الإيمانِ، إن جاءَكُم مَن يَزعُمُ أنِّي أدعو إلى مُمارَسةِ الخِتانِ فلا تُصَدِّقوهُ! فلو كُنتُ أدعو إلى الخِتانِ والتَّهويدِ، فلِماذا اضطَهَدَني بَنو يَعقوبَ؟ وإنّما أُنادي ألاّ نَجاةَ إلاّ بفَضلِ تَضحيَةِ سَيِّدِنا عيسى بنَفسِهِ على الصَّليبِ، وإنّ قَولي هذا هو ما يُثيرُ غَضَبَهُم. 12 أَلا لَيتَ الّذينَ يُزعِجونَكُم بأكاذيبِهِم لا يَقتَصِرونَ على الخِتانِ فقط، بل يَبتُرونَ أنفُسَهُم بَترًا!§ لم يكن الشّخص المخصيّ مقبولاً بين المؤمنين في زمن الأنبياء القدامى قبل مجيء سيّدنا عيسى (سلامه علينا). انظر التّوراة، سفر التّثنية 23: 1.
الإرشاد الإلهي
13 إخوتي في الإيمانِ، إنّ السَّيّدَ المَسيحَ قد حَرَّرَكُم مِن تَقاليدِ اليَهودِ والوَثَنيِّينَ، فاحذَروا أن تَجعَلوا حُرِّيَّتَكُم حَبلاً تَمُدُّونَهُ للنَّفسِ الأَمّارةِ بالسُّوءِ، بل اخدُموا بَعضَكُم بَعضًا بالمَحبّةِ. 14 إنَّ مَقصَدَ شَريعةِ النَّبيِّ موسى كُلِّها يَعودُ إلى وَصيَّةٍ واحِدةٍ: “أَحبِب جارَكَ كَما تُحِبُّ نَفسَكَ”.* كتب الحواري بولس الفكرة ذاتها إلى المؤمنين في روما (انظر رسالته إلى أهل روما 13: 8‏-10). وفي الحالتين اقتبس من التّوراة، سفر اللاّويين 19: 18. ونجد تلميحا لهذا الكلام من الشّريعة لدى سيّدنا المسيح في الإنجيل (انظر متّى 7: 12). 15 أمّا إذا اعتَدى أَحَدُكُم على الآخَرِ، هذا يَعُضُّ أخاهُ، وذاكَ يَفتَرِسُ صاحِبَهُ، فاحذَروا أن تَدفَعوا بأنفُسِكُم إلى الفَناءِ!
16 فافهَموا قَصدي: اقتَدوا بِروحِ اللهِ، إنّها تَحميكُم مِن هَوى النَّفسِ وأَعمالِها، 17 لأَنّ ما تُريدُهُ النَّفسُ يُخالِفُ إرشادَ رُوحِ اللهِ، فكُلٌّ مِنهُما يُحارِبُ الآخَرَ. فإذا كُنتَ تُريدُ الشَّرَّ، فإنَّ رُوحَ اللهِ أمامَكَ سَدٌّ مَنيعٌ، وإن كُنتَ تَنشُدُ الخَيرَ، فالنَّفسُ الأمّارةُ بالسُّوءِ تُعيقُك، فلَيسَ بِاستِطاعتِكَ دائمًا أن تَفعَلَ الحَسَنات الَّتي تَنوي القيامَ بها. 18 وإذا كُنتُم تَقتَدونَ بِرُوحِ اللهِ، فلا حاجةَ لكُم إلى حِمايةِ التّوراةِ.
19 فالأعمالُ النّاتِجةُ عَن أَهواءِ النَّفسِ فهي واضِحةٌ، إنّها الفَحشاءُ واتِّباعُ الشَّهَواتِ والفُجورُ، 20 وعِبادةُ الأصنامِ والسِّحرُ والبُغضُ والهَيَجانُ والغَيرةُ والنِّزاعُ والأنانيَّةُ والتَّحَزُّبُ والخِصامُ 21 والحَسَدُ وَالسُّكْرُ والمُجونُ، إلى آخِرِهِ، وكَما حَذَّرتُكم سابِقًا، فإنّي أُكَرِّرُ تَحذيرَكُم مَرّةً أُخرى، إنَّ الّذينَ يَمضونَ في ارتِكابِ هذِهِ الخَطايا، لن يَكونَ لهُم نَصيبٌ في المَملَكةِ الرَّبّانيّةِ المَوعودةِ.
22 أمّا خِصالُ المؤمِنينَ النّاتِجةُ مِن رُوحِ اللهِ، فَهي المَحبّةُ والفَرَحُ والسَّلامُ والصَّبرُ واللُّطفُ والصَّلاحُ والأمانةُ 23 والوداعةُ والعَفافُ. وما مِن شَرعٍ يَمنَعَ هذِهِ الفَضائلَ بَينَ النّاسِ. يزعم بعض المتديّنين أنّ شريعة النّبي موسى أو غيرها من الشّرائع ضرورية لاستئصال الأنانيّة والشّرّ. ولكن بولس يقول أنّه لا حاجة للمؤمن إلى أيّة شريعة لبلوغ الفضيلة من هذا القبيل، ما دام ينعم بروح الله في قلبه، وهذا كاف لدفعه إلى الخير. 24 لقد قامَ المؤمنونَ بسَيِّدِنا عيسى المَسيحِ بِصَلبِ أهواءِ نُفوسِهِم وشَهَواتِها. 25 وبما أَنّنا نَحيا بقوَّةِ رُوحِ اللهِ، فعلينا أن نَسيرَ وَفقَ إرشادِ رُوحِهِ تَعالى، 26 فلا مَجالَ للتَّكَبُّرِ والتَّحَدّي والحَسَدِ.

*الفصل الخامس:3 اعتبر معظم اليهود أنّ ختان المؤمن بالسيد المسيح يجبره على التزام أسلوب الحياة اليهودية ككلّ. ولم يكن المطلوب مجرّد فعل واحد هو الختان، وإنّما اقتضى الأمر اندماجه في الشعب اليهودي وانسلاخه عن الهوية غير اليهودية.

الفصل الخامس:4 يعتبر بولس هنا أنّ إصرار دعاة التّهويد على انتماء غير اليهود بشكل رسمي إلى الشّعب اليهودي من خلال الختان، هو اعتراف منهم أن إيمانهم بسيّدنا المسيح غير كاف وبذلك يستغنون عن إيمانهم به ويقطعون علاقتهم به (سلامُهُ علينا). وحصروا دور سيّدنا عيسى في اليهود فقط، بدلاً من اعتباره سيّدًا ومخلّصًا لجميع البشر.

الفصل الخامس:9 ورد استخدام رمز الخميرة كثيرًا في الإنجيل كرمز للشّرّ والفساد. والفكرة هي أنّ قليلاً من الشّرّ يمكن أن يكون سببًا في إفساد الكثير من النّاس.

§الفصل الخامس:12 لم يكن الشّخص المخصيّ مقبولاً بين المؤمنين في زمن الأنبياء القدامى قبل مجيء سيّدنا عيسى (سلامه علينا). انظر التّوراة، سفر التّثنية 23: 1.

*الفصل الخامس:14 كتب الحواري بولس الفكرة ذاتها إلى المؤمنين في روما (انظر رسالته إلى أهل روما 13: 8‏-10). وفي الحالتين اقتبس من التّوراة، سفر اللاّويين 19: 18. ونجد تلميحا لهذا الكلام من الشّريعة لدى سيّدنا المسيح في الإنجيل (انظر متّى 7: 12).

الفصل الخامس:23 يزعم بعض المتديّنين أنّ شريعة النّبي موسى أو غيرها من الشّرائع ضرورية لاستئصال الأنانيّة والشّرّ. ولكن بولس يقول أنّه لا حاجة للمؤمن إلى أيّة شريعة لبلوغ الفضيلة من هذا القبيل، ما دام ينعم بروح الله في قلبه، وهذا كاف لدفعه إلى الخير.