الفصل الرّابع
الرّاحة الموعودة لمن يتوكّل على الله
وَعَدَ اللهُ عِبادَهُ الصّالِحينَ بِالفَوزِ بِالسَّكينةِ، وما زالَ هذا الوَعدُ قائمًا، فَعَلَينا أَن نَحذرَ ونَنتَبِهَ حَتّى لا نُضَيِّعَ مِثلَهُم فُرصَةَ الفَوزِ بها. فقد سَمِعَ البُشرى الإلهيّةَ آباؤُنا الأَوَّلونَ، كَما سَمِعناها نَحنُ، ولكنَّهُم كانوا جاحِدينَ بالرِّسالةِ، فلَم يَستَفيدوا مِنها ولم يَفوزوا بالنَّجاةِ. أَمّا نَحنُ فصَدَّقنا رِسالةَ اللهِ، ولذلِكَ سَنَفوزُ بالسَّكينةِ والنَّعيمِ. إذ جاءَ في الزَّبورِ عَن الَّذينَ رَفَضوا رِسالةَ اللهِ: “وأخيرًا غَضِبتُ وأَقسَمتُ أنّهُم لن يَفوزوا بِالسَّكينةِ”. ولقد قالَ اللهُ هذا رَغمَ أنَّهُ أَعَدَّها بَعدَ أن خَلَقَ العالَمينَ، إذ جاءَ الوَحيُ في ثَنايا الكِتابِ: “وسَكَنَ اللهُ في اليَومِ السّابِعِ عن عَمَلِ الخَلقِ كُلِّهِ”.* التوراة، سفر التكوين 2‏:2. أي، إنّهُ أوجَدَ الرَّاحةَ والسَّكينةَ. ثُمّ أَكَّدَ قائلاً: “لن يَفوزوا بِالسَّكينةِ”.
فآباؤُنا الأَقدَمونَ سَمِعوا البُشرى الإلهيّةَ زَمَنَ النَّبيِّ موسَى، ولكنَّهُم مُنِعوا بِسَبَبِ عِصيانِهِم مِن الفَوزِ بِالسَّكينةِ. وكَما تَرَونَ الآنَ، فإنّ السَّكينةَ في انتِظارِ مَن يَدخُلُها. وقد حَدَّدَ اللهُ يَومًا لِلفَوزِ بها، وإنّهُ ليَومُنا هذا! وأخبَرَنا هذا بَعدَ زَمَنِ عِصيانِ جيلِ النَّبيِّ موسى بِمئاتِ السِّنينَ على لِسانِ النَّبيِّ داوُدَ لقد فهِم النّاس في زمن النبي موسى (عليه السّلام) أنّ الكلمة الأصلية “الرّاحة” أو “السّكينة”، تشير إلى السّكن بأرض كنعان، وهذا ما لم يتمكّنوا من تحقيقه بشكل كامل، ولا سَلَفُهم ولا حتّى النبيّ داود (عليه السّلام). وكان الرومان يتحكّمون بأرض فلسطين زمن سيدنا عيسى (سلامه علينا)، فاعتقد اليهود أنّ ترميم مملكة داود وميعاد السّكينة المُنتظَر سيحلّ في الأيام الأخيرة للعالم فقط. إذ قالَ في الزَّبورِ: “اسمَعوا اليَومَ ما نَحنُ قائِلونَ، ولا تَكونوا غَليظي الرِّقابِ كَما كانَ آباؤُكُم الأَوَّلونَ”.
فَتَحَ يَشوعُ بنُ نونَ بِلادَ كَنعانَ لِشَعبِ بَني يَعقوبَ، ولكنَّهُم لَم يَفوزوا بِالسَّكينةِ في زَمانِهِ، فحَدَّدَ اللهُ للنَّبيِّ داوُدَ زَمانًا لِلفَوزِ بِها غَيرَ ذلِكَ الزَّمانِ، ولهذا السَّبَبِ، فإنّ وَعدَ اللهِ لعِبادِهِ بِالسَّكينةِ ما يَزالُ قائمًا، وهو راحَةٌ مِثلَ راحةِ اليَومِ السّابِعِ، 10 فمَن يَفوزُ بِالسَّكينةِ يَتَوَقَّفُ عن أعمالِهِ في هذِهِ الدُّنيا، كَما تَوَقَّفَ اللهُ عن أَعمالِ خَلقِ الكَونِ، 11 فلْنَجتَهِدْ جَميعًا للفَوزِ بها، فإنَّنا إن عَصَينا اللهَ مِثلَ بَني يَعقوبَ قَديمًا، فَسنَكونُ مِنَ الهالِكينَ.
12 فانتَبِهوا لِرِسالةِ اللهِ. إنّها حَيَويةٌ فَعّالةٌ، أشَدُّ حِدَّةً مِن كُلِّ سَيفٍ صَقيلٍ ذي حَدَّينِ، فهي تَختَرِقُ الأَعماقَ، ما بَينَ النَّفسِ والرُّوحِ، والمَفاصلِ والنُّخاعِ، تُمَحِّصُ نِياتِ القَلبِ والأفكارِ. 13 فلا شَيءَ مَخلوقٌ يَخفى على اللهِ. بل كُلُّ شَيءٍ في الكَونِ أمامَهُ عارٍ مَكشوفٌ، وأمامَهُ سنَتَعَرّضُ لِلحِسابِ.
حبيب الله خير شفيع
14 وبما أَنَّ سَيِّدَنا عيسى، الابنَ الرُّوحيَّ للهِ إمامُنا الأكبَرُ الّذي عَرَجَ إلى السَّماءِ حَتّى يَشفَعَ لنا، فعَلَينا أن نَثبُتَ على الإيمانِ الّذي نُعلِنُهُ 15 رَغمَ أنّنا ضُعَفاءُ، فهو عَلينا شَفيقٌ رَؤوفٌ، حَيثُ تَعَرَّضَ مِثلَنا لأنواعِ المِحَنِ كُلِّها، إلاّ أنّهُ مَعصومٌ مِن كُلِّ الأَخطاءِ. 16 فلنَتَقَرَّب إلى عَرشِ الرَّحمنِ بِالدُّعاءِ، بِكُلِّ ثِقةٍ وثَباتٍ، فيَرحَمَنا ويَغمُرَنا بِفَضلِهِ عِندَ الحاجةِ. تحدّث الأنبياء الأوّلون عن صندوق الميثاق المقدّس كرمزٍ لعرش الله، وتجلّيه تعالى. وكان للصندوق غطاء وعليه رسم لصورتي ملاكَيْن. ويرمز المشهدُ إلى عرش ملوكي يتكوّن من أشكال لكائنات ذات أجنحة على مثال عروش ملوك الشرق الأدنى القديم. وصوّر النّاس آلهتهم كملوك متوّجَة على العرش. وبما أنّ صندوق الميثاق يرمز لتجلّي الله، فلم يُسمَح لليهود بالاقتراب منه. وكان محفوظا في المحراب الأقدس في بيت الله، بل إنّ كبير الأحبار لم يكن باستطاعته الاقترابُ منه إلا مرّة واحدة في السنة. أمّا الآن فإنّ السيد المسيح يرمز إلى حقيقةٍ تؤكّد تجلّي الله بين الناس بدلَ صندوق الميثاق، ومع أنّه لم يُسمح للناس في ذلك الحين بالاقتراب من الصندوق، إلاّ أنّ البشر اليوم يمكنهم التقرّبُ من الله عن طريق السيد المسيح (سلامه علينا).

*الفصل الرّابع:4 التوراة، سفر التكوين 2‏:2.

الفصل الرّابع:7 لقد فهِم النّاس في زمن النبي موسى (عليه السّلام) أنّ الكلمة الأصلية “الرّاحة” أو “السّكينة”، تشير إلى السّكن بأرض كنعان، وهذا ما لم يتمكّنوا من تحقيقه بشكل كامل، ولا سَلَفُهم ولا حتّى النبيّ داود (عليه السّلام). وكان الرومان يتحكّمون بأرض فلسطين زمن سيدنا عيسى (سلامه علينا)، فاعتقد اليهود أنّ ترميم مملكة داود وميعاد السّكينة المُنتظَر سيحلّ في الأيام الأخيرة للعالم فقط.

الفصل الرّابع:16 تحدّث الأنبياء الأوّلون عن صندوق الميثاق المقدّس كرمزٍ لعرش الله، وتجلّيه تعالى. وكان للصندوق غطاء وعليه رسم لصورتي ملاكَيْن. ويرمز المشهدُ إلى عرش ملوكي يتكوّن من أشكال لكائنات ذات أجنحة على مثال عروش ملوك الشرق الأدنى القديم. وصوّر النّاس آلهتهم كملوك متوّجَة على العرش. وبما أنّ صندوق الميثاق يرمز لتجلّي الله، فلم يُسمَح لليهود بالاقتراب منه. وكان محفوظا في المحراب الأقدس في بيت الله، بل إنّ كبير الأحبار لم يكن باستطاعته الاقترابُ منه إلا مرّة واحدة في السنة. أمّا الآن فإنّ السيد المسيح يرمز إلى حقيقةٍ تؤكّد تجلّي الله بين الناس بدلَ صندوق الميثاق، ومع أنّه لم يُسمح للناس في ذلك الحين بالاقتراب من الصندوق، إلاّ أنّ البشر اليوم يمكنهم التقرّبُ من الله عن طريق السيد المسيح (سلامه علينا).