الفصل التّاسع
تفاصيل الميثاق الأوّل
لقد فَرَضَ الميثاقُ القَديمُ على بَني يَعقوبَ فَرائضَ فيها شَعائرُ وقَوانينُ تُنَظِّمُ العِباداتِ في حَرَمٍ يَحتوي على خَيمةٍ للعِبادةِ في هذِهِ الدُّنيا. وفيها قِسمانِ يَفصِلُ بَينَهُما حِجابٌ: أوّلُهُما “المِحرابُ المُقَدَّسُ”، وفيهِ مِصباحٌ ذَهَبي، ومائِدةٌ يَضَعونَ عليها خُبزًا يَجعَلونَهُ قُربانًا للهِ. وثانيهِما مُتَوارٍ خَلفَ الحِجابِ يُدعى “المِحرابَ الأَقدَسَ”، وفيهِ مَوقِدٌ مِن ذَهَبٍ للبَخورِ، وفيهِ صُـندوقُ الميثاقِ المُغَطَّى بالذَّهَبِ. ويَحتَوي هذا الصُّندوقُ على إناءٍ مِن ذَهَبٍ فيهِ المَنُّ طَعامًا لبَني يَعقوبَ في الصَّحراءِ آنذاكَ وعَصا هارونَ الَّتي أنبَتَت بَراعِمَ ولَوحَانِ مِن حَجَرٍ نُقِشَت عليهِما وَصايا الميثاقِ.* ولمزيد من المعلومات عن “المنّ،” انظر التوراة، سفر الخروج 16: 2‏-35. ولمزيد معرفة قصّة تَبَرعُمِ عصا النبي هارون انظر التوراة، سفر العدد 16: 1‏-17: 11. ولمزيد من المعلومات عن ألواح الميثاق الحجرية، انظر سفر الخروج 34: 27‏-35. وفَوقَ غِطاءِ الصُّـندوقِ يُوجَدُ شَكلانِ لِمَلاكينِ مُقَرَّبَينِ يُظَلِّلانِ بأَجنِحَتِهِما الغِطاءَ، ويَتَجَلَّى بَينَهُما جَلالُ نورِ اللهِ، حَيثُ كانَ كَبيرُ الأحبارِ يُكَفِّرُ عَن ذُنوبِ بَني يَعقوبَ بِرَشِّ الدَّمِ. ويَكفيكُم هذا المِقدارُ مِنَ التَّفاصيلِ، فالمَجالُ لا يَسمَحُ بِالمَزيدِ. لمزيد من التفاصيل التي تخصّ حرَمَ خيمة العبادة وأدواته، انظر التوراة، سفر الخروج 35 :4 – 40: 33.
ولَمّا قامَ بنو يَعقوبَ بِتَحضيرِ الأشياءِ الّتي يَحتاجونَ إليها، أخَذَ الأَحبارُ يَدخُلونَ بِاطِّرادٍ إلى المِحرابِ المُقَدَّسِ ويَقومونَ بِشَعائرِ العِبادةِ. أَمّا المِحرابُ الأَقدَسُ، فلا يَدخُلُهُ إلاّ كَبيرُ الأحبارِ، مَرَّةً واحِدةً كُلَّ سَنةٍ. ويأخُذُ مَعَهُ دائمًا دَمَ الأُضحيةِ حَتّى يُكَفِّرَ عَن ذُنوبِهِ وعَنِ ذُنوبِ بَني يَعقوبَ الّتي كانوا يَرتَكِبونَها سَهوًا. وجاءَت إشارةٌ مِن رُوحِ اللهِ من خِلالِ هذِهِ القَوانينِ تُؤكِّدُ أنّ طَريقَ الدُّخولِ إلى المَكانِ الأَقدَسِ حَيثُ تَجَلّيات اللهِ لَم يَكُن مَفتوحًا لِلجَميعِ، ما دامَ النِّظامُ القَديمُ لبَيتِ العِبادَةِ قائمًا. وإنَّ في هذا لَعِبرةً لنا اليَومَ، وِمِن الواضِحِ أَنَّ هذِهِ الأَضاحي والقَرابينَ لا يُمكِنُها أَن تُطَهِّرَ ضَمائرَ العابِدينَ. 10 لقدِ اقتَصَرَ النِّظامُ القَديمُ، على تَحليلِ بَعضِ الطَّعامِ والشَّرابِ وتَحريمِهِ، وعلى شَعائرَ مُختَلِفةٍ تَكونُ شُروطًا لِلطَّهارةِ، بَل إنَّ في نِظامِ الأَوّلينَ شَرائِعَ بَشَريةَ مَفروضة تَنتَهي حينَ يَحُلُّ النِّظامُ الجَديدُ.
تفوّق الميثاق الجديد
11 أَمّا الآن، فكَبيرُ الأَحبارِ الَّذي اصطَفاهُ اللهُ هو السَّيِّدُ المَسيحُ الّذي حَقَّقَ ما وَعَدَنا اللهُ بِهِ مِن بَرَكاتٍ، وعَرَجَ إلى المَكانِ المُقَدَّسِ الحَقيقيِّ في السَّماءِ، حَتّى يَشفَعَ لنا في أَعظَمِ مَكانٍ وأكمَلِهِ، مَكانٍ لم تَصنَعهُ يَدُ البَشَرِ ولا يَنتَمي إلى هذِهِ الدُّنيا. 12 إنَّ أحبارَ بَني يَعقوبَ لَيَدخُلونَ إلى المِحرابِ الأَقدَسِ بِدَمِ عُجولٍ وتُيوسٍ، أمّا سَيِّدُنا عيسى فضَحَّى بحَياتِهِ، فكانَ الفِداءُ بدَمِهِ للنّاسِ، حينَ دَخَلَ مَرّةً واحِدةً وبِصِفةٍ نِهائيةٍ المِحرابَ الأَقدَسَ الحَقيقيَّ في السَّماءِ. 13 إنّ نِظامَ الميثاقِ القَديمِ يَقضي أن يَرُشَّ الأحبارُ على العابِدينَ دِماءَ الحَيَوانِ، وإنَّهُم لَيَتَّخِذونَ مِن رَمادِ عِجلةٍ ما يَنثُرونَهُ على النّاسِ المُنَجَّسينَ ليُصبِحوا طاهِرينَ. 14 أمّا تَضحيةُ سَيِّدِنا المَسيحِ فهي أقدَرُ مِن تِلكَ القَرابين إذ تُطَهِّرُ قُلوبَنا مِن الأعمالِ الّتي تُؤدّي إلى الهَلاكِ لِكَي نَعبُدَ اللهَ الحَيَّ القَيّومَ. فقد قَدَّمَ المَسيحُ نَفسَهُ للهِ بِقوَّةِ رُوحِ اللهِ الأَزَليّ أُضحيةً لا عَيبَ فيها لتُغفَرَ ذُنوبُنا.
15 فعلى هذا الأَساسِ، فإنَّ السَّيِّدَ المَسيحَ هو الصِّلَةُ بَينَ اللهِ والنّاسِ ليُرسِي الميثاقَ الجَديدَ، وبِهِ يَنالُ كُلُّ الّذينَ استَجابوا لِدَعوةِ اللهِ نَصيبَهُمُ الأَبَديّ الّذي وُعِدوا بِهِ. ففي زَمَنِ الميثاقِ الأوّلِ لم يَتَحَرَّرِ النّاسُ مِن ذُنوبِهِم، ولكنَّ اللهَ بِتَضحيتِهِ (سلامُهُ علينا) يُحَرِّرُهُم مِن كُلِّ الخَطايا.
16 فعِندَما يَدخُلُ النّاسُ في ميثاقٍ، يَجِبُ على أحَدِهِم أن يَذبَحَ حَيوانًا كإشارةٍ لِما سيَحصُلُ مَعَهُ لو خالَفَ هذا الميثاقَ. 17 فلا يُقامُ الميثاقُ إلا بَعدَ ذَبحِ هذا الحَيوانَ. في زمن النبي إبراهيم وغيره من الأنبياء الأوّلين، كان الملوك وأصحاب السلطة يبرمون المواثيق بينهم وبين الأقل منهم سلطة، فيُطلب من هؤلاء غالبا ذبح الحيوانات كجزء من شعائر إبرام الميثاق. والغاية من هذه الشعائر أن يؤكد الشخص الأدنى سلطة موافقته والتزامه بالميثاق، حتّى إذا ما خالف هذا الميثاق يكون مصيره الموت مثلما هلكت تلك الحيوانات، وشُطرت إلى نصفين إشارة إلى الموت العنيف لمن يخالف الميثاق (انظر التوراة، سفر التكوين 15: 9‏-21). 18 وميثاقُ اللهِ القَديمُ لم يُبرَم إلاَّ بَعدَ الذَّبحِ وتَقديمِ الدَّمِ أيضًا. 19 فبَعدَ أن بَلَّغَ النَّبيُّ موسى جَميعَ بَني يَعقوبَ كُلَّ ما جاءَت بِهِ التَّوراةُ، خَلَطَ دَمَ عُجولٍ وتُيوسٍ بالماءِ، وغَمَسَ فيهِ حُزمَةً مِن نَباتِ الزّوفا وصوفًا أحمَرَ، ورَشَّ مِنهُ على كِتابِ التَّوراةِ وعلى جَميعِ شَعبِ بَني يَعقوبَ. 20 وقالَ: “بِهذا الدَّمِ يُبرَمُ الميثاقُ الّذي أَوصاكُمُ اللهُ أَن تَتَعَهَّدوهُ”.§ التوراة، سفر الخروج 24: 8. 21 ونَثَرَ مِنهُ على خَيمَةِ العِبادةِ وعلى كُلِّ أدَواتِ شَعائرِ التَّعَبُّدِ. 22 ولذلِكَ يُمكِنُ أن نَقولَ إنّ التَّوراةَ تُوصي بتَطهيرِ الأشياءِ بالدَمِ أو غَيرِهِ، في حينَ أنّ الطَّهارةَ مِن الذُّنوبِ لا تَكونُ إلاّ بإراقةِ الدَّمِ فقط.
السّيّد المسيح، الذِّبح العظيم
23 إنّ حَرَمَ المَقامِ المُقَدَّسِ في الدُّنيا صُورةٌ عن بَيتِ اللهِ في عِلِّيّينَ، فإن وَجَبَ تَطهيرُهُ بِرَشِّهِ بِدَمِ الذَّبائحِ، فقد وَجَبَ تَطهيرُ أهلِ السَّماءِ بذَبيحةٍ أعظَمَ وأَسمى. 24 فلقد دَخَلَ السَّيِّدُ المَسيحُ إلى المِحرابِ الأَقدَسِ الحَقيقيِّ في السَّماءِ أينَ يَشفَعُ الآنَ لنا في حَضرةِ اللهِ، ولم يَدخُل إلى المِحرابِ الّذي صَنَعَتْهُ يَدُ البَشَرِ لأنّهُ مُجَرَّدُ صُورةٍ مِنهُ. 25 يَدخُلُ كَبيرُ الأحبارِ إلى المِحرابِ الأَقدَسِ، سَنةً بَعدَ سَنَةٍ، حامِلاً دَمًا غَيرَ دَمِهِ، أمّا سَيِّدُنا المَسيحُ فَقَد دَخَلَ في السَّماءِ، وقَدَّمَ دَمَهُ لا دَمَ غَيرِهِ فِداءً للمؤمنينَ، مَرّةً واحِدةً لا مِرارًا وتِكرارًا، 26 وإلاَّ لَكانَ عليهِ أَن يَتَعَذَّبَ ويَموتَ مَرّاتٍ ومَرّاتٍ مُنذُ خَلقِ العالَمينَ! غَيرَ أنَّهُ، الآنَ، في آخِرِ أيّامِ هذهِ الدُّنيا، ظَهَرَ مَرَّةً واحِدةً وقَدَّمَ نَفسَهُ ذِبحًا عَظيمًا حَتَّى يَحمِلَ الخَطايا.* اعتقد اليهود أنّ التاريخ ينقسم إلى قسمين: الزمن الرّاهن والعصر المبارك المنتظر. ومن خلال تعبير “آخر أيّام هذه الدنيا” يؤكّد الكاتب أنّ فترة وجود السّيد المسيح في هذه الدنيا كانت لحظة فارقة في التاريخ. وبما أنّ مملكة الله تبدأ بمجيئه (سلامُهُ علينا) فإنّ العصر المبارك المنتظر بدأ الآن. 27 ولَقَد كُتِبَ المَوتُ على النّاسِ جَميعًا مَرّةً واحِدةً وبَعدَها يُواجِهونَ الحِسابَ، 28 كذلِكَ قَدَّمَ السَّيِّدُ المَسيحُ حَياتَهُ فِديَةً مَرّةً واحِدةً حَتّى يَمحُوَ خَطايا الكَثيرينَ. وإنَّهُ لآتٍ مَرَّةً أُخرى، لا لِيَمحُوَ الذُّنوبَ بل ليُنقِذَ الّذينَ يَنتَظِرونَ تَجَلّيهِ بلَهفةٍ. يقارن الكاتب هنا بين عودة سيدنا عيسى من السماء وبين خروج كبير الأحبار من المحراب الأقدس في بيت الله. وحسب تقاليد بني يعقوب، كان عليهم يوم الكفارة أن ينتظروا في ساحة الحرم، خروج كبير الأحبار من المحراب الأقدس داخل بيت الله بعد تقديم دم الأضحية (القربان). وبمجرّد خروج كبير الأحبار يَتَيقّن العابدون أنّ خطاياهم قد غُفِرَت. ويمكن للناس أن يتيقّنوا بالطريقة نفسها، أنّ آثامهم قد غُفرت وذلك عند عودة السيد المسيح قادما من السماء.

*الفصل التّاسع:4 ولمزيد من المعلومات عن “المنّ،” انظر التوراة، سفر الخروج 16: 2‏-35. ولمزيد معرفة قصّة تَبَرعُمِ عصا النبي هارون انظر التوراة، سفر العدد 16: 1‏-17: 11. ولمزيد من المعلومات عن ألواح الميثاق الحجرية، انظر سفر الخروج 34: 27‏-35.

الفصل التّاسع:5 لمزيد من التفاصيل التي تخصّ حرَمَ خيمة العبادة وأدواته، انظر التوراة، سفر الخروج 35 :4 – 40: 33.

الفصل التّاسع:17 في زمن النبي إبراهيم وغيره من الأنبياء الأوّلين، كان الملوك وأصحاب السلطة يبرمون المواثيق بينهم وبين الأقل منهم سلطة، فيُطلب من هؤلاء غالبا ذبح الحيوانات كجزء من شعائر إبرام الميثاق. والغاية من هذه الشعائر أن يؤكد الشخص الأدنى سلطة موافقته والتزامه بالميثاق، حتّى إذا ما خالف هذا الميثاق يكون مصيره الموت مثلما هلكت تلك الحيوانات، وشُطرت إلى نصفين إشارة إلى الموت العنيف لمن يخالف الميثاق (انظر التوراة، سفر التكوين 15: 9‏-21).

§الفصل التّاسع:20 التوراة، سفر الخروج 24: 8.

*الفصل التّاسع:26 اعتقد اليهود أنّ التاريخ ينقسم إلى قسمين: الزمن الرّاهن والعصر المبارك المنتظر. ومن خلال تعبير “آخر أيّام هذه الدنيا” يؤكّد الكاتب أنّ فترة وجود السّيد المسيح في هذه الدنيا كانت لحظة فارقة في التاريخ. وبما أنّ مملكة الله تبدأ بمجيئه (سلامُهُ علينا) فإنّ العصر المبارك المنتظر بدأ الآن.

الفصل التّاسع:28 يقارن الكاتب هنا بين عودة سيدنا عيسى من السماء وبين خروج كبير الأحبار من المحراب الأقدس في بيت الله. وحسب تقاليد بني يعقوب، كان عليهم يوم الكفارة أن ينتظروا في ساحة الحرم، خروج كبير الأحبار من المحراب الأقدس داخل بيت الله بعد تقديم دم الأضحية (القربان). وبمجرّد خروج كبير الأحبار يَتَيقّن العابدون أنّ خطاياهم قد غُفِرَت. ويمكن للناس أن يتيقّنوا بالطريقة نفسها، أنّ آثامهم قد غُفرت وذلك عند عودة السيد المسيح قادما من السماء.