الفصل الثّالث
ضبط اللّسان
يا إخوتي، يَجِبُ ألاّ يَكثُرَ بَينَكُم المُرشِدونَ للنّاسِ في دينِهِم. فإنّكُم تَعرِفونَ أنّنا نَحنُ المُرشِدينَ نَلقى حِسـابًا أقسَى مِن حِسابِ سائرِ المؤمنينَ!* يتحدّث الحواري يعقوب في هذا المقطع عن أولئك الذين يقدّمون أنفسهم كمرشدين طمعا في مركز اجتماعي ومقابل مادّي. فبعضهم كان يزعم إرشاد النّاس إلى هداية الله بينما كان يلقّنهم حكمة زائفة يعتنقها الثّوار اليهود، مثل الدّعوة إلى العنف والفتنة. وإنّكُم تَعرِفونَ أنّنا جَميعًا مُعَرَّضونَ للوقوعِ في أخطاءٍ كَثيرةٍ.‏ والّذي لا يُخطئ في كَلامِهِ مِن المُعَلِّمينَ المُرشدينَ فهو راشِدٌ وقادِرٌ على إرشادِ أعضاءِ أُمّةِ الجَسَدِ الواحِدِ كُلِّها. يستخدم يعقوب هنا كلمتي “الجسم” و”الأعضاء” في اللّغة اليونانيّة، وربّما أراد من ذلك مجازا جماعة المؤمنين بسيّدنا عيسى، أو ربّما قصد جسم الإنسان فقط. فإذا كان يعني جماعة المؤمنين فالآيتان 5‏-6 هما تحذير من الأذى المحتمل الذي سيصيب الجماعة بواسطة مرشد واحد ضالّ بينهم. وسأُقَدِّمُ لكُم مِثالاً على ذلِكَ: فحِينَ نَضَعُ للخَيلِ اللِّجامَ الصَّغيرَ نَستَطيعُ أن نَقودَها بسُهولةٍ مَهما كانَ حَجمُها. وكَذلِكَ يَستَطيعُ الرُّبَّانُ قيادةَ السُّفُنِ الكَبيرةِ بِدَفةٍ صَغيرةٍ، رَغمَ الرِّياحِ القَويَّةِ الّتي تَدفَعُ أشرِعتَها. هكذا هو أمرُ اللِّسـانِ، فرَغمَ أنّهُ عُضوٌ صَغيرٌ،‏ إلاّ أنّ النّاسَ يَتَفاخَرونَ بواسطَتِهِ بما أتَوهُ مِن عَمَلٍ كَبيرٍ!‏ وانظُروا شأنَ شَرارةِ النّارِ الصَّغيرَةِ، كَيفَ تُحرِقُ غابةً كَبيرةً! كذلِكَ اللِّسانُ، كَشُعلةِ النّارِ،‏ إنّهُ مَصدَرُ كُلِّ أنواعِ الشُّرورِ المُنتَشَرةِ بَينَ المؤمنينَ.‏ إنّهُ يُفسِدُ كُلَّ الجَماعةِ،‏ ويُشعِلُ النَّارَ في ما بَينَهُم،‏ وما هي إلاّ شَرارةٌ أُخِذَتْ مِن نارِ الجَحيمِ‏!
ولئن تَحَكَّمَ الإنسانُ في مَصيرِ أنواعِ الوُحوشِ والطُّيورِ والزَّواحِفِ وكائناتِ البِحارِ، فإنّه يَعجِزُ عَن التَّحَكُّمِ في لِسانِهِ. فاللِّسانُ هو الشَّرُّ الّذي لا يَقَعُ تَحتَ سُلطانِ إنسانٍ!‏ وهو إناءُ سُمٍّ قاتِلٍ، فبِهِ نَحمَدُ رَبَّنا أبانا الرَّحمنَ،‏ وبِهِ نَطلُبُ أن تَحُلَّ اللَّعنةُ على النّاسِ الّذينَ خَلَقَهمُ اللهُ ظِلَّهُ في الأرضِ. 10 فبلِسانٍ واحِدٍ نَلفَظُ الحَمدَ واللَّعنات،‏ وما هذا، إخوتي في اللهِ، بِالأمرِ الرَّشيدِ! رغم أنّ بعض اليهود قد اعتبروا لعنهم للأعداء أمرا مقبولا نابعا من الوطنيّة، فقد أعلن الحواري يعقوب أنّ اللّعنات لا تليق بمن يتعبّد الله. 11 أفتُخرِجُ عَينٌ واحِدةٌ ماءً فُراتًا وماءً مالِحًا أُجاجًا؟ 12 وهل مِن شَجَرِ التّينِ نَغرِسُ الزَّيتونَ؟ أو هل يُمكِنُ أن نَجني التّينَ مِن الكَرَمِ؟ أم هل نَستَطيعُ أن نَشرَبَ مِنَ البَحرِ ماءً سَلسَبيلاً؟ إنّ هذا، يا إخواني، غَيرُ مَعقولٍ وغَيرُ مَقبولٍ!
الهداية الحقيقيّة
13 وإذا وُجِدَ بَينَكُم مَن يَدَّعي أنّهُ مُرشِدٌ حَكيمٌ، وأنّ اللهَ يَهديهِ إلى الحَقِّ المُبين، فعليهِ أن يُبَرهِنَ على ذلِكَ بحَياتِهِ الصّالِحةِ، مِن خِلالِ أعمالٍ يأتيها بتَواضِعٍ نابِعٍ مِن حِكمةِ اللهِ.§ كان المتحمّسون يعتبرون أنفسهم حكماء ومخلصين لدينهم بحثِّهم النّاس على العنف والثّورة ضدّ الرّومان. وكانت شعبيتهم تزداد يوما بعد يوم، في زمن كتابة هذه الرّسالة بسبب تزايد الظّلم. وقد حثّ الحواري يعقوب الفقراءَ على انتظار العدالة من الله تعالى، وبالتحلّي بروح التّسامح كَردٍّ على العنف. وقد برهن الزّمن على أنّ يعقوب كان أكثر حكمةً من دعاة العنف الثّوري، وذلك عقب ثورة اليهود في فلسطين في الفترة الممتدّة بين سنة 66 إلى سنة 70 للميلاد عندما تمّ تخريب مدينة القدس، واستعباد كلّ من نجا من الموت. 14 أمّا إذا طَغى على قُلوبِكُم الحَسَدُ والتَّنافُسُ والتَّحَزُّبُ، فَلا تَفتَخِروا أنّ اللهَ قد هَداكُم، فتُنكِرونَ الحَقيقةَ.* المصطلح الذي يترجم عادة بكلمة “غيرة” هو إشارة إلى فكرة الزعيم الذي يعتبر نفسه غيورا أو متحمّسا للحقيقة، ويدخل في منافسة حادّة مع زملائه المتديّنين بهذا الشأن. أما المصطلح الذي يترجم أحيانا بـ”الأنانية” فهو يشير إلى طموح أولئك الزعماء لكسب أتباعٍ خاصّين بهم، ممّا يفسح الطريق أمام الفكر الطائفي. 15 فالّذينَ يَفعَلونَ هذا لا يَهتَدونَ بِحِكمةِ اللهِ. وإنّما أفكارُهُم دُنيويّةٌ، بَشَريّةُ، شَيطانيّةٌ! 16 وحَيثُما يُوجَدُ الحَسَدُ والمُنافَسَةُ والتَّحَزُّبُ تَحُلُّ الفِتنةُ وأنواعُ الفَسادِ كُلِّهِ.
17 أمّا إذا اهتَدى أحَدٌ بحِكمةٍ حَقيقيّةٍ مِن عِندِ اللهِ، فهو لا رَيبَ طاهِرٌ حَليمٌ، واسِعُ الصَّدرِ سَمْحٌ كَريمٌ، مَليءٌ بفَضلِ اللهِ رَحمةً وحَسَناتٍ، لا نِفاقَ فيهِ ولا مُحاباةَ. 18 والّذينَ يَبذُرونَ بُذورَ السَّلام ويَسعَونَ إليهِ، يَحصُدونَ مَرضاةَ اللهِ!

*الفصل الثّالث:1 يتحدّث الحواري يعقوب في هذا المقطع عن أولئك الذين يقدّمون أنفسهم كمرشدين طمعا في مركز اجتماعي ومقابل مادّي. فبعضهم كان يزعم إرشاد النّاس إلى هداية الله بينما كان يلقّنهم حكمة زائفة يعتنقها الثّوار اليهود، مثل الدّعوة إلى العنف والفتنة.

الفصل الثّالث:2 يستخدم يعقوب هنا كلمتي “الجسم” و”الأعضاء” في اللّغة اليونانيّة، وربّما أراد من ذلك مجازا جماعة المؤمنين بسيّدنا عيسى، أو ربّما قصد جسم الإنسان فقط. فإذا كان يعني جماعة المؤمنين فالآيتان 5‏-6 هما تحذير من الأذى المحتمل الذي سيصيب الجماعة بواسطة مرشد واحد ضالّ بينهم.

الفصل الثّالث:10 رغم أنّ بعض اليهود قد اعتبروا لعنهم للأعداء أمرا مقبولا نابعا من الوطنيّة، فقد أعلن الحواري يعقوب أنّ اللّعنات لا تليق بمن يتعبّد الله.

§الفصل الثّالث:13 كان المتحمّسون يعتبرون أنفسهم حكماء ومخلصين لدينهم بحثِّهم النّاس على العنف والثّورة ضدّ الرّومان. وكانت شعبيتهم تزداد يوما بعد يوم، في زمن كتابة هذه الرّسالة بسبب تزايد الظّلم. وقد حثّ الحواري يعقوب الفقراءَ على انتظار العدالة من الله تعالى، وبالتحلّي بروح التّسامح كَردٍّ على العنف. وقد برهن الزّمن على أنّ يعقوب كان أكثر حكمةً من دعاة العنف الثّوري، وذلك عقب ثورة اليهود في فلسطين في الفترة الممتدّة بين سنة 66 إلى سنة 70 للميلاد عندما تمّ تخريب مدينة القدس، واستعباد كلّ من نجا من الموت.

*الفصل الثّالث:14 المصطلح الذي يترجم عادة بكلمة “غيرة” هو إشارة إلى فكرة الزعيم الذي يعتبر نفسه غيورا أو متحمّسا للحقيقة، ويدخل في منافسة حادّة مع زملائه المتديّنين بهذا الشأن. أما المصطلح الذي يترجم أحيانا بـ”الأنانية” فهو يشير إلى طموح أولئك الزعماء لكسب أتباعٍ خاصّين بهم، ممّا يفسح الطريق أمام الفكر الطائفي.