الفصل الثّالث عشر
عيسى (سلامُهُ علينا) يقوم بغسل أقدام أتباعه
1‏-2 قُبيلَ عِيدِ الفِصح، كانَ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) يَتناولُ العَشاءَ مَعَ الحَواريِّينَ. وكانَ يُدرِكُ أنَّ مَوعِدَ رَحيلِهِ عن هذا العالَمِ إلى جِوارِ اللهِ الأبِ الرَّحمنِ قد أزِفَ. وإنّ حُبَّهُ لأتباعِهِ الّذينَ سيُخَلِّفُهُم وَراءَهُ في هذِهِ الدُّنيا لكَبيرٌ. وكانَ الشَّيطانُ قد دَسَّ الفِتنةَ في قَلبِ يَهوذا ابنِ سَمعانَ الإسخَريوطيّ وعَقلِهِ، تِلكَ الفِتنة الّتي انتَهَت بِهِ لخيانةِ سَيِّدِهِ. ولقد كانَ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) على عِلمٍ بأنّ اللهَ الأبَ الرَّحمنَ قد خَصَّهُ بسُلطَةٍ جَعَلَت كُلَّ شَيءٍ تَحتَ يَدَيهِ، وأنّهُ إنّما مِن عِندِهِ جاءَ وإليهِ يَعودُ. فقامَ (سلامُهُ علينا) على الفَورِ عَنِ العَشاءِ، وخَلَعَ عَنهُ عَباءتَهُ، وأخَذَ مِنشفَةً وأحاطَ بِها وَسَطَهُ وقامَ بصَبِّ الماءِ في وِعاءٍ، ليَغسِلَ أقدامَ حَواريِّيهِ ويُجَفِّفَها. وعِندَما وَصَلَ (سلامُهُ علينا) إلى بُطرُسَ الصَّخرِ ليَغسِلَ لهُ قدَمَيهِ، قامَ بُطرُسُ عنهُ مُعتَرِضًا قائلاً: “مَولاي، كَيفَ تَقومُ أنت بغَسلِ قَدَميّ؟!” فأجابَهُ (سلامُهُ علينا): “أنتَ الآنَ لا تُدرِكُ لِماذا أقومُ بهذا العَمَلِ، ولكنّكَ عَمّا قَريبٍ ستُدرِكُ ذلِكَ”. فأجابَهُ صَخرٌ:”لن أدعَكَ تَغسِلُ قَدَمَيّ أَبَدًا!” فأجابَهُ سَيِّدُنا عيسَى: “إن لم أغسِلْ لكَ قَدَمَيكَ، فلن يَكونَ لكَ مَعي نَصيبٌ”. فقالَ صَخرٌ: “يا مَولاي، إن كانَ الأمرُ كذلِكَ، فاغسِلْ لي قَدَمَيّ ويَدَيّ ورأسي أيضًا!”* درج بنو يعقوب في ذلك الزمن على تكريم الضيف بغسل قدميه عند وصوله إلى بيت مضيّفه، وكانت تلك مهمّة يقوم بها عبد غير يهودي. لكن إذا لم يكن هناك عبد أجنبي، فقد كان على نساء ذلك البيت أو الأطفال أن يقوموا بذلك. ولم يكن في الغالب يُطلب من الرجل اليهودي أن يقوم بهذا العمل الحقير. ومن المرجّح أنّه لم يكن يحضر هذا العشاء سوى الحواريين، فكان لا بدّ أن يقوم واحد منهم بذلك العمل. وربّما كان هنا بُطرس جالسا في المقعد الأدنى، فكان من واجبه أن يغسل أقدامهم، لكنّه رفض. وعندما قام السيد المسيح ليغسل أرجلهم شعر بطرس بذنب كبير لإخلال واجبه. 10 فقالَ لهُ (سلامُهُ علينا): “مَنِ اغتَسَلَ أصبَحَ طاهرًا كُلَّهُ، ولَيسَ بِهِ حاجةٌ بَعدُ إلاّ إلى غَسلِ قدَمَيهِ. كان شائعًا لدى اليهود غسل القدمين عند دخول الشخص إلى البيت، ولكنّ هذا لم يكن يمنح الشخص الطهارة إذ عليه الاغتسال. وكانت هذه الطهارة تنتفي إذا تعرّض الشخص إلى إحدى النجاسات الكبرى أو إلى الجنابة. وإنّكُم لطاهِرونَ أنقياءُ، ولكن فيكُم مَن لَيسَ طاهِرًا”. 11 فقد كانَ يَعرِفُ مَن سيَخونُهُ لذلِكَ قالَ: “فيكُم مَن لَيسَ طاهِرًا”.
12 وعِندَما انتَهى سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) مِن غَسلِ أقدامِ أتباعِهِ، وَضَعَ عنهُ عَباءتَهُ وجَلَسَ وقالَ: “هل أدرَكتُم ما فَعَلتُ بكُم؟! 13 إنَّكُم لَتَدعونَني بالمُعَلِّمِ السَّيِّدِ، وإنَّكُم لعَلى حقٍّ في هذا، لأنَّني سَيِّدُكم ومَولاكُم ومُعَلِّمُكم. 14 ولئن كُنتُ، وأنا السّيِّدُ المُعَلِّمُ، قد غَسَلتُ أرجُلَكُم، فعليكُم أنتُم أيضًا أن تَقوموا بذلِكَ فيما بَينَكم، 15 وإنّما فَعَلتُ ما فَعَلتُ لأكونَ لكُم قُدوةً تَقتَدونَ بها فتَقومونَ بخِدمةِ بَعضِكُم بَعضٍ. 16 والحقَّ الحقَّ أقولُ لكُم: لا عَبدَ أعظَمُ مِن سَيِّدِهِ، ولا رَسولَ أعظَمُ مِن مُرسِلِهِ. 17 فإن أدرَكتُم تِلكَ الحَقيقةَ وعَمِلتُم بها، فهَنيئًا لكُم”.
عيسى (سلامُهُ علينا) يتنبأ بخيانة يَهوذا له
18 وتابَعَ عيسى (سلامُهُ علينا) قائلاً: “إنّ كَلامي عَن الخِيانةِ لا يَشمَلُكُم جَميعًا، فأنا أدرَى بمَن اختَرتُهُم، ولكن لا بُدَّ مِن تَحقيقِ ما جاءَ في الزّبُور: “الّذي أكَلَ مِن خُبزي خانَ عَهدي”. 19 وها أنا أُخبِرُكُم بذلِكَ الأمرِ قَبلَ وُقُوعِهِ، فعِندَما يَقَعُ تَعلَمونَ أنّي المَسيحُ المُنتَظَرُ حقًّا. 20 والحقَّ الحقَّ أقولُ لكُم، مَن قَبِلَ رَسولي فقد قَبِلَني، ومَن قَبِلَني فقد قَبِلَ اللهَ الّذي أرسَلَني”. 21 ثُمَّ أصابَهُ (سلامُهُ علينا) اضطِرابٌ شَديدٌ وقالَ: “وأقولُ لكُم الحقَّ الحقَّ: أحَدُكُم سيَخونُني”.
22 فأخَذَ الحَواريُّونَ يَنظُرونَ بَعضُهُم إلى بَعضٍ بِحَيرةٍ ويَتَساءلونَ عَمَّن يَجرُؤُ على القيامِ بخيانتِهِ. 23 وكانَ أحَدُ الحَواريِّينَ الّذي كانَ مُقَرّبًا إلى قَلبِهِ (سلامُهُ علينا) جالِسًا إلى جِوارِهِ، 24 فأومأ بُطرُسُ الصَّخر إلى ذاكَ الحَواريِّ ليَسألَهُ مَن المَقصودِ بكَلامِهِ. 25 فمالَ الحَواريُّ على صَدرِ عيسى (سلامُهُ علينا) قائلاً: “مَن يَكونُ يا مَولاي؟” كان من المعتاد عند الجلوس إلى المائدة في المآدب أن يجلس الناس إزاء بعضهم بعضا في وضع اتّكاء، فكان من اليسير أن يميل الحواري الحبيب على صدر سيدنا عيسى (سلامُهُ علينا) هامسًا إليه بالشخص الذي يقصده. 26 فأجابَهُ (سلامُهُ علينا): “إنّهُ الّذي يَنالُ مِنّي هذِهِ اللُّقمةَ بَعدَ أن أُغَمِّسَها”. وغَمَّسَ اللُّقمةَ ورَفَعَها وناولَها يَهوذا بن سَمعان الإسخَريوطيّ. 27 فلمّا أخَذَها يَهوذا مِنهُ اندَسَّ فيهِ الشَّيطانُ. فقالَ لهُ (سلامُهُ علينا): “نَفِّذْ ما أنتَ عازمٌ على عَمَلِهِ سَريعًا!” 28 ولم يُدرِك الحَواريُّونَ الحاضِرونَ على العَشاءِ ما قَصَدَهُ (سلامُهُ علينا) بأمرِهِ هذا، 29 لأنّهُم ظَنُّوا أنّهُ طَلَبَ مِن يَهوذا شِراءَ لَوازمِ العِيدِ لَهُم، أو القيامَ بالتَّصَدُّقِ على الفُقراءِ، لأنّ صُندوقَ المالِ كانَ في أمانتِهِ. 30 فأخَذَ يَهوذا اللُّقمةَ وخَرَجَ سَريعًا إلى حَيثُ الظّلامُ.
عيسى (سلامُهُ علينا) ونبوءته بإنكار بطرس له
31‏-32 وبَعدَ مُغادَرةِ يَهوذا، التَفَتَ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) إلى حَواريِّيهِ قائلاً: “حانَ الوَقتُ ليَتَعَظّمَ شأنُ سَيِّدِ البَشَر، وما سيَحدُثُ لهُ سيُمَجِّدُ اللهَ، وهو تَعالى سيَرفَعُ شأنَ سَيِّدِ البَشَرِ عمّا قَريب. 33 يا أبنائي، ما أقصَرَ الوَقتَ الّذي أقضيهِ بَينَكُم قَبلَ أن أُفارقَكم! ها أنا أُرَدِّدُ على مَسامعِكُم ما كُنتُ قد ذَكَرتُهُ لقادةِ الشَّعبِ: “ستَفقِدونَني ثُمّ تَبحَثونَ عنِّي، ولن تَتَمَكّنوا مِن الوصولِ إلى المَكانِ الّذي سأُغادِرُ إليهِ. 34 فاحفَظوا وَصيّتي الجَديدة: أحِبُوا بَعضَكُم بَعضًا. أحِبُّوا بَعضَكُم بَعضًا كَما أحبَبتُكُم أنا. 35 فإن فَعَلتُم ذلِكَ، عَرَفَ الجَميعُ أنّكُم أتباعِي”.
36 وانبَرى صَخرٌ قائلاً: “وإلى أينَ أنتَ راحِلٌ يا مَولاي؟!” فأجابَهُ (سلامُهُ علينا): “لَستَ قادرًا الآنَ أن تَذهَبَ على إثري إلى حَيثُ أنا راحِلٌ، ولكنَّكَ ستَلحَقُني فيما بَعدَ”. 37 فقالَ لهُ صَخرٌ: “ولِماذا يا مَولاي لا يُمكِنُني أن أذهَبَ في إثرِكَ الآن؟ إنّني على استِعدادٍ للتَّضحيةِ بحَياتي في سَبيلِكَ!” 38 فأجابَهُ (سلامُهُ علينا): “أأنتَ مَن يَقولُ إنّكَ ستُضحِّي بحَياتِكَ في سَبيلي؟! إنّما الحقَّ الحقَّ أقولُ لكَ، أنتَ مَن سيُنكِرُني ثلاثًا، غَدًا، عِندَ الفَجرِ، وقَبلَ صياحِ الدِّيكِ”.

*الفصل الثّالث عشر:9 درج بنو يعقوب في ذلك الزمن على تكريم الضيف بغسل قدميه عند وصوله إلى بيت مضيّفه، وكانت تلك مهمّة يقوم بها عبد غير يهودي. لكن إذا لم يكن هناك عبد أجنبي، فقد كان على نساء ذلك البيت أو الأطفال أن يقوموا بذلك. ولم يكن في الغالب يُطلب من الرجل اليهودي أن يقوم بهذا العمل الحقير. ومن المرجّح أنّه لم يكن يحضر هذا العشاء سوى الحواريين، فكان لا بدّ أن يقوم واحد منهم بذلك العمل. وربّما كان هنا بُطرس جالسا في المقعد الأدنى، فكان من واجبه أن يغسل أقدامهم، لكنّه رفض. وعندما قام السيد المسيح ليغسل أرجلهم شعر بطرس بذنب كبير لإخلال واجبه.

الفصل الثّالث عشر:10 كان شائعًا لدى اليهود غسل القدمين عند دخول الشخص إلى البيت، ولكنّ هذا لم يكن يمنح الشخص الطهارة إذ عليه الاغتسال. وكانت هذه الطهارة تنتفي إذا تعرّض الشخص إلى إحدى النجاسات الكبرى أو إلى الجنابة.

الفصل الثّالث عشر:25 كان من المعتاد عند الجلوس إلى المائدة في المآدب أن يجلس الناس إزاء بعضهم بعضا في وضع اتّكاء، فكان من اليسير أن يميل الحواري الحبيب على صدر سيدنا عيسى (سلامُهُ علينا) هامسًا إليه بالشخص الذي يقصده.