الفصل العشرون
انبعاث المسيح (سلامُهُ علينا) من الموت
وفي صَباحِ الأحَدِ الباكِرِ والظَّلامُ لم يَنجَلِ بَعدُ عن الأرضِ، تَوَجَّهَت مَريمُ المَجدليّة* المجدلية ربّما نسبة إلى بلدة مجدلة التي كانت تقع على الشاطئ الشرقي لبحيرة طبريّا. ومريم المجدلية هي المرأة التي قام المسيح (سلامُهُ علينا) بتخليصها من الشياطين السبعة. إلى قَبرِ عيسى (سلامُهُ علينا) فلاحَظَت أنّ الحَجَرَ قد زُحزِحَ عَن مَدخَلِهِ، فعادَت أدراجَها مُسرِعةً إلى بُطرُسَ الصَّخر والحَواريِّ المُحبَّبِ لسَيّدِنا عيسى (سلامُهُ علينا) وقالَت لهُما: “لقد أخَذوا جُثمانَ سَيِّدِنا مِنَ القَبرِ ولا نَدري أينَ وَضَعوهُ!” فتَوَجَّها على الفَورِ إلى القَبرِ مُسرعَينِ، كان اليهود قديمًا لا يأخذون بشهادة المرأة بصورة موثوقة في معظم القضايا الشرعية، كما هو الحال عند الرومان إلاّ أنّ ذلك كان عندهم بدرجة أقلّ. وربّما هذا هو الذي دفع بطرس والحواري المحبّب لعيسى (يوحنّا) للتأكّد بنفسيهما ممّا قالته المرأة. غَيرَ أنّ الحَوارِيَّ الآخَرَ سَبَقَ بُطرُسَ في الوصولِ إليهِ، وانحَنى فرأى الأكفانَ في القَبرِ، ولكنَّهُ امتَنَعَ عن الدُّخولِ. 6‏-7 ثُمَّ وَصَلَ بُطرُسُ ودَخَلَ القَبرَ ورأى الأكفانَ ومِنديلَ الرأسِ مَفصولاً عَنها مَلفوفًا على حِدةٍ. عِندئذٍ تَبِعَ الحَواريُّ الواقفُ خارِجَ القَبر بُطرُسَ فرأى ما رَآه بُطرُسُ وآمَنَ في الحالِ بأنّ سَيِّدَنا عيسى (سلامُهُ علينا) قد قامَ حيًّا مِنَ المَوتِ. ولم يَكُن الحَواريُّونَ يُدرِكونَ حتّى تِلكَ اللَّحظةِ ما جاءَ في الكُتُبِ السَّماويّةِ بأنّ سَيِّدَنا عيسى (سلامُهُ علينا) لا بُدَّ أن يُبعَثَ حيًّا في زَمانِهِم. 10 وهُنا رَجَعَ الحَوارِيّانِ أدراجَهُما إلى الدّارِ.
ظهوره (سلامُهُ علينا) لمريم المجدليّة
11 وفي تِلكَ الأثناءِ كانَت مَريمُ المَجدلِيّةُ قد وَصَلَت إلى القَبرِ ووَقَفَت في الخارِجِ تَبكي، ثُمَّ انحَنَت ناظِرةً إلى داخلِهِ 12 فرأت مَلاكَينِ في ثيابٍ بَيضاءَ جالِسَينِ حَيثُ كانَ جُثمانُهُ مَوضُوعًا، أحَدُهُما مِن جِهةِ رأسِهِ والآخَرُ مِن جِهةِ قَدَمَيهِ. 13 فخاطَباها قائلَينَ: “لِماذا تَبكينَ أيَّتُها المَرأةُ؟!” فأجابَتهُما: “أخَذوا جُثمانَ سَيِّدي ولا أعلَمُ أينَ أخفَوهُ؟!” 14 ثُمَّ التفَتَتَ وَراءَها فرأت شَخصًا واقفًا ولكنَّها لم تُميِّزهُ ألا إنّ هذا الشَّخصَ هو عيسى (سلامُهُ علينا)، 15 فخاطَبَها بقولِهِ: “لِماذا تَبكينَ أيَّتُها المَرأةُ؟ ووَراءَ مَن تَسعَينَ؟!” أمّا هي فحَسِبَتهُ البُستانيَّ المَسؤولَ عن مَوضِعِ القَبرِ، فقالَت لهُ: “أيُّها الرَّجُلُ، إن كُنتَ أنتَ قد أخَذتَ جُثمانَهُ، فأخبِرني بالمَكانِ الّذي وَضَعتَهُ فيهِ، حتّى آخُذَهُ!” 16 وهُنا ناداها (سلامُهُ علينا): “يا مَريمُ!” فقالَت وقد عَرَفَتهُ: “مَولايَ!” 17 فأجَابَها سَيّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا): “هَوِّني عليكِ، ولا تُمسِكيني، فسأبقَى مَعَكُم فَترةً مِنَ الزَّمنِ قَبلَ أن أعودَ إلى جِوارِ اللهِ الأبِ الرَّحيمِ، ولكنّي أطلُبُ مِنكِ الذَّهابَ إلى أتباعي لتُخبِريهِم بأنّي سأُرفعُ إلى وَليّي ووَليّكم، إلهي وإلهِكُم”. 18 وهكذا راحَت مَريمُ المَجدليّةُ تَحمِلُ خَبَرَ رُؤيةِ سَيِّدِنا عيسى (سلامُهُ علينا) إلى حَواريِّيهِ وأتباعِهِ وتُخبِرُهُم بما قالَ لها.
ظهوره (سلامُهُ علينا) لأتباعه
19 وفي مَساءِ اليومِ نَفسِهِ، كانَ حَواريُّوهُ وأتباعُهُ (سلامُهُ علينا) مُجتمِعينَ وقد أوصَدوا الأبوابَ خَوفًا مِن قادةِ اليَهودِ. وفَجأةً ظَهَرَ لَهُم سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا)، وهو يَقِفُ بَينَهُم وبادَرَهُم مُحَيِّيًا: “السَّلامُ عليكُم!” 20 ومَدَّ يَدَيهِ وأظهَرَ جَنبَهُ ليَرَوا آثارَ الجُرُوحِ فيُوقِنُوا بأنَّهُ حَقًّا هو، ففَرِحَ الحَوارِيُّونَ لرُؤيتِهِ ليَقِينِهِم بأنّهُ سَيِّدُهُم فِعلاً، 21 ثُمَّ حَدَّثَهُم قائلاً: “السَّلامُ عليكُم. كَما أرسَلَني اللهُ الأبُ الرَّحمنُ إلى النَّاسِ، أجعَلَكُم أنا أيضًا إلى النّاس مِن المُرسَلينَ”. 22 ثُمَّ نَفَخَ فيهِم قائلاً: “اِقبَلوا رُوحَ اللهِ. ها أنا ذا أُعطِيكُم سُلطانًا في نَشرِكُم لرسالةِ اللهِ، 23 فكُلُّ مَن يُؤمنُ بها يَحصُلُ على غُفرانِ اللهِ على أيديكُم، أمّا مَن يَرفُضُها فلا غُفرانَ لهُ”. هذه نتيجة من نتائج نشر رسالة المسيح (سلامُهُ علينا)، وذلك يجعل الناس يتوبون عند سماعهم تلك المنحة الإلهية العظيمة، أو يظلّون على عنادهم دون تجاوب مع تلك المنحة الإلهية وبالتالي يتواصل غرقهم في خطاياهم.
ظهوره (سلامُهُ علينا) لِتوما
24 ولم يَكُن الحَوارِيُّ تُوما المُلقَّبُ بالتَّوأمِ، حاضِرًا وَقتَ ظُهورِ سَيِّدِنا عيسى (سلامُهُ علينا) لِحَواريِّيهِ وتَحَدُّثِهِ إليهِم. 25 لذلِكَ عِندَما أنبأهُ الحَواريُّونَ قائلينَ: “لقد رَأينا سَيِّدَنا عيسى (سلامُهُ علينا) بأُمِّ أعيُنِنا”. أجابَهُم قائلاً: “لن أُصَدِّقَ أنّهُ بُعِثَ حيًّا حتَّى أرى أثرَ المَساميرِ في يَدَيهِ، وأضَعَ إصبعي في مَكانِ المَساميرِ ويَدي على جُرحِهِ الّذي في جَنبِهِ!” 26 وبَعدَ مُرورِ ثَمانيةِ أيّامٍ، كانَ الحَواريُّونَ مُجتَمِعينَ في الدّارِ وتُوما بَينَهُم وقد أوصَدُوا الأبوابَ، وفَجأةً ظَهَرَ عيسى (سلامُهُ علينا) واقِفًا بَينَهُم قائلاً: “السَّلامُ عليكُم”. 27 ثُمَّ تَوَجَّهَ إلى تُوما بقولِهِ: “اُنظُرْ، هاتان يَداي! هاتِ إصبِعَكَ وتَحَسَّسَ بِهِ مَوضِعَ المَساميرِ فيهِما. وهاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا في أثرِ الجُرحِ الَّذي في جَنبي، وبَعدُ فإن كُنتَ غَيرَ مُصَدِّقٍ فعَليكَ أن تُصَدِّقَ”. 28 فاندَهَشَ توما وقالَ: “يا رَبِّي وإلهي!!” 29 فقالَ لهُ سَيِّدُنا عيسى: “قد آمَنتَ بي إذ رَأيتَني حَيًّا، ولكن هَنيئًا لِمَن آمَنوا بي ولم يَرَوني”.
30 وقد أظهَرَ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) مُعجِزاتٍ كَثيرةً في حُضورِ أتباعِهِ لم يَتِمَّ ذِكرُها في هذا الكِتابِ، 31 وإنّ ما وَرَدَ ذِكرُهُ مِن مُعجِزاتِهِ (سلامُهُ علينا) في هذا الكِتابِ إنّما لتَكونوا على يَقينٍ بأنّ عيسى (سلامُهُ علينا) هو المَسيحُ المُنتَظَرُ، الابنُ الرُّوحيُّ للهِ، فتَحصُلوا بفَضلِ إيمانِكُم بِهِ على نَعمةِ الحَياةِ الخالِدةِ.

*الفصل العشرون:1 المجدلية ربّما نسبة إلى بلدة مجدلة التي كانت تقع على الشاطئ الشرقي لبحيرة طبريّا. ومريم المجدلية هي المرأة التي قام المسيح (سلامُهُ علينا) بتخليصها من الشياطين السبعة.

الفصل العشرون:3 كان اليهود قديمًا لا يأخذون بشهادة المرأة بصورة موثوقة في معظم القضايا الشرعية، كما هو الحال عند الرومان إلاّ أنّ ذلك كان عندهم بدرجة أقلّ. وربّما هذا هو الذي دفع بطرس والحواري المحبّب لعيسى (يوحنّا) للتأكّد بنفسيهما ممّا قالته المرأة.

الفصل العشرون:23 هذه نتيجة من نتائج نشر رسالة المسيح (سلامُهُ علينا)، وذلك يجعل الناس يتوبون عند سماعهم تلك المنحة الإلهية العظيمة، أو يظلّون على عنادهم دون تجاوب مع تلك المنحة الإلهية وبالتالي يتواصل غرقهم في خطاياهم.