مدخل إلى لوقا
كان لوقا طبيبا واسع الاطّلاع على الثقافة الإغريقية. وكان شديد الارتباط بحواريي السيد المسيح، ورفيقا حميما للحواري بولس، إذ عمل معه على نشر رسالة سيدنا المسيح، وبقي ملازما له في روما بعد أن هجره الآخرون. وقد يكون لوقا كتب سجلّه للوحي بعد انتشار سجلّ مرقس بين الناس. ويحتوي سجل لوقا للوحي على معظم الأمور التي ذكرها مرقس في سجلّه، لذلك تستحسن قراءة المعلومات الواردة في المدخل إلى مرقس، لأنّها تنطبق على لوقا أيضا.
بالرغم من ذلك، يتضمّن سجلّ لوقا أمورا غير مذكورة في مرقس. وهو موجّه إلى شخص اسمه ثيوفيلوس (حبيب الله)، كان على الأرجح ذا مكانة وثروة مميّزين، بحيث سيكون من السهل انتشار كلمة الله من خلاله بين أشخاص آخرين ذوي مكانة وثقافة عاليتين في المجتمع الروماني. فالتفاصيل والظروف التاريخية المؤطّرة لرسالة سيدنا عيسى، والتي لا توجد إلاّ في هذا السجلّ ساعدت على إقناع هذه الفئة المثقّفة بحقيقة الروايات التي كانت تتداول شفهيّا عن السيّد المسيح (سلامُهُ علينا). كما أنّ هناك أمورا أخرى اختصّ لوقا بذكرها لجعل الأغنياء يدركون رحمة الله بالفقراء، وكيف أنّه لا يمنح الثروة المادية لأجل مصلحة المرء الشخصية، بل من أجل استخدامها لمساعدة آخرين.
ويحتوي سجل لوقا عدّة مقاطع توضّح معنى أن يكون المرء بحقّ تابعا للسيد المسيح، مشيرا ليس فقط إلى الثمن الباهظ الذي يتطلّبه هذا الالتزام، بل أيضا إلى حياة البركة التي سوف ينعم بها المؤمن في الآخرة. كما يوضّح هذا السجلّ أنّ رحمة الله تشمل ليس فقط اليهود الذين يعتبرون أنفسهم شعب الله، بل أيضا جميع الناس على اختلاف أعراقهم ممّن يسعون إلى رضا الله وطاعته من خلال الإيمان بسيدنا عيسى المسيح مُنقذًا للبشر، وخليفةَ لله.
بسم الله تبارك وتعالى
الإنجيل الشّريف
الوحيُ الذّي سجّله لوقا الطبيبُ
الفصل الأوّل
مقدّمة
حَبيبَ اللهِ،* إنّ كلمة “ثيوفيلوس” تعني باليونانية حبيب الله. وهي تشير عند بعض المفسّرين إلى كلّ مؤمن مخلص من أتباع السيّد المسيح. وتَعني عند غيرهم اسمًا لنبيل من نبلاء الرومان أَنفق من ماله في سبيل تدوين هذه البشارة. أيُّها العَزيزُ: دَوَّنَ الكَثيرونَ سِيرةَ سَيِّدِنا عيسى بِن مَريمَ (سلامُهُ علينا)، الّتي تَمَّت كَما شاءَ لها اللهُ، وكَما تَحَدَّثَ عنها مَن عايَشوها، وكانوا على أحداثِها شُهودًا، ولرسَالَتِهِ (سلامُهُ علينا) دُعاةً. ولَقد رَأيتُ بَعدَ تَمحيصٍ صَحيحٍ لِما وَرَدَ فيها، وتَدقيقٍ في أُصولِها، أن أُعيدَ تَدوينَها كَما جَرَت، مُراعِيًا تَسَلسُلَ أحداثِها، كي تَزدادَ إيمانًا ويَقينًا يا حَبيبَ اللهِ، بَعدَ أن عَلِمتَ عِلمَ اليَقينِ كُلَّ ما أحاطَ بتِلكَ الرِّسالةِ وبِصاحِبِها مِن أُمور.
البشارة إلى زكريّا (عليه السّلام)
في زَمَنِ المَلِكِ هيرودُسَ الكَبيرِ تمّ تنصيب هيرودس الكبير ملكًا على اليهود عند احتلال الرومان لفلسطين. واستولى على مملكة يهوذا في العام 37 ق.م. وتوفّي بعد ظهور السيّد المسيح بقليل. وعلى رغم كونه أدوميًا وليس يهوديًا، فقد حاول التقرّب من الشعب اليهودي من خلال إعادة بناء بيت الله بالقدس (الهيكل). وتقع يهوذا وسط فلسطين وكانت تحيط بمدينة القدس. مَلِكِ مِنطقةِ يَهوذا، عاشَ زَكَريّا (عليه السّلام) وهو رَجُلُ دينٍ مِن أحْبارِ جَماعةِ آبيّا بِنِ هارونَ وزَوجتُهُ أَلِيصاباتُ المُنحَدِرةُ أيضًا مِن سُلالةِ النَّبيِّ هارونَ (عليه السّلام). وهما متحدّران من عائلات أحبار (رجال دين). وقد قام النبي داود بتنظيم أحفاد النبي هارون ضمن 24 جماعة. وكان لكلّ جماعة دورُها في خدمة بيت الله، وفرقة (آبيّا) كانت الثامنةَ في تلك المجموعات. وكانَ الزَّوجانِ صالحَيْنِ يُقيمانِ شَرعَ اللهِ ويَتّبِعانِ تَعاليمَهُ، فَحَازا رِضاهُ تَعالى. إلاّ أنّ الزَّوجةَ كانَت عاقِرًا، فَلم يُرزَقا وَلَدًا حتّى بَلَغا مِن الكِبَرِ عِتِيّا.
وجاءَ يومٌ كانَ فيهِ زَكَريّا (عليه السّلام) يَقومُ بِشَعائرِ رِجالِ الدِّينِ على عادَتِهِ في بَيتِ اللهِ§ بيت الله (ويُدعَى في بعض الأحيان الهيكل) هو الذي أمر الله النبي سليمان ببنائه في القدس حوالي العام 959 ق.م. وهو يستعمل عوضًا عن الخيمة المقدّسة التي أمر الله النبي موسى بنصبها لتكون مكانًا يتعبّد فيه بنو يعقوب ويقدّمون فيه الأضحيات والذبائح والقرابين لله. وقد هُدم البيت الذي بناه النبي سليمان من قبل البابليين، والبيت الذي كان موجودا في عصر السيد المسيح كان قد بناه الملك هيرودس الكبير. مَعَ مَجموعَتِهِ مِنَ الأحبارِ فَوَقَعَت عليهِ القُرعةُ في ذلِكَ اليومِ لِلدُّخولِ إلى المِحرابِ المُقَدَّسِ في بَيتِ اللهِ لِيُشعِلَ البَخورَ في الوَقتِ المُحَدَّدِ.* وهذا المكان هو موضع مقدّس داخلَ بيت الله، لا يجوز أن يدخله إلاّ رجال الدين (الأحبار) في أوقات معيّنة من النهار. وكان مِن واجبات الأحبار إشعالُ البخور يوميًا على مبخرة داخل المكان المقدس وذلك عند تقديم الذبائح صباحًا ومساءً. 10 وعِندَ دُخولِهِ، وبَينَما كانَ المؤمنونَ يُصَلّونَ في الحَرَمِ، 11 تَجَلّى لهُ مَلاكٌ على يَمينِ مَوقدِ البَخورِ، 12 فأثارَ ذلِكَ اضطِرابَهُ واستَولى عليهِ الخَوفُ. 13 ولَكنّ المَلاكَ خاطَبَهُ قائلاً: “لا تَخَفْ يا زَكَريّا! لقد استَجابَ اللهُ لِدُعائِكَ الّذي طَلَبتَ فيهِ الذُّرّيّةَ، وستَحمِلُ امرأتُكَ أَلِيصاباتُ صَبيًّا، وسَتَلِدُهُ لكَ، فسَمِّهِ يَحيى. 14 وسيَغمُرُكَ والكَثيرينَ الفَرَحُ والسُّرورُ، 15 وسيَكونُ لهذا الصَّبيِّ مَقامٌ رَفيعٌ عِندَ رَبِّهِ، إذ سيَحظى بفَيضٍ مِن رُوحِ اللهِ وهو في بَطنِ أُمِّهِ، ولَن يَشرَبَ الخَمرَ أو غَيرَها مِن المُسكِرات في حياتِهِ، لم يكن الخمر محرّمًا تحريمًا كليًّا على اليهود، وإنما خصّص الله النبي يحيى للامتناع عن شرب الخمر زُهدًا في الدنيا. وفي بواكير أيّام بني يعقوب كان هناك جماعة تسمّى بالنُذُر (أي المنذورين) تعهّدت فيما تعهّدت به أن لا تشرب الخمر. وقد ظنّ البعض أنّ النبي يحيى واحد من تلك الجماعة، بناءً على قول الملاك هنا. 16 وسيَتَقَدّمُ أمامَ مَولاهُ ويَكونُ هادِيًا مُرشِدًا لِمَن ضَلَّ مِن بَني يَعقوبَ، 17 ومُؤيِّدًا مِثلَ النَّبيِّ إلياسَ بِروحِ اللهِ وبِسُلطانٍ مُبينٍ يُعيدُ بِهِ الأُلفةَ والمَحبّةَ بَينَ الآباءِ والأبناءِ، رادًّا العاصينَ إلى الحِكمةِ والصَّلاحِ، وبذلِكَ تَلينُ بِكلامِهِ قُلوبُهُم فَيَتوبونَ لِرَبِّهِم”.
18 وسألَ زَكَريّا (عليه السّلام) المَلاكَ: “أنّى يَكونُ ذلِكَ وقد بَلَغَني وامرَأتي الكِبَرُ؟” 19 فأجابَهُ المَلاكُ: “إنّي أنا جِبريلُ المَلاكُ المُقَرَّبُ مِنَ اللهِ، أُرسِلتُ إليكَ بالبُشرى. 20 ولأنّكَ شَكَكتَ في صِدقِ البُشرى، فستَخضَعُ للصَّمتِ الإجباريّ إلى ما بَعدَ وِلادةِ ابنِكَ، فَتَتَحَقَّقُ البُشرى في أَوانِها”.
21 وكانَ جَميعُ مَن في الخارجِ في ساحةِ بَيتِ اللهِ في دَهشةٍ مِن تأخُّرِ زَكَريّا داخِلَ المَكانِ المُقَدَّسِ، إذ طالَ مُكوثُهُ فيهِ، 22 ولمّا خَرَجَ عليهِم، لم يَستَطعْ التَّحَدُّثَ إليهِم لأنّهُ أُلجِمَ عنِ الكَلامِ، فأخَذَ يُخاطِبُهُم بالإشارةِ، فعَرَفَ الجَميعُ حينئذٍ أنّ زَكَريّا (عليه السّلام) قد أتَتْهُ رُؤيا مِن اللهِ في المِحرابِ المُقَدَّسِ. 23 وعِندَما انتَهَت فَترةُ خِدمةِ زَكَريّا (عليه السّلام) في بَيتِ اللهِ باعتِبارِهِ أحَدَ الأحبارِ، كان من واجب كلّ رجلٍ من رجال الدين (الأحبار) قضاء بعضِ الوقت من السنة مع جماعته في خدمة بيت الله في القدس. عادَ إلى مَنزلِهِ. 24 وبَعدَ فَترةٍ نَفَذَ أمرُ اللهِ، وحَمَلَت أَليصَاباتُ بيَحيى (عليه السّلام)، فاعتَزَلَت النّاسَ خَمسَةَ أشهُرٍ، وحَدَّثَت نَفسَها قائلةً: 25 “هذا ما فَعَلَهُ اللهُ مِن أجلي، فقدْ مَنّ عليَّ مِن فَضلِهِ، فأزالَ عنّي إذلالَ النّاسِ لي بِسَبَبِ عُقمي”.
البشرى لمريم
26 ولمّا بَلَغَت أَليصاباتُ شَهرَها السّادِسَ مِنَ الحَملِ، أرسَلَ اللهُ المَلاكَ جِبريلَ إلى بَلدةِ النّاصِرة في الجَليلِ، 27 إلى فَتاةِ عَذراءَ اسمُها مَريمُ كانَ قِرانُها قد عُقِدَ لِرَجُلٍ مِن سُلالةِ النّبيِّ داوُدَ، اسمُهُ يوسفُ.§ وهو ينحدر من سلالة النبي داود الذي كان يُعتبَر من أعظم ملوك بني يعقوب. وقد تنبّأ النبي أشعيا وآخرون من الأنبياء (وذلك بعد وفاة النبي داود) بأنّ المسيحَ سيكون من سلالة النبي داود. 28 فجاءَها قائلاً: “السَّلامُ عليكِ يا مَن أنعَمَ اللهُ عليها مِن بَينِ النِّساءِ، مُبارَكةٌ أنتِ بَينَهُنّ، مَولانا مَعكِ!”* تشير جملة “مولانا معك” إلى نوع من التحيّة وهي الأولى من نوعها في ذلك الزمن، وتوحي بوجود السيد المسيح مع مريم العذراء (عليها السلام) لتأييدها ومساندتها، ممّا جعَلَها تضطرب عند سماعها لهذه التحيّة. ولكنّ هذه التحيّة أصبحت فيما بعد متداولةً بين جميع المؤمنين مِن أتباع السيد المسيح. 29 فاضطَرَبت مَريمُ مِن كَلامِهِ، وتَساءَلت في نَفسِها عن مَعنى هذِهِ التَّحيّةِ، 30 فَبَدّدَ المَلاكُ اضطِرابَها مُجيبًا: “لا تَخافي يا مَريمُ، فإنّ اللهَ تَعالى قد رَضِيَ عنكِ، 31 وستَحملينَ بِطِفلٍ تَلدينَهُ وتُسَمّينَهُ عيسى واسمه بالعبرية هو “يشوع” الذي معناه “إنقاذ” أو “نجاة”. 32‏-33 ويَكونُ شأنُهُ عَظيمًا، وسيَحظى بلَقَبِ الابنِ الرُّوحيِّ للهِ العَليِّ، ستَرد هذه العبارةُ كثيرًا وهي تقابل “ابن الله” في الترجمات العربية التاريخية، ولكنّها لا تشير مطلقًا إلى التناسل. حاشا لله! إنّما هذا لقب مجازي يشير إلى الملك المختار الذي يجب أن يكون من سلالة النبي داود. هذا ما قصده لوقا الذي سجّل الوحيَ وهذا أيضًا ما كان يفهمه السامعون من اليهود آنذاك. لمزيد من المعلومات حول هذا اللّقب، يُمكن العودة إلى فهرس المصطلحات والأسماء. ويُوَلّيهِ اللهُ عَرشَ سَلَفِهِ النَّبيِّ داودَ فيَكونُ مَلِكًا على بَني يَعقوبَ وتَدومُ مَملَكَتُهُ إلى الأبَدِ”.
34 وسألَت مَريمُ (عليها السّلام) المَلاكَ جِبريلَ قائلةً: “كَيفَ أَحمِلُ بِوَلَدٍ ولم يَمسَسْني بَشَرٌ؟ وأنا عَذراءُ بَتَول؟!” 35 فأجابَها جِبريلُ: “سَتَنعَمينَ بحُلولِ رُوحُ اللهِ عليكِ، وستَكونينَ مَحميةً مُظَلّلةً بقوّةِ اللهِ ورِعايتِهِ. ولِهذا السَّبَبِ سيُدعَى مَولودُكِ المَنذورُ الابنَ الرُّوحيَّ للهِ، وما هذا على اللهِ بِعَسيرٍ، 36 فها هي قَريبتُكِ أَليصاباتُ قد مَنّ اللهُ عليها بالذُّرّيّة وهي عَجوزٌ عاقِرٌ، وهي الآنَ في الشَّهرِ السّادسِ مِن حَملِها، 37 فإنّ اللهَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ”. 38 فقالَت مَريمُ (عليها السّلام)، مُسَلِّمةً لله: “إنّي أَمَة اللهِ راضيةٌ بمَشيئتِهِ”. وحينئذٍ ترَكَها جِبريلُ ومَضى.
مريم (عليها السّلام) تزور أليصابات
39 وسارَعَت مَريمُ بَعدَ ذلِكَ إلى بَلدةِ زَكَريّا (عليه السّلام) في مِنطقةِ يَهوذا الجَبَليّةِ.§ وهي منطقة في وسط فلسطين تحيط بالقدس. ومعظم مناطق يهوذا جبلية، لذا من الصعب تحديد المكان الذي عاش فيه زكريا (عليه السّلام) وأليصابات بدقّة. 40 ولمّا دَخَلَت بَيتَهُ ألقَتْ السّلامَ على أليصاباتَ. 41 وما إن سَمِعَت أليصاباتُ صَوتَها حتّى أحَسَّت بالجَنينِ يَتَحَرِّكُ بشِدّةٍ في أحشائِها، وحَظِيَت بحُلولِ رُوحِ اللهِ عليها، 42‏-45 فهَتَفَت عاليًا مُخاطِبةً مَريمَ (عليها السّلام):
 
“مُبارَكةٌ أنتِ بَينَ النِّساءْ
وبُورِكَ مَن في غَدٍ تَلِدينْ،
أتَت أُمّ مَولاي يا للبَهاءْ
وقد حَمَلَتْ بالمَليكِ المَكين،
فمُذ سَمِعَتْ أُذناي النِّداءْ
هَفا فَرَحًا في حَشاي الجَنينْ،
هَنيئًا لمَن حَمَلَت بالرَّجاءْ
وقد رَأت الوَعدَ عَينَ اليَقينْ”.
تسبيحة مريم
46 وقالَت مَريمُ في خُشوعٍ:
 
“لكَ الحَمدُ مِن مُهجَتي يا رَحيمْ
47 ويا بِشْرَ رُوحي برَبِّ النَّجاةْ
48 لذُلّي نَظَرتَ بعَينِ الحَليمْ
فبارَكَني النّاسُ ماضٍ وَآتْ
49 نَذَرتَ حَياتي لشأنٍ عَظيمْ
وعَمَّتْ قَداسَتُكَ الجَنَباتْ
50 وجيلاً فجيلاً رَحَمتَ القَويمْ
51 وأعلَيتَ صَرحَكَ فَوقَ البُناةْ،
كَسَرتَ تَكَبُّرَ كُلِّ لَئيمْ
وتَوَّهتَهُ في صَحارى الشّتاتْ
52 وطَوَّحتَ أرضًا بعَرشِ الزَّعيمْ
وأكرَمتَ مَن لَفَظَتْهُ الحَياةْ
53 وأشبَعتَ بالخَيرِ جوعَ السَّقيمْ
وأرجَعتَ أيدي الغَنَى فارِغاتْ
54 لأبناءِ يَعقوبَ عَهدٌ قَديمْ
حَفِظْتَهُ يا رَبَّ ذا المَكرَماتْ
55 وإبراهيمُ ذاكَ النَّبيّ الكَريمْ
أدَمتَ على نَسلِهِ الرَّحَماتْ* رحمات لنسل إبراهيم: هذا إشارة إلى قوم بني يعقوب الذين يعودون بنسبهم لإبراهيم وسارة. وقد أعطى الله النبيَّ إبراهيم عهدًا وميثاقًا مئات السنين قبل مولد السيد المسيح، وأقرّ النبي إبراهيم بالإيمان بالله، ووعد اللهُ إبراهيمَ بأن يكون هو وسارة أبوَيْ شعب عظيم.
 
56 وأقامَت مَريمُ (عليها السلام) عِندَ أليصاباتَ نَحوَ ثَلاثةِ أشهُرٍ ثُمّ عادَت إلى بَيتِها.
ولادة النّبيّ يحيى
57 وعِندَما حانَ مَوعِدُ وِلادةِ أليصاباتَ وجاءَها المَخاضُ، وضَعَت مَولودًا ذَكَرًا. 58 وعَرَفَ مَن حَولَها مِن الأقرباءِ والجيرانِ أنّ اللهَ تَلَطَّفَ بها في ذلِكَ، ففَرِحوا لها. 59 وبَعدَ أُسبوعٍ مِن الوِلادةِ، قامَت جَماعةٌ مِنهم بِخِتانِهِ. جاء في التوراة وجوب ختانِ كلّ مولود ذكر بعد مضيّ أسبوع على مولده، وذلك طبقًا لما أمر الله به النبي موسى والنبي إبراهيم من قبله، ومن شذّ عن ذلك فلن يكونَ من ملّته. ثُمّ اختاروا لهُ اسمًا هو اسمُ أبيهِ زَكَريّا تَيَمُّنًا، 60 ولكنّ أُمَّهُ أشارَت قائلةً: “بل نُسَمّيهِ يَحيى”. 61 فاعتَرَضوا على ذلِكَ الاسمِ قائلينَ: “لَيسَ بَينَ أهلِكِ مَن لهُ هذا الاسمُ”. 62 والتَفَتوا إلى أبيهِ ليَسألوهُ بالإشارةِ -وكانَ ما يَزالُ مَعقودَ اللِّسانِ- عن اسمٍ للمَولودِ، 63 فطَلَبَ زَكَريّا (عليه السّلام) لوحًا وكَتَبَ عليهِ “اسمُهُ يَحيى”. فأصابَت الجَميعَ دَهشةٌ. 64 وحَرَّكَ زَكَريّا شَفَتيهِ وانطَلَقَ لِسانُهُ بالتَّسبيحِ وبالحَمدِ للهِ. 65 ورَانَ الخُشوعُ على الجَميعِ، وتَناقَلَ، بَعدَ ذلِكَ، سُكّانُ مِنطقةِ جِبالِ يَهوذا هذِهِ الأخبارَ، 66 وأخَذوا يَتَساءَلونَ: “أيُّ شأنٍ سيَكونُ لهذا المَولودِ، وقد خَصَّهُ اللهُ بكُلِّ هذِهِ الرِّعايةِ؟”
زكريّا يسبّح ويحمد ربّه
67 وحَظيَ زَكَريّا (عليه السّلام) بفَيضٍ مِن رُوحِ اللهِ، فأخَذَ يُخبِرُ بالنَّبإِ الجَليلِ مُنقادًا بالرّوحِ: انظر الملحوظة في لوقا 16: 9 عن الشعر.
 
68 تَبارَكتَ يا رَبُّ أُمّتِنا
فِداءً وعَونًا مَنَحتَ العِبادْ
69 أقمتَ لنا مُنقِذًا قادِرًا
سَليلاً لداودَ إرثِ السَّدادْ
70 وَفاءً لِوَعْدِكَ مُنذُ القَديمِ
كَما أخبَرَ الأنبياءُ العِبادْ
71 لتُنقِذَ شَعبي مِن الحاقِدينَ
ومِن قَبضةِ الظّالِمينَ الشِّدادْ
72 وتُخْلِصَ وَعدَكَ آباءَنا
وتَحفَظَ كُلَّ عُهودِ الوِدادْ
73 أبونا الخَليلُ حَلَفتَ لهُ
74 بأن تَفتَديَنا لِكَي لا نُبادْ
فنأتي إليكَ بقَلبٍ سَليم
75 ونَبقى مَدى العُمرِ أهلَ رَشادْ
76 وأنتَ، أيا وَلَدي، يا بُنَيَّ
ستُدعى نَبيًّا لرَبِّ العِبادْ
ستُدعى نَبيًّا لذاكَ العَليّ
وتَسلُكَ قَبلَهُ دَربَ المَهادْ
77 وتُعلِنُ للشَّعبِ بُشرى النَّجاةِ
بمَغفِرةٍ مِنهُ أنّى أرادْ
78 فرَبُّ الأنامِ اللَّطيفُ الرَّحيمُ
سيَبعَثُ مُرسِلَهُ للبِلادْ
79 بنورٍ يُضيء قَتامَ الظَّلامِ
ويُحيي قُلوبًا عَراها الفَسادْ
ويُرشِدُنا لسَبيلِ السَّلامِ
لكي لا نُضَيِّع دَربَ السَّدادْ.
 
80 ولمّا بَلَغَ يحيى (عليه السّلام) أشُدَّهُ رُوحًا وجَسَدًا، آثَرَ الحَياةَ بَعيدًا في الخَلاءِ، مُنقَطِعًا في البَراري عن النّاسِ،§ كان النبيّ يحيى يقيم على الأرجح في منطقة في صحراء يهوذا تقع بين القدس والبحر الميت. حتّى أظهَرَهُ اللهُ على قَومِهِ بَني يَعقوبَ بِبَلاغِهِ المُبينِ.

*الفصل الأوّل:1 إنّ كلمة “ثيوفيلوس” تعني باليونانية حبيب الله. وهي تشير عند بعض المفسّرين إلى كلّ مؤمن مخلص من أتباع السيّد المسيح. وتَعني عند غيرهم اسمًا لنبيل من نبلاء الرومان أَنفق من ماله في سبيل تدوين هذه البشارة.

الفصل الأوّل:5 تمّ تنصيب هيرودس الكبير ملكًا على اليهود عند احتلال الرومان لفلسطين. واستولى على مملكة يهوذا في العام 37 ق.م. وتوفّي بعد ظهور السيّد المسيح بقليل. وعلى رغم كونه أدوميًا وليس يهوديًا، فقد حاول التقرّب من الشعب اليهودي من خلال إعادة بناء بيت الله بالقدس (الهيكل). وتقع يهوذا وسط فلسطين وكانت تحيط بمدينة القدس.

الفصل الأوّل:5 وهما متحدّران من عائلات أحبار (رجال دين). وقد قام النبي داود بتنظيم أحفاد النبي هارون ضمن 24 جماعة. وكان لكلّ جماعة دورُها في خدمة بيت الله، وفرقة (آبيّا) كانت الثامنةَ في تلك المجموعات.

§الفصل الأوّل:8 بيت الله (ويُدعَى في بعض الأحيان الهيكل) هو الذي أمر الله النبي سليمان ببنائه في القدس حوالي العام 959 ق.م. وهو يستعمل عوضًا عن الخيمة المقدّسة التي أمر الله النبي موسى بنصبها لتكون مكانًا يتعبّد فيه بنو يعقوب ويقدّمون فيه الأضحيات والذبائح والقرابين لله. وقد هُدم البيت الذي بناه النبي سليمان من قبل البابليين، والبيت الذي كان موجودا في عصر السيد المسيح كان قد بناه الملك هيرودس الكبير.

*الفصل الأوّل:9 وهذا المكان هو موضع مقدّس داخلَ بيت الله، لا يجوز أن يدخله إلاّ رجال الدين (الأحبار) في أوقات معيّنة من النهار. وكان مِن واجبات الأحبار إشعالُ البخور يوميًا على مبخرة داخل المكان المقدس وذلك عند تقديم الذبائح صباحًا ومساءً.

الفصل الأوّل:15 لم يكن الخمر محرّمًا تحريمًا كليًّا على اليهود، وإنما خصّص الله النبي يحيى للامتناع عن شرب الخمر زُهدًا في الدنيا. وفي بواكير أيّام بني يعقوب كان هناك جماعة تسمّى بالنُذُر (أي المنذورين) تعهّدت فيما تعهّدت به أن لا تشرب الخمر. وقد ظنّ البعض أنّ النبي يحيى واحد من تلك الجماعة، بناءً على قول الملاك هنا.

الفصل الأوّل:23 كان من واجب كلّ رجلٍ من رجال الدين (الأحبار) قضاء بعضِ الوقت من السنة مع جماعته في خدمة بيت الله في القدس.

§الفصل الأوّل:27 وهو ينحدر من سلالة النبي داود الذي كان يُعتبَر من أعظم ملوك بني يعقوب. وقد تنبّأ النبي أشعيا وآخرون من الأنبياء (وذلك بعد وفاة النبي داود) بأنّ المسيحَ سيكون من سلالة النبي داود.

*الفصل الأوّل:28 تشير جملة “مولانا معك” إلى نوع من التحيّة وهي الأولى من نوعها في ذلك الزمن، وتوحي بوجود السيد المسيح مع مريم العذراء (عليها السلام) لتأييدها ومساندتها، ممّا جعَلَها تضطرب عند سماعها لهذه التحيّة. ولكنّ هذه التحيّة أصبحت فيما بعد متداولةً بين جميع المؤمنين مِن أتباع السيد المسيح.

الفصل الأوّل:31 واسمه بالعبرية هو “يشوع” الذي معناه “إنقاذ” أو “نجاة”.

الفصل الأوّل:32‏-33 ستَرد هذه العبارةُ كثيرًا وهي تقابل “ابن الله” في الترجمات العربية التاريخية، ولكنّها لا تشير مطلقًا إلى التناسل. حاشا لله! إنّما هذا لقب مجازي يشير إلى الملك المختار الذي يجب أن يكون من سلالة النبي داود. هذا ما قصده لوقا الذي سجّل الوحيَ وهذا أيضًا ما كان يفهمه السامعون من اليهود آنذاك. لمزيد من المعلومات حول هذا اللّقب، يُمكن العودة إلى فهرس المصطلحات والأسماء.

§الفصل الأوّل:39 وهي منطقة في وسط فلسطين تحيط بالقدس. ومعظم مناطق يهوذا جبلية، لذا من الصعب تحديد المكان الذي عاش فيه زكريا (عليه السّلام) وأليصابات بدقّة.

*الفصل الأوّل:55 رحمات لنسل إبراهيم: هذا إشارة إلى قوم بني يعقوب الذين يعودون بنسبهم لإبراهيم وسارة. وقد أعطى الله النبيَّ إبراهيم عهدًا وميثاقًا مئات السنين قبل مولد السيد المسيح، وأقرّ النبي إبراهيم بالإيمان بالله، ووعد اللهُ إبراهيمَ بأن يكون هو وسارة أبوَيْ شعب عظيم.

الفصل الأوّل:59 جاء في التوراة وجوب ختانِ كلّ مولود ذكر بعد مضيّ أسبوع على مولده، وذلك طبقًا لما أمر الله به النبي موسى والنبي إبراهيم من قبله، ومن شذّ عن ذلك فلن يكونَ من ملّته.

الفصل الأوّل:67 انظر الملحوظة في لوقا 16: 9 عن الشعر.

§الفصل الأوّل:80 كان النبيّ يحيى يقيم على الأرجح في منطقة في صحراء يهوذا تقع بين القدس والبحر الميت.