الفصل الرّابع
إغواءات إبليس لعيسى (سلامُهُ علينا)
وتَوَجَّهَ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) إلى البَراري مُنقادًا برُوحِ اللهِ ليَتَعَرَّضَ لإغواءاتِ إبليسَ. وبَعدَ أربَعينَ يومًا بلياليها قَضاها صائمًا أخَذَ الجُوعُ مِنهُ كُلَّ مأخذٍ،* لقد صام النبي موسى (عليه السّلام) أيضًا أربعين يومًا بلياليها قبل تلقّيه التوراة. وكذلك بقي شعب بني يعقوب في التيه في الصحراء أربعين سنة قبل دخولهم الأرض المقدّسة. ومن المواضيع الأساسيّة عند متّى أنّه يعتبر السّيّد المسيح رمزا لشعب بني يعقوب ولكنّه مطيع وأنّه الرسول الذي وعد به النبي موسى. فأتاهُ إبليسُ مُوَسوِسًا: “أنتَ الابنُ الرُّوحيُّ للهِ، قُل لهذِهِ الحِجارةَ فتَصيرَ خُبزًا تَرُدَّ بِهِ الجوعَ عنكَ”. فأجابَهُ (سلامُهُ علينا) قائلاً: “جاءَ في التَّوراةِ: “لَيسَ بالخُبزِ وَحدَهُ يَحيا الإنسانُ، بل بطاعتِهِ لكُلِّ أمرٍ جاءَ مِن عِندِهِ تَعالى”. إلاّ أنّ إبليسَ لم يَيأس، فقادَهُ إلى المَدينةِ المُقَدَّسةِ، حَيثُ وَقَفَ بِهِ على أعلى مَكانٍ في الحَرَمِ الشَّريفِ وقالَ لهُ: “ألَستَ الابنُ الرُّوحيُّ للهِ، فألقِ بنَفسِكَ مِن هذا العُلوّ، ولا تَخَفْ، فقد جاءَ في كِتابِ الزَّبورِ أنّ اللهَ يوصِي ملائكتَهُ بكَ فيُسرِعونَ لِحَملِكَ بَينَ أيديهِم، كَي لا تَصطَدِمَ قَدَمُكَ بحَجَرٍ”. اقتبس الشيطان من الزبور اقتباس العارف، ولكنّ الله، كما يبدو بوضوح من سياق الآية في الزبور، يرعى المؤمنين به عند وقوعهم في المتاعب، وليس الأمر كما بدا للبعض بأنّه يرعاهم بغضّ النظر عن أفعالهم. فأجابَهُ عيسى (سلامُهُ علينا) بالقَول: “لقد أمَرَنا اللهُ أيضًا في التّوراةِ قائلاً: لا تَمتَحِنْ وَفاءَ اللهِ لوعودِهِ”. ثُمّ اقتادَ إبليسُ عيسى (سلامُهُ علينا) إلى قِمّةِ جَبَلٍ عالٍ وأراهُ كُلَّ مَمالكِ الدُّنيا وبَهاءَها، وقالَ لهُ: “سيَكونُ ذلكَ رَهنَ يَديكَ شَرطَ أن تَركَعَ وتَسجُدَ لي”. لم يكن لإبليس الحقّ على ممالك الدنيا، إلاّ أنّه كان يسيطر على البشر كمغتصب لهذا الحقّ. وكان باستطاعته فقط مَنْحَ سيّدنا المسيح مركزًا رئاسيًا هو بمثابة منصب يمارس من خلاله الاضطهاد العنيف والسيطرة الحربيّة. 10 فقالَ لهُ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا): “إليكَ عنّي أيُّها الشَّيطانُ، لقد جاءَ في التّوراةِ: “اُسجُد للهِ رَبِّكَ، وكُن لهُ وَحدَهُ مِن العابِدينَ”. 11 وعِندئذٍ ابتَعَدَ عَنهُ إبليسُ وحَلَّت الملائكةُ مَحلَّهُ وقامَت على خِدمتِهِ.
عيسى (سلامُهُ علينا) يبدأ بنشر دعوته
12 ووَصَلَ إلى سَمعِهِ (سلامُهُ علينا) أنّ الأميرَ أنتيباسَ بِن هيرودُسَ رَمى يَحيى (عليه السّلام) في السِّجنِ، فقَفَلَ عائدًا إلى الجَليلِ، 13 في اتّجاهِ بَلدةِ النّاصرة، ثُمّ تَرَكَها وأستَقَرَّ في بَلدةِ كَفْرَناحومَ عِندَ شاطئِ البُحيرةِ في مِنطقةٍ تُدعى دِيرة العَشيرَتين زَبولونَ ونَفْتالي، 14 ليَتَحَقَّقَ بذلِكَ ما جاءَ على لِسانِ النّبيِّ أشعيا: 15 “إنّ أهلَ أرضِ زَبولونَ ونَفتالي، دِيرةِ العَشيرتين التّي يَسكُنُها الأجانِبُ،§ كانت ديرة العشيرة نفتالي حيث كفرناحوم مأهولة بوثنيّين وبأناس من أعراق مختلفة منحدرين من سلالات يهوديّة ووثنيّة، بالإضافة إلى يهود منحدرين من سلالة يهوديّة نقيّة قدموا إلى تلك المنقطة من بيت لحم في يهوذا. وقد كان هؤلاء اليهود من منطقة يهوذا يحتقرون يهود الجليل ويهزؤون من لهجتهم. 16 والواقعةِ غَربَ نَهر الأُردُنّ قُربَ البُحيرةِ في مِنطقةِ الجَليلِ، هؤلاءِ النّاسُ الّذينَ يَعيشونَ في الظُّلُمات، أبصَروا إشراقَ نورٍ عَظيمٍ. ومَعَ أنّهُم يوشِكونَ على المَوتِ بسَبَبِ ذُنوبِهِم، فإنّ اللهَ أغدَقَ عليهِم نورَ النَّجاةِ”.* تشير هذه النبوءة من أشعيا (الفصل 9) إلى نور المسيح المنتظر. 17 ومُنذُ ذلِكَ الحينِ بَدَأ عيسى (سلامُهُ علينا) يَنشُرُ رِسالتَهُ ويُرَدِّدُ بِشارتَهُ: “أيّها النّاسُ تُوبوا إلى اللهِ فإنّ مَملكتَهُ الّتي وَعَدَ بها تُوشِكُ أن تَقومَ على الأرضِ!”
أتباع عيسى (سلامُهُ علينا) الأوائل
18 وبَينَما كانَ (سلامُهُ علينا) يَمشي يَومًا على شاطئِ بُحَيرةِ طَبَريّا شاهَدَ صَيادَيْنِ شَقيقَينِ يُلقِيانِ شِباكَهُما في الماءِ وهُما أَنْدَراوسُ وسَمْعانُ الّذي لَقَّبَهُ السَّيِّدُ المَسيح لاحِقًا بِبُطرسَ، أي صَخر. 19 فخاطَبَهُما قائلاً: “هيّا اتبَعاني، وسأجعَلُكُما تَجمَعانِ النّاسَ مِن حَولِكُما كَما تَجمَعانِ الأسماكَ في تِلكَ الشِّباكِ”. كان الأتباع عادة يختارون أن يصبحوا أتباع معلّم معيّن، لكن السيد المسيح كان فريدا في اختياره لأتباعه. 20 فاستَجابَ الشّقيقانِ وتَرَكا شِباكَهُما وتَبِعاهُ. 21 ثُمّ واصَلَ (سلامُهُ علينا) سَيرَهُ والتَقى شَقيقَينِ آخَرَينِ هُما يَعقوبُ ويوحَنّا، وكانا في قاربٍ مَعَ أبيهِما زَبَدي، يُجَهِّزانِ شِباكَهُما. فدَعاهُما سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) إلى اتّباعِهِ 22 فاستَجابا على الفَورِ تاركَيْنِ أباهُما في القارِبِ. إنّ سبب اتّباع هذين الصيادين للسّيّد المسيح دون تفكير يعود إلى الخلفية التي كانت لديهما عند شيوع خبر ظهور المسيح الذي بشّر به النبي يحيى، والذي جاء في الكتب السماويّة، بالإضافة إلى شيوع تعاليم سيّدنا عيسى التي كان قد باشر نشرها بين الناس.
مضمون رسالة سيّدنا عيسى (سلامُهُ علينا)
23 ثُمّ أخَذَ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) يَطوفُ في كُلِّ أنحاءِ الجَليلِ، يُعَلِّمُ في بُيوتِ العِبادةِ، ويُبَشِّرُ بقيامِ المَملَكةِ الرَّبّانيّةِ، ويَشفي النّاسَ مِن كُلِّ مَرَضٍ وداءٍ. 24 فذاعَ صِيتُهُ خارجَ الجَليلِ حتّى بَلَغَ جَميعَ مَناطِقِ سُوريا. وبَدَأ النّاسُ يَأْتونَ إليهِ مِن أقاصي الأرضِ بمَرضاهُم المُصابينَ بأمراضٍ شَتّى، ومَن بِهِم مَسٌّ شَيطانيٌّ أو صَرعٌ أو شَللٌ. وكانَ الجَميعُ يُشفَونَ على يديهِ، 25 ويَتبعونَهُ أينَما حَلَّ. وقد لَحِقَ بِهِ النّاسُ أفواجًا مِن مَناطقَ مُختَلفة: مِن الجَليلِ والمُدُنِ العَشَر والقُدسِ ومَناطِقِ يَهوذا وشَرقِ نَهرِ الأُردُنّ.§ المدن العشر كانت مجموعة مدن إغريقيّة تتّبع الديانة الوثنيّة (ومن بينها دمشق وعمّان) وتقع بمنطقة الضفة الشرقيّة من الأردن وإجمالا في ناحية بلاد الشام.

*الفصل الرّابع:2 لقد صام النبي موسى (عليه السّلام) أيضًا أربعين يومًا بلياليها قبل تلقّيه التوراة. وكذلك بقي شعب بني يعقوب في التيه في الصحراء أربعين سنة قبل دخولهم الأرض المقدّسة. ومن المواضيع الأساسيّة عند متّى أنّه يعتبر السّيّد المسيح رمزا لشعب بني يعقوب ولكنّه مطيع وأنّه الرسول الذي وعد به النبي موسى.

الفصل الرّابع:6 اقتبس الشيطان من الزبور اقتباس العارف، ولكنّ الله، كما يبدو بوضوح من سياق الآية في الزبور، يرعى المؤمنين به عند وقوعهم في المتاعب، وليس الأمر كما بدا للبعض بأنّه يرعاهم بغضّ النظر عن أفعالهم.

الفصل الرّابع:9 لم يكن لإبليس الحقّ على ممالك الدنيا، إلاّ أنّه كان يسيطر على البشر كمغتصب لهذا الحقّ. وكان باستطاعته فقط مَنْحَ سيّدنا المسيح مركزًا رئاسيًا هو بمثابة منصب يمارس من خلاله الاضطهاد العنيف والسيطرة الحربيّة.

§الفصل الرّابع:15 كانت ديرة العشيرة نفتالي حيث كفرناحوم مأهولة بوثنيّين وبأناس من أعراق مختلفة منحدرين من سلالات يهوديّة ووثنيّة، بالإضافة إلى يهود منحدرين من سلالة يهوديّة نقيّة قدموا إلى تلك المنقطة من بيت لحم في يهوذا. وقد كان هؤلاء اليهود من منطقة يهوذا يحتقرون يهود الجليل ويهزؤون من لهجتهم.

*الفصل الرّابع:16 تشير هذه النبوءة من أشعيا (الفصل 9) إلى نور المسيح المنتظر.

الفصل الرّابع:19 كان الأتباع عادة يختارون أن يصبحوا أتباع معلّم معيّن، لكن السيد المسيح كان فريدا في اختياره لأتباعه.

الفصل الرّابع:22 إنّ سبب اتّباع هذين الصيادين للسّيّد المسيح دون تفكير يعود إلى الخلفية التي كانت لديهما عند شيوع خبر ظهور المسيح الذي بشّر به النبي يحيى، والذي جاء في الكتب السماويّة، بالإضافة إلى شيوع تعاليم سيّدنا عيسى التي كان قد باشر نشرها بين الناس.

§الفصل الرّابع:25 المدن العشر كانت مجموعة مدن إغريقيّة تتّبع الديانة الوثنيّة (ومن بينها دمشق وعمّان) وتقع بمنطقة الضفة الشرقيّة من الأردن وإجمالا في ناحية بلاد الشام.