الفصل التّاسع عشر
عيسى (سلامُهُ علينا) وحديثه عن الطّلاق
بهذِهِ الكَلِماتِ أنهى سَيَّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) كَلامَهُ ثُمّ غادَرَ الجَليلَ إلى مِنطقةِ يَهوذا عن طَريقِ الضِّفةِ الشَّرقيّةِ مِن نَهرِ الأُردُنّ، وتَبِعَهُ جَمعٌ غَفيرٌ مِن النّاسِ بقَصدِ الاستِشفاءِ فشَفاهُم هُناكَ. وأقبَلَ عليهِ بَعضٌ مِن المُتَشَدِّدينَ يُريدونَ إحراجَهُ بقَولِهِم: “هل يَجوزُ أن يُطَلِّقَ الرَّجُلُ امرأتَهُ لأيّ سَبَبٍ كانَ؟!” فأجابَهُم (سلامُهُ علينا): “ألم تَقرأُوا في التَّوراةِ أنّهُ تَعالى خَلَقَهُما مُنذُ البَدءِ ذَكَرًا وأُنثى؟ ثُمّ قالَ تَعالى: “لذلِكَ يَترُكُ الرَّجُلُ أُمَّهُ وأباهُ ليَقتَرِنَ بزَوجِهِ فيؤلِفانِ عائلةً جَديدةً”. وباقتِرانِهِما يُصبِحانِ واحِدًا، فما جَمَعَهُ اللهُ لا يُفَرِّقَهُ إنسانٌ”. فأضافوا قائلينَ: “إذن لِماذا أباحَ النَّبيُّ موسى تَطليقَها وإعطاءَها وَرَقةٍ بذلك؟” فأجابَ (سلامُهُ علينا) قائلاً: “إنّما أباحَ موسى طَلاقَ النِّساءِ لِما في قُلوبِكُم مِن تَعنُّتٍ. والأمرُ لم يَكُن كذلِكَ في البَدءِ. وها أنا أُخبِرُكُم أنّ مَن عَمَدَ إلى طَلاقِ زَوجتِهِ، إلاّ إذا ارتَكَبَت الزِّنى، ثُمّ اقتَرِنَ بأُخرى، فإنّهُ يرتَكِبُ خِيانةً بحَقِّها”.* أباح بعض علماء اليهود الطلاق لأسباب واهية، بينما فعل آخرون ذلك فقط في حالة الزنى. وعقوبة الزنى هي الموت حتما حسب التوراة. لكن تحت الاحتلال الروماني صار اليهود يعملون حسب القانون الروماني، وفرضوا الطلاق في حالة زنى الزوجة. وقد أقرّ السيد المسيح بأن الطلاق غير شرعي لأي سبب باستثناء الزنى، فمن يحاول أن يطلّق زوجته يعتبرها كأنما قد خانته، وعند زواجه امرأة أخرى يكون قد خان عهد زواجه بزوجته الأولى، حيث العقد الأول لم يزل قائما عند الله. 10 هُنا التَفَتَ إليهِ أتباعُهُ قائلينَ: “إذا كانَ عَقدُ الزَّواجِ غَيرَ قابلٍ للفَسخِ، فالأفضَلُ عَدَمُ الزَّواجِ!” 11 فأجابَهُم بقَولِهِ: “لا يَمتَنِعُ عن الزَّواجِ إلاّ القَليلُ، وهؤلاءِ اختاروا ذلكَ بعَونٍ مِن اللهِ. 12 إلاّ أنّ هُناكَ أسبابًا تَمنَعُ مِن الزَّواجِ، كالعَجزِ الخِلقي، أو بسَبَبِ الخَصي، إلا أنّ هُناكَ فِئةً تَرفُضُ الزَّواجَ في سَبيلِ المَملكةِ الرَّبّانيّةِ، فمَن أرادَ أن يَقبَلَ فليَقبَل”.
عيسى (سلامُهُ علينا) يبارك الأطفال
13 وجاءَ بَعدَ ذلِكَ بَعضُ النّاسِ بأطفالِهِم إليهِ (سلامُهُ علينا) ليَدعُوَ لهُم ويَطلُبَ لهُم البَرَكةَ مِن اللهِ بَعدَ أن يَضَعَ يدَهُ عليهِم، فزَجَرَهُم أتباعُهُ. 14 ولكنّ سَيِّدَنا عيسى (سلامُهُ علينا) قالَ لهُم: “دَعوا الأطفالَ يأتونَ إليّ ولا تَمنَعوهُم، فالمَملكةُ الرَّبّانيّةُ لأمثالِهِم”. 15 ووَضَعَ يَديهِ على رُؤوسِ الأطفالِ وبارَكَهُم وانصَرَفَ.
عيسى (سلامُهُ علينا) والشّابُّ الغني
16 وأقبَلَ عليهِ شابٌّ مُستَفسِرًا: “أيُّها المُعَلِّمُ، ما هي الصّالحاتُ الّتي أعمَلُها للفَوزِ بدارِ الخُلودِ؟” 17 فأجابَهُ قائلاً: “لِمَ تَسألُني عن الصَّلاحِ؟! إنّما الصَّلاحُ المُطلَقُ للهِ وَحدَهُ! فإذا أرَدتَ الخُلودَ عِندَ اللهِ فعليكَ العَمَلُ بوَصاياهُ”. 18 فتَساءَلَ الشّابُّ: “وما هي الوَصايا الّتي أعمَلُ بها؟” فأردَفَ (سلامُهُ علينا) قائلاً: “لا تَقتُلْ، لا تَزنِ، لا تَسرِقْ، لا تَشهَدْ شَهادةَ الزُّور، 19 أكرِمْ أباكَ وأُمَّكَ، وأحِبَّ جارَكَ كَما تُحِبُّ نَفسَكَ” 20 فقالَ الشّابُّ: “إنّي أتبَعُ هذِهِ الوَصايا كُلّها. أهُناكَ شَيءٌ غَيرها؟!” 21 فقالَ (سلامُهُ علينا): “إن أرَدتَ الإخلاصَ التّامَ للهِ، فامضِ وبِع كُلَّ ما تَملِكُ وجُد بثَمَنِهِ على الفُقَراءِ، فيَكونَ لكَ بذلِكَ كَنزٌ عَظيمٌ عِندَ اللهِ، ثُمّ تَعالَ وكُن مِن أتباعي”. 22 وعِندَما سَمِعَ الشّابُّ ذلِكَ، مَضى وقد انتابَهُ غَمٌّ شَديدٌ لأنّهُ كانَ عَظيمَ الثّراء.
23 وهُنا التفَتَ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) مُخاطِبًا أتباعَهُ قائلاً: “الحقَّ أقولُ لكُم: ما أصعَبَ دُخولَ ثَريٍّ إلى المَملكةِ الرَّبّانيّةِ! 24 إنّ دُخولَ الجَمَلِ في سَمِّ خياطٍ (ثقب الإبرة) أسهَلُ وأهوَنُ مِن دُخولِ غَنيٍّ إلى مَملكةِ اللهِ”. 25 فارتَسَمَت الدَّهشةُ على وجوهِ الأتباعِ عِندَ سَماعِهِم ذلِكَ وقالوا: “إذا كانَ الأمرُ هكذا، فمَن يَستَطيعُ أن يَفوزَ بالنَّجاةِ إذن؟!” تعجّب الحواريون من قول السّيّد المسيح لأنّهم كانوا يتصوّرون أنّ الرجل الغني قد نال رضى الله بما أنعم عليه من مال. 26 فحَدَّقَ إليهِم (سلامُهُ علينا) وقالَ: “إنّ ما تَعجِزونَ عَنهُ لَهُوَ بيَدِ اللهِ القادرِ على كُلِّ شَيء”. 27 فالتَفَتَ إليهِ بُطرُسُ الصَّخرُ قائلاً: “ها قد تَرَكنا كُلَّ شَيءٍ وَراءَنا وتَبِعناكَ! فما أجرُنا لِقاءَ ذلِكَ؟!” 28 فأجابَهُم (سلامُهُ علينا): “الحقَّ أقولُ لكُم: عِندَ تَجديدِ الأرضِ وما عليها، سأجلِسُ أنا سَيِّدُ البَشَرِ على عَرشي المَجيدِ، وسيَكونُ لكُم يا أتباعي شَرفُ الجُلوسِ مَعي، وتَحكُمونَ على عَشائرِ بَني يَعقوبَ الاثنَتَي عَشَرَة. 29 وأقولُ لكُم إنّ كُلَّ مَن تَرَكَ ديارَهُ وإخوتَهُ وأخواتِهِ، ووالديهِ وأولادَهُ وأراضيهِ في سَبيلي، سَوفَ يُعَوِّضُهُ اللهُ عن كُلِّ ذلِكَ بمِئةِ ضِعفٍ، ويَكونُ مَعَ الخالِدينَ. 30 فكَثيرٌ مِمَّن كانوا مُحتَقَرينَ في الحياةِ الدُّنيا سيَكونونَ في الآخِرةِ مِن الأوّلينَ، وكَثيرٌ مِن الّذينَ كانوا في الحَياةِ الدُّنيا مِن الأوّلينَ سيَصيرونَ في الآخِرةِ مِن المُحتَقَرينَ”. كان أغلب اليهود يؤمنون بأنّ الله سيحكم بعدل يوم الحساب، ويرفع شأن اليهود بينما يقهر غيرهم من الشعوب. ولكن سيدنا عيسى هنا يقول بعكس توقّعاتهم ويؤكد أن اليهود غير المؤمنين سيطردون خارج المملكة الربانية بينما الأغراب يحصلون على نصيب في تلك المملكة.

*الفصل التّاسع عشر:9 أباح بعض علماء اليهود الطلاق لأسباب واهية، بينما فعل آخرون ذلك فقط في حالة الزنى. وعقوبة الزنى هي الموت حتما حسب التوراة. لكن تحت الاحتلال الروماني صار اليهود يعملون حسب القانون الروماني، وفرضوا الطلاق في حالة زنى الزوجة. وقد أقرّ السيد المسيح بأن الطلاق غير شرعي لأي سبب باستثناء الزنى، فمن يحاول أن يطلّق زوجته يعتبرها كأنما قد خانته، وعند زواجه امرأة أخرى يكون قد خان عهد زواجه بزوجته الأولى، حيث العقد الأول لم يزل قائما عند الله.

الفصل التّاسع عشر:25 تعجّب الحواريون من قول السّيّد المسيح لأنّهم كانوا يتصوّرون أنّ الرجل الغني قد نال رضى الله بما أنعم عليه من مال.

الفصل التّاسع عشر:30 كان أغلب اليهود يؤمنون بأنّ الله سيحكم بعدل يوم الحساب، ويرفع شأن اليهود بينما يقهر غيرهم من الشعوب. ولكن سيدنا عيسى هنا يقول بعكس توقّعاتهم ويؤكد أن اليهود غير المؤمنين سيطردون خارج المملكة الربانية بينما الأغراب يحصلون على نصيب في تلك المملكة.