الفصل التّاسع
الله يحقّق وعده لبني يعقوب
وإنّي أقولُ الحقَّ لَكُم وما أنا مِن الكاذِبينَ، لأنّي مُعتَصِمٌ بالسَّيّدِ المَسيحِ وضَميري على هُدى رُوحِ اللهِ. إنّي حَزينٌ، وفي قَلبي ألَمٌ شَديدٌ بسَبَبِ بَني يَعقوبَ أُمَّتي الّتي أنتَمي إليها. فأنا مُستَعِدٌّ أن أُحرَمَ عنِ السَّيِّدِ المَسيحِ وأنفَصِلَ عَنهُ فِدًى لأُمَّتي. فبَنو إِسرائيلَ لهُم الحقُّ في الانضِمامِ لأهلِ بَيتِ اللهِ، وقد تَجَلَّى اللهُ لَهُم فقَدَّمَ إليهِم العُهودَ، والشَّريعةَ والعِبادةَ الحقَّ والوُعودَ. وكانوا مِن نَسلِ الأنبياءِ الأوّلينَ، ومِنهُم يَنحَدِرُ السَّيِّدُ المَسيحُ. فليَتَبارَكِ المُتَعالي فَوقَ العالَمينَ إلى أَبَدِ الآبِدينَ، آمين.
فكُلُّ ما ذُكرَ لا يَعني أنّ اللهَ لا يَحفَظُ وَعَدَهُ لبَني يَعقوبَ، لأنّ مَن رَفَضَ رِسالةَ اللهِ مِن بَني يَعقوبَ لَيسَ مِنَ الأَخيارِ، ولَيسَ كُلُّ الّذينَ يَنحَدِرونَ مِن النَّبيِّ إبراهيمَ هُم مِن وَرَثَتِهِ ومِن عِيالِ اللهِ. فالوَرَثةُ هُم الّذينَ حَصَلوا على وَعَدِ اللهِ. فقد أوحى إليهِم في التّوراةِ: “يا إبراهيمُ، مِن إسحَقَ يَنحَدِرُ الوَرَثةُ وبِهِم أُحَقّقُ وَعدي لكَ”.* التوراة، سفر التكوين 21: 12. وهذا الوَحي يَعني أنّهُ لَيسَ بالأصلِ البَشَريِّ نَنضَمُّ إلى عِيالِ اللهِ بل الّذينَ خَصَّهُم اللهُ بوَعَدِهِ هُم عِيالُهُ تَعالى. فقد وَعَدَ اللهُ النَّبيَّ إبراهيمَ (عليه السّلام) على لِسانِ المَلاكِ بخُصوصِ إسحقَ فقالَ: “سأعودُ العامَ القادِمَ في مِثلِ هذا الوَقتِ، ويَكونُ لِسارَةَ ابنٌ”. التوراة، سفر التكوين 18: 14.
10 لقد اختارَ اللهُ إسحقَ مِن بَينِ أبناءِ النَّبيِّ إبراهيمَ، كَما اختارَ أحَدَ ابنَي إسحقَ، مَعَ أنّ زَوجتَهُ رِفقَةَ قد أنجَبَت توأمَين، 11 فقَبلَ أن يُولدا، ويَكونا مِن أهلِ الشّرِّ أو مِن أهلِ الخَيرِ، جاءَها وَحيُ اللهِ مُبَيِّنًا أنّهُ سيَختارُ بَعضَ النّاسِ حَسَبَ تَدبِيرِهِ تَعالى. نعم، يَختارُ اللهُ النّاسَ مِن قَبل أن يَفعَلوا خَيرًا أو شَرًّا، 12 وأَخبَرَ الوَحيُ رِفقَةَ أنّ أكبَرَ الأَخوينِ يَكونُ خادِمًا للصَّغيرِ، التوراة، سفر التكوين 25: 23. 13 واختارَ اللهُ يَعقوبَ دونَ أخيهِ العيصِ لِيُتَمِّمَ بِهِ مَقصَدَهُ. كَما قالَ تَعالى في كِتابِ النَّبِيِّ مَلاكي: “أَحبَبتُ بَني يَعقوبَ ورَفَضتُ بَني العِيصَ”.§ كتاب النبي ملاكي 1: 2‏-3.
وتجدر الإشارة إلى أن القصة الأصلية في سفر التكوين 25: 23، تتعلّق بالأقوام المنحدرين من نسل النبي يعقوب وأخيه العيص، لا بيعقوب والعيص كفردين.
الله يختار النّاس رحمةً للعالمين
14 فأيُّ مَعنى لكُلِّ هذا؟ إنّ اللهَ يَختارُ بَعضَ النّاسِ ويَرفُضُ البَقيّةَ، فهل هو بذلِكَ ظَلومٌ؟ كَلاّ، تَعالى اللهُ عن ذلِكَ عُلوًّا، 15 فقد قالَ تَعالى لنَبيِّهِ مُوسى: “إنِّي أَرحَمُ مَن أَشاءُ، وأُشفِقُ على مَن أَشاءُ”.* يقتبس الحواري بولس هنا من التوراة (سفر الخروج 33: 19)، فقد خاطب الله بني يعقوب بهذه الطريقة عندما عبدوا العجل فعصوه عصيانًا فظيعًا. لذلك استحقّوا الموت أو النبذ كعقاب أدنى، لكنّ الله رحمهم واستمرّ في اعتبارهم قوم ميثاقه. ويشير بولس في الآية 22 إلى الصبر الذي أبداه الله تجاه هؤلاء. 16 إنّ اللهَ يَختارُ النّاسَ لا وِفقَ رَغبتِهِم في هذا الاختِيارِ أو سَعيهِم إليهِ، بل يَختارُهُم اللهُ برَحمَتِهِ. 17 ولقد جاءَ في الكِتابِ قَولُهُ تَعالى لفِرعَون: “إنّي لهذا الغَرَضِ رَفَعتُكَ إلى عَرشِ مِصر: حَتّى يَتَبَدَّى فيكَ جَبَروتي ويُعَظَّمَ اسمي في العالَمينَ”. الاقتباس هنا من التوراة (سفر الخروج 9: 16). 18 فاللهُ يَرحَمُ مَن يَشاءُ، ويَجعَلُ مَن يَشاءُ مُتَعَنِّتًا. جعل الله فرعون متعنّتا لأنه تعنّت وعصى الله. وقد جاء في التوراة، سفر الخروج 7: 8 حتّى 9: 7، أنّ الله أمر فرعون مرّات عديدة أن يطلق بني يعقوب، لكن فرعون تعنّت مرّة تلو الأخرى. وقد جعل الله فرعون متعنّتًا بعد أن أمهله مرّات عديدة لتنفيذ أمره تعالى، لكنّه لم يفعل (انظر سفر الخروج 9: 8 – 10: 27). وتضمّنت كتب الأنبياء أمثلة عديدة عن صبره تعالى. ولكن لم يذكر أي مقطع، بما في ذلك هذا المقطع، أن الله جعل أحد من عباده متعنّتا إلا إذا أوغل في عصيان الله. وقد كتب بولس أن القصد من صبر الله على المذنب هو دفعه إلى التوبة. وهذا من لطفه تعالى بعباده (انظر رسالة روما 2: 4).
19 ولِقائِلٍ مِنكُم أن يَقولَ: “إن كَتَبَ اللهُ على النّاسِ أن يَكونوا مؤمنِينَ أو كافِرينَ، فلماذا يَلومُهُم على أعمالِهِم؟” 20 فاسمَعوا جَوابي: أيُّها الإنسانُ، لا حقَّ لكَ أن تَعتَرِضَ على اللهِ! هل يَقولُ وِعاءٌ مِنَ الطِّينِ لِمَن صَنَعَهُ: “لماذا جَعَلتَني على هذِهِ الصُّورةِ؟”§ يحيل هذا الاستفهام البلاغي على كلام النبي أشعيا 29: 16 و45: 9. 21 أَفَلَيسَ مِن حَقِّ عامِلِ الفَخَّارِ أن يَصنَعَ مِن الطِّينِ ما يَشاءُ، فيَصنَعَ مِن قِطعةِ الطِّينِ نَفسِها إناءً لغَرَضٍ رَفيعٍ، وآخرَ لغَرَضٍ وَضيعٍ؟* يحيل كلام بولس هنا على ما قاله النبي إرميا بخصوص بني يعقوب (كتاب النبي إرميا 18: 1‏-12).
22 كذلِكَ شاءَ اللهُ أن يُظهِرَ غَضَبَهُ للنّاسِ، ويُعلِنَ قُدرتَهُ على العِقابِ، ولكنّهُ صَبورٌ حَليمٌ بهؤلاءِ المُتَعَنِّتينَ المَغضوبِ عليهِم، الّذينَ يَستَحِقّونَ الهَلاكَ. 23 أمّا نَحن فقد نِلنا رَحمةَ اللهِ لكي تَتَجَلّى عَظمةُ شأنِهِ وجَلالِهِ، فاللهُ قد هَيّأ لنا مُنذُ القَديمِ مَقامًا مَجيدًا، 24 باعتِبارِ أنّهُ اختارَنا مِن عِبادِهِ، لا مِنَ اليَهودِ فقط بل مِن سائِرِ الشُّعوبِ أيضًا. 25 كَما قالَ على لِسانِ النَّبيِّ هُوشَعَ: “الّذينَ لم يَكونوا مِن أُمَّتي سأَجعَلُهُم الآنَ مِن أُمَّتي، والّذينَ لم يَكونوا أَحبابي، سأَجعَلُهُم الآنَ أَحبابي”. هذا الاقتباس من كتاب النبي هوشع 2: 23. كان هوشع (عليه السّلام) نبيّا في الوقت الذي كان فيه عُزِيّا ملكًا على مملكة يهوذا في المنطقة التي تحيط بمدينة القدس، وقد امتدّ حكمه بين سنتي 783 و 746 قبل الميلاد. وأيضًا في وقت حكم الملك يَربعام الثاني على المنطقة الموجودة شمال يهوذا أو ما يسمّى اليوم بالضفّة الغربية (786 – 746 قبل الميلاد). 26 نعم، حَيثُ قالَ اللهُ للنّاسِ سابِقًا: “لَستُم مِن أهلِ ميثاقي” سيُخبِرُهُم الآنَ: “إنّا جَعَلناكُم مِن أهل بَيتِ اللهِ الحَيّ”. كتاب النبي هوشع 1: 10. 27 أمّا بِشأنِ بَني يَعقوبَ فَقَد قالَ النّبيُّ أَشعيا: “حَتّى لو كانَ عَدَدُ بَني يَعقوبَ كَرَملِ البَحرِ، فلن يَنضَمَّ إلاّ قَليلٌ مِنهُم إلى النّاجينَ. 28 لأنّ اللهَ سيُنزِلُ حُكمَهُ عليهِم في الأرضِ حُكمًا سَريعًا حاسِمًا”.§ كتاب النبي أشعيا 10: 22، 23. عاش النبي أشعيا (عليه السّلام) في مملكة يهوذا في الفترة الممتدة ما بين 740 و 701 ق. م. 29 وكذلِكَ قالَ أَشعيا: “لو لم يَكتُب رَبُّ القُوّات أن يَنجو بَعضٌ مِن شَعبِنا، لأصبَحنا هالِكينَ كأهلِ مَدينتَيْ سَدومَ وعَمورةَ”.* كتاب النبي أشعيا 1: 9.
فشل عدد من بني يعقوب في إرضاء الله
30 فأيُّ مَعنى لِما ذَكَرناه؟ مَعناهُ أنّ هُناك مِن غَيرَ اليَهودِ أُناسًا لم يَسعَوا إلى مَرضاةِ اللهِ، ولكن عِندَما اعتَصَموا بسَيِّدِنا عيسى (سلامُهُ علينا) نالوا مَرضاتَهُ بإيمانِهِم. 31 أمّا بَنو يَعقوبَ، فقد سَعوا إلى مَرضاةِ اللهِ مِن خِلالِ شَريعتِهِم، لكنّهُم فَشِلوا في تَمَسُّكِهِم بِها. 32 فلِماذا فَشِلوا إذَن؟ لأنّهُم لم يَعتَصِموا بِحَبلِ الإيمانِ، بل استَنَدوا إلى كَونِهِم مِن أَهلِ الكِتابِ، فعِندَما رَفَضوا الإيمانَ بسَيِّدِنَا عيسى، كانوا كمَن عَثَرَ بحَجَرٍ فسَقَطَ، يشير بولس في كلامه عن حجر العثرة إلى سيدنا عيسى (سلامه علينا). (انظر مرقس 12: 10). 33 وهو ما أوحَى اللهُ بِهِ على لِسانِ النَّبيِّ أَشعيا: “ها أنا في القُدسِ أَضَعُ حَجَرًا يَجعَلُ النّاسَ يَعثُرونَ، بل صَخرةً تَجعَلُهُم يَسقُطونَ، ولا يَخيبُ كُلُّ مَن وَثِق بِهِ”. كتاب النبي أشعيا 8: 14 و28: 16.

*الفصل التّاسع:7 التوراة، سفر التكوين 21: 12.

الفصل التّاسع:9 التوراة، سفر التكوين 18: 14.

الفصل التّاسع:12 التوراة، سفر التكوين 25: 23.

§الفصل التّاسع:13 كتاب النبي ملاكي 1: 2‏-3. وتجدر الإشارة إلى أن القصة الأصلية في سفر التكوين 25: 23، تتعلّق بالأقوام المنحدرين من نسل النبي يعقوب وأخيه العيص، لا بيعقوب والعيص كفردين.

*الفصل التّاسع:15 يقتبس الحواري بولس هنا من التوراة (سفر الخروج 33: 19)، فقد خاطب الله بني يعقوب بهذه الطريقة عندما عبدوا العجل فعصوه عصيانًا فظيعًا. لذلك استحقّوا الموت أو النبذ كعقاب أدنى، لكنّ الله رحمهم واستمرّ في اعتبارهم قوم ميثاقه. ويشير بولس في الآية 22 إلى الصبر الذي أبداه الله تجاه هؤلاء.

الفصل التّاسع:17 الاقتباس هنا من التوراة (سفر الخروج 9: 16).

الفصل التّاسع:18 جعل الله فرعون متعنّتا لأنه تعنّت وعصى الله. وقد جاء في التوراة، سفر الخروج 7: 8 حتّى 9: 7، أنّ الله أمر فرعون مرّات عديدة أن يطلق بني يعقوب، لكن فرعون تعنّت مرّة تلو الأخرى. وقد جعل الله فرعون متعنّتًا بعد أن أمهله مرّات عديدة لتنفيذ أمره تعالى، لكنّه لم يفعل (انظر سفر الخروج 9: 8 – 10: 27). وتضمّنت كتب الأنبياء أمثلة عديدة عن صبره تعالى. ولكن لم يذكر أي مقطع، بما في ذلك هذا المقطع، أن الله جعل أحد من عباده متعنّتا إلا إذا أوغل في عصيان الله. وقد كتب بولس أن القصد من صبر الله على المذنب هو دفعه إلى التوبة. وهذا من لطفه تعالى بعباده (انظر رسالة روما 2: 4).

§الفصل التّاسع:20 يحيل هذا الاستفهام البلاغي على كلام النبي أشعيا 29: 16 و45: 9.

*الفصل التّاسع:21 يحيل كلام بولس هنا على ما قاله النبي إرميا بخصوص بني يعقوب (كتاب النبي إرميا 18: 1‏-12).

الفصل التّاسع:25 هذا الاقتباس من كتاب النبي هوشع 2: 23. كان هوشع (عليه السّلام) نبيّا في الوقت الذي كان فيه عُزِيّا ملكًا على مملكة يهوذا في المنطقة التي تحيط بمدينة القدس، وقد امتدّ حكمه بين سنتي 783 و 746 قبل الميلاد. وأيضًا في وقت حكم الملك يَربعام الثاني على المنطقة الموجودة شمال يهوذا أو ما يسمّى اليوم بالضفّة الغربية (786 – 746 قبل الميلاد).

الفصل التّاسع:26 كتاب النبي هوشع 1: 10.

§الفصل التّاسع:28 كتاب النبي أشعيا 10: 22، 23. عاش النبي أشعيا (عليه السّلام) في مملكة يهوذا في الفترة الممتدة ما بين 740 و 701 ق. م.

*الفصل التّاسع:29 كتاب النبي أشعيا 1: 9.

الفصل التّاسع:32 يشير بولس في كلامه عن حجر العثرة إلى سيدنا عيسى (سلامه علينا). (انظر مرقس 12: 10).

الفصل التّاسع:33 كتاب النبي أشعيا 8: 14 و28: 16.