مدخل إلى رسالة كولوسي
تقع مدينة كولوسي في وادي نهر ليكوس، أي ما يعرف اليوم بغرب تركيا، وتحديدًا في المناطق الداخليّة التي تبتعد عن الساحل ومدينة أفاسوس وهي ليست بعيدة عن مدينة اللاذقية الواقعة في المنطقة نفسها. وبما أنّ مدينة كولوسي قد تعرّضت إلى زلزال مدمّر سنة 61 للميلاد، فمن المرجّح أنّ هذه الرسالة قد كُتبت قبل ذلك التاريخ من قبل الحواري بولس حوالي سنة 60 للميلاد أثناء فترة اعتقاله في منزله في روما. وهي موجّهة تحديدًا إلى المؤمنين في مدينة كولوسي.
وتشبه هذه الرسالة إلى حدّ كبير تلك الرسالة التي كتبها بولس إلى المؤمنين في مدينة أفاسوس. ومن المرجح أن بولس كتبها تزامنًا مع الفترة التي كتب فيها رسالته إلى فليمون، أمّا رسالة أفاسوس فأُرسلت إلى المنطقة نفسها، وحملها طيخي، الشّخص نفسه الذي حمل هذه الرّسالة. لذا، فمن الأفضل قراءة مداخل هذه الرّسائل: رسالة كولوسي، رسالة فليمون ورسالة أفاسوس معًا.
لم تبرز مدينة كولوسي الصّغيرة في الفترة الرّومانية، ولم تكن تمثّل مركزا حضاريا مهمّا مثل روما والإسكندريّة. وهناك دلائل تشير إلى وجود الدّيانة اليهوديّة في محيط مدينة كولوسي منذ القرن السّادس قبل الميلاد. ويبدو أنّ اليهود كانوا يقلّدون بطرق متعدّدة الممارسات الوثنيّة التي كانت تحيط بهم، الدّينيّة منها والثّقافيّة. وكانوا يمزجون أفكارا وثنيّة عديدة في معتقداتهم الدّينيّة. واتّخذ الوثنيّون بدورهم بعض ممارسات اليهود كجزء من شعائرهم الدّينيّة. وبما أنّ النّاس كانوا يخافون خوفًا شديدًا في هذه المنطقة من الجنّ والنّجوم والقدر واللّعنات والآلهة المتعدّدة، فقد حاولوا حماية أنفسهم باستدعاء الملائكة أو غيرها من الكائنات الغيبيّة الخيّرة لتساعدهم وتتوسّط لهم لدى الإله الأعظم الذي يتفوّق في قوّته على الآلهة كلّها حسب اعتقادهم. وكانوا يحملون التمائم والتعاويذ لحمايتهم، ويمارسون شعائر خرافيّة تتعلّق بالسّحر والقوّة بحثا عن الحماية أو طلبًا لمعرفة غيبيّة. وكان النّاس يمارسون أشكالاً مختلفة من الطّقوس والشّعائر بغية إدخال شخص ما في عضويّة جماعاتهم كطريقة لاستمالة الكائنات غير المرئيّة، وكثيرًا ما أضاف النّاس الصّيام والتزهّد والتّنسّك وغيرها من الممارسات إلى هذه الشّعائر الوثنيّة.
وأخطأ العديد من الوثنيّين حين اعتبروا أنّ الحركة الجديدة التي تنتمي إلى السيّد المسيح هي حركة تزهّد، ويعود هذا الاعتبار الخاطئ إلى موقف أتباعه (سلامه علينا) تجاه الخطيئة الجنسيّة والسُكْر، وما من شكّ أنهم رأوا الرّأي نفسه في ما يتعلّق بالدّيانة اليهوديّة. لذلك اتّخذوا الممارسات اليهوديّة نفسها كطريق للتزهّد والتنسّك.
أسّس زُهري، رفيق بولس، جماعة المؤمنين في مدينة كولوسي (1: 7، 4: 12)، ولحق ببولس عند اعتقاله في روما (انظر رسالة كولوسي 4: 12 وفليمون 23 وسيرة الحواريين 28: 16 – 31). وعندما كتب بولس هذه الرّسالة، كان زُهري قد عاد لتوِّه من وادي نهر ليكوس، وهكذا أخبر بولس بأحوال جماعات المؤمنين في المنطقة، ولئن حمل زُهري بعض الأنباء السّارّة عن هؤلاء المؤمنين، فقد حمل معه أيضا بعض الأخبار المتعلّقة بالمشاكل الكبيرة التي يتخبَّطون فيها. وانتشرت بعض التعاليم الخاطئة في كولوسي، وعالجها بولس في هذه الرّسالة. ومن الواضح أنّ بعض المؤمنين لا يزالون على ميلهم إلى الممارسات نفسها التي كانوا يتّبعونها قبل إيمانهم بالسّيّد المسيح (سلامُهُ علينا). فكانوا يدافعون مثلاً عن استدعائهم للملائكة بهدف حمايتهم أو للتوسّط بينهم وبين الله، ولهذه الأسباب ألحُّوا على المؤمنين بالانخراط في جماعات وثنيّة سرّيّة، لذلك كانوا يهملون تكريم سيّدنا عيسى، أو يقلّلون من مكانته معتقدين أنّه يحظى بالمكانة نفسها التي تحظى بها الملائكة، وتبعًا لذلك لا بدّ من استدعائه بالطّريقة نفسها التي تُستدعى بها الملائكة.
ورفض بولس بشدّة كلّ الذين يعلّمون هذه التّعاليم وكلّ ما يروّجون له، معتبرًا أنّهم ينقادون بوسوسة الشّياطين. إنّ المؤمنين في كولوسي باتّباعهم تعاليم هؤلاء الأشخاص المضللِّين، يعودون إلى الخضوع للكائنات الغيبيّة التي عايشوها عندما كانوا وثنيّين. ولكنّ بولس أخبر المؤمنين في رسالة كولوسي أنّ سيّدنا المسيح، بما أنّه كلمة الله الأزليّة، فقد وُجد قبل وجود هذه الكائنات الغيبيّة، ومن خلاله تمّ خلقها جميعًا. لذلك فإنّ سيّدنا عيسى (سلامه علينا) يتفوُّق عليها كلّها.
وحصل المؤمنون على نصيب في دار الخلد بسبب قيامة السّيّد المسيح، كما حصلوا على وسائل تمكّنهم من الوصول إلى الفيض الرّبّاني. فالسّلطة التي يتمتّع بها السّيّد المسيح تكفي لحماية المؤمنين من قوّة الكائنات الغيبيّة في حياتهم اليوميّة. وفي المستقبل سيضع السّيّد المسيح (سلامه علينا) حدًّا للصّراع القائم بين النّاس والشّياطين، وعندئذٍ سيعمّ السّلام في الأرض والسّماء.
بسم الله تبارك وتعالى
رسالة الحَواريّ بولُس إلى أحباب الله في كولوسي
الفصل الأوّل
تحيّة
هذِهِ الرِّسالةُ مِن بولُسَ حَواريِّ سَيِّدِنا عيسى المَسيحِ بِأمرِ اللهِ، ومِن الأخِ تيموتاوي إلى عِبادِ اللهِ الصّالِحينَ، الإِخوةِ المُخلِصينَ لِسَيِّدِنا المَسيحِ في مَدينةِ كولوسي، السَّلامُ عليكُم ورَحمةُ اللهِ أبينا الأحَدِ الصَّمَدِ.
شكر ودعاء
نَحنُ نَحمَدُ اللهَ الأبَ الرَّحيمَ لِمَولانا عيسى المَسيحِ حِينَ نَدعو لكُم دائمًا، فقد عَلِمنا كَيفَ آمَنتُم بِهِ (سلامُهُ علينا)، ومَدى مَحبّتِكُم لِعِبادِ اللهِ الصّالِحينَ جَميعًا. وأنتُم تَفعَلونَ هذا لأنّكُم على يَقينٍ بِما أعَدَّهُ اللهُ لكُم في السَّماءِ. ولقد صِرتُم على هذا اليَقينِ مُذ سَمِعتُم رِسالةَ الحقِّ، حينَ بَلَغَتْكُم البُشرى بِسَيِّدِنا عيسى. إنّها تَنتَشِرُ وتُثمِرُ بَينَ النّاسِ في أنحاءِ المَعمورةِ كُلِّها، وكانَ هذا شأنُكُم مُذ سَمِعتُم وأدرَكتُم حَقيقةَ فَضلِ اللهِ على النّاسِ، ولقد تَقَبّلتُموها عن أخينا العَزيزِ زُهري، رَفيقِنا في الدَّعوةِ،* كان زُهري (في اليونانيّة Epaphras) صديق بولُس ورفيقه في الدّعوة، وهو من بلَّغ رسالة سيّدنا عيسى إلى أهل كولوسي. وكان على الأرجح من أهل تلك المدينة (4: 12)، وقد أمضى مدّة من الزّمن رفيقًا لبولُس أثناء إقامته الجبريّة في منـزله في روما (انظر رسالة فِلِيمون، 23، 24 وسيرة الحواريّين 28: 16). ذلِك العَبدِ المُخلِصِ الأمينِ لِسَيِّدِنا المَسيحِ، الّذي يَنوبُ عنّا أنا وتيموتاوي بَينَكُم في غَيابِنا عنكُم. ولقد أخبَرَنا أخونا زُهري بِمَحبّتِكُم النّابِعةِ مِن رُوحِ اللهِ تُجاهَ الآخَرينَ. ومُذ بَلَغَنا هذا الأمرُ، لم نَنقَطِع عن الدُّعاءِ مِن أجلِكُم، راجينَ مِن اللهِ أن تَكونوا حُكَماءَ مُدرِكينَ لِنَفَحاتِ رُوحِهِ، حَتّى تَغمُرَكُم حَقيقةُ ما يُرضيهِ. 10 ونَحنُ نَدعو لهذا لتَسلُكوا سُلوكًا يَليقُ بِسَيِّدِنا (سلامُهُ علينا) فتُرضونَهُ كُلَّ الرِّضا، وأنتُم تَقومونَ بأنواعِ الصّالِحاتِ كُلِّها بَينَما تَزدادُ مَعرِفتُكُم باللهِ. 11 فليَمْدُدْكُم تَعالى بِفَضلِ قُدرتِهِ الجَليلةِ بِالقوّةِ فتَتَمَكَّنوا مِن الصُّمودِ بِكُلِّ ثَباتٍ وصَبرٍ، وتَفرَحوا 12 شاكِرينَ اللهَ الأبَ الرَّحيمَ، الّذي أهَّلَكُم للحُصولِ مَعَ بَقيّةِ عِبادِهِ الصّالِحينَ على نَصيبِكُم مِن نورِهِ تَعالى. يتعمّد بولس في هذه الآية استخدام مصطلح من التوراة يشير إلى أرض كنعان التي ائتمنها الله لبني يعقوب بعد موت النّبي موسى (عليه السّلام). وكان اليهود في زمن سيّدنا عيسى (سلامه علينا) يستخدمون المصطلح نفسه في تقاليدهم للإشارة إلى أنّهم سيحصلون على الجنّة في الآخرة. يستخدم بولس هذه المصطلحات ليؤكّد أنّ أتباع السيّد المسيح، أيّا كان انتماؤهم العرقي، هم من شعب الله الذين سيدخلون الجنَّة. استُخدمت كلمتا “النّور” و”الظّلام” للإشارة إلى الخير والشرّ والصِّراع القائم بينهما.
عظمة شأن السّيّد المسيح
13 واللهُ نَجّانا مِن الشَّيطانِ ومِن أعوانِهِ الطّاغينَ في الظُّلُماتِ، وجاءَ بِنا فأصبَحنا بِفَضلِهِ في مَملَكةِ الحَبيبِ، الابنِ الرُّوحيِّ لهُ تَعالى، عبارة “الابن الرّوحي لله” الواردة هنا، هي ترجمة للعبارة اليونانيّة التي عُرّبت بصيغة “ابن الله”. وهي موجودة في كتب الأنبياء الأوّلين وكانت لقبًا لملك بني يعقوب الذي اختاره الله. وهذا المصطلح لا يشير إلى تناسل بشري، بل يشير إلى العلاقة الوثيقة التي تجمع سيّدنا عيسى مع الله، ومقامه أمام ربّه مثل مقام البكر في العائلة. ويرى بعضُ المفسّرين في هذا تلميحًا إلى أنّه أيضا كلمة الله الأزليّة وقد أُرسل إلى الأرض ليصبح بشرا يولد من مريم العذراء. 14 الّذي فَدانا بِحَياتِهِ فغَفَرَ اللهُ ذُنوبَنا.
 
15 إنّ السَّيِّدَ المَسيحَ هو ظِلُّ اللهِ الّذي لا تُدرِكُه الأبصارُ، وإنّهُ سَيِّدُ كُلِّ المَخلوقاتِ،§ يصف بولس سيّدنا عيسى (سلامه علينا) هنا بـ”سيّد كلّ المخلوقات” وفي الترجمات التاريخيّة بـ”بكر المخلوقات كلِّها”، وكان اليهود يستخدمون العبارة ذاتها للتعبير عن الحكمة الإلهيّة. فعلى سبيل المثال، وصف الكاتب اليهودي “فيلون” كلمةَ الله بأنّها: “التعبير الصّادق عن ذات الله وابنه البِكر”. ويمكن أن يكون مصطلح “البكر” في اللّغة اليونانيّة مرادفا لمعنى لقب “الابن الروحي لله” الذي أُطلق كلقب على المَلِك. ولا علاقة لمصطلح “البكر” بعمليّة الانجاب المألوفة، بل هو إشارة إلى سلطة الملقّب بالبكر. فكما يحظى الولد البكر بالأولويّة في العائلة دون بقيّة أفرادها، كذلك يتمتّع السّيّد المسيح بالسّلطة والتفوُّق على كلّ ما خلقه الله في الكون.
16 فبِهِ خَلَقَ اللهُ كُلَّ الكائِناتِ، سَواءٌ مِنها ما في الأرضِ وما في السَّماواتِ،
ما يُرى مِنها وما لا يُرى، مِن المَلائِكةِ والجِنِّ والشَّياطينِ وغَيرِها مِن الغَيبيّاتِ.* مصطلحات “الملائكة والجن والشياطين وغيرها من الغيبيات” تعادل مصطلحات “العروش” و”القِوى” و”الحكّام” و”السلطات” في النص اليوناني الأصلي وتشير إلى كائنات غيبيّة.
نعم، بِفَضلِهِ خَلَقَ اللهُ لهُ كُلَّ المَوجوداتِ،
17 هو الّذي سَبَقَ كُلّ شَيءٍ وبِهِ يُحافِظُ اللهُ على كُلِّ المَخلوقاتِ،
18 وهو رأسُ الّذينَ اختارَهُمُ اللهُ في الجَماعاتِ،
وهو أوّلُ مَن أحيا اللهُ خالِدًا مِن بَينِ الأمواتِ، يمكن لكلمة “الرّأس” أن تعني في اليونانيّة: “السّلطة” (2: 10)، أو “الجزء الأكثر احتراما وتشريفا”، أو “الأصل” أي مصدر الرّزق (2: 19). وكان الفلاسفة الرّواقّيون يقولون إنّ كلمة الله مثل العقل أو الرّأس المدبِّر للكون، والكون بمثابة جسمه. ويصف النّص اليوناني السيّد المسيح بـأنّه “البكر من الأموات”، وأراد بولس بهذا التعبير أن يشير إلى أن سيّدنا عيسى (سلامه علينا) هو أوّل من بُعث من الموت بجسم خارق لا يبلى. ولا شك أنّ أناس آخرون بُعثوا أحياء بأجسامهم الدّنيويّة قبل زمن سيّدنا عيسى، ولكنّهم ماتوا مرّة أُخرى في انتظار بعثهم يوم القيامة. ليَتَصَدَّرَ كُلَّ الكائِناتِ،
19 لقد رَضِيَ اللهُ أن تَفيضَ في مَولانا المَسيحِ كُلُّ ما لهُ مِن صِفاتٍ،
20 وبِفَضلِ ما قَدَّمَهُ على الصَّليبِ مِن تَضحياتٍ، أعادَ اللهُ النّاسَ إليهِ وأقامَ بَينَهُم المُصالَحات،
وبِتَضحيةِ السَّيّدِ المَسيحِ الحَليمِ، أعادَ اللهُ إليهِ كُلَّ ما في الأرضِ وما في السّماواتِ. عندما يقول بولس إنّ الله قد أعاد إليه كل ما في السماوات، فهو يقصد أن الله سيجبر الشياطين وغيرها من الكائنات الغيبية الشريرة أن تخضع للسيد المسيح. ورغم ذلك، ستواصل هذه الكائنات نشاطها في العالم، لكنّها في الواقع لا تملك قوّةً حقيقيةً تتحدّى بها مملكة سيدنا المسيح.
 
21 ولقد كُنتُم في ما مَضى مُبعَدينَ عنِ اللهِ، في عَداءٍ مَعَهُ بِسَبَبِ أفعالِكُم وأفكارِكُم الشِّرّيرةِ، 22 لكِنّ اللهَ أعادَكُم إليهِ حينَ ضَحَّى السَّيّدُ المَسيحِ بجِسمِهِ عَلى الصَّليبِ، حَتّى يأتيَ بِكُم أمامَهُ تَعالى مَنذورينَ، طاهِرينَ مِن كُلِّ الشَّوائبِ، لا لومَ عليكُم، 23 على أن تَظَلّوا ثابِتينَ في إيمانِكُم، ولا تَنحَرِفوا أبَدًا عن يَقينِكُم بِبُشرى السَّيّدِ المَسيحِ الّتي بُلِّغَت إليكُم. وبُلِغَت إلى العالَمينَ أيضًا، وأنا بولسُ أصبَحتُ بِهذِهِ الرِّسالةِ داعيَةً بَشيرًا.
كفاح بولس في الدّعوة
24 فَرِحٌ أنا بِالآلامِ الّتي مِن أجلِكُم أُعانيها، لأنّي أُعَوِّضُ عَن غَيابِ السَّيِّدِ المَسيحِ حينَ أُلاقيها، فأتَلَقّى العَذابَ نِيابةً عَنهُ مِن أجلِ جَماعتِهِ وأفديها 25 وإنّي لَخادِمُها وراعيها، لأنّ اللهَ كَلَّفَني نَشْرَ الرِّسالةِ كامِلةً إليكُم أنتُم مِن غَيرِ اليَهودِ. 26 يا لَهُ مِن سِرٍّ أخفاهُ اللهُ على مَدى العُصورِ والأزمانِ وها هو الآنَ يُجَلّيهِ لِعِبادِهِ الصّالِحينَ،§ تشير الكلمة اليونانية (mysterion أي السرّ أو اللّغز)، في الأديان الوثنيّة التي كانت سائدة في كولوسي، إلى الشّعائر السرّية والرّموز التي يتمّ إخفاؤها عن الذين لم يدخلوا ديانتهم بعد. واستخدم بولس الكلمةَ بالمعنى نفسه الذي استخدمه النبيّ دانيال، مشيرا إلى مقصد الله من الخطة السرّيّة لأواخر أيّام العالم. وكانت هذه الخطّة مخفيّة عن أذهان النّاس سابقًا، غير أنّها ظهرت مع السيّد المسيح بشكل واضح لجميع النّاس. 27 لأنّ اللهَ أرادَ لهُم أن يَعرِفوا أنّ كُنوزَ سَيِّدِنا المَسيحِ وبَهاءَهُ تَشمُلُكُم أنتُم أيضًا يا مَن لَستُم يَهودًا، وهذا هو السِّرُّ العَظيمُ: إنّ مَولانا المَسيحَ يَحيا في قُلوبِكُم أنتُم أيضًا، وأنّهُ أساسُ ما أنتُم عليهِ مِن يَقينٍ في حُصولِكُم يَومَ الدِّينِ على مَقامٍ مَجيدٍ. 28 إنّنا دُعاةٌ لهُ (سلامُهُ علينا) بَينَ النّاسِ، مُنذِرونَ مُبَشِّرونَ بِكُلِّ حِكمةٍ حَتّى نُقَدِّمَهُم للهِ راشِدينَ في إيمانِهِم بِالسَّيِّدِ المَسيحِ،* استخدم العرفانيّون وأعضاء الأديان السرّيّة كلمة “كامل” أو “راشد” كتعبير لوصف الذين انضمّوا إلى ديانتهم، فتعلّموا شعائر سريّة ومعرفة خاصّة بهم. أما بولس فقد استخدم هذا التعبير ليشير إلى المؤمنين الذين يعرفون ما يرضي الله ويواظبون على فعله. 29 وهذا هو هَدَفُ سَعيي واجتِهادي، بِفَضلِ قوّتِهِ الفائِقةِ (سلامُهُ علينا) الّتي تَعمَلُ في فؤادي.

*الفصل الأوّل:7 كان زُهري (في اليونانيّة Epaphras) صديق بولُس ورفيقه في الدّعوة، وهو من بلَّغ رسالة سيّدنا عيسى إلى أهل كولوسي. وكان على الأرجح من أهل تلك المدينة (4: 12)، وقد أمضى مدّة من الزّمن رفيقًا لبولُس أثناء إقامته الجبريّة في منـزله في روما (انظر رسالة فِلِيمون، 23، 24 وسيرة الحواريّين 28: 16).

الفصل الأوّل:12 يتعمّد بولس في هذه الآية استخدام مصطلح من التوراة يشير إلى أرض كنعان التي ائتمنها الله لبني يعقوب بعد موت النّبي موسى (عليه السّلام). وكان اليهود في زمن سيّدنا عيسى (سلامه علينا) يستخدمون المصطلح نفسه في تقاليدهم للإشارة إلى أنّهم سيحصلون على الجنّة في الآخرة. يستخدم بولس هذه المصطلحات ليؤكّد أنّ أتباع السيّد المسيح، أيّا كان انتماؤهم العرقي، هم من شعب الله الذين سيدخلون الجنَّة. استُخدمت كلمتا “النّور” و”الظّلام” للإشارة إلى الخير والشرّ والصِّراع القائم بينهما.

الفصل الأوّل:13 عبارة “الابن الرّوحي لله” الواردة هنا، هي ترجمة للعبارة اليونانيّة التي عُرّبت بصيغة “ابن الله”. وهي موجودة في كتب الأنبياء الأوّلين وكانت لقبًا لملك بني يعقوب الذي اختاره الله. وهذا المصطلح لا يشير إلى تناسل بشري، بل يشير إلى العلاقة الوثيقة التي تجمع سيّدنا عيسى مع الله، ومقامه أمام ربّه مثل مقام البكر في العائلة. ويرى بعضُ المفسّرين في هذا تلميحًا إلى أنّه أيضا كلمة الله الأزليّة وقد أُرسل إلى الأرض ليصبح بشرا يولد من مريم العذراء.

§الفصل الأوّل:15 يصف بولس سيّدنا عيسى (سلامه علينا) هنا بـ”سيّد كلّ المخلوقات” وفي الترجمات التاريخيّة بـ”بكر المخلوقات كلِّها”، وكان اليهود يستخدمون العبارة ذاتها للتعبير عن الحكمة الإلهيّة. فعلى سبيل المثال، وصف الكاتب اليهودي “فيلون” كلمةَ الله بأنّها: “التعبير الصّادق عن ذات الله وابنه البِكر”. ويمكن أن يكون مصطلح “البكر” في اللّغة اليونانيّة مرادفا لمعنى لقب “الابن الروحي لله” الذي أُطلق كلقب على المَلِك. ولا علاقة لمصطلح “البكر” بعمليّة الانجاب المألوفة، بل هو إشارة إلى سلطة الملقّب بالبكر. فكما يحظى الولد البكر بالأولويّة في العائلة دون بقيّة أفرادها، كذلك يتمتّع السّيّد المسيح بالسّلطة والتفوُّق على كلّ ما خلقه الله في الكون.

*الفصل الأوّل:16 مصطلحات “الملائكة والجن والشياطين وغيرها من الغيبيات” تعادل مصطلحات “العروش” و”القِوى” و”الحكّام” و”السلطات” في النص اليوناني الأصلي وتشير إلى كائنات غيبيّة.

الفصل الأوّل:18 يمكن لكلمة “الرّأس” أن تعني في اليونانيّة: “السّلطة” (2: 10)، أو “الجزء الأكثر احتراما وتشريفا”، أو “الأصل” أي مصدر الرّزق (2: 19). وكان الفلاسفة الرّواقّيون يقولون إنّ كلمة الله مثل العقل أو الرّأس المدبِّر للكون، والكون بمثابة جسمه. ويصف النّص اليوناني السيّد المسيح بـأنّه “البكر من الأموات”، وأراد بولس بهذا التعبير أن يشير إلى أن سيّدنا عيسى (سلامه علينا) هو أوّل من بُعث من الموت بجسم خارق لا يبلى. ولا شك أنّ أناس آخرون بُعثوا أحياء بأجسامهم الدّنيويّة قبل زمن سيّدنا عيسى، ولكنّهم ماتوا مرّة أُخرى في انتظار بعثهم يوم القيامة.

الفصل الأوّل:20 عندما يقول بولس إنّ الله قد أعاد إليه كل ما في السماوات، فهو يقصد أن الله سيجبر الشياطين وغيرها من الكائنات الغيبية الشريرة أن تخضع للسيد المسيح. ورغم ذلك، ستواصل هذه الكائنات نشاطها في العالم، لكنّها في الواقع لا تملك قوّةً حقيقيةً تتحدّى بها مملكة سيدنا المسيح.

§الفصل الأوّل:26 تشير الكلمة اليونانية (mysterion أي السرّ أو اللّغز)، في الأديان الوثنيّة التي كانت سائدة في كولوسي، إلى الشّعائر السرّية والرّموز التي يتمّ إخفاؤها عن الذين لم يدخلوا ديانتهم بعد. واستخدم بولس الكلمةَ بالمعنى نفسه الذي استخدمه النبيّ دانيال، مشيرا إلى مقصد الله من الخطة السرّيّة لأواخر أيّام العالم. وكانت هذه الخطّة مخفيّة عن أذهان النّاس سابقًا، غير أنّها ظهرت مع السيّد المسيح بشكل واضح لجميع النّاس.

*الفصل الأوّل:28 استخدم العرفانيّون وأعضاء الأديان السرّيّة كلمة “كامل” أو “راشد” كتعبير لوصف الذين انضمّوا إلى ديانتهم، فتعلّموا شعائر سريّة ومعرفة خاصّة بهم. أما بولس فقد استخدم هذا التعبير ليشير إلى المؤمنين الذين يعرفون ما يرضي الله ويواظبون على فعله.