الفصل الثّاني
تحذير من المضلّلين
إخوَتي في كولوسي، أُريدُ لكُم أن تَعلَموا مَدى جِهادي لأجلِكُم ولأجلِ المؤمِنينَ في مَدينةِ اللاّذقيّةِ،* مدينة اللاّذقية هنا لا تشير إلى المدينة التي تحمل الاسم نفسه في سوريا، وإنما هي مدينة كانت تقع في غرب ما يُعرف بتركيا اليوم. ولأجلِ بَقيّةِ الّذينَ لم يُقابِلوني شَخصيًّا مِثلَكُم، حَتّى يَكونوا في قُلوبِهِم أقوياءَ، فتَتَمَتَّنَ بَينَهُم أواصِرُ المَحَبّةِ، ويَرسُخَ يَقينُ إدراكِهِم لِسِرِّ اللهِ ألا وهو سَيِّدُنا المَسيحُ، ففيهِ تَكمُنُ كُنوزُ الحِكمةِ والمَعرِفةِ الإِلهيّةِ. وإنّي لأُخبِرُكُم بِهذا حَتّى لا يَخدَعَكُم المُخادِعونَ بِمَعسولِ الكَلامِ، فإن كُنتُ لا أقيمُ بَينَكُم بِالجِسمِ، فإنّي أُقيمُ مَعَكُم بِالرُّوحِ، وإنّي فَرِحٌ بِكُم لأنّي أراكُم مُتَكاتِفينَ ثابِتينَ في إيمانِكُم بِمَولانا المَسيحِ.
الانتصار على الشّياطين
وما دُمتُم لِمَولانا عيسى المَسيحِ مُبايعينَ، فاسلُكوا سَبيلَهُ، واثبُتوا على كُلِّ ما عَلَّمَكُم الأخُ زُهري بخُصوصِهِ (سلامُهُ علينا). وعِندئذٍ تَزدادونَ إيمانًا بِهِ، فتَتَجَذَّرونَ فيهِ وتَتَعَمَّقونَ وتَبنونَ أنفُسَكُم على هَديِهِ، شاكِرينَ اللهَ الشُّكرَ كُلَّهُ. وانتَبِهوا أحبابي، ألاّ يَغويكُم أحَدٌ فتَكونوا أسرى ضَلالِهِ بِفَلسَفَتِهِ وفِكرِهِ الخادِعِ القائمِ على عاداتِ البَشَرِ ووَسوَسةِ الكائِناتِ الغَيبيّةِ، تشير الكلمة اليونانية “ستويكيا” (stoicheia) والتي تُرجِمَت هنا بعبارة “الكائنات الغيبيّة”، إلى عناصر الطبيعة، إضافة إلى الشّمس والقمر والنّجوم التي اعتبرها الفرس والإغريق وغيرهم آلهة أو كائنات غيبيّة. لا على أساسِ حَقيقةِ السَّيّدِ المَسيحِ. لأنّ الفَيضَ الرَّبّانيَّ قد حَلَّ في جَسَدِهِ (سلامُهُ علينا)، 10 وتَبلُغونَ هذا الفَيضَ بِهِ، إنّهُ يَفوقُ ما في الغَيبِ مِن مَلائِكةٍ وجِنٍّ وشَياطين. 11 ولقد وُسِمتُم بِحَقيقةِ الخِتانِ، فخَلَعتُم عن نُفوسِكُم أهواءَها، ويَكونُ هذا خِتانًا في الرُّوحِ، الّذي أجراهُ السَّيِّدُ المَسيحُ، وهو لَيسَ خِتانًا خارِجيًّا يُصيبُ الجِسمَ بِالجُروحِ. 12 إنّكُم تَطَهَّرتُم بِالماءِ دَليلاً على إيمانِكم بِهِ (سلامُهُ علينا)، وكَأنّكُم بذلِكَ تَدفِنونَ حَياتَكم القَديمةَ، وكَما قامَ (سلامُهُ علينا) مِن المَوتِ، فقد وُهِبتُم كذلِكَ حَياةَ الخُلدِ لأنّكُم وَثقتُم بِقُدرةِ اللهِ، وهي القُدرةُ الّتي بِها بُعِثَ السَّيِّدُ المَسيحُ مِن المَوتِ خالِدًا. 13 وقد كُنتُم أيُّها الأغرابُ مِن الهالِكينَ، لأنّكُم كُنتُم في الوَثَنيّةِ ونُفوسُكُم غَيرُ مُطَهَّرة، غَيرَ أنّ اللهَ أحياكُم مَعَ السَّيّدِ المَسيحِ، إذ عَفا عن خَطايانا كُلِّها. 14 وألغى التَّقاليدَ الّتي فَرَضَها الشَّرعُ القَديمُ وما يَتَعَلَّقُ بها مِن تَعقيدات تَحُولُ بَينَنا وبَينَ اللهِ، وقد خَلَّصَنا اللهُ مِنها وعَلَّقَها على الصَّليبِ، كان الشّخص المديون بمال في زمن بولس يوقّع على صكّ الدّيون للشّخص الذي أدانه حتّى يعترف بقيمة ديونه. وبناءً على هذه العادة، كان فقهاء اليهود يعتبرون أنّ من ارتكب خطيئة فقد أصبح مَدينا لله. ولكن من الواضح أنّ الدّعاة الدجّالين في كولوسي كانوا يفرضون بعض التّقاليد اليهودية على النّاس (انظر 2: 16 و2: 21‏-22)، ويؤكّدون على ضرورة اتّباعها لأنّ كل من يخالفها يخطئ في حق الله. أما بولس فيؤكد هنا أنّ الله قد حذف أو ألغى ذلك الصكّ، وهذا يعني أنّ تجاهلنا لتلك التّقاليد لا يُعتبر ذنبًا، والله لا يؤاخذنا عليها. وهذا لا يعني أنّ أحكام شريعة النّبي موسى قد نُسِـخَت أو لم تعد تمثل معيار الحقّ والباطل عند الله. 15 وهكذا نَزَعَ سِلاحَ الجِنِّ والشَّياطينِ مِنهُم، فهُزِموا وقُيِّدوا أذِلاّءَ في رَكبِ مَولانا.
ترك عادات الزّهد
16 فلا تَسمَحوا إذَن لِلنّاسِ أن يَحكُموا عَليكُم ويُلزِموكُم باتّباعِ تَقاليدَ دينيَّةٍ هَمُّها المَأكَلُ والمَشرَبُ والاحتِفالُ بِأعيادِ بَني يَعقوبَ أو فاتِحِ الشَّهرِ أو يَومِ السَّبتِ،§ من الواضح أنّ هذه التّقاليد بما فيها من تعيين أيّام خاصّة مقدّسة، تستند إلى الثقافة اليهودية، ولكن يبدو أنّ هدف الذين يبثّون هذه العقائد الخاطئة في كولوسي هو دعوة النّاس إليها لكسب دعم الملائكة ورضاها. وفي بعض المجموعات الدّينيّة الوثنيّة منعوا بعض الأطعمة لتحضير النّاس للانضمام إليها. 17 وهذِهِ التَّقاليدُ لَيسَت سِوى ظِلٍّ يُشيرُ إلى الحَقيقةِ المُنتَظَرةِ، ألا وهْيَ حَقيقةُ السَّيِّدِ المَسيحِ. 18 فلا تَسمَحوا لأحَدٍ أن يُدينَكُم ويُصِرَّ على إخضاعِكُم لِعاداتِ الزُّهدِ أو المُغالاةِ في احتِرامِ المَلائكةِ، زاعِمينَ أنّهُم رأوا ذلِكَ في رؤى أثناءَ شَعائرِهِم لإدخالِ النّاسِ إلى جَماعاتٍ وَثَنيّةٍ سِريّةٍ، وهُم في الحَقيقةِ مُتَكَبِّرونَ بأفكارِهِم الدُّنيَويّةِ الواهيةِ،* يستخدم بولس هنا تعبيرا تقنيّا يشير إلى المرحلة النّهائيّة في شعائر الاحتفال للدّخول في إحدى الدّيانات السرّيّة المحليّة. فقد كان بعض الدجّالين يحاولون تضليل المؤمنين في كولوسي مدّعين أنّ كلّ من أنهى تجربة شعائر هذا الاحتفال يمكنه الحصول على حماية من الكائنات الشريّرة الخارقة: نجوما كانت أم كائنات غيبيّة فوق الأرض أو أسفلها. 19 فأضاعوا الصِّلةَ بالسَّيّدِ المَسيحِ الّذي هو رأسُ أُمّةِ الجَسَدِ الواحِدِ، فكَما تُشَدُّ مَفاصِلُ الجِسمِ كُلِّهِ بِالرّأسِ فتَتَغَذّى وتَنمو، كذلِكَ يَرعى سَيِّدُنا المَسيحُ كُلَّ المؤمِنينَ ويَجعَلُهُم يَتَقَرَّبونَ إلى اللهِ. 20 أي أحبابي، إنّكُم حينَ أصبَحتُم مِن أتباعِ السَّيّدِ المَسيحِ، فقد تَحَرَّرتُم مِن سُلطانِ الكائِناتِ الغَيبيّةِ في هذِهِ الدُّنيا، كَما يَتَحَرَّرُ العَبدُ المَيتُ مِن سُلطانِ طاعةِ الحُكّامِ. فلِماذا تَخضَعونَ إلى الآنَ لِتَقاليدِ أهلِ الدُّنيا؟! إنّما هي مِن وَسوَسةِ تِلكَ الشَّياطين 21 مِثلَ: “اجتَنِب هذا، واحذَر مَذاقَ هذا، واحتَرِس مِن إمساكِ ذلِكَ، إنّها تُنَجِّسُكُم”. إذا أطاع المؤمنون في كولوسي التعاليم الخاطئة التي ينشرها المضلِّلون، فإنّهم سيعودون إلى الوضع الأوّل عندما كانوا وثنيّين أذلاّء تحت سيطرة الشّياطين (أي قبل أن يؤمنوا بسيّدنا المسيح)، وهذه الشّياطين تحاول أن تسيطر عليهم من خلال التّعاليم الباطلة. 22 إنّها لَيسَت سِوى عاداتٍ تَتَعَلَّقَ بأُمورٍ زائلةٍ تُستَهلَكُ، نعم هي لا تَتَعَدَّى أن تَكونَ سِوى أحكامٍ وتَعاليمَ بَشَريّةٍ 23 وهي تَبدو كَأنّها قَولٌ حَكيمٌ في نَظَرِ الّذين اختاروا هذِهِ العَقيدةَ طَوعًا، بِما فيها مِن تَقَشُّفٍ وتَعَسُّفٍ على الجِسمِ، وفي النِّهايةِ هي لا تَقوى على رَدِّ أهواءِ النَّفسِ.

*الفصل الثّاني:1 مدينة اللاّذقية هنا لا تشير إلى المدينة التي تحمل الاسم نفسه في سوريا، وإنما هي مدينة كانت تقع في غرب ما يُعرف بتركيا اليوم.

الفصل الثّاني:8 تشير الكلمة اليونانية “ستويكيا” (stoicheia) والتي تُرجِمَت هنا بعبارة “الكائنات الغيبيّة”، إلى عناصر الطبيعة، إضافة إلى الشّمس والقمر والنّجوم التي اعتبرها الفرس والإغريق وغيرهم آلهة أو كائنات غيبيّة.

الفصل الثّاني:14 كان الشّخص المديون بمال في زمن بولس يوقّع على صكّ الدّيون للشّخص الذي أدانه حتّى يعترف بقيمة ديونه. وبناءً على هذه العادة، كان فقهاء اليهود يعتبرون أنّ من ارتكب خطيئة فقد أصبح مَدينا لله. ولكن من الواضح أنّ الدّعاة الدجّالين في كولوسي كانوا يفرضون بعض التّقاليد اليهودية على النّاس (انظر 2: 16 و2: 21‏-22)، ويؤكّدون على ضرورة اتّباعها لأنّ كل من يخالفها يخطئ في حق الله. أما بولس فيؤكد هنا أنّ الله قد حذف أو ألغى ذلك الصكّ، وهذا يعني أنّ تجاهلنا لتلك التّقاليد لا يُعتبر ذنبًا، والله لا يؤاخذنا عليها. وهذا لا يعني أنّ أحكام شريعة النّبي موسى قد نُسِـخَت أو لم تعد تمثل معيار الحقّ والباطل عند الله.

§الفصل الثّاني:16 من الواضح أنّ هذه التّقاليد بما فيها من تعيين أيّام خاصّة مقدّسة، تستند إلى الثقافة اليهودية، ولكن يبدو أنّ هدف الذين يبثّون هذه العقائد الخاطئة في كولوسي هو دعوة النّاس إليها لكسب دعم الملائكة ورضاها. وفي بعض المجموعات الدّينيّة الوثنيّة منعوا بعض الأطعمة لتحضير النّاس للانضمام إليها.

*الفصل الثّاني:18 يستخدم بولس هنا تعبيرا تقنيّا يشير إلى المرحلة النّهائيّة في شعائر الاحتفال للدّخول في إحدى الدّيانات السرّيّة المحليّة. فقد كان بعض الدجّالين يحاولون تضليل المؤمنين في كولوسي مدّعين أنّ كلّ من أنهى تجربة شعائر هذا الاحتفال يمكنه الحصول على حماية من الكائنات الشريّرة الخارقة: نجوما كانت أم كائنات غيبيّة فوق الأرض أو أسفلها.

الفصل الثّاني:21 إذا أطاع المؤمنون في كولوسي التعاليم الخاطئة التي ينشرها المضلِّلون، فإنّهم سيعودون إلى الوضع الأوّل عندما كانوا وثنيّين أذلاّء تحت سيطرة الشّياطين (أي قبل أن يؤمنوا بسيّدنا المسيح)، وهذه الشّياطين تحاول أن تسيطر عليهم من خلال التّعاليم الباطلة.