الفصل الثّاني
من الضّلال إلى النّجاة
ولقد كُنتُم مِن الهالِكينَ مَغضوبًا عليكُم لِما ارتَكَبَتْ أيديكُم مِن الخَطايا في ما مَضى، إذ كُنتُم تَسلُكونَ طُرُقَ أهلِ الدُّنيا، في دَربِ إِبليسَ زَعيمِ الشّياطينِ والجِنِّ الّتي تُهَيمِنُ على جَوِّ هذا العالَمِ، ويَتَحَكَّمُ إبليسُ الآنَ في كُلِّ مَن يَعصي اللهَ.* كان الناس يعتقدون في ذاك العصر أن هناك عدة سماوات واختلفوا في عددها. واعتقدوا أيضًا أن الشياطين كانت تهيمن على السماء الدنيا التي أطلقوا عليها اسم “الجو”. وهذه السماء كانت منخفضة جدًّا وبعيدة عن مستوى سماء عرش الله والملائكة المقرّبين من العرش. ونَحنُ مِن بَني يَعقوبَ كُنّا فيما مَضى مِثلَهُم نَحيا حَسَبَ رَغَباتِ النّفسِ وما يُملِيهِ علينا الهَوى. ومِن الطَّبيعيِّ أن نَستَحِقَّ غَضَبَ اللهِ مِثلَ بَقيّةِ أهلِ الدُّنيا. كان بنو يعقوب يعتقدون أنّ إبليس يسيطر على جميع شعوب العالم ويحكمهم جميعًا باستثناء شعبهم. وقد فسّر بعض علماء الدّين اليهودي أنّ كلّ خطيئة إنّما هي نتيجة مباشرة لتأثير الشّياطين. ولم يوافق الحواري بولس على هذه الفكرة. ولكنّه في المقابل أكّد أنّ له تأثيرًا غير مباشر ويمكن أن نشعر به في العالم كلّه. ولن ينجو أحد من هذا التأثير بسبب انتمائه العرقيّ، ولكنّه ينجو فقط بسبب إيمانه بسيّدنا عيسى المسيح.
ولكنّ اللهَ كانَ بنا رَحيمًا كَريمًا، وكانَ حُبُّهُ لنا عَظيمًا! نعم، نَحنُ مِن بَني يَعقوبَ كُنّا مِن الهالِكينَ بِسَبَبِ آثامِنا، ورَغمَ ذلِكَ جَعَلَنا اللهُ بِفَضلِ قيامةِ سَيِّدِنا المَسيحِ خالِدينَ! مَرحى يا إخوَتي مِن غَيرِ بَني يَعقوبَ، لقد صِرتُم مِثلَنا بِفَضلِ اللهِ مِن أهلِ النَّجاةِ، ولأنّنا نَنتَمي إلى سَيِّدِنا عيسى المَسيحِ، فقد جَعَلَنا اللهُ مَعَهُ مِن أهلِ الخُلدِ، وأنعَمَ علينا بالجُلوسِ إلى جانِبِ مَولانا المَسيحِ في عِلّيِّينَ، تعني عبارة الجلوس إلى جانب السيد المسيح في السماء أن المؤمنين يتمتّعون معه بسلطة على قوى الشيطان كلها. فالمؤمنون إذن سيكونون في عناية الله وليس من الضروري أن يسيطر عليهم الخوف من القدر، أو من الشياطين، أو من تأثير الكواكب (الأفلاك). وهكذا يَظهَرُ غِنى فَضلِ اللهِ علينا في الأجيالِ القادِمةِ مِن خِلالِ سَيِّدِنا عيسى المَسيحِ.
نعم يا إخوَتي، لقد صِرتُم بفَضلِ اللهِ مِن النّاجينَ، وهذا لَيسَ نَتيجةَ جُهدِكُم بَل هُو عِطاءٌ مِن اللهِ، ولا هُو بِما كَسَبتُم بفَضلِ أعمالِكُم، لِكَي لا يَتَفاخَرَ بَعضُكُم على بَعضٍ، 10 إنّ اللهَ مَيَّزَنا بِالصُّورةِ الّتي نَحنُ عليها، فجَعَلَنا مِن خَلقِهِ الجَديدِ بِواسِطةِ سَيِّدِنا المَسيحِ كَي نَسلُكَ طَريقَ الصّالِحاتِ كَما حَدَّدَ لنا ذلِكَ مُنذُ القَديمِ.
وحدة المؤمنين في سيّدنا المسيح
11 لذلِكَ يا إخوَتي مِن غَيرِ اليَهودِ، لا تَنسَوا أنّكُم كُنتُم مَنبوذينَ لأنّكُم لم تَكونوا مِن بَني يَعقوبَ. فقد كانَ هؤلاءِ يَفتَخِرونَ أنّهُم أهلُ الخِتانِ، أمّا أنتُم فقد أطلَقوا عليكُم تَسميَّةَ غَيرِ المَختونينَ بِازدِراءٍ، مَعَ أنّ ما يَتَباهَونَ بِهِ لَيسَ سِوى جُرحٍ خارجيٍّ يأتيهِ البَشَرُ.§ كان الختان علامة مادّية تميّز اليهودَ عن غيرهم. واعتقد اليهود في زمن بولس أنّه لا أحد غيرهم دون ختان يمكنه أن يكون جزء من أُمّة الله. 12 ولقد كُنتُم حينئذٍ دونَ سَيِّدِنا المَسيحِ، مَنبوذينَ مِن بَني يَعقوبَ أهلِ ميثاقِ اللهِ، ومُبعَدينَ عَن عُهُودِهِ تَعالى ووُعُودِهِ، فكُنتُم تَعيشونَ دونَ يَقينٍ، وحُرِمتُم في دُنياكُم مِن التَّواصُلِ مَعَهُ سُبحانَهُ وتَعالى، 13 ولكِن ها أنتمُ الآنَ مِن جَماعةِ سَيِّدِنا عيسى المَسيحِ، وقد كُنتُم مِن قَبلُ مُبتَعِدينَ عنِ اللهِ، فصِرتُم مُقَرَّبينَ مِنهُ تَعالى بفَضلِ تَضحيةِ السَّيِّدِ المَسيحِ بدَمِهِ الزَّكيّ، 14 لأنّهُ (سلامُهُ علينا) قد صالَحَ بَينَ بَني يَعقوبَ وغَيرِهِم مِن الشُّعوبِ، إذ جَمَعَهُم فأصبَحوا مُتَّحِدينَ، وهَدَمَ جِدارَ البُغضِ والكَراهيّةِ الّذي كانَ يَفصِلُ بَعضَنا عن بَعضٍ.* وجد في زمن بولس تقسيم اجتماعي صارم بين اليهود وغيرهم، حتّى في حَرَم بيت الله في القدس إذ كانت هناك باحات يسمح لغير اليهود بالدخول إليها، وأخرى لا يدخلها سوى اليهود. وإن “جدار البغض والكراهية” ربما يكون تلميحا إلى ذلك الفاصل بين هذه الباحات. ويستعمل بولس هذا التعبير المجازي لوصف القطيعة بين اليهود وغيرهم. 15 وعِندَما ضَحَّى سَيِّدُنا المَسيحُ بِحَياتِهِ ألغى عاداتِ بَني يَعقوبَ وتَقاليدَهُم الّتي وَقَفَت سَدًّا مَنيعًا، فمَنَعَت غَيرَ اليَهودِ مِن مُشارَكتِهِم في العَهدِ مَعَ اللهِ، فصالَحَ بَينَ الجَماعتَينِ، 16 وجَعَلَ مِنهُما أُمّةً واحِدةً جَديدةً تَنتَمي إليهِ (سلامُهُ علينا). فبِتَضحيّتِهِ على الصَّليبِ، قَضى على العُدوانِ الّذي بَينَهُما، فأصبَحا بذلِكَ جَماعةً واحِدةً وأعادَهُما إلى نورِ اللهِ. 17 لقد حَمَلَ السَّيِّدُ المَسيحُ إلى الجَميعِ البُشرى، والمُصالَحةَ الكُبرى: بُشرى للأغرابِ الّذينَ كانوا مُبعَدينَ عنِ اللهِ، وبُشرى لنا نَحنُ مِن بَني يَعقوبَ، وقد كُنّا مُقَرَّبينَ مِنهُ. 18 لأَنّهُ بالسَّيّدِ المَسيحِ لنا جَميعًا سَبيلُ الوُصولِ إلى اللهِ الأبِ الرَّحيمِ بفَضلِ رُوحِهِ الواحِدةِ.
19 فأنتُم مِن الآنَ لم تَعُودوا أجانِبَ غُرَباءَ، بل صِرتُم إخوةً في أُمّةِ اللهِ، ودَخَلتُم أهلَ بَيتِهِ تَعالى، 20 الّذي جَعَلَ أساسَهُ الحَواريِّينَ والأنبِياءَ، في حينَ جَعَلَ سَيِّدَنا عيسى المَسيحَ حَجَرَ الزّاويةِ المَتينَ! 21 ونَحنُ المؤمنينَ بِهِ أصبَحنا مُتَرابِطينَ كحَجَرِ البِناءِ، فبِتَكاتُفِنا نَصيرُ بَيتًا مُقَدَّسًا للمَولى. كان بيت الله في القدس مركزا للعبادة حيث كان بنو يعقوب يتقرّبون إلى الله. وقد بُني بيت الله الأول تحت إشراف النبي سليمان (عليه السّلام) ووجدت في حرمه مواضع متمايزة، بعضها يخصّ الناس العاديّين، وبعضها الآخر يخصّ الأحبار. أمّا في زمن بولس فقد أُدخلت إضافات على حرم بيت الله بطريقة أحدثت فيه فواصِلَ تحول دون وصول النساء وغير اليهود إلى بعض الأماكن. ويقول بولس في هذا المقطع أنّ الله يعتبر كل أتباع السيد المسيح بيته الحقيقي، وأنّ الحواجز التي تفصل بين مختلف الناس قد أُزيحت من هذا البيت الروحاني. 22 وها أنتُم أيُّها الأغرابُ قد أصبَحتُم بسَيِّدِنا المَسيحِ جُزءًا لا يَتَجَزأُ مِن صَرحِ اللهِ الّذي تَحِلُّ فيهِ رُوحُهُ تَعالى.

*الفصل الثّاني:2 كان الناس يعتقدون في ذاك العصر أن هناك عدة سماوات واختلفوا في عددها. واعتقدوا أيضًا أن الشياطين كانت تهيمن على السماء الدنيا التي أطلقوا عليها اسم “الجو”. وهذه السماء كانت منخفضة جدًّا وبعيدة عن مستوى سماء عرش الله والملائكة المقرّبين من العرش.

الفصل الثّاني:3 كان بنو يعقوب يعتقدون أنّ إبليس يسيطر على جميع شعوب العالم ويحكمهم جميعًا باستثناء شعبهم. وقد فسّر بعض علماء الدّين اليهودي أنّ كلّ خطيئة إنّما هي نتيجة مباشرة لتأثير الشّياطين. ولم يوافق الحواري بولس على هذه الفكرة. ولكنّه في المقابل أكّد أنّ له تأثيرًا غير مباشر ويمكن أن نشعر به في العالم كلّه. ولن ينجو أحد من هذا التأثير بسبب انتمائه العرقيّ، ولكنّه ينجو فقط بسبب إيمانه بسيّدنا عيسى المسيح.

الفصل الثّاني:6 تعني عبارة الجلوس إلى جانب السيد المسيح في السماء أن المؤمنين يتمتّعون معه بسلطة على قوى الشيطان كلها. فالمؤمنون إذن سيكونون في عناية الله وليس من الضروري أن يسيطر عليهم الخوف من القدر، أو من الشياطين، أو من تأثير الكواكب (الأفلاك).

§الفصل الثّاني:11 كان الختان علامة مادّية تميّز اليهودَ عن غيرهم. واعتقد اليهود في زمن بولس أنّه لا أحد غيرهم دون ختان يمكنه أن يكون جزء من أُمّة الله.

*الفصل الثّاني:14 وجد في زمن بولس تقسيم اجتماعي صارم بين اليهود وغيرهم، حتّى في حَرَم بيت الله في القدس إذ كانت هناك باحات يسمح لغير اليهود بالدخول إليها، وأخرى لا يدخلها سوى اليهود. وإن “جدار البغض والكراهية” ربما يكون تلميحا إلى ذلك الفاصل بين هذه الباحات. ويستعمل بولس هذا التعبير المجازي لوصف القطيعة بين اليهود وغيرهم.

الفصل الثّاني:21 كان بيت الله في القدس مركزا للعبادة حيث كان بنو يعقوب يتقرّبون إلى الله. وقد بُني بيت الله الأول تحت إشراف النبي سليمان (عليه السّلام) ووجدت في حرمه مواضع متمايزة، بعضها يخصّ الناس العاديّين، وبعضها الآخر يخصّ الأحبار. أمّا في زمن بولس فقد أُدخلت إضافات على حرم بيت الله بطريقة أحدثت فيه فواصِلَ تحول دون وصول النساء وغير اليهود إلى بعض الأماكن. ويقول بولس في هذا المقطع أنّ الله يعتبر كل أتباع السيد المسيح بيته الحقيقي، وأنّ الحواجز التي تفصل بين مختلف الناس قد أُزيحت من هذا البيت الروحاني.