الفصل الثّالث
أساس قبول الله للإنسان
يا أَهلَ غَلاطيَةَ، أيُّها الأغبياءُ! هل أَصابَكُم أَحَدٌ بِالعَينِ؟! لقد أوضَحنا لكُم بِكُلِّ دِقّةٍ صَلبَ سَيِّدِنا عيسى المَسيحِ. دَعوني أسألُكُم عن أمرٍ واحِدٍ لا غَيرَ: هل كَرَّمَكم اللهُ برُوحِهِ لأنَّكُم تُقَلِّدونَ شَكليّاتِ التَّوراةِ، أَم لأنَّكُم قَبِلتُم رِسالةَ السَّيّدِ المَسيحِ وآمَنتُم بها؟ هل بَلَغَت بَلاهتُكُم إلى هذا الحَدِّ؟ لقد بَدأتُم مَسيرتَكُم باعتِمادِكُم على رُوحِ اللهِ، فهَل تَظُنّونَ أنَّكُم قادِرونَ على الوصولِ إلى نِهايةِ الطَّريقِ باستِغنائِكُم عنها، مُكتَفينَ بالتَّقاليدِ البَشَريّةِ؟* يقارن الحواري بولس حلول قوّة روح الله في الإنسان، بالتّعليم الذي يبرز الاختلافات الجسديّة والعرقيّة. وحسب بولس فإنّ التركيز على الختان قد صنع حاجزًا عرقيًّا منع رحمة الله عن غير اليهود، وجعل اليهود الذين كانوا خاضعين لهذه التقاليد ينقادون بضعفهم الإنساني. تُرى، هل كانَت تَجارِبُكُم في الإيمانِ كُلُّها دونَ جَدوى؟ كَلاّ! إنَّما يَمنَحُكمُ اللهُ رُوحَهُ ويُجري على أَيديكُمُ الكَراماتِ، لا بتَمَسُّكِكُم بشَكليّاتِ التَّوراةِ، بل بإيمانِكُم برِسالةِ السَّيِّدِ المَسيحِ!
أَفما رَأيتُم ما جاءَ في التَّوراةِ عنِ النَّبيِّ إبراهيمَ، إذ آمَنَ بوَعدِ اللهِ فحَسَبَهُ تَعالى مَرضيًّا، يقتبس بولس هنا من التوراة، سفر التكوين 15: 6. لذا، فكُلَّ الّذينَ آمَنوا بِوَعدِ اللهِ يَنتَسِبونَ إلى أصلِ إبراهيمَ، لا رَيبَ، ويُعتَبرونَ مِن شَعبِ اللهِ المُختارِ! ترتبط هوية الناس في المجتمع اليهودي ارتباطًا وثيقًا بعلم الأنساب الخاصّ بهم. لكن الحواري بولس يشير إلى أن الانتساب الصحيح للنبي إبراهيم هو الانتساب المبني على الثقة بالله الذي أقام سيدنا عيسى حيًّا من بين الأموات. فإبراهيم (عليه السّلام) لم يكن يهوديًّا ولكن الله قبله بسبب إيمانه وتوكّله عليه. ودون هذا الإيمان والتوكّل على الله، يكون الانتساب العرقيّ للنّبي إبراهيم فاقد للأهميّة. بَل إنّ اللهَ أوحى في الكِتابِ أنَّهُ يَجعَلُ مِن غَيرِ اليَهودِ عِبادًا صالِحينَ لأنّهُم يَتَوَكَّلونَ على وَعدِهِ، ولقد كَشَفَ تَعالى هذِهِ البُشرى لإبراهيمَ مُنذُ زَمانٍ بَعيدٍ حينَ قالَ: “بِكَ سَتَنعَمُ شُعوبُ الأَرضِ كُلِّها ببَرَكاتي”.§ التوراة، سفر التكوين 12: 3
لذا، فإنَّ اللهَ يُبارِكُ كُلَّ مَن آمَنَ بوَعدِهِ، مِثلَما بارَكَ النَّبيَّ إبراهيمَ لإيمانِهِ. 10 أمّا الّذينَ اتَّكَّلوا على شَكليّاتِ التَّوراةِ، فاللَّعنةُ تُلاحِقُهُم، لأَنّهُ وَرَدَ في التَّوراةِ: “كُلُّ مَن يَترُكُ بَعضَ الأوامرِ المَذكورةِ في كِتابِ التَّوراةِ ويَتَّبِعُ بَعضَها الآخَر تُلاحِقُهُ اللَّعنةُ”.* يقتبس الحواري بولس من التوراة، من سفر التثنية 27: 26. جاء أيضًا في سفر التثنية ذكر بركات الطاعة لشريعة النبي موسى مذكورة في 28: 1- 14، أما لعنات العصيان فمذكورة في 28: 15‏-68. ويعتقد بعضُ المفسّرين أنّ بولس يريد القول إنّ اليهود تصيبهم اللعنة ما لم يتّبعوا وصايا التوراة بشكل كامل. لكن ذلك غير صحيح، لأن شريعة موسى (عليه السّلام) تنصّ على التكفير عن الخطايا، والتوبة، والغفران من خلال النظام القرباني في حرم بيت الله. وهذا هو سبب وصف بولس نفسه بأنه كان “بلا عيب” قبل أن يهتدي إلى الإيمان بالسيد المسيح (انظر فيليبي 3: 6). إنما يقول بولس إنّ أصحاب النظرة الإقصائية القومية الضيقة لميثاق الله يسيئون التعاطي مع جوهر تعاليم شريعة موسى، حيث تمثل الثقة والتوكل على الله أساس العلاقة بين الله والبشر. ويؤكّد في 3: 12 أن وصايا التوراة نزلت لمساعدة الناس على التعبير عن توكلهم وطاعتهم لله بشكل عملي. لكن معارضي بولس كانوا يفضّلون اتّباع بعض التقاليد اليهودية من أجل التفاخر أنهم شعب الله المختار، واستخدموا هذه التقاليد لإقصاء الشعوب الأخرى، وهكذا حاولوا منع بقية الشعوب من إمكانية الإيمان والتوكل على الله، خاصّة أن الله وعد أن يبارك هؤلاء من خلال النبي إبراهيم (عليه السّلام). وهؤلاء اليهود يُنكرون جوهر ميثاق الله ألا وهو ورحمة الله ووعوده، وبذلك تصيبهم اللعنة كما جاء في شريعة موسى (عليه السّلام). 11 لا أحَدَ يَنالُ مَرضاةَ اللهِ بفَضلِ شَكليّاتِ التَّوراةِ، أفَلا تُبصِرونَ؟ فلقَد جاءَ على لِسانِ النَّبيِّ حَبَقوق: “كُلُّ مَن يَرضى اللهُ عنهُ يَحيا بِالإيمانِ الحَياةَ الرَّضية”. يقتبس بولس هنا من كلمات النّبي حبقوق (2: 4)، وقد قالها قبل أن يغزو البابليون بني إسرائيل بفترة قصيرة. لقد وعد الله أنّه سيحفظ حياة كلِّ من يتوكّل عليه رغم ما سيصيب الشّعب من كوارث. وقد اقتبس بولس هذه الآية ليحثّ المؤمنين على الإيمان بالله والتوكّل عليه كَسِمَة ملازمة لحياتهم من البداية إلى النهاية، أي أنّ مفتاح العلاقة مع الله هو التوكّل عليه والإيمان به، وليس الوفاء لبعض التقاليد. 12 أمّا نَهجُ الإيمانِ هذا، فإنّهُ يَختَلِفُ عن نَهجِ الشَّرعِ القائمِ على المَبدَإ الّذي ذُكِرَ في التَّوراةِ: “مَن يَتَمَسَّكَ بكُلِّ هذِهِ الوَصايا يَحيا الحَياةَ الرَّضيّة”. يقتبس بولس هذا المقطع من التوراة، سفر اللاّويين 18: 5، والغاية منه هي وصف سلوك المؤمن المنتمي إلى ميثاق الله. جاءت شريعة النّبي موسى كوسيلة لتنظّم الحياة في إطار الميثاق، لا كأساس للميثاق نفسه، وتهدف إلى المحافظة على كيان شعب بني يعقوب حتّى لا يتوهوا ويتشتّتوا في العالم. والحياة الرّضيّة عند بولس لا تكون بالانتماء إلى شعب بني يعقوب بل بالإيمان بالله والتوكّل عليه.
13 وتُخبِرُنا التَّوراةُ أنّ كُلَّ مَن يَتَعَدّى حُدودَ ميثاقِ اللهِ تُلاحِقُهُ اللَّعنةُ، ولكنَّ السَّيّدَ المَسيحَ أنقَذَنا مِنها، وتَحَمَّلَها عِوَضًا عنّا، كَما وَرَدَ في التّوراةِ: “كُلُّ مَيتٍ يُعَلَّقُ على خَشبةٍ فقد حَلَّتْ عليهِ اللَّعنةُ”.§ ذُكرت اللّعنة المشار إليها هنا في الآية 10. ويقتبس بولس هنا من التوراة، سفر التثنية 21: 23. إنّ كلّ من يخلُّ بالميثاق يجلب لنفسه اللّعنة والاستبعاد من شعب الميثاق. 14 وإنَّما حَمَلَ عنَّا سَيِّدُنا عيسى عُقوبةَ الانفِصالِ عن أُمَّةِ الميثاقِ حَتّى يُنعِمَ اللهُ ببَرَكاتِهِ على المؤمنينَ بِهِ مِن كُلِّ الأُمَمِ، وَعدًا مِن اللهِ لسَيّدِنا إبراهيمَ، وعلى أساسِ الإيمانِ بالسَّيِّدِ المَسيحِ نَحظى بهِبةِ رُوحِ اللهِ وَفقًا لِما جاءَ في وَعدِهِ تَعالى.* ما دام الغريب مستبعدًا من أهل الميثاق، فإن غير اليهود لا نصيب لهم في البركات الخاصّة بأهل الميثاق أي اليهود. لكنّ غطرسة بني يعقوب مع إحساسهم بالتّفرّد والتّفوّق على بقيّة الأمم جعلتهم خارج الميثاق لأنهم أساءوا فهم جوهره وحجر أساسه، ألا وهو الثّقة بالله والتوكّل عليه.
15 إخواني المؤمنينَ، أَخواتي المؤمناتِ، سأُعطيكُم مَثَلاً عن المُعامَلاتِ بَينَ النّاسِ: فإذا قامَ شَخصانِ بإبرامِ ميثاقٍ، فَلا أحَدَ غَيرَهُما يُمكِنُهُ إبطالُهُ أو الإضافةُ إليهِ. يمكن تعديل الميثاق من قبل الطّرفين المعنيّين، ولكن لا دخل لطرف ثالث في ذلك. ويريد بولس أن يبيّن أنّ شريعة النّبي موسى هي الطّرف الثّالث فلا تأثير لها على ميثاق النّبي إبراهيم. 16 كذلِكَ شأنُ ميثاقِ اللهِ حينَ اختارَ إبراهيمَ نَبيًّا، إذ وَهَبَ اللهُ وَعدَه لإبراهيمَ وذُرّيّتِهِ. والقَصدُ مِن الوَعدِ أن يَنالَهُ فَردٌ مُعَيَّنٌ، لا ذُرِّيَّتُهُ كُلِّها، وكانَ يُشيرُ بذلِكَ إلى نَسلِهِ الّذي هو السَّيِّدُ المَسيحُ. تشير كلمات بولس عن نسل النبي إبراهيم إلى الميراث الذي وعد الله به النّبي إبراهيم (انظر التوراة، سفر التكوين 13: 15؛ 17: 8؛ 26: 3؛ 28: 4؛ 28: 13 و 35: 11‏-12). ومن المرجَّح أنّ بولس قد اقتبسها من سفر التكوين 35: 11‏-12، لأنّها تأكيد نهائي من الله على وعوده للنبي إبراهيم، وهي موجّهة إلى يعقوب (عليه السّلام) قبل انتقاله وابنائه إلى مصر بفترة وجيزة. وحدث كل هذا قبل نزول شريعة النبي موسى بـ 430 سنة. 17 لقد أقامَ اللهُ مَعَ النَّبيِّ إبراهيمَ ميثاقًا، فكَيفَ لتَوراةِ النَّبيِّ موسى وقد أُنزِلَت بَعدَ ذلِكَ بأربَعِ مِئةٍ وثَلاثينَ سَنةً تَقريبًا أَن تُلغيَ ذلِكَ الميثاقَ؟ هذا يَعني إبطالَ وَعدِ اللهِ! 18 أيُمكِنُ أن نُصبِحَ مِن أُمّةِ إبراهيمَ فنَرِثَ مِنَ اللهِ البَرَكاتِ باعتِمادِنا على التّوراةِ؟ كَلاّ! إذن يَصيرُ الوَعدُ وَعدًا مَنسيًّا! والحقُّ أَنَّ اللهَ أَعطى سَيِّدَنا إِبراهيمَ (عليه السّلام) هذا الوَعدَ نِعمةً مِنهُ.
القصد من التّوراة
19 هل تَعلَمونَ لِماذا أُنزِلَتِ التَّوراةُ على النّاسِ؟ أنزَلَها اللهُ، بَعدَ وَعدِهِ للنَّبيِّ إبراهيمَ لحِمايةِ النّاسِ مِنَ المَعاصي والخَطايا. وإنَّها لَباقيةٌ حتّى يأتيَ سَليلُ النَّبيِّ إبراهيمَ السَّيِّدُ المَسيحُ المَوعودُ للنّاسِ. ثُمَّ إنَّ اللهَ أعطاها للمَلائكةِ ليُنزِلوها على النَّبيِّ موسى، فكانَ (عليه السّلام) الصِّلةَ بَينَ اللهِ والنَّاسِ. 20 كذلِكَ شأن الاتِّفاق بَينَ طَرَفينِ، فَلا بُدَّ مِن وَسيطٍ بَينَهُما، أمّا وَعدُهُ تَعالى للنَّبيِّ إبراهيمَ فكانَ رَحمةً مِنهُ بِلا وَسيطٍ ولا مُقابِلٍ.
21 هل يَعني هذا أنَّ التَّوراةَ ووُعودَ اللهِ في تَعارُضٍ شَديدٍ؟ كَلاّ! بما أَنَّ التَّوراةَ عاجِزةٌ عَن جَعلِنا مِن الخالِدينَ، فكَيفَ تَكونُ هي أساسَ قُبولِ اللهِ للمؤمنينَ؟! 22 إنَّ كُتُبَ اللهِ السَّماويّةَ تَكشِفُ أنّ النّاسَ مُقَيَّدونَ بالذّنوبِ والخَطايا سَواءٌ أكانوا يَهودًا أم غَيرَ يَهودٍ، لهذا فَإنَّ الصِّراطَ المُستَقيمَ للحُصولِ على الوُعودِ، هو الإيمانُ بسَيِّدِنا عيسى المَسيحِ المُنتَظَرِ.
23 فقد كُنّا نَحنُ اليَهودُ، قَبلَ قُدومِ السَّيّدِ المَسيحِ، تَحتَ حِراسةِ التَّوراةِ، مُقَيِّدينَ إلى أن يَنكَشِفَ لنا طَريقُ الإيمانِ هذا، 24 ولقد كانَت التَّوراةُ بمَثابةِ الوَصيّ علينا، تَقودُنا إلى الإِيمانِ بالمَسيحِ، لنَفوزَ بمَرضاةِ اللهِ، 25 ولمّا حَلَّ بَينَنا هذا الإيمانُ، لم نَعُد في حاجةٍ إلى حِمايةٍ مِن التَّوراةِ بَعدَ أن أصبَحنا تَحتَ حِمايةِ السَّيّدِ المَسيحِ.
26 يا أَهلَ غَلاطيَةَ، أنتُم جَميعًا مِن أهلِ بَيتِ اللهِ الآنَ، لأنّكُم آمَنتُم بسَيِّدِنا عيسى المَسيحِ. 27 وبَعدَ أن تَطَهَّرتُم بالماءِ صِبغةً للهِ، فإنّ كُلَّ الفَضائلِ في حَياةِ السَّيِّدِ المَسيحِ هي لكُم بُردةٌ ورِداءٌ، 28 كلُّكُم عِندَ اللهِ سَواءٌ، لا فَرقَ بَينَ يَهودٍ وغُرَباءَ، وعَبيدٍ وأحرارٍ، ورِجالٍ ونِساءٍ، فكُلُّكُم واحِدٌ بِاعتِصامِكُم بالسَّيِّدِ المَسيحِ، 29 وبما أنّكُم صِرتُم تابِعينَ للسَّيِّدِ المَسيحِ، فأنتُم حقًّا أُمّةُ النَّبيِّ إبراهيمَ (عليه السّلام) ومِن أصلِهِ الشَّريفِ، ووَرَثةُ بَرَكاتِ اللهِ الّتي وَعَدَهُ بها.

*الفصل الثّالث:3 يقارن الحواري بولس حلول قوّة روح الله في الإنسان، بالتّعليم الذي يبرز الاختلافات الجسديّة والعرقيّة. وحسب بولس فإنّ التركيز على الختان قد صنع حاجزًا عرقيًّا منع رحمة الله عن غير اليهود، وجعل اليهود الذين كانوا خاضعين لهذه التقاليد ينقادون بضعفهم الإنساني.

الفصل الثّالث:6 يقتبس بولس هنا من التوراة، سفر التكوين 15: 6.

الفصل الثّالث:7 ترتبط هوية الناس في المجتمع اليهودي ارتباطًا وثيقًا بعلم الأنساب الخاصّ بهم. لكن الحواري بولس يشير إلى أن الانتساب الصحيح للنبي إبراهيم هو الانتساب المبني على الثقة بالله الذي أقام سيدنا عيسى حيًّا من بين الأموات. فإبراهيم (عليه السّلام) لم يكن يهوديًّا ولكن الله قبله بسبب إيمانه وتوكّله عليه. ودون هذا الإيمان والتوكّل على الله، يكون الانتساب العرقيّ للنّبي إبراهيم فاقد للأهميّة.

§الفصل الثّالث:8 التوراة، سفر التكوين 12: 3

*الفصل الثّالث:10 يقتبس الحواري بولس من التوراة، من سفر التثنية 27: 26. جاء أيضًا في سفر التثنية ذكر بركات الطاعة لشريعة النبي موسى مذكورة في 28: 1- 14، أما لعنات العصيان فمذكورة في 28: 15‏-68. ويعتقد بعضُ المفسّرين أنّ بولس يريد القول إنّ اليهود تصيبهم اللعنة ما لم يتّبعوا وصايا التوراة بشكل كامل. لكن ذلك غير صحيح، لأن شريعة موسى (عليه السّلام) تنصّ على التكفير عن الخطايا، والتوبة، والغفران من خلال النظام القرباني في حرم بيت الله. وهذا هو سبب وصف بولس نفسه بأنه كان “بلا عيب” قبل أن يهتدي إلى الإيمان بالسيد المسيح (انظر فيليبي 3: 6). إنما يقول بولس إنّ أصحاب النظرة الإقصائية القومية الضيقة لميثاق الله يسيئون التعاطي مع جوهر تعاليم شريعة موسى، حيث تمثل الثقة والتوكل على الله أساس العلاقة بين الله والبشر. ويؤكّد في 3: 12 أن وصايا التوراة نزلت لمساعدة الناس على التعبير عن توكلهم وطاعتهم لله بشكل عملي. لكن معارضي بولس كانوا يفضّلون اتّباع بعض التقاليد اليهودية من أجل التفاخر أنهم شعب الله المختار، واستخدموا هذه التقاليد لإقصاء الشعوب الأخرى، وهكذا حاولوا منع بقية الشعوب من إمكانية الإيمان والتوكل على الله، خاصّة أن الله وعد أن يبارك هؤلاء من خلال النبي إبراهيم (عليه السّلام). وهؤلاء اليهود يُنكرون جوهر ميثاق الله ألا وهو ورحمة الله ووعوده، وبذلك تصيبهم اللعنة كما جاء في شريعة موسى (عليه السّلام).

الفصل الثّالث:11 يقتبس بولس هنا من كلمات النّبي حبقوق (2: 4)، وقد قالها قبل أن يغزو البابليون بني إسرائيل بفترة قصيرة. لقد وعد الله أنّه سيحفظ حياة كلِّ من يتوكّل عليه رغم ما سيصيب الشّعب من كوارث. وقد اقتبس بولس هذه الآية ليحثّ المؤمنين على الإيمان بالله والتوكّل عليه كَسِمَة ملازمة لحياتهم من البداية إلى النهاية، أي أنّ مفتاح العلاقة مع الله هو التوكّل عليه والإيمان به، وليس الوفاء لبعض التقاليد.

الفصل الثّالث:12 يقتبس بولس هذا المقطع من التوراة، سفر اللاّويين 18: 5، والغاية منه هي وصف سلوك المؤمن المنتمي إلى ميثاق الله. جاءت شريعة النّبي موسى كوسيلة لتنظّم الحياة في إطار الميثاق، لا كأساس للميثاق نفسه، وتهدف إلى المحافظة على كيان شعب بني يعقوب حتّى لا يتوهوا ويتشتّتوا في العالم. والحياة الرّضيّة عند بولس لا تكون بالانتماء إلى شعب بني يعقوب بل بالإيمان بالله والتوكّل عليه.

§الفصل الثّالث:13 ذُكرت اللّعنة المشار إليها هنا في الآية 10. ويقتبس بولس هنا من التوراة، سفر التثنية 21: 23. إنّ كلّ من يخلُّ بالميثاق يجلب لنفسه اللّعنة والاستبعاد من شعب الميثاق.

*الفصل الثّالث:14 ما دام الغريب مستبعدًا من أهل الميثاق، فإن غير اليهود لا نصيب لهم في البركات الخاصّة بأهل الميثاق أي اليهود. لكنّ غطرسة بني يعقوب مع إحساسهم بالتّفرّد والتّفوّق على بقيّة الأمم جعلتهم خارج الميثاق لأنهم أساءوا فهم جوهره وحجر أساسه، ألا وهو الثّقة بالله والتوكّل عليه.

الفصل الثّالث:15 يمكن تعديل الميثاق من قبل الطّرفين المعنيّين، ولكن لا دخل لطرف ثالث في ذلك. ويريد بولس أن يبيّن أنّ شريعة النّبي موسى هي الطّرف الثّالث فلا تأثير لها على ميثاق النّبي إبراهيم.

الفصل الثّالث:16 تشير كلمات بولس عن نسل النبي إبراهيم إلى الميراث الذي وعد الله به النّبي إبراهيم (انظر التوراة، سفر التكوين 13: 15؛ 17: 8؛ 26: 3؛ 28: 4؛ 28: 13 و 35: 11‏-12). ومن المرجَّح أنّ بولس قد اقتبسها من سفر التكوين 35: 11‏-12، لأنّها تأكيد نهائي من الله على وعوده للنبي إبراهيم، وهي موجّهة إلى يعقوب (عليه السّلام) قبل انتقاله وابنائه إلى مصر بفترة وجيزة. وحدث كل هذا قبل نزول شريعة النبي موسى بـ 430 سنة.