الفصل الخامس
السّيّد المسيح أعظم من هارون وغيره من الأحبار
إنَّ كُلَّ رَئيسٍ للأَحبارِ إنّما هو رَجُلٌ تَمَّ تَعيينُهُ مِن بَينِ البَشَرِ إمامًا يَنوبُ عَنهُم عِندَ اللهِ العَظيمِ، فيَرفَعُ للهِ الأَضاحي والقَرابينَ لِلتَّكفيرِ عنِ الخَطايا. وهو مُعَرَّضٌ مِثلُهُم لِلضَّعفِ البَشَريّ، فقد يَعطِفُ على النّاسِ الغافِلينَ الضّالّينَ. لذا عليهِ أن يُقَدِّمَ القَرابينَ، تَكفيرًا عَمّا اقتَرَفَهُ مِنَ ذُنوبٍ، وبَعدَ ذلِكَ يُكَفِّرُ عَن خَطايا الأَنامِ. ولم يَكُن لأحَدٍ أن يَتَّخَذَ لنَفسِهِ هذِهِ المَكانةَ الشَّريفةَ مِن تِلقاءِ نَفسِهِ، بَل كانَ اللهُ هو الّذي يَختارُ مَن يُريدُ لهذِهِ المَكانةِ، كَما اختارَ سَيِّدَنا هارونَ كَبيرًا للأَحبارِ.
وكذلِكَ السَّيِّدُ المَسيحُ لم يَرفَع نَفسَهُ ليَكونَ كَبيرَ الأحبارِ، بَلِ اللهُ هو الّذي اختارَهُ لذلِكَ، إذ قالَ في الزَّبورِ: “أنتَ أقرَبُ إليّ مِن الابنِ لأبيهِ، واليَومَ على العَرشِ أجلَسناكَ”.* كتاب الزبور، مزمور 2: 7. وقالَ عَنهُ في المَزاميرِ أيضًا: “إنَّكَ أَنتَ حَبرٌ إلى الأَبَدِ، على نِظامِ المَلِكِ صادِقٍ”. كان الملك صادق ملكا ورجلَ دينٍ معاصرا للنبي إبراهيم (انظر التوراة، سفر التكوين 14: 17 ومزمور 104: 4). يقارنُ الكاتبُ بين السيد المسيح والملك صادق من خلال اقتباسه من المقطع الأخير من مزمور 110: 4. وهذه المقارنة تعني أنّ السيد المسيح رجل دين وملك في آن، وهذا يختلف عمّا أوردته المجموعة التي ألَّفت مخطوطات البحر الميّت قائلين إنّ كبير الأحبار المختار يختلف عن الملك المسيح المختار، وميّزوا بينهما إذ توقّعوا أن يكون كبير الأحبار من سلالة لاوي بن يعقوب (عليه السّلام) بينما كان المسيح من سلالة يهوذا بن يعقوب (انظر هذه الرسالة 7: 14). فَكِلا الملكين صادقٌ وسيدُنا المسيح كانا فريدين في التاريخ اليهودي، لأنهّما ملكان ورجُلا دين في الآن ذاته ولا ينحدران من سلالة لاوي، تلك السلالة المختارة لتعيين أحبار بني يعقوب.
وحينَما كانَ السَّيِّدُ المَسيحُ في هذِهِ الدُّنيا، كانَ يَرفَعُ إلى اللهِ أَدعيةً وَتَضَرُّعاتٍ، بِصُراخٍ شَديدٍ ودُموعٍ ساجِمَةٍ، وكانَ يَعلَمُ أنّ اللهَ قادِرٌ أَن يَبعَثَهُ مِنَ المَوتِ، فاستَجابَ لهُ لِتَقواهُ. ومَعَ أنّه الابنُ الرُّوحيُّ للهِ، فقد تَحَمَّلَ الآلامَ كَما أرادَ لهُ تَعالى، وهكذا أدرَكَ مَعنى الخُضوعِ للهِ. فأتَمَّ غايتَهُ وأصبَحَ قادِرًا على إنقاذِ تابِعيهِ إلى الأبَدِ، 10 لأَنَّ اللهَ جَعَلَهُ كَبيرَ الأحبارِ على نِظامِ المَلِكِ صادِقٍ.
الدّعوة إلى الرّسوخ في الإيمان
11 وقد يَطولُ الحَديثُ حَولَ هذا الشأنِ، لكن يَصْعَبُ تَفسيرُهُ لكُم لأنَّكُم لا تُبالونَ بِهِ. 12 كانَ عليكُم الآنَ أن تَكونوا قادِرينَ على هِدايةِ سائرِ النّاسِ، بَعدَ مُضيّ زَمانٍ على اهتِدائِكُم، ولكنَّكُم تَحتاجونَ إلى مَن يُذَكِّرُكُم أُصولَ رِسالةِ اللهِ مِن جَديدٍ. لأنّكُم ما زِلتُم في الإيمانِ أطفالاً تَحتاجونَ إلى الحَليبِ، لا إلى الطَّعامِ القَويّ. 13 إنّ مَن لم يَنضُج في الإيمانِ بَعدُ، يَكونُ كالطِّفلِ الرَّضيعِ تَنقُصُهُ الخِبرَةُ لفِعلِ الخَيرِ، 14 أَمّا القادِرونَ على التَّمييزِ بَينَ الخَيرِ والشَّرِّ بِالمُمارَسةِ، فإنَّهُم تَمامًا كَالبالِغينَ القادِرينَ على هَضمِ الطَّعامِ القَوّي بسُهولةٍ.

*الفصل الخامس:5 كتاب الزبور، مزمور 2: 7.

الفصل الخامس:6 كان الملك صادق ملكا ورجلَ دينٍ معاصرا للنبي إبراهيم (انظر التوراة، سفر التكوين 14: 17 ومزمور 104: 4). يقارنُ الكاتبُ بين السيد المسيح والملك صادق من خلال اقتباسه من المقطع الأخير من مزمور 110: 4. وهذه المقارنة تعني أنّ السيد المسيح رجل دين وملك في آن، وهذا يختلف عمّا أوردته المجموعة التي ألَّفت مخطوطات البحر الميّت قائلين إنّ كبير الأحبار المختار يختلف عن الملك المسيح المختار، وميّزوا بينهما إذ توقّعوا أن يكون كبير الأحبار من سلالة لاوي بن يعقوب (عليه السّلام) بينما كان المسيح من سلالة يهوذا بن يعقوب (انظر هذه الرسالة 7: 14). فَكِلا الملكين صادقٌ وسيدُنا المسيح كانا فريدين في التاريخ اليهودي، لأنهّما ملكان ورجُلا دين في الآن ذاته ولا ينحدران من سلالة لاوي، تلك السلالة المختارة لتعيين أحبار بني يعقوب.