الفصل الثّاني
العرس ومعجزة في بلدة قانا
وفي اليومِ الثّالثِ بَعدَ اللِّقاءِ الأوّلِ لسَيِّدِنا عِيسَى بحَواريِّيهِ، أُقِيم عُرسٌ في بَلدةِ قانا في الجَليلِ، وكانَت مَريمُ أُمُّ عِيسَى (عليها السّلام) هُناكَ، وسَيِّدُنا عِيسَى (سلامُهُ علينا) وأتباعُهُ أيضًا مِن بَينَ المَدعوِّينَ. وقد نَفِدَ الشَّرابُ خِلالَ الاحتِفالاتِ فقالَت مَريمُ (عليها السّلام) لسَيِّدِنا عيسى: “نَفِدَ الشَّرابُ عِندَ أهلِ العُرس”.* كان نقص الشراب في احتفال العرس عيبا كبيرا. فإذا نفد الشراب ليلة العرس أو لم يكن هناك فائض منه يوزّع على الحاضرين على مدى سبعة أيام كما كان شائعًا، أصبح صاحب العرس محلّ سخرية القوم لسنوات. ولقد كان سكن النساء أثناء الحفل بجانب مكان تخزين الشراب، لذلك علمت مريم (عليها السلام) بنقص الشراب قبل وصول سيدنا عيسى (سلامُهُ علينا) مع بقيّة الرجال. وكلماتها هنا تشير إلى أنّ على سيدنا عيسى تقديم شيء، إذ كان من العُرف أن يقدّم أصدقاء العريس هداياهم لمساعدته في تغطية تكاليف العرس. والعريس هنا بحاجة إلى مزيد من الهدايا للنقص الحاصل في كميّة الشراب. فأجابَها بقولِهِ: “أيا أُمّاهُ، لِمَ تُريدينَ مِنّي أن أتَدَخّلَ؟ لم يَحِنِ الوَقتُ المُناسِبُ لي بَعدُ!” إلاّ أنّها أدرَكَت أنّهُ سيُلبّي ولا شَكَّ طَلَبَها فأمَرَت الخَدَمَ قائلةً: “اعمَلوا ما يُشيرُ بِهِ عليكُم”. وكانَت هُناكَ سِتُّ جِرارٍ حَجَريّةٍ سِعَةُ كُلِّ واحدةٍ مِنها ما بَينَ مِكيالَيْنِ أو ثلاثةٍ مِن الماءِ، أيّ ما يعادل تقريبا ثمانين إلى مئة وعشرين لترًا. اعتادَ اليَهودُ التَّطهُّرَ بها حَسَبَ شَريعتِهِم، فتَوَجَّهَ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) إلى الخَدَمِ بقَولِهِ: “اِملَؤوا الجِرارَ بالماءِ” ففَعَلوا حتّى فاضَت. ثُمّ تابَعَ قائلاً: “اغرِفوا مِنها وقَدِّموا للمَسؤولِ عَن الوَليمةِ”. فقَدَّمُوها لهُ وقد تَحَوَّلَت شَرابًا. فلمّا تَذَوّقَهُ، وهو يَجهَلُ مَصدَرَهُ، تَحَيَّرَ في الأمرِ، إلاّ أنّ الخَدَمَ أدرَكوا سِرَّهُ. 10 فنادى مَسؤولُ الوَليمةِ العَريسَ وقالَ لهُ: “كُلُّ النّاسِ يُقدِّمُونَ جَيِّدَ الشَّرابِ أوّلاً ثُمّ ما دونَهُ جَودةً بَعدَ أن يَكونَ قد أخَذَ مِنَ الحاضِرينَ مأخَذَهُ. أمّا أنتَ فقد خَبّأتَ الشَّرابَ الجَيّدَ إلى الآن”. لم يكن تخمير عصير العنب، في ذلك الوقت، يجعل عصير العنب المخمّر مسكرا إلى الدرجة التي هو عليها اليوم، حيث نسبة الكحول فيه كبيرة. ففي ذلك الوقت، كانت نسبة الكحول في عصير العنب المخمّر ضئيلة (نظرًا لعدم وجود الطرق الاصطناعية في التخمير). هذا إضافةً إلى أنّ عصير العنب المخمّر كان يُخلط بكميّة كبيرة من الماء التي تزيد من تقليل نسبة الكحول فيه. وهذا يعني أنّ من يتناول ذلك الشراب لا يَسكر، إلاّ بعد شرب كميّة كبيرة منه. وكان العُرف يقتضي تقديم الشراب الجيّد في بداية تلك الأيّام والأقل جودةً في نهايتها حتّى لا يستطيع أحد التمييز بين الصنفين. 11 وقد كانَت تِلكَ المُعجِزةُ في قَريةِ قانا أُولى مُعجِزاتِ سَيّدِنا عيسى (سلامُهُ علينا) الّتي أظهَرَتْ مَقامَهُ الرَّفيعَ عِندَ اللهِ، فآمَنَ أتباعُهُ بأنّهُ المَسيحُ المُنتَظَرُ. 12 ثُمّ تَوَجَّهَ عيسى (سلامُهُ علينا) بَعدَ العُرسِ إلى قَريةِ كَفْرَناحوم برِفقَةِ مَريمَ وإخوتِهِ وأتباعِهِ، وفيها أقامُوا أيّامًا قليلةً.
عيسى (سلامُهُ علينا) يطرد التّجار من حرم بيت الله
13 ثُمَّ مَعَ اقتِرابِ عِيدِ الفِصْحِ اليَهوديّ صَعِدَ إلى المَدينةِ المُقدَّسةِ، وتَوَجَّهَ إلى حَرَمِ بَيتِ اللهِ. 14 وهُناكَ وَجَدَ بَعضَ النّاسِ يَعرِضونَ البَقَرَ والغَنَمَ والحَمامَ للبَيعِ بغَرَضِ تَقديمِها ذَبائحَ وقَرابين، وقد جَلَسَ آخرُونَ لتَصريفِ العُملاتِ.§ كانت تُقدّم قطعان البقر والغنم وأزواج الحمام أضحيات في حرم بيت الله. وكان من المفترض أن تكون موجودة في ذلك المكان عوض أن يأتي بها القادمون من مكانٍ بعيد معهم. وكان مكان تجّار المواشي يقع فيما مضى خارج الحرم على منحدر جبل الزيتون. إلاّ أنّهم انتقلوا فيما بعد إلى الحرم خدمةً للقادمين لتقديم الأضحيات. وأمّا الصيارفة، فكان عملهم منحصرًا في تبديل العملات الرومانية واليونانية بالعملات اليهودية، وذلك لوجود رسوم وجوه على تلك العملات، فقد كان محرّمًا تقديمها كصدقة في الحرم الشريف لأنّها ترمز إلى الوثنية. 15 فما كانَ مِنهُ (سلامُهُ علينا) إلاّ أن صَنَعَ سَوطًا مِنَ الحِبالِ وطَرَدَهُم ومَواشيَهُم مِنَ الحَرَمِ الشَّريفِ، ثُمَّ بَعثَرَ نُقُودَ الصَّيارِفةِ وقَلَبَ مَناضِدَهُم، 16 وذَهَبَ إلى تُجّارِ الحَمامِ وقالَ لهُم: “غَادِروا هذا المَكانَ مَعَ طيُورِكم! أهكذا تُحَوِّلونَ بَيتَ اللهِ أبي الصَّمَدِ إلى سُوقٍ؟!” 17 هُنا تَذَكَّرَ أتباعُهُ ما وَرَدَ في الزَّبُور: “الغَيرةُ على بَيتِكَ يا اللهُ تَشتَعِلُ في قَلبي مِثلَ نارٍ”. 18 فقالَ لهُ رُؤساءُ اليَهودِ: “هلاّ تُظهِرْ لنا مُعجِزةً تُثبِتُ مِن خِلالِها بأنّ لَديكَ السُّلطةَ مِنَ اللهِ على فِعلِ ما فَعَلتَ!” 19 فأجابَهُم (سلامُهُ علينا): قُوموا بهَدمِ هذا الهَيكلِ فَأعِيدُ بِناءَهُ في ثَلاثةِ أيّامٍ”. 20 فرَدّوا عليهِ بقولِهِم: “لقد شُيِّدَ هذا البِناءُ في سِتّةٍ وأربعينَ عامًا، فكَيفَ تُعيدُ بِناءَهُ أنتَ في ثَلاثةِ أيّامٍ؟” 21 إلاّ أنّ سَيِّدَنا عِيسَى (سلامُهُ علينا) كانَ يَعني بالهَيكلِ جَسَدَهُ، وبإعادةِ البِناءِ انبِعاثَهُ مِنَ الموتِ. 22 وفيما بَعدَ، عِندَما انبَعَثَ (سلامُهُ علينا) مِن موتِهِ ورُفِعَ، تَذَكَّرَ أتباعُهُ ما قالَهُ عن الهَيكلِ، فازدادوا إيمانًا بكِتابِ اللهِ وبتَعاليمِ سَيِّدِنا عيسى (سلامُهُ علينا).
23 وفي القُدسِ، أثناءَ عِيدِ الفِصحِ، آمَنَ الكَثيرونَ مِمَّن شَهِدوا مُعجزاتِهِ، بأنّهُ المَسيحُ المُنتَظَرُ. 24 إلاّ أنّهُ لم يَكُن آمِنًا على نفسِهِ مَعَهُم، لأنّهُ كانَ يَعرِفُهُم جَميعًا وما يُضمِرونَ، 25 فهو لم يَكُن بحاجةٍ إلى مَن يُطلِعُهُ على دَخيلةِ الإنسانِ.

*الفصل الثّاني:3 كان نقص الشراب في احتفال العرس عيبا كبيرا. فإذا نفد الشراب ليلة العرس أو لم يكن هناك فائض منه يوزّع على الحاضرين على مدى سبعة أيام كما كان شائعًا، أصبح صاحب العرس محلّ سخرية القوم لسنوات. ولقد كان سكن النساء أثناء الحفل بجانب مكان تخزين الشراب، لذلك علمت مريم (عليها السلام) بنقص الشراب قبل وصول سيدنا عيسى (سلامُهُ علينا) مع بقيّة الرجال. وكلماتها هنا تشير إلى أنّ على سيدنا عيسى تقديم شيء، إذ كان من العُرف أن يقدّم أصدقاء العريس هداياهم لمساعدته في تغطية تكاليف العرس. والعريس هنا بحاجة إلى مزيد من الهدايا للنقص الحاصل في كميّة الشراب.

الفصل الثّاني:6 أيّ ما يعادل تقريبا ثمانين إلى مئة وعشرين لترًا.

الفصل الثّاني:10 لم يكن تخمير عصير العنب، في ذلك الوقت، يجعل عصير العنب المخمّر مسكرا إلى الدرجة التي هو عليها اليوم، حيث نسبة الكحول فيه كبيرة. ففي ذلك الوقت، كانت نسبة الكحول في عصير العنب المخمّر ضئيلة (نظرًا لعدم وجود الطرق الاصطناعية في التخمير). هذا إضافةً إلى أنّ عصير العنب المخمّر كان يُخلط بكميّة كبيرة من الماء التي تزيد من تقليل نسبة الكحول فيه. وهذا يعني أنّ من يتناول ذلك الشراب لا يَسكر، إلاّ بعد شرب كميّة كبيرة منه. وكان العُرف يقتضي تقديم الشراب الجيّد في بداية تلك الأيّام والأقل جودةً في نهايتها حتّى لا يستطيع أحد التمييز بين الصنفين.

§الفصل الثّاني:14 كانت تُقدّم قطعان البقر والغنم وأزواج الحمام أضحيات في حرم بيت الله. وكان من المفترض أن تكون موجودة في ذلك المكان عوض أن يأتي بها القادمون من مكانٍ بعيد معهم. وكان مكان تجّار المواشي يقع فيما مضى خارج الحرم على منحدر جبل الزيتون. إلاّ أنّهم انتقلوا فيما بعد إلى الحرم خدمةً للقادمين لتقديم الأضحيات. وأمّا الصيارفة، فكان عملهم منحصرًا في تبديل العملات الرومانية واليونانية بالعملات اليهودية، وذلك لوجود رسوم وجوه على تلك العملات، فقد كان محرّمًا تقديمها كصدقة في الحرم الشريف لأنّها ترمز إلى الوثنية.