الفصل الخامس عشر
مَثَل الكرم والأغصان
1‏-2 وأثناءَ الطَّريقِ استَكمَلَ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) حَديثَهُ قائلاً: “أنا الكَرمُ الحَقُّ، واللهُ أبي الصَّمَدُ هو صاحِبُهُ الّذي يَقطَعُ عَقيمَ الأغصانِ، ويُبقي المُثمِرَ مِنها فيُشَذِّبُهُ ويُنَقِّيهِ حتّى يُثمِرَ أكثرَ وأفضَلَ. أنتُم أنقياءُ ومُشَذَّبونَ بسبَبِ تَعاليمي الّتي أُخاطِبُكم بها. فاُثبُتوا فيَّ كَما أثبُتُ أنا فيكُم. ومِثلَما لا يُثمِرُ الغُصنُ إذا كانَ مُنفَصِلاً عن جِذعِ الشَّجَرةِ، فكذلِكَ أنتُم، لا تُثمِرونَ إن لم تَثبُتوا فيَّ. فأنا الكَرمةُ وأنتُم أغصاني، ومَن ثَبَتَ فيَّ وأنا فيهِ أَثمَرَ خَيرًا كثيرًا. أمّا بمَعزلٍ عنّي فأنتُم عَقيمونَ. وكُلُّ مَن يَنفَصِلُ عنِّي يُرمى بِهِ بَعيدًا كالعُودِ الجافِّ الّذي يَنتَظِرُ حَرقَهُ. وإن ثَبَتُّم مُخلِصينَ لي وَثَبَتَ كَلامي فيكُم، فإنّ لكُم ما تَطلُبونَ مِنَ الله. وإن داوَمتُم على الصّالحِ مِنَ الأعمالِ، أبَنتُم بذلِكَ أنّكُم أتباعي حَقًّا، وعَظَّمتُم شأنَ اللهِ أبي الصَّمَدِ”.
ثُمَّ أضافَ (سلامُهُ علينا) قائلاً: “أحبَبتُكُم كَما أحبَّني اللهُ الأبُ الرَّحمنُ، فاثبُتوا على مَحَبّتي ولا تَدَعوا أيّ حاجِزٍ يَفصِلُكُم عَنها. 10 أنا أُفيضُ عَليكُم مِن مَحَبَّتي، كَما يُفيضُ اللهُ أبي الصَّمَدُ عليَّ مِن مَحَبّتِهِ، وأنا أعمَلُ بوصاياهُ وأَستَمِرُّ في مَحَبَّتِهِ، فاعمَلوا أنتُم بوَصاياي لكي تَستَمِرُّوا في مَحَبّتي. 11 وما قَولي هذا إلاّ لتَفرَحوا مِثلي ويَفيضَ فَرَحُكُم. 12 هذِهِ هي وَصيَّتي لكُم، فتَمَسَّكوا بها واحفَظوها: أحِبُّوا بَعضُكُم بَعضًا كَما أحبَبتُكُم أنا، 13 ولَيسَ مِن مَحَبّةٍ يَهَبُها المُحِبُّ أعظَمَ مِن تَضحِيتِهِ بنَفسِهِ في سَبيلِ مَن يُحِبُّ. 14 إن كُنتُم عَمِلتُم بتَعاليمي فأنتُم أحبابي، 15 ولن أدعُوكم بَعدَ الآنَ عَبيدًا، لأنّ العَبدَ مُنفصِلٌ عن سَيِّدِهِ جاهلٌ بأعمالِهِ، ولكنّني أدعُوكُم أحبابي وقد كَشَفتُ لكُم كُلَّ ما أبانَهُ لي اللهُ أبي الصَّمَدُ مِن حَقائقَ. 16 ولا يَذهبَنَّ بكُم الظَّنُّ إلى أنَّكُم أنتُم اختَرتُموني بل أنا مَنِ اختارَكُم لتَكونوا مِمَّن يُثمِرُ أعمالاً يَدومُ تأثيرُها إلى الأبَدِ، فيَمنَحُكُم اللهُ الأبُ الرَّحمنُ بذلِكَ كُلَّ ما تسألُونَهُ باسمي. 17 تِلكَ هي وَصيَّتي أُكَرِّرُها عليكُم: أحِبُّوا بَعضُكم بَعضًا.
كراهية أهل الدّنيا لأتباع عيسى (سلامُهُ علينا)
18 وتابَعَ (سلامُهُ علينا) حَديثَهُ مَعَ أتباعِهِ قائلاً: “لئن كَرِهَكُم أهلُ الدُّنيا، فاعلَمُوا أنّهُم قد كَرِهوني قَبلَكُم! 19 ولو كُنتُم مِن أهلِ الدُّنيا، لأحَبُّوكُم كَما أحبُّوا عَبيدَها، ولقد انتقَيتُكُم وفَصَلتُكُم عَنهُم فأنتُم لستُم مِثلَهم، لذلِكَ يُبغضونَكُم. 20 واذكُروا ما كُنتُ قد حَدَّثتُكُم بِهِ: “لَيسَ العَبدُ أعظَمَ مِن سَيِّدِهِ”. فإنِ اضطَهَدَني أهلُ الدُّنيا، فسيَضطَهِدُونَكُم، وإن عَمِلوا برِسالتي، فسيَعمَلونَ بتَعاليمِكُم. 21 وما تَشريدُكُم وتَعذيبُكُم إلاّ لأنّكُم أتباعي، لأنّهُم يَجهَلونَ اللهَ الّذي أرسَلَني. 22 وما كانَ عليهِم مِن وِزرٍ لو لم أُبعثْ فيهِم، ولكن لا عُذرَ لهُم بَعدَ الآنَ وقد بُعِثتُ فيهِم وكَلّمتُهُم. 23 مَن يَكرَهُني يَكرَهِ اللهَ أبي الصَّمَدَ، 24 ولو لم أَعمَلْ بَينَهُم مُعجِزاتٍ لم يَعمَلهَا أَحَدٌ غَيري، لمَا كانَ عليهِم ذَنبٌ، ولكنّهُم أنكَروا المُعجِزاتِ الّتي رأوها ورَفَضوا أن يُؤمِنوا بي جُحُودًا واستِكبارًا، فكَرِهُوني وكَرِهُوا اللهَ أبي الصَّمَدَ. 25 وكانَ ذلِكَ كُلُّهُ تَصديقًا لِما جاءَ في الزَّبُورِ: “كَرِهُوني بلا سَبَبٍ”. 26 وعِندَما أُرسِلُ إليكُم المُعينَ، رُوحَ اللهِ الّتي تَخرُجُ مِن عِندِ اللهِ الأبِ الرَّحمنِ، فتُذَكِّرُكم بي. 27 فاشهَدوا لي أمامَ النّاسِ وادعُوهُم إليّ، لأنّكُم كُنتُم رُفقائي مُنذُ البدايةِ”.