الفصل التّاسع
عيسى (سلامُهُ علينا) يرسل الحواريّين
ثُمّ جَمَعَ (سلامُهُ علينا) حَواريّيهِ الاثنَي عَشَرَ* كان عدد الحواريين الذين اختارهم سيدنا المسيح هو نفس عدد عشائر بني إسرائيل (أي بني يعقوب). وأمَدَّهُم بقوّةٍ وسُلطانٍ يُمَكِّنُهُم مِن شِفاءِ المَرضى ومِن تَخليصِ النّاسِ مِن مَسِّ الجِنِّ والشَّياطينِ، ثُمّ بَعَثَهُم ليُعلِنوا في أنحاءِ البِلادِ بَيانَ قيامِ المَملَكةِ الرَّبّانيّةِ ولِيَشفوا كُلَّ سَقيمٍ، وقد أوصاهُم قائلاً: “لا تَأخُذوا مَعَكُم زادًا، ولا عَصًا ولا كيسًا ولا خُبزًا ولا نُقودًا ولا لِباسًا، فلا حاجةَ لكُم إلى كُلِّ ذلِكَ، فإذا وَصَلتُم إلى قَريةٍ، فأوَّلُ بَيتٍ يُرَحِّبُ بِكُم اُمكُثوا فيهِ ضُيوفًا إلى يَومِ تَرحَلونَ، القصد هنا البقاء في ذاك البيت لإعلان البشارة وليس القصد اختيار البيت الأنسب لطعام أتباعه أو الأفضل لراحتهم. أمّا القَريةُ الّتي لا يُقبِلُ أهلُها عليكُم ويَرفُضونَ رِسالتَكُم، فاترُكوها وانفُضُوا الغُبارَ عن أرجُلِكُم إنذارًا لهُم”. درج اليهود على نفض الغبار عند خروجهم من إحدى البلدات التي تعتنق الوثنية وذلك للتخلّص حسب زعمهم من نجاسة الوثنيين وعدم حملها إلى بلادهم. وقد طلب السيّد المسيح نفض الغبار عند الخروج من القرية اليهودية التي رفضهم أهلها، وهذا يعني أنّه (سلامُهُ علينا) شبّه أهل تلك القرية بالوثنيين الذين لا يستحقون أن يكونوا في مملكة الله. وهكذا انصَرَفَ الحَواريّونَ، وراحوا يَطوفونَ القُرى مُنتَقِلينَ مِن قَريةٍ إلى أُخرى، يُبرِئونَ المَرضى، ويَزِفّونَ إلى النّاسِ البُشرى في كُلِّ مَكانٍ.
تساؤل ابن هيرودس عن عيسى (سلامُهُ علينا)
وسَمِعَ الحاكِمُ أَنْتيباسُ بِن هيرودُس§ أنتيباس هو ابن الملك هيرودس الكبير، وقد تمّ تعيينه حاكمًا على منطقة الجليل ومنطقة جِلعاد، اللتين كانتا تعتبران إحدى مناطق فلسطين الأربع. بالأحداثِ الجِسامِ الّتي تَحدُثُ، وكانَ في حَيرةٍ مِن أمرِهِ لِمَا كانَ يَتَناقلُهُ النّاسُ، إذ مِنهُم مَن كانَ يَقولُ: “إنّ يَحيى قد بُعِثَ حيًا” وآخَرونَ يَقولونَ: “قد عادَ النَّبيُّ إلياسُ مِن غَيبتِهِ!”* كان هناك اعتقاد يسود بين اليهود بأنّ النبي إلياس (عليه السلام) الذي عاش منذ أكثر من 800 سنة ق.م. والذي لم يمت بل رفعته زوبعة إلى السماء، ليس إلاّ نبيّا غائبا وسيعود من غيبته قبل يوم الله العظيم المهيب. وذلك الاعتقاد كان مؤسّسًا على النبوءات التي أنبأ بها النبي ملاكي (عليه السّلام). وأخبَرَ آخَرونَ بأنّ: “نَبيًّا مِن الأنبياءِ الماضينَ قد عادَ إلى الحَياةِ مِن جَديدٍ”. واستَبَدَّت الحَيرةُ بابنِ هيرودُسَ مِمّا جَعَلَهُ يَقولُ: “على يَدَيّ قُطِعَ رأسُ يَحيى، فمَن هذا الّذي أسمَعُ عَنهُ مِثلَ هذِهِ الأخبارِ؟!” وجَعَلَ يُفَكِّرُ كَيفَ يَرى هذا الشَّخصَ الّذي يَتَحَدَّثونَ عنهُ.
إطعام خمسة آلاف من الناس
10 ورَجَعَ الحَواريّونَ إلى عيسى (سلامُهُ علينا) وأخبَروهُ بما صَنَعوا، فاصطَحَبَهُم جَميعًا للذَّهابِ بِنِيّةِ الاعتِكافِ بَعيدًا عَن النّاسِ في مِنطقةِ بَيتَ صَيدا. 11 إلاّ أن ذلِكَ لم يَحُل دونَ أن يَعرِفَ النّاسُ وِجهَتَهُ، فمَضَوا في إثرِهِ أفواجًا. فلم يَكُن مِن سَيِّدِنا عيسى (سلامُهُ علينا) إلاّ أن رَحَّبَ بِهِم، وأخَذَ يُحَدِّثُهُم عن المَملَكةِ الرَّبّانيّةِ الّتي وَعَدَ بها اللهُ، مُبرئًا مَن بِهِ حاجةٌ إلى ذلِكَ. 12 وقَبلَ الغُروبِ، أقبَلَ حَواريُّوهُ الاثنا عَشَرَ عليهِ وقالوا لهُ: “أيَا سَيِّدَنا، اصرِفْ هذِهِ الجُموعَ حتّى يَمضوا إلى القُرى والمَزارعِ المُجاورةِ، ويَنزِلوا فيها ليَجِدوا لأنفُسِهِم طَعامًا، فإنّنا في مَكانٍ مُنعَزِلٍ”. 13 ولكنّهُ (سلامُهُ علينا) أمَرَهُم قائلاً: “عليكُم بإطعامِهِم فهُم الضُّيوفُ”. فأجابوهُ: “وكَيفَ لنا ذلِكَ، ولا نَملِكُ إلاّ خَمسةَ أرغِفةٍ وسَمَكتَيْنِ؟ إلاّ إن طَلَبتَ أن نَمضيَ لنَشتَريَ طَعامًا يَكفيهُم جَميعًا؟!” 14 وكانَ عَدَدُ تِلكَ الجُموعِ يُقارِبُ الخَمسةَ آلافِ رَجُلٍ دونَ النِّساءِ والأطفالِ. فقالَ عيسى لِحَواريّيهِ: “أجلِسوهُم في مَجموعاتٍ تَضُمُّ كُلُّ مِنها خَمسينَ شَخصًا”. 15 فكانَ الأمرُ كَما أرادَ (سلامُهُ علينا). 16 ثُمّ أخَذَ تِلكَ الأرغِفةَ الخَمسةَ والسَّمَكتَينِ، ورَفَعَ نَظَرَهُ إلى السَّماءِ يَحمَدُ اللهَ على فَضلِهِ ونِعَمِهِ ثُمّ أخَذَ يُقَسِّمُ بيَدَيهِ الخُبزَ، ويُسَلِّمُهُ إلى أتباعِهِ فيُقَدِّمونَهُ إلى النّاسِ. 17 فأكَلَ الجَميعُ، وفاضَ مِمّا أكَلَهُ النّاسُ ما مَلأَ بِهِ أتباعُهُ اثنتَي عَشَرَة قُفّةً مِن كِسَر الخُبزِ.
شهادة بطرس الصخر
18 وذاتَ يومٍ، بَينَما كانَ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) في خَلوةٍ يُصَلّي، جاءَهُ أتباعُهُ فسألَهُم: “ماذا يَقولُ النّاسُ عنّي؟ وماذا يَرَونَ؟!” 19 فأجابوهُ: “يَظُنُّ بَعضُهُم أنّكَ يَحيى بِن زَكَريّا، ويَقولُ آخَرونَ إنّكَ إلياسُ أو نَبيٌّ مِن الأنبياءِ الأقدَمينَ وقد بُعِثَ مِن بَينِ الأمواتِ حيًّا”. 20 فالتَفَتَ إليهِم قائلاً: “وأنتُم ماذا تَقولونَ؟” فانبَرَى بُطرُسُ الصَّخرُ قائلاً: “إنّما أنتَ المَسيحُ مُختارُ اللهِ”.
إعلان عيسى عن موته وبعثه
21 ونَهى (سلامُهُ علينا) حَواريّيهِ أن يُشيعوا هذا السِرَّ في ذلِكَ الوَقتِ. 22 ثُمّ أخَذَ يُعلِنُ لهُم عَمّا سيُواجِهُهُ قائلاً: “إنّهُ لمَكتوبٌ على سَيِّدِ البَشَرِ أن يُقاسيَ آلامًا جَمّةً، ومُقَدَّرٌ عليهِ أن يَرفُضَهُ سادةُ القومِ وكِبارُ الأحبارِ وفُقَهاءُ التَّوراةِ، وقدَرُهُ أن يُقتَلَ، ثُمّ يَبعَثُهُ اللهُ في اليومِ الثّالثِ حيًّا مِن بَينِ الأمواتِ”.
23 ثُمّ خاطَبَهُم قائلاً: “مَن أرادَ أن يُصبِحَ مِن أتباعي، فعَلَيهِ أن يَتَخَلّى عن رَغَباتِهِ، وأن يُضَحّيَ بنَفسِهِ كُلَّ يومٍ فيَكونَ مُستَعِدًّا للمَوتِ على الصَّليبِ، هكذا يَستَحِقُّ أن يَكونَ مِن أتباعي. 24 إنّ مَن يُريدونَ الحِفاظَ على حَياتِهِم الدُّنيا فَأولئِكَ هُم الخاسِرونَ، ومَن يَخسَرونَها في سَبيلي فأولئكَ هُم الفائزونَ. 25 فأيَّ كَسبٍ تَكسِبونَ لو رَبِحتُم الدُّنيا كُلَّها وخَسِرتُم أنفسَكُم في الآخِرةِ؟! 26 وأقولُ إنّ مَن يَخجَلُ بذِكري وبِكَلامي، أخجَلُ أنا سَيِّدَ البَشَرِ أن أذكُرَهُ عِندَما أعودُ مُمَجَّدًا مِن اللهِ الأبِ الصَّمَدِ مُحاطًا بهَيبَتِهِ وهَيبةِ المَلائكةِ الأطهارِ. 27 وإنّي لمُخبِرُكُم حقًّا أنّ مِنكُم مَن لن يَذوقوا المَوتَ حتّى يُشاهِدوا بأعيُنِهِم قيامَ المَملَكةِ الرَّبّانيّةِ”. كان السيّد المسيح (سلامُهُ علينا) يشير بكلامه عن قيام المملكة الربّانية إلى بعثه من الموت وتتويجه بصفته المسيح الملك، وهو الحدث الذي سيتمّ بعد عام تقريبا.
تجلّي الابن الرّوحيّ لله
28 ثُمّ صَعِدَ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا)، بَعدَ أُسبوعٍ تَقريبًا مِن تِلكَ الأحداثِ، إلى جَبَلٍ للصَّلاةِ مُصطَحِبًا بُطرُسَ الصَّخر ويوحَنّا ويَعقوبَ. 29 وفيما هو يُصَلّي تَغَيَّرَت مَلامِحُ وَجهِهِ، واكتَسَت ثيابُهُ ببَياضٍ ناصِعٍ يَلمَعُ في العَينِ كالبَرقِ، 30 وفَجأةً بَدا في المَشهَدِ رَجُلانِ مُحاطانِ بِهالةٍ مِن الهَيبةِ والوَقارِ، هُما النَّبيّانِ موسى وإلياسُ، كان كلّ من النبي موسى وإلياس قائدين مهمّين لبني يعقوب. وذكرهما هنا بمثابة استحضار التوراة وكتب الأنبياء. 31 وأخَذا يُحَدِّثانِهِ عن قُربِ مَنيّتِهِ الّتي قَدَّرَها اللهُ عليهِ في بَيتِ المَقدِسِ.
32 وقَبلَ قُدومِ النَّبيَينِ كانَ النُّعاسُ قد غالَبَ بُطرُسَ الصَّخر وصاحبَيهِ فنَاموا، ثُمَّ استَيقَظوا على مَهابةِ مَشهَدِ عيسى والنَّبيَينِ الواقفَينِ مَعَهُ. 33 وبَينَما هُما يُفارِقانِهِ، تَوَجَّهَ صَخرُ إلى عيسى (سلامُهُ علينا) بالقَولِ: “أيا مَولانا، إنّ وُجودَنا هُنا في غايةِ الحُسنِ، فلْنُقِم ثَلاثةَ مَقاماتٍ هُنا: لكَ مَقامٌ ولموسى مَقامٌ ولإلياسَ مَقامٌ”.§ كان بطرس يعتبر أنّه على النبي إلياس أن يقيم على الأرض لبعض الوقت بعد رجوعه من الغيب، حسب الاعتقاد السائد بين الناس. لذا استحسن بناء مقام لإلياس ولموسى وعيسى أيضًا. 34 وكانَ صَخرُ لا يَدري ما يَقولُ، إلاّ أنّهُ أثناءَ كَلامِهِ أقبَلَت عليهِم غَيمةٌ وظَلَّلَتْهُم. فارتاعوا لذلِكَ، 35 وسَمِعوا صَوتًا مِن السَّماءِ يُخاطِبُهُم قائلاً: “هُوَذا المُصطَفى الابنُ الرُّوحيُّ لي، فعَليكُم السَّمعُ لهُ والطّاعةُ!” 36 وبَعدَ اختِفاءِ الصَّوتِ، رأَوا سَيِّدَنا عيسى (سلامُهُ علينا) واقِفًا وَحدَهُ. ومَضَوا ولم يَبوحوا لأحَدٍ بما حَصَلَ مَعَهُم إلاّ بَعدَ حينٍ.
إبراء ممسوس
37 وعِندَ نُزولِهِم في اليَومِ التّالي مِن الجَبَلِ، وَجَدوا جُموعًا غَفيرةً مِن النّاسِ بِانتِظارِهِم لاستِقبالِهِم. 38 وانبَرَى رَجُلٌ مِن بَينِ الحُشودِ قائلاً لعيسى (سلامُهُ علينا): “أيُّها المُعَلِّمُ، أرجوكَ الرّأفةَ بابني وَحيدي! 39 فقد استَولَى عليهِ شَيطانٌ يَصرَعُهُ بَينَ الحينِ والآخَر، وكُلّما تَمَلَّكَهُ جَعَلَهُ يَصرُخُ ويَتَخَبَّطُ إلى أن يُرغِيَ ويُزبِدَ فيُصابَ جَسَدُهُ بالرُّضوضِ ولا يُفارِقُهُ إلاّ بَعدَ أن يُنهِكَهُ تَمامًا. 40 وقد تَوَسَّلتُ لأنصارِكَ لتَخليصِهِ مِنهُ، ولكنّهُم عَجَزوا عن ذلِكَ”.
41 فقالَ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) مُخاطِبًا مَن حَولَهُ: “أيُّها النّاسُ، أنتُم بَعيدونَ عن رَبِّكُم وضالّونَ، فإلى مَتى يَنبَغي أن أبقَى مَعَكُم وإلى أيِّ مَدًى يُمكِنُني أن أحتَمِلَكُم؟” والتَفَتَ إلى والِدِ الصَّبيِّ قائلاً: “هاتِ ابنَكَ”. 42 وفيما هو مُقبِلٌ على عيسى (سلامُهُ علينا) استَولَى الشَّيطانُ عليهِ فأوقَعَهُ أرضًا وجَعَلَهُ يَتَخَبّطُ. فزَجَرَ (سلامُهُ علينا) ذلِكَ الشَّيطانَ الّذي انسَلَّ مُنصاعًا، وبذلِكَ أنقَذَ (سلامُهُ علينا) الصَّبيَّ، وأعادَهُ إلى أبيهِ مُعافىً، 43 ووَقَفَ النّاسُ مَذهولينَ أمامَ مَشهَدِ عَظَمةِ اللهِ.
عيسى (سلامُهُ علينا) يؤكّد نبوءة موته
44 وبَينَما كانَ العَجَبُ آخِذًا مأخذَهُ مِن الحُضورِ، تَوَجَّهَ (سلامُهُ علينا) إلى أتباعِهِ قائلاً: “أصغوا جَيّدًا إلى ما سأقولُ لكُم: إنّ سَيِّدَ البَشَرِ مُقَدَّرٌ عليهِ أن يُسَلَّمَ إلى قَبضةِ جَماعةٍ مِن النّاسِ”. 45 ولم يُدرِك أتباعُهُ مَعنى تِلكَ النُّبوءةِ الّتي بَقيَت مَحجوبةً عن أذهانِهِم، وقد حالَت الهَيبةُ دونَ أن يَسألوهُ عن مَعناها.
المؤمن الأهمّ درجة
46 وكانَ أن أخَذَ أتباعُهُ (سلامُهُ علينا) يَتَناقشونَ عن الأعظَمِ شأنًا فيما بَينَهُم. 47 وأدرَكَ (سلامُهُ علينا) حَقيقةَ طوايَاهُم. فاستَدعى طِفلاً وجَعَلَهُ بجانبِهِ 48 وقالَ: “مَن يَتَقَبَّلْ هذا الطِّفلَ إن أنا أرسَلتُهُ لكُم فقد قَبِلَني أنا، ومَن قَبِلَني فقد قَبِلَ اللهَ الّذي أرسَلَني. فإنّ أقَلَّكُم شأنًا في هذا الجَمعِ لهُوَ الأعظَمُ دَرَجةً في المؤمنينَ”.* يعتقد اليهود أنّ الأطفال الذين هم دون الثانية عشرة غير مؤهّلين لتعلّم التوراة، لذا كان يُعتبر قضاء الوقت معهم لهذا الغرض مَضْيَعةً.
49 وخاطَبَهُ يوحَنّا قائلاً: “مَولانا، كانَ هُناكَ شَخصٌ يَعمَلُ على إبراءِ النّاسِ مِن المَسِّ الشَّيطانيّ بقوّةِ اسمِكَ، وقد حاوَلنا أن نَمنَعَهُ مِن ذلِكَ لأنّهُ لَيسَ مِن جَماعتِنا”. 50 فأجابَهُ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) قائلاً: “يَنبَغي أن لا تَمنَعوهُ، فمَن لَيسَ ضِدَّكُم فهو مَعَكُم”.
رفض السّامريّين لعيسى المسيح
51 وعِندَ دُنُوِّ الوَقتِ المُحَدَّدِ لصُعودِهِ (سلامُهُ علينا) إلى السَّماءِ، تَوَجَّهَ مُيَمِّمًا وَجهَهُ شَطرَ بَيتِ المَقدِس، 52 مُرسِلاً أتباعَهُ أمامَهُ لتَهيئةِ السُّبُلِ لهُ قَبلَ مَقدَمِهِ، فدَخَلوا قَريةً مِن قُرى السّامريّينَ، كانت منطقة السامرة شمال مدينة القدس في ما يُسمّى الضفة الغربية اليوم. ولم يعترف السامريون بالقدس كمركز ديني لإقامة الصلاة وتقديم الذبائح، وبدلاً من ذلك أقاموا لهم مركزًا خاصًّا في جبل جرزيم الذي يقع قرب مدينة نابلس الآن. 53 إلاّ أنّ أهلَ تِلكَ القَريةِ رَفَضوهُ (سلامُهُ علينا) لأنّهُ كانَ مُتَوَجِّهًا إلى القُدسِ. 54 فقالَ حَواريّاهُ يَعقوبُ ويوحَنّا: “أيا سَيِّدَنا، أتأذنُ لنا فنَطلُبَ نارًا تَنزِلُ مِن السّماءِ فتُهلِكَهُم كَما فَعَلَ قَديمًا النَّبيُّ إلياسُ؟!” هؤلاء الأتباع يشيرون إلى حادثة معيّنة وهي أنّه عندما بعث الملك أخزيا بجنوده إلى النبي إلياس (عليه السّلام) لإحضاره إلى الملك، أجابهم إلياس، “إن كنت أنا نبي الله، فلتَنزل نار من السماء، وتحرقك والخمسين الذين معك”. وفي الحال نزلت النار وأحرقت الجنود (سفر الملوك الثاني 1: 10) وقد أحسّ أتباع السيّد المسيح بأنّ لهم الحقّ والسلطان لفعل الشيء نفسه مع هؤلاء الذين يعارضونهم، ولكن سيّدنا المسيح يعلّمنا أنّ الهدى من الله وأنّ الإيمان لا يكون بالقوّة والعنف وإن كانا إلهيين. 55 فالتَفَتَ إليهِما ونَهَرَهُما، 56 ومَضَوا إلى قَريةٍ أُخرى.
الإخلاص للسّيّد المسيح والأجر على ذلك
57 وفيما كانَ (سلامُهُ علينا) سائرًا وأتباعَهُ في طَريقِهِم إلى القُدسِ، قَدِمَ إليهِ شَخصٌ وقالَ لهُ: “سأمضِي مَعَكَ كواحدٍ مِن أتباعِكَ أينَما مَضيتَ!”§ يعني الرجل بهذه العبارات أنّه مستعدّ أن يكون أحد أتباع السيّد المسيح المخلصين. 58 فأجابَهُ بقَولِهِ: “للثَّعالِبِ أوجارُها وللطُّيورِ أعشاشُها، أمّا سَيِّدُ البَشَرِ فلا مأوَى لهُ يأوي إليهِ”. 59 وخاطَبَ (سلامُهُ علينا) شَخصًا آخَرَ قائلاً: “هَيّا وكُنْ مِن أتباعي”. فأجابَهُ ذلِكَ الشَّخصُ: “أيا سَيِّدي، أتُمهِلُني حتّى أنتَهيَ مِن مَراسِمِ دَفنِ والِدي؟” 60 إلاّ أنّهُ (سلامُهُ علينا) قالَ لهُ: “دَعْ دَفنَ المَوتى للأمواتِ رُوحيًّا مِن النّاسِ، أمّا أنتَ فعليكَ القيامُ بنَشرِ بَيانِ قيامِ مَملَكةِ اللهِ”.* كانت شعائر الدّفن عند اليهود في ذلك العصر تستمرّ سنة حتّى الدفن النهائي، لذا طلب منه هذا الشخص مهلة قد تمتدّ سنة كاملة. ولم يكن سيدنا المسيح (سلامُهُ علينا) غير مبال بواجب إكرام الولد لوالده، ولكنّه عرف أنّ هذا الشخص استعمل واجبه كعذر لعدم رغبته في اتّخاذ قرار بشأن اتّباع المسيح. 61 وقالَ آخَرُ لعيسى (سلامُهُ علينا): “يا سَيِّدي، سأكونُ مِن أتباعِكَ، ولكنْ دَعني أُوَدِّعُ أهلي وأقارِبي أوّلاً!” 62 فأجابَهُ (سلامُهُ علينا) بقَولِهِ: “مَن يَنظُرُ وَراءَهُ وهو يَحرِثُ، لا يَصلُحُ أن يَكونَ عُنصُرًا في المَملكةِ الرَّبّانيّةِ”. هذه العبارة إشارة إلى الذي لا يحرث وبصره ممتدّ ضمن خطّ مستقيم أمامه حتّى يكون الأخدود مستقيمًا. وهذا يشير إلى سلوك الشخص الذي يقرّر دون أن ينفّذ، ملتفتًا بأفكاره وراءه إلى طريقة حياته القديمة.

*الفصل التّاسع:1 كان عدد الحواريين الذين اختارهم سيدنا المسيح هو نفس عدد عشائر بني إسرائيل (أي بني يعقوب).

الفصل التّاسع:4 القصد هنا البقاء في ذاك البيت لإعلان البشارة وليس القصد اختيار البيت الأنسب لطعام أتباعه أو الأفضل لراحتهم.

الفصل التّاسع:5 درج اليهود على نفض الغبار عند خروجهم من إحدى البلدات التي تعتنق الوثنية وذلك للتخلّص حسب زعمهم من نجاسة الوثنيين وعدم حملها إلى بلادهم. وقد طلب السيّد المسيح نفض الغبار عند الخروج من القرية اليهودية التي رفضهم أهلها، وهذا يعني أنّه (سلامُهُ علينا) شبّه أهل تلك القرية بالوثنيين الذين لا يستحقون أن يكونوا في مملكة الله.

§الفصل التّاسع:7 أنتيباس هو ابن الملك هيرودس الكبير، وقد تمّ تعيينه حاكمًا على منطقة الجليل ومنطقة جِلعاد، اللتين كانتا تعتبران إحدى مناطق فلسطين الأربع.

*الفصل التّاسع:8 كان هناك اعتقاد يسود بين اليهود بأنّ النبي إلياس (عليه السلام) الذي عاش منذ أكثر من 800 سنة ق.م. والذي لم يمت بل رفعته زوبعة إلى السماء، ليس إلاّ نبيّا غائبا وسيعود من غيبته قبل يوم الله العظيم المهيب. وذلك الاعتقاد كان مؤسّسًا على النبوءات التي أنبأ بها النبي ملاكي (عليه السّلام).

الفصل التّاسع:27 كان السيّد المسيح (سلامُهُ علينا) يشير بكلامه عن قيام المملكة الربّانية إلى بعثه من الموت وتتويجه بصفته المسيح الملك، وهو الحدث الذي سيتمّ بعد عام تقريبا.

الفصل التّاسع:30 كان كلّ من النبي موسى وإلياس قائدين مهمّين لبني يعقوب. وذكرهما هنا بمثابة استحضار التوراة وكتب الأنبياء.

§الفصل التّاسع:33 كان بطرس يعتبر أنّه على النبي إلياس أن يقيم على الأرض لبعض الوقت بعد رجوعه من الغيب، حسب الاعتقاد السائد بين الناس. لذا استحسن بناء مقام لإلياس ولموسى وعيسى أيضًا.

*الفصل التّاسع:48 يعتقد اليهود أنّ الأطفال الذين هم دون الثانية عشرة غير مؤهّلين لتعلّم التوراة، لذا كان يُعتبر قضاء الوقت معهم لهذا الغرض مَضْيَعةً.

الفصل التّاسع:52 كانت منطقة السامرة شمال مدينة القدس في ما يُسمّى الضفة الغربية اليوم. ولم يعترف السامريون بالقدس كمركز ديني لإقامة الصلاة وتقديم الذبائح، وبدلاً من ذلك أقاموا لهم مركزًا خاصًّا في جبل جرزيم الذي يقع قرب مدينة نابلس الآن.

الفصل التّاسع:54 هؤلاء الأتباع يشيرون إلى حادثة معيّنة وهي أنّه عندما بعث الملك أخزيا بجنوده إلى النبي إلياس (عليه السّلام) لإحضاره إلى الملك، أجابهم إلياس، “إن كنت أنا نبي الله، فلتَنزل نار من السماء، وتحرقك والخمسين الذين معك”. وفي الحال نزلت النار وأحرقت الجنود (سفر الملوك الثاني 1: 10) وقد أحسّ أتباع السيّد المسيح بأنّ لهم الحقّ والسلطان لفعل الشيء نفسه مع هؤلاء الذين يعارضونهم، ولكن سيّدنا المسيح يعلّمنا أنّ الهدى من الله وأنّ الإيمان لا يكون بالقوّة والعنف وإن كانا إلهيين.

§الفصل التّاسع:57 يعني الرجل بهذه العبارات أنّه مستعدّ أن يكون أحد أتباع السيّد المسيح المخلصين.

*الفصل التّاسع:60 كانت شعائر الدّفن عند اليهود في ذلك العصر تستمرّ سنة حتّى الدفن النهائي، لذا طلب منه هذا الشخص مهلة قد تمتدّ سنة كاملة. ولم يكن سيدنا المسيح (سلامُهُ علينا) غير مبال بواجب إكرام الولد لوالده، ولكنّه عرف أنّ هذا الشخص استعمل واجبه كعذر لعدم رغبته في اتّخاذ قرار بشأن اتّباع المسيح.

الفصل التّاسع:62 هذه العبارة إشارة إلى الذي لا يحرث وبصره ممتدّ ضمن خطّ مستقيم أمامه حتّى يكون الأخدود مستقيمًا. وهذا يشير إلى سلوك الشخص الذي يقرّر دون أن ينفّذ، ملتفتًا بأفكاره وراءه إلى طريقة حياته القديمة.