الفصل الرّابع والعشرون
قيامة عيسى (سلامُهُ علينا)
1‏-10 ومَعَ بُزوغِ فَجرِ يومِ الأحَدِ، تَوَجَّهَت النِّسوةُ إلى قَبرِهِ (سلامُهُ علينا) يَحمِلنَ الطِّيبَ والحَنوطَ الّذي أعدَدنَهُ، وهؤلاءِ هُنّ: مَريمُ المَجَدليّةُ وحَنّةُ ومَريمُ أُمُّ يَعقوبَ وأُخرَياتٌ غَيرهنّ. وعِندَ وصولِهِنّ القَبرَ، وَجَدنَ الصَّخَرةَ الّتي كانَت تَسُدُّ مَدخَلَهُ قد دُحرِجَت، فدَخَلنَ ولم يَجِدنَ جُثمانَهُ (سلامُهُ علينا). وبَينَما هُنّ في حَيرةٍ مِن الأمرِ، ظَهَرَ أمامَهُنَّ فَجأةً مَلاكانِ على هَيئةٍ بَشَريّةٍ بثيابٍ بَيضاءَ تَبهَرُ الأبصارَ. ففَزَعنَ ورَكَعنَ برُؤوسٍ مُنَكَّسةٍ، فسألَهُنَّ المَلاكانِ: “لِمَ تَبَحثنَ عن الحيِّ في مَثوى الأمواتِ؟! إنّهُ لَيسَ هُنا، لقد بُعِثَ حيًّا! ألا تَذكِرنَ ما أخبَرَكُنّ وأنتُنّ مَعَهُ في الجَليلِ؟! أما قالَ: إنّ سَيِّدَ البَشَرِ لا بُدَّ أن يُسَلَّمَ إلى قَبضةِ الأشرارِ فيُصلَبَ ثُمّ يُبعَثَ حيًّا بَعدَ ثلاثةِ أيّامٍ”؟! فتَذَكَرَت النِّسوةُ ذاكَ الكَلامَ، ورَجِعنَ ليُخبِرنَ الحَواريّينَ الأحَدَ عَشَرَ وجَميعَ أتباعِهِ (سلامُهُ علينا) بذلِكَ الخَبَرِ. 11 إلاّ أنّ أحَدًا لم يُعِرْ اهتِمامًا لِما ذَكَرْنَهُ لأنّ الحَواريِّينَ ظَنُّوا أنَّهُنَّ واهِماتٌ، 12 أمّا بُطرُسُ الصَّخرُ فرَكَضَ إلى القَبرِ وانحَنَى فرَأى الكَفنَ المَلفوفَ بلا جُثمانٍ، فعادَ إلى بيتِهِ والحَيرةُ تَستَبِدُّ بِهِ مِن جَرّاءِ ذلِكَ كُلِّهِ.
في طريق عِمْواس
13 وفي ذلِكَ اليَومِ نَفسِهِ كانَ اثنانِ مِن أتباعِهِ (سلامُهُ علينا) مُتَوَجّهَيْنِ إلى قَريةِ عِمْوَاس الّتي تَبعُدُ عن القُدسِ مَسافةَ سَبعةِ أميالٍ تَقريبًا. 14 وفيما هُما سائرانِ يَتَحَدّثانِ عن ما جَرى، 15 اقتَرَبَ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) مِنهُما ورافَقَهُما في المَسيرِ، 16 فلم يَعرِفاهُ إذ حَجَبَ اللهُ عنهُما ذلِكَ. 17 فحَدَّثَهُما قائلاً: عَمَّن تَتَكَلّمانِ في هذا الدَّربِ؟!” فتَوَقّفا ونَظَرا إليهِ مُقَطِّبَيْن حُزنًا 18 ثُمّ قالَ أحَدُهُما وكانَ اسمُهُ كَليوباسُ: “لَكأنّكَ في القُدسِ الزّائرُ الوَحيدُ الّذي لم يَدرِ بما جَرى مِن أحداثٍ فيها في هذِهِ الأيّامِ العَصيبةِ؟!” 19 فسألَ (سلامُهُ علينا): “وما هي تِلكَ الأحداثُ؟!” فأجاباهُ: “الأحداثُ المُتَعَلِّقةُ بعيسى النّاصريّ، النَّبيِّ القَديرِ قولاً وعَمَلاً، الوَجيهِ عِندَ اللهِ وكُلِّ النّاسِ. 20 لقد قَبَضَ عليهِ رُؤساءُ الأحبارِ وغَيرُهُم مِن رِجالِ الدِّينِ وسَلَّموهُ إلى الرُّومانِ كي يُنَفِّذوا فيهِ حُكمَ الإعدامِ صَلبًا. 21 وكانَ أملُنا فيهِ كَبيرًا إذ تَوَسَّمنا فيهِ المَلِكَ المُنقِذَ الّذي يَكونُ على يَدَيهِ تَحريرُ بَني يَعقوبَ. وقد مَرَّ على تِلكَ الأحداثِ ثلاثةُ أيّامٍ، 22 إلاّ أنّ بَعضَ النِّسوةِ مِن جَماعتِنا ذَهَبنَ إلى قَبرِهِ اليَومَ باكِرًا وعُدنَ حامِلاتٍ أخبارًا مُدهِشةً. 23 فقد أَخبَرْنَنا بأن جُثمانَ سَيِّدِنا لم يَكُن في القَبرِ، وأنّهُنَّ رأينَ مَلاكَينِ قالا لهُنّ إنّ سَيِّدَنا عيسى حيٌّ. 24 وسَعى بَعضُنا إلى القَبرِ للتَّأكُّدِ مِن الأمرِ، فتَحَقَّقوا مِمّا أخبَرَت بِهِ النِّسوةُ، ولكنّهُم لم يَرَوهُ”.
25 فقالَ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) لهُما: “يا لَقُصورِ فَهمِكُما! أعَسيرٌ عليكُما تَصديقُ كُلِّ ما أنزَلَهُ اللهُ مِن آياتٍ على أنبيائِهِ؟! 26 أمَا ذُكِرَ أنّهُ على المَسيحِ مُعاناةُ كُلِّ هذِهِ الآلامِ قَبلَ دُخولِهِ في زَمَنِ مَجدِهِ؟!” 27 ثُمّ أخَذَ (سلامُهُ علينا) يُذكِّرُهُما بما في التَّوراةِ وكُتُبِ الأنبياءِ، مُفَسِّرًا لهُما كُلَّ ما وَرَدَ في شأنِهِ في تِلكَ الكُتُبِ.
28 وعِندَما اقتَرَبوا مِن عِمْواس أبطَأ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) في مَسيرِهِ كأنّهُ يُريدُ مُفارَقتَهُما، 29 إلاّ أنّ تابِعَيْهِ ألحّا عليهِ في المُضيِّ مَعَهُما قائلَيْنِ: “هلاَّ أمضَيتَ اللّيلةَ عِندَنا، فقد أوشَكَت الشَّمسُ على المَغيبِ”. فنَزَلَ عِندَ رَغبَتِهِما 30 ورافَقَهُما إلى البيتِ وجَلَسَ مَعَهُما لتَناوُلِ العَشاءِ، ثُمّ تَناوَلَ رَغيفًا وشَكَرَ اللهَ وقَسَّمَهُ وأعطاهُما. 31 وهُنا زالَت الغِشاوةُ عن بَصيرَتَيهِما فعَرَفاهُ في الحالِ، ولكنْ ما إن عَرَفاهُ حتّى غابَ (سلامُهُ علينا) عن أنظارِهِما. 32 فقالَ أحَدُهُما للآخَرِ: “ألم يُفعِم قَلبيَنا بحَرارةِ الإيمانِ عِندَما كانَ يُفَسِّرُ لنا في الطَّريقِ ما جاءَ في الكِتابِ؟!” 33 وعادا لتَوِّهِما إلى بَيتِ المَقدِس فوَجَدا الحَواريّينَ مُجتَمِعينَ مَعَ بَقيّةِ الأتباعِ وهُم يَقولونَ: 34 “لقد بُعِثَ مَولانا حيًّا وظَهَرَ لبُطرُسَ!” 35 عِندئذٍ تَكَلَّما عَمّا جَرى لهُما، وكَيفَ ظَهَرَ لهُما سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) وهُما سائرانِ في طَريقِهِما، وكَيفَ أدرَكا حَقيقتَهُ عِندَما قامَ بتَقسيمِ الخُبزِ.
ظهور عيسى (سلامُهُ علينا) للحواريّين
36 وفيما هم يَتَكَلَّمونَ، ظَهَرَ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) في وَسَطِهِم قائلاً: “السّلامُ عليكُم!” 37 فاستَبَدَّ بِهِم الذُّعرُ وقد حَسَبوهُ طَيفًا. 38 فسألَهُم: “لماذا أنتُم مُضطَرِبونَ؟ وبي تَشُكّونَ؟ 39 اُنظُروا إلى يَدَيّ وقَدَمَيّ لتَتَحَقّقوا بأنّني عيسى! وتَحَسَّسوا جَسَدي لتتأكّدوا بأنّني مِثلَكُم لَحمًا وعَظمًا ولَستُ طَيفًا، فالطَّيفُ لا جَسَدَ لهُ!” 40 وأراهُم (سلامُهُ علينا) يَدَيهِ وقَدَمَيهِ ليَتَحَقَّقوا. 41 ولِفَرطِ فَرحَتِهِم بظُهورِهِ وَقَفوا حائرِينَ مُندَهِشينَ غَيرَ مُصَدِّقينَ. فقالَ لهُم: “ماذا لَدَيكُم مِن طَعامٍ؟!” 42 فناولوهُ قِطعةً مِن السَّمك المَشويِّ، 43 فأكَلَها وهُم يُراقِبونَهُ.* كان أكل سيّدنا المسيح للطعام وسيلة لإثبات أنّه ليس شبحًا. 44 ثُمّ قالَ: “كُنتُ قد أنبأتُكُم عِندَما كُنتُ بَينَكُم بأن ما جاءَ عنّي في تَوراةِ موسى وكُتُبِ الأنبياءِ والزَّبورِ لا بُدَّ أن يَتَحَقَّقَ”. كان السيّد المسيح يشير إلى مجموع الكتب السماوية الثلاثة في زمنه، وهي التوراة وكتب الأنبياء والزبور. أمّا المجموعة الثالثة، وهي “الكتابات” فقد كانت أيضًا معروفة باسم الزبور، لأنّ السفر الأوّل فيها كان كتاب الزبور أو المزامير، وأخذت المجموعة كلّها هذا الاسم. 45 ثُمّ بَثَّ في أذهانِهِم نورًا شارِحًا مُفَسِّرًا ما جاءَ في الكُتُبِ السَّماويّةِ، 46 وقالَ: “جاءَ في كِتابِ اللهِ أنّ على المَسيحِ المُنتَظَرِ أن يُقاسيَ آلامًا كَثيرةً ثُمّ يَموتَ ثُمّ يُبعَثَ حيًّا بَعدَ ثلاثةِ أيّامٍ. 47 وستُزَفُّ إلى كُلِّ الأُممِ رِسالةُ التَّوبةِ وبَشائرُ غُفرانِ الذُّنوبِ لِكُلِّ مَن يُؤمنُ بي ويَدعو باسمي، بَدءًا مِن القُدسِ. 48 وأنتُم الآنَ شُهودُ عِيانٍ على كُلِّ هذِهِ الأُمورِ، 49 وسأُرسِلُ إليكُم رُوحَ اللهِ كَما وَعَدَ اللهُ أبي الصَّمَدُ، فامكُثوا في المَدينةِ المُقَدَّسةِ حتّى أوانِ حُلولِ الرُّوحِ عليكُم فتَغمُرُكُم قوّةٌ سَماويّةٌ”.
صعود عيسى (سلامُهُ علينا) إلى السّماء
50 ثُمّ اقتادَهُم سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) إلى مَكانٍ على مَقرُبةٍ مِن بَيتِ عَنْيا ورَفَعَ يدَيهِ وبارَكَهُم، 51 وهُنا رَفَعَهُ اللهُ إلى السَّماءِ أمامَ عُيونِهِم. 52 فخَرُّوا أمامَهُ إجلالاً وتَعظيمًا، ثُمّ عادوا إلى بيتِ المَقدِس وقد عَمَّهُم الفَرَحُ العَظيمُ. 53 وهكذا ظَلّوا عاكِفينَ مُتَعَبِّدينَ في حَرَمِ بيتِ اللهِ مُسَبِّحينَ بحَمدِهِ بالعَشيِّ والإبكارِ.

*الفصل الرّابع والعشرون:43 كان أكل سيّدنا المسيح للطعام وسيلة لإثبات أنّه ليس شبحًا.

الفصل الرّابع والعشرون:44 كان السيّد المسيح يشير إلى مجموع الكتب السماوية الثلاثة في زمنه، وهي التوراة وكتب الأنبياء والزبور. أمّا المجموعة الثالثة، وهي “الكتابات” فقد كانت أيضًا معروفة باسم الزبور، لأنّ السفر الأوّل فيها كان كتاب الزبور أو المزامير، وأخذت المجموعة كلّها هذا الاسم.