مدخل إلى متّى
كان متّى، الذي يُعرف باسم لاوي أيضا، جابي ضرائب لصالح الحكومة الرومانية قبل أن يصبح تابعا لسيدنا عيسى المسيح. وقد منّ الله عليه فصار واحدا من حواريي سيدنا عيسى الإثني عشر. ثم اختاره الله ليسجّل الوحي بعد أن رفع سيدنا عيسى إليه. ورغم أنّ ما سجّله من الوحي يأتي الأوّل من حيث الترتيب في الإنجيل، إلاّ أنّه من المحتمل أن يكون متأخّرا من الناحية الزمنية عن سجلّ مرقس للوحي نفسه. ويحتوي سجلّ متّى للوحي على معظم الأمور التي ذكرها مرقس في سجلّه، لذلك من المستحسن قراءة المعلومات الواردة في المدخل إلى مرقس، لأنّها تنطبق على متّى أيضا.
على أنّ سجلّ متّى يحتوى في كلّ الأحوال على أمور عديدة لم يذكرها مرقس في سجلّه. وهي أمور، وإن كانت تهمّ جميع الناس، إلا أنّها تكتسي أهميّة خاصّة بالنسبة إلى بني إسرائيل (بني يعقوب) الذين يُعتبرون أهل الكتاب، والذين نزلت فيهم التوراة والزبور وغيرها من كتب الأنبياء. كما يتفوّق سجلّ متّى بشكل كبير على مرقس ويوحنّا ولوقا من حيث اقتباسه للآيات من الكتب السماوية التي تسبقه، بالإضافة إلى التلميح عليها. كما أُرفقت هذه الاقتباسات ببيان وتفسير ما تضمّنته من إشارات إلى مجيء المسيح، والتي تحقّقت في حياته وخلال نشره رسالته، وخاصّة تلك النبوءات المتعلّقة بمجيء المسيح المنتظر الذي سينشئ المملكة الرّبّانيّة على الأرض.
ويتضمّن سجلّ متّى أيضًا ببعض المواد المميّزة ومنها الخطب الخمس الكبرى للسيد المسيح (الفصول 5 و 6 و 7 و 8؛ والفصل 10؛ والفصل 13؛ والفصل 18؛ والفصلين 24 و 25) التي تساوي أسفار النبي موسى الخمسة، وبتقديم هذه الخطب الخمسة يلمّح متّى إلى أنّ السيد المسيح يكون الرسول المنتظر الذي أشار إليه النبي موسى عندما قال إنّه سيأتي رسول مثله من شعبه (انظر سفر التثنية 18: 15)، كما أراد متّى أن يوضّح من خلال قصة تطهّر المسيح بالماء وانتصاره على إغواءات الشيطان أنّ السيد المسيح هو العبد المطيع لله بدل بني يعقوب الذين أخفقوا في طاعتهم له تعالى. وتتحدّث هذه الخطب أيضا عن جوانب مختلفة من المملكة الربانية الموعودة. وهذه التعاليم تصحّح الكثير من المفاهيم الخاطئة حول المملكة الربّانيّة، وتبيّن ما يطلبه الله من المنتمين إلى هذه المملكة وخاصّة ما يتعلّق بصلتهم به، وبسيدنا عيسى المسيح مختاره، وبغيرهم من البشر. كما تخبرنا عن تغيير قادم بخصوص قيام المملكة الربّانيّة على الأرض. فقد منح الله سيدنا عيسى المسيح كامل السلطة في السماء والارض، وسيعود في يوم من الأيّام ليطهّر الأرض من كلّ الشرور حتّى يعمّ العدل كافة أرجائها، بدل الظلم والقهر الذين يملآنها الآن.
بسم الله تبارك وتعالى
الإنجيل الشّريف
الوحيُ الّذي سجّله الحَواريُّ متّى
الفصل الأوّل
التّسلسل الملكيّ
فيما يَلي استِعراضٌ يُثبِتُ كَيفيّةَ استِلامِ سَيِّدِنا عيسى المَسيحِ عَرشَ المَملكةِ الرَّبّانيّةِ.* يؤخذ هذا السجلّ غالبًا كسلسلة نسب، لكنّه لا يمكن أن يُختَصَر في ذلك فقط، لأنّ سيّدنا عيسى (سلامُهُ علينا) لا يمتّ بصلة قرابة بيولوجية من حيث النسب ليوسف. وبما أنّ الأنساب كانت تثبت في ذلك الزمن حسب الذكور لا الإناث، ولأنّ السّيّد المسيح لم يكن له من أب بشريّ، فقد كان على سيّدنا عيسى أن يأخذ هويته الشرعية من خلال يوسف وليّ أمره. وقد اتفّق الكثير من المفسّرين أنّه من الأفضل تفسير هذا السجلّ كسجلّ لورثة عرش المملكة الأبديّة التي وعد الله بها. لقد قال الأنبياء السابقون إنّ المسيح المنتظر الملك سيكون من سلالة النبي داود (عليه السّلام)، ومع أنّ مريم أمّ سيّدنا عيسى كانت أيضًا من أسرة النبي داود، إلاّ أن النسب من جهة الأمّ لم يكن يؤخذ بعين الاعتبار في زمن السيد المسيح. لذلك فهذا السجلّ هو ليوسف، وليّ أمر سيّدنا عيسى، حيث أنّ السيد المسيح كان له الحقّ الشرعي بعرش المملكة الإلهية الموعودة من جهة يوسف الذي اقترن بأمّه مريم. انظر الملحق “أهميّة الأنساب في الإنجيل الشريف” للمزيد من المعلومات. وقد قَضى اللهُ أن يَؤولَ العَرشُ في النّهايةِ إليهِ (سلامُهُ علينا)، باعتِبارِهِ سَليلَ النَّبيِّ داودَ الّذي يَنحَدِرُ مِن سُلالةِ النّبيِّ إبراهيمَ.
وقد تَعاقَبَ على هذِهِ السُّلالةِ: النّبيُّ إبراهيمُ أنجَبَ النَّبيَّ إسحقَ، والنَّبيُّ إسحقُ أنجَبَ النَّبيَّ يَعقوبَ، والنّبيُّ يَعقوبُ أنجَبَ يَهوذا وإخوتَهُ، ويَهوذا أنجَبَ فَارِصَ وزارَحَ مِن تامارَ، وفارِصُ أنجَبَ حَاصِرَ. ثُمَّ جاءَ آرامُ، وبَعدَهُ عَمِينادابُ، ثُمّ ناحِشُ، ومِن وَراءِ ناحِشَ سالِمُ الّذي أنجَبَ أبا العِزِّ مِن رِحابَ، وأبو العِزِّ أنجَبَ عُبَيدَ مِن راعُوثَ، وعُبيدُ أنجَبَ يَسَّى أبا النّبيِّ دَاوُدَ الّذي أصبَحَ المَلِكَ.
وتَواصَلَت خِلافةُ المُختارينَ، فجاءَ بَعدَ النّبيِّ داوُدَ ابنُهُ النّبيُّ سُلَيمانُ مِن أَرملةِ أُوريّا، فأنجَبَ رَحَبْعامَ الّذي أنجَبَ بدَورِهِ أَبيّا. وتَواصَلَت سِلسلةُ المُلوكِ بطَريقةٍ مُتَرابِطةٍ: بَعدَ أبيّا جاءَ آسا، ثُمّ يُوشافاطُ، ويُورامُ، وعُزِّيّا، ويُوتامُ، وآحازُ، وحِزْقيّا، 10 ثُمّ مَنَسَّى، وأَمونُ، ويُوشيّا، 11 وبَعدَ ذلِكَ يَكُنْيا وإخوتِهِ الّذينَ أسَرَهُم مَلِكُ بابل مَعَ غيرِهِم مِن بَني يَعقوبَ وحَمَلَهم إلى بِلادِهِ. أذن الله تعالى للبابليين بدحر مملكة يهوذا سنة 586 قبل الميلاد، وذلك بسبب عصيان شعب بني يعقوب، وهذه المملكة هي التي أسّسها النبي داود (عليه السّلام). ولكنّ الله وعد النبي داود ببقاء سلالته على العرش إلى الأبد، لذا كان الناس ينتظرون إعادة تأسيس تلك المملكة، وظهور المسيح الملك الذي سينقذ أمّته وسيكون خليفة الله على الأرض. وحتّى بعد عودة بني يعقوب من الأسر البابلي، لم تتمّ إعادة تأسيس المملكة، لأنّ هذا سيحدث فقط عند مجيء السّيّد المسيح. وعلى كلّ حال، كانت المملكة التي أسّسها السّيّد المسيح (سلامُهُ علينا) مختلفة عن المملكة الدنيويّة كتلك التي كان اليهود يتوقّعونها.
12 وبَعدَ الأَسرِ في بابِلَ كانَ الخُلَفاءُ على عَرشِ المَملكةِ هُم أبناءُ يَكُنيا وهُم شَأَلتيلُ، ومِن وَرائِهِ زَرْبابِلُ، 13 ثُمّ أَبيودُ، ثُمّ سَليلُهُ أَلياقيمُ، ثُمّ عازِرُ، 14 وصادِقُ، وأَخيمُ، وأَليودُ، 15 وألِعازَرُ، ومَتينُ، ثُمّ جاءَ يَعقوبُ 16 الّذي أنجَبَ يُوسُفَ زَوجِ مَريَمِ أُمِّ عِيسَى وقد أورَثَ اللهُ المُلكَ لسَيِّدِنا عيسى رَغمَ أنّهُ لَيسَ ابنًا ليوسفَ، فكانَ عيسى هو المَسيحُ المَلِكُ المُنتَظَرُ. وكانَ الوَريثُ الأخير للمَملَكةِ الرَّبّانيّةِ.
17 وهكذا كانَ وَرَثةُ العَرشِ مِن النّبيِّ إبراهيمَ إلى النّبيِّ داوُدَ أَربعةَ عَشَرَ جيلاً، ومِن النّبيِّ داوُدَ إلى الأَسرِ البابِليِّ أَربَعَةَ عَشَرَ جيلاً، وَمِنَ الأَسرِ البابِليِّ إلى السَّيِّدِ المَسيحِ أَربَعَةَ عَشَرَ جيلاً.
ميلاد عيسى (سلامُهُ علينا)
18 أمّا قِصّةُ الميلادِ الشَّريفِ لسَيِّدِنا عيسى المَسيحِ (سلامُهُ علينا) فهي كَما يَلي: كانَت هُناكَ فَتاةٌ صالِحةٌ تُدعى مَريم، عُقدَ قِرانُها على رَجُلٍ اسمُه يُوسفُ. تمّ عقد القران في الخطوبة حسب التقليد اليهوديّ آنذاك، وتمّ الاقتران الفعليّ بعد سنة تقريبًا من هذا العقد. وخلال تلك السنة، تظلّ البنت في دار أبيها وتحت سلطته، ولكن من الممكن أن تصبح أرملة، وأن تطلّق، أو تعاقب بسبب الزنى. وقَبلَ اقتِرانِهِما الفِعليّ تَبَيَّنَ لها أنّها تَحمِلُ في أحشائِها جَنينًا مِن رُوحِ اللهِ. 19 وكانَ يوسفُ رَجُلاً صالحًا، لكنّهُ فَضَّلَ ألاّ يُفشي الأمرَ فعَزَمَ في نَفسِهِ أن يَفسَخَ عَقدَ زواجِهِما سِرًّا.
20 وبَينَما هو يُفكّر في الأمرِ، أخَذَتْهُ سِنةٌ مِن النّومِ بَدا لهُ فيها مَلاكٌ يُخبِرُهُ قائلاً: “يُوسفُ يا سَليلَ النَّبيِّ داودَ، لا تَتَرَدَّدْ في ضَمِّ مَريمَ إليكَ زَوجةً صالِحةً في دارِكَ، لأنّ حَمْلَها كانَ بقوّةٍ مِن رُوحِ اللهِ، 21 وسيَكونُ مَولودُها ذَكرًا وعليكَ أن تُسَمِّيَهُ عيسى، لأنّهُ سيُنقِذُ قومَهُ مِن آثامِهِم”.§ اسم سيّدنا عيسى يقابل بالعبرية، اسم “يشوع” ويعني “إنقاذ” أو “نجاة”. وفي اللغة العربية اسم عيسى هو تعريب للاسم اليونانيّ إيسو. بينما اسم يسوع عند بعض العرب هو تعريب للاسم العبريّ يشوع. 22 وكانَ كُلُّ هذا تَحقيقًا لنبوءةِ النّبيِّ أشعيا عِندَما أوحى اللهُ إليهِ أن: 23 “ستَحمِلُ العَذراءُ بوَلَدٍ ذَكَرٍ وتَلِدُهُ ويَدعونَهُ عَمّانوئيل” الّذي يَعني: اللهُ مَعَنا.* لم يكن اسم السّيّد المسيح “عمّانوئيل” بل تحقّق معنى هذا الاسم عند ولادته. 24 وعِندَما صَحا يوسفُ مِن نومِهِ، نَفَّذَ ما طَلَبَهُ المَلاكُ، وأسكَنَ زَوجَتَهُ مَريمَ في دارِهِ. 25 ولكن لم يَدخُل بها إلى أن وَلَدَتْ وَليدَها الّذي سَمّاهُ عيسى.

*الفصل الأوّل:1 يؤخذ هذا السجلّ غالبًا كسلسلة نسب، لكنّه لا يمكن أن يُختَصَر في ذلك فقط، لأنّ سيّدنا عيسى (سلامُهُ علينا) لا يمتّ بصلة قرابة بيولوجية من حيث النسب ليوسف. وبما أنّ الأنساب كانت تثبت في ذلك الزمن حسب الذكور لا الإناث، ولأنّ السّيّد المسيح لم يكن له من أب بشريّ، فقد كان على سيّدنا عيسى أن يأخذ هويته الشرعية من خلال يوسف وليّ أمره. وقد اتفّق الكثير من المفسّرين أنّه من الأفضل تفسير هذا السجلّ كسجلّ لورثة عرش المملكة الأبديّة التي وعد الله بها. لقد قال الأنبياء السابقون إنّ المسيح المنتظر الملك سيكون من سلالة النبي داود (عليه السّلام)، ومع أنّ مريم أمّ سيّدنا عيسى كانت أيضًا من أسرة النبي داود، إلاّ أن النسب من جهة الأمّ لم يكن يؤخذ بعين الاعتبار في زمن السيد المسيح. لذلك فهذا السجلّ هو ليوسف، وليّ أمر سيّدنا عيسى، حيث أنّ السيد المسيح كان له الحقّ الشرعي بعرش المملكة الإلهية الموعودة من جهة يوسف الذي اقترن بأمّه مريم. انظر الملحق “أهميّة الأنساب في الإنجيل الشريف” للمزيد من المعلومات.

الفصل الأوّل:11 أذن الله تعالى للبابليين بدحر مملكة يهوذا سنة 586 قبل الميلاد، وذلك بسبب عصيان شعب بني يعقوب، وهذه المملكة هي التي أسّسها النبي داود (عليه السّلام). ولكنّ الله وعد النبي داود ببقاء سلالته على العرش إلى الأبد، لذا كان الناس ينتظرون إعادة تأسيس تلك المملكة، وظهور المسيح الملك الذي سينقذ أمّته وسيكون خليفة الله على الأرض. وحتّى بعد عودة بني يعقوب من الأسر البابلي، لم تتمّ إعادة تأسيس المملكة، لأنّ هذا سيحدث فقط عند مجيء السّيّد المسيح. وعلى كلّ حال، كانت المملكة التي أسّسها السّيّد المسيح (سلامُهُ علينا) مختلفة عن المملكة الدنيويّة كتلك التي كان اليهود يتوقّعونها.

الفصل الأوّل:18 تمّ عقد القران في الخطوبة حسب التقليد اليهوديّ آنذاك، وتمّ الاقتران الفعليّ بعد سنة تقريبًا من هذا العقد. وخلال تلك السنة، تظلّ البنت في دار أبيها وتحت سلطته، ولكن من الممكن أن تصبح أرملة، وأن تطلّق، أو تعاقب بسبب الزنى.

§الفصل الأوّل:21 اسم سيّدنا عيسى يقابل بالعبرية، اسم “يشوع” ويعني “إنقاذ” أو “نجاة”. وفي اللغة العربية اسم عيسى هو تعريب للاسم اليونانيّ إيسو. بينما اسم يسوع عند بعض العرب هو تعريب للاسم العبريّ يشوع.

*الفصل الأوّل:23 لم يكن اسم السّيّد المسيح “عمّانوئيل” بل تحقّق معنى هذا الاسم عند ولادته.