الفصل الثّاني
زيارة المجوس
وَبَعدَ أن مَضَت فَترَةٌ على وِلادةِ عِيسَى (سلامُهُ علينا) في بَيتَ لَحمَ في مِنطَقَةِ يَهوذا، وكانَ ذلِكَ في عَهدِ المَلِكِ هيرودُسَ الكَبيرِ، جاءَ إلى القُدسِ جَماعَةٌ مِن المَجوسِ قادمينَ مِن الشَّرقِ* كان هيرودس ملكًا على منطقة يهوذا، إلاّ أنّه كان من أصل أدوميّ غير يهوديّ. وكان محطّ كره الشعب إذ تمّ تنصيبه على العرش من قبل الرومان المحتلّين، ولم يكن ملكا شرعيًا طالما ذكر الأبنياء السابقون أنّ الملك يجب أن يكون من سلالة النبي داود. وهذا هو السبب الذي جعل هيرودس وداعميه من قادة رجال الدين متضايقين جدًّا من أخبار ظهور الملك الشرعي. وربّما كان مردّ خوفهم هو توجّسهم من قدوم جيوش من الشرق، من أرض المجوس لتدعم الثورة التي يتمّ خلالها تعيين هذا الملك الشرعي على العرش. وكان المجوس علماء وثنيين يتعاطون لعلم التنجيم والعرافة وتفاسير الأحلام، وكانوا على الأغلب من بلاد الفرس أو من جنوب شبه الجزيرة العربية، وعلى الرغم من كونهم وثنيّين، فقد اختارهم الله للكشف عن مجيء المسيح المنتظر. يَسأَلونَ: “أينَ المَولودُ الّذي سيَكونُ مَلِكَ اليَهودِ؟ لَقَد رَأينا نَجمًا طالِعًا مِن جِهةِ الشَّرقِ، وتِلكَ إشارَةٌ إلى مَولِدِهِ، فجِئنا لتَحيَّتِهِ والانحِناءِ بَين يَدَيهِ”. وقَد أَثارَ ذلِكَ الخَبَرُ ضِيقَ المَلِكِ هيرودُسَ، كَما تَضايَقَ مِنهُ كَثيرٌ مِن أَهلِ القُدسِ. فَاستَدعى المَلِكُ هيرودُسُ رُؤساءَ الأَحبارِ وفُقهاءَ التَّوراةِ مُستَفسِرًا: “أينَ يُولَدُ المَسيحُ المُنتَظَرُ؟” فأجابوهُ: “يُولَدُ في بَيتَ لَحمَ في مِنطَقةِ يَهوذا، فَقَد جاءَ في الكِتابِ على لِسانِ النّبيِّ مِيخا: “يا بَيتَ لَحمَ بأَرضِ يَهوذا، ما أَعظَمَ شَأنَكِ بَينَ مُدُنِ يَهوذا وَقُراها، فَمِنكِ يَطلُعُ الحاكِمُ الّذِي يَرعى عِبادي بَني يَعقوبَ”. ثُمّ دَعا هيرودُسُ سِرًّا جَماعةَ المَجوسِ، وسَألَهُم أن يُحَدِّدوا بِدِقّةٍ زَمَنَ ظُهورِ النَّجمِ، ثُمّ أرسَلَهُم بَعدَ ذلِكَ إلى بَيت لَحَمَ قائلاً: “انطَلِقوا للبَحثِ عن الطِّفل بصَبرٍ وعِنايةٍ، وعِندَما تَعثُرونَ عليهِ، عُودوا وبَلِّغوني لأذهَبَ وأنحَني أنا أيضًا أمامَهُ مُبايعًا”. 9‏-10 وغادَرَ المَجوسُ القُدسَ مُتَّجهينَ إلى بَيتَ لَحَم، وبَينَما هم في الطَّريقِ إذا بالنَّجمِ الّذي ظَهَرَ في بِلادِهِم يَبدو أمامَهُم، ففَرِحوا بِهِ فَرَحًا بالِغًا. وتابَعَ النَّجمُ تَقَدُّمَهُ حتّى تَوَقَّفَ فَوقَ مَكانِ وجودِ الطِّفلِ. من الواضح أنّ هذا النجم لم يكن نجمًا عاديًا، وتتعدّد الآراء حول طبيعته. وقد كان القدماء يعتقدون أنّ سقوط المذنّب أو النجم نذير بسقوط الحكام عن عروشهم، وأن الحكام الجدد يتمّ الكشف عنهم من خلال إشارات وعجائب تظهر في السماء. 11 ووَصَلَ المَجوسُ إلى الدّارِ الّتي تَوَقَّفَ عِندَها النَّجمُ فرأوا الطِّفلَ مَعَ أمِّهِ مَريمَ، فانحَنَوا أمامَهُ احتِرامًا، ثُمّ فَتَحوا صَناديقَ كُنوزِهِم ليُقَدِّموا لهُ هَدايا مؤلَّفةَ مِن الذّهبِ والبَخورِ والصَّمغ الباهِظِ الثَّمنِ مِن شَجَرِ المُرّ. هذا الصمغ من شجر المرّ هو عنصر معطّر يستخرج من النبات. وكان يُستعمل كهدية رفيعة أو دواء لتخفيف الألم. وكان يُستعمل أيضا لتحنيط الموتى عند دفنهم. 12 وأثناءَ نومِهِم رأوا رؤيا تُحَذِّرُهُم مِن العودةِ إلى هيرودُسَ، فانصَرَفوا سالِكينَ طَريقًا أُخرى إلى بِلادِهِم.
الهروب إلى مصر
13 وبَعدَ مُغادَرةِ المَجوسِ البِلادَ، ظَهَرَ ليوسفَ مَلاكٌ في نومِهِ وقالَ لهُ: “خُذ الطِّفلَ وأمَّهُ والجَأْ بِهِما إلى مِصرَ، وامكُثْ هُناكَ حتّى يأتيَكَ خَبَرٌ مِنّي، لأنّ المَلِكَ هيرودُسَ عَزَمَ على قَتلِ الطِّفلِ”. 14 فقامَ يُوسفُ على الفَورِ وتَهَيّأ للهُروبِ مَعَ الطِّفلِ وأُمِّهِ مَريمَ إلى مِصرَ لَيلاً. 15 وأقاموا هُناكَ إلى حينِ وَفاةِ هيرودُسَ، فنُفِّذَ بذلِكَ كَلامُ اللهِ الّذي جاءَ على لِسانِ النَّبيِّ هوشع: “دَعوتُ الابنَ الرُّوحيَّ لي ليَخرُجَ مِن مِصرَ”.§ هذه النبوءة من النبي هوشع تشير إلى خروج بني يعقوب من مصر هربًا من الاضطهاد، وعلى رأسهم النبي موسى (عليه السّلام)، ولكنّ هذا النص ينسحب هنا على سيّدنا عيسى لأنّه هو الذي يحقّق نداء بني يعقوب ودعوتهم، بما أنّهم أخفقوا في تحقيقها. انظر أيضا الملاحظة في متّى 3: 17.
16 أمّا هيرودُسُ فعِندَما عَلِمَ بخِداعِ المَجوسِ لهُ وبمُغادَرتِهِم البِلادَ خِفيةً دونَ مُقابلتِهِ، استَبَدَّ بِهِ غَضَبٌ شَديدٌ وأمَرَ بقَتلِ الأطفالِ الذُّكورِ الّذينَ بَلَغوا مِن العُمرِ سَنتَين أو دونَهُما في بَيتَ لَحَم وما حَولَها، حَسَبَ زَمَنِ ظُهورِ النَّجمِ الّذي عَيَّنَهُ لهُ المَجوسُ.* يمكن القول إنّ النجم ظهر على ما يبدو قبل سنتين تقريبًا من قدوم العلماء المجوس، لذلك فإنّ سيّدنا عيسى كان له من العمر حوالي سنتين أو أقلّ عند قدومهم. 17 ولقد تَمَّ بذلِكَ كَلامُ اللهِ على لِسانِ النّبيِّ إرميا: 18 “صَوتٌ يُسمَعُ في الرّامة، صُراخٌ وبُكاءٌ ونَحيبٌ شَديدٌ، راحيل تَبكي أولادَها الّذينَ رَحَلوا بِلا عَودة، رافِضةً تَقَبُّل التَّعازي”. كانت راحيل هي الزوجة المفضّلة لدى النبي يعقوب (عليه السّلام)، الجدّ الأوّل لشعب بني يعقوب. وقد دفنت راحيل في بيت لحم. وبعد مئات السنين صوّرها النبي إرميا (عليه السّلام) كأنّها تبكي في قبرها بسبب معاناة سلالتها الذين تمّ نفيهم إلى بابل. إلاّ أنّ الوحي الذي سجّله متى يشير هنا إلى تحقيق هذه الصورة في معاناة أهل بيت لحم بسبب وحشية الملك هيرودس.
العودة إلى النّاصرة
19 وفي مِصرَ، وبَعدَ وَفاةِ المَلِكِ هيرودُسَ، جاءَ مَلاكٌ إلى يُوسفَ في المَنامِ 20 آمِرًا: “انهَضْ الآنَ وارحَلْ بالطِّفلِ وأمِّهِ إلى فِلَسطين، فالّذينَ يَسعونَ إلى قَتلِ الطّفلِ قَضَوْا”. هناك إشارة في هذه الآية إلى ما حدث مع النبي موسى (عليه السلام) عندما أوحى الله إليه أن يرجع من بلاد مدين إلى مصر بقوله: “الذين يسعون إلى قتلك قضوا” (انظر التوراة، سفر الخروج 4: 19). وهو ما يشير ضمنيّا هنا إلى أنّ السّيّد المسيح هو مثيل للنبي موسى الذي أنقذ قومه. 21 وأطاعَ يوسفُ أمرَ ربِّهِ، 22 لكنّهُ قَبلَ وُصولِهِ، عَلِمَ أنّ أرخلاوسَ حَلَّ مَحلَ أبيهِ المَلِكِ هيرودُسَ وأصبَحَ حاكِمًا على مِنطقةِ يَهوذا. حينَها تَوَجَّسَ مِن الرُّجوعِ خَوفًا، وجاءَهُ في الرّؤيا مَلاكٌ يُنذِرُهُ بعَدمِ العَودةِ، 23 فتَوَجَّهَ على الفَورِ إلى بَلدةٍ اسمُها النّاصِرةُ في مِنطقةِ الجَليل وأقامَ فيها. وكانَ ذلِكَ تَحقيقًا لقولِ الأنبياءِ: “سيُدعى ناصِريًّا”.

*الفصل الثّاني:1 كان هيرودس ملكًا على منطقة يهوذا، إلاّ أنّه كان من أصل أدوميّ غير يهوديّ. وكان محطّ كره الشعب إذ تمّ تنصيبه على العرش من قبل الرومان المحتلّين، ولم يكن ملكا شرعيًا طالما ذكر الأبنياء السابقون أنّ الملك يجب أن يكون من سلالة النبي داود. وهذا هو السبب الذي جعل هيرودس وداعميه من قادة رجال الدين متضايقين جدًّا من أخبار ظهور الملك الشرعي. وربّما كان مردّ خوفهم هو توجّسهم من قدوم جيوش من الشرق، من أرض المجوس لتدعم الثورة التي يتمّ خلالها تعيين هذا الملك الشرعي على العرش. وكان المجوس علماء وثنيين يتعاطون لعلم التنجيم والعرافة وتفاسير الأحلام، وكانوا على الأغلب من بلاد الفرس أو من جنوب شبه الجزيرة العربية، وعلى الرغم من كونهم وثنيّين، فقد اختارهم الله للكشف عن مجيء المسيح المنتظر.

الفصل الثّاني:9‏-10 من الواضح أنّ هذا النجم لم يكن نجمًا عاديًا، وتتعدّد الآراء حول طبيعته. وقد كان القدماء يعتقدون أنّ سقوط المذنّب أو النجم نذير بسقوط الحكام عن عروشهم، وأن الحكام الجدد يتمّ الكشف عنهم من خلال إشارات وعجائب تظهر في السماء.

الفصل الثّاني:11 هذا الصمغ من شجر المرّ هو عنصر معطّر يستخرج من النبات. وكان يُستعمل كهدية رفيعة أو دواء لتخفيف الألم. وكان يُستعمل أيضا لتحنيط الموتى عند دفنهم.

§الفصل الثّاني:15 هذه النبوءة من النبي هوشع تشير إلى خروج بني يعقوب من مصر هربًا من الاضطهاد، وعلى رأسهم النبي موسى (عليه السّلام)، ولكنّ هذا النص ينسحب هنا على سيّدنا عيسى لأنّه هو الذي يحقّق نداء بني يعقوب ودعوتهم، بما أنّهم أخفقوا في تحقيقها. انظر أيضا الملاحظة في متّى 3: 17.

*الفصل الثّاني:16 يمكن القول إنّ النجم ظهر على ما يبدو قبل سنتين تقريبًا من قدوم العلماء المجوس، لذلك فإنّ سيّدنا عيسى كان له من العمر حوالي سنتين أو أقلّ عند قدومهم.

الفصل الثّاني:18 كانت راحيل هي الزوجة المفضّلة لدى النبي يعقوب (عليه السّلام)، الجدّ الأوّل لشعب بني يعقوب. وقد دفنت راحيل في بيت لحم. وبعد مئات السنين صوّرها النبي إرميا (عليه السّلام) كأنّها تبكي في قبرها بسبب معاناة سلالتها الذين تمّ نفيهم إلى بابل. إلاّ أنّ الوحي الذي سجّله متى يشير هنا إلى تحقيق هذه الصورة في معاناة أهل بيت لحم بسبب وحشية الملك هيرودس.

الفصل الثّاني:20 هناك إشارة في هذه الآية إلى ما حدث مع النبي موسى (عليه السلام) عندما أوحى الله إليه أن يرجع من بلاد مدين إلى مصر بقوله: “الذين يسعون إلى قتلك قضوا” (انظر التوراة، سفر الخروج 4: 19). وهو ما يشير ضمنيّا هنا إلى أنّ السّيّد المسيح هو مثيل للنبي موسى الذي أنقذ قومه.