الفصل الثّالث
دعوة النّبيّ يحيى (عليه السّلام)
وبَعدَ فَترةٍ، بَدَأت بِشارة يَحيى بِن زَكَريّا (عليه السّلام) في بَراري مِنطَقةِ يَهوذا* كان النبي يحيى بن زكريا يسير على خطى النبي إلياس وغيره من الأنبياء الذين توجّهوا إلى البريّة للانعزال بعيدًا بسبب جحود شعبهم الشديد. وتقع تلك البراري بين القدس والبحر الميت. وكان النبي يحيى ينشر دعوته ويطهّر الناس بالماء على الضفّة الشرقية من نهر الأردن. فقالَ مُبَشِّرًا: “يا أيُّها النّاسُ تُوبوا إلى اللهِ، فقد آنَ أوانُ قيامِ مَملَكةِ الله المَوعودةِ على الأرضِ!” والنَّبيُّ يَحيى هو الّذي تَحَدَّثَ عَنهُ النَّبيُّ أشعيا في قَولِهِ: “صَوتٌ مُنادٍ في البَراري يَقولُ: عليكُم أن تُهَيّئوا نُفوسَكُم لمَولاكُم، مِثلَما تُمَهَّدُ السُّبُلُ لمَقدَمِ مَلِكٍ عَظيمٍ”. وكان يَحيى (عليه السّلام) يَعيشُ حَياةَ زُهدٍ وتَقَشُّفٍ إذ كانَ يَرتَدي ثَوبًا مِن وَبرِ الجِمالِ ويُحيطُ وَسَطَهُ بحِزامٍ جِلديّ. ولم يَكُن قُوتُهُ إلاّ الجَراد والعَسَل البرّي. وكانَ النّاسُ يأتونَهُ مِن القُدسِ ومِن كُلِّ أنحاءِ مِنطَقةِ يَهوذا وأرجاءِ وادي نَهَرِ الأُردُنّ للإصغاءِ إليهِ، وبَعدَ اعتِرافِهِم بآثامِهِم يَقومُ بتَغطيسِهِم في مياهِ الأُردُنّ دَليلاً على تَوبتِهِم. عندما اعتنق الوثنيّون الديانة اليهوديّة، كان عليهم التوبة والتطهّر في الماء، وكان على الذكور منهم الختان. وهنا يقول النبي يحيى (عليه السلام) بأنّ هؤلاء اليهود أصبحوا كأنهم وثنيّون، وأنهم بحاجة إلى الأوبة إلى الله والرجوع إليه بصورة شاملة مرّة ثانية. وبيّن النبي يحيى بأنّ الله لا ينحاز إلى اليهود بسبب انحدارهم من سلالة النبي إبراهيم (عليه السّلام). وقد رأى النَّبيُّ يَحيى (عليه السّلام) أنّ كَثيرينَ مِن طائفةِ المُتَشَدِّدينَ ومِن الصَّدّوقيّينَ قد وَفَدوا عليهِ لغايةِ التَّطَهُّرِ، فالتَفَتَ إليهِم قائلاً: “أيُّها الماكِرونَ الخُبَثاءُ كالأفاعي، أتَظُنّونَ أنّكُم بمُجَرَّدِ تَطَهُّرِكُم بالماءِ تَفِرّونَ مِن غَضَبِ اللهِ؟ اعلَموا أنّكُم إن أرَدتُم ذلِكَ فلا بُدَّ أن تَدُلَّ أعمالُكُم الصّالِحةُ على تَوبتِكُم عن آثامِكُم تَوبةً نَصوحًا، وإيّاكُم أن تَركُنوا إلى القَولِ: “نَحنُ شَعبُ اللهِ المُختارُ وأحِبّاؤهُ، وإنّنا نَنحَدِرُ مِن سُلالةِ النّبيِّ إبراهيمَ”. فإنّ هذا لن يُفيدَكُم بشَيءٍ، لأنّ اللهَ قادِرٌ أن يَجعَلَ مِن هذِهِ الحِجارةِ ذُرِّيّةً لإبراهيمَ بَدَلاً مِنكُم! 10 واحذَروا غَضَبَ اللهِ فإنّهُ كالفأسِ الّتي تُوشِكُ أن تَهوي على جُذوعِ الأشجارِ الّتي لا تُؤتي أُكلاً طَيّبًا لتُحيلَها حَطَبًا يُلقَى في النّارِ. إنّكُم وهذِهِ الأشجارَ سَواء! 11 ولئن طَهَّرتُكُم بالماءِ دَلالةً على تَوبتِكُم، فإنّ القادِمَ مِن بَعدي أرفَعُ مِنّي مَقامًا، حتّى أنّي لَستُ أهلاً لأن أكونَ عَبدَهُ وأَحُلَّ رِباطَ نَعلَيْه. فهو الّذي سيُطَهِّرُ برُوحِ اللهِ التّائبينَ، بَينَما يُلقي الآثِمينَ في النّارِ! 12 وهو الّذي سيَفصِلُ بَينَ النّاسِ كَما يُنَقّي الفَلاّحُ بُذورَهُ إذ يَحتَفِظُ بالصّالِحةِ مِنها في دارِ البَقاءِ ويَطرَحُ القُشورَ في نارٍ لا يَنطَفئ أوَارُها”.
عيسى (سلامُهُ علينا) يتطهّر بالماء
13 ثُمّ قَدِمَ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) مِن الجَليلِ إلى ضِفافِ نَهرِ الأُردُنّ بُغيةَ التَّطَهُّر بمياهِهِ على يَدِ النَّبيِّ يَحيى (عليه السّلام). 14 ولكنّ النَّبيَّ يَحيى أحجَمَ عن ذلِكَ والتَفَتَ إلى عيسى (سلامُهُ علينا) قائلاً: “بل أنا الّذي يَحتاجُ إليكَ لأتَطَهُّرَ، فكَيفَ تَطلُبُ مِنّي أن أُطَهَّرَكَ؟!” 15 فأجابَهُ مؤكِّدًا: “بَلى افعَلْ ما جِئتُكَ مِن أجلِهِ تَحقيقًا لمَرضاةِ اللهِ”. فأذعَنَ يَحيى (عليه السّلام) لأمرِ سَيِّدِنا عيسى. تقبّلُ الناس التطهّرَ في الماء على يد النبي يحيى دليلٌ على أنّهم مستعدّون للإيمان بالمسيح المنتظر قدومُه من بعده. وكان يجب عليهم أن يتوبوا عن خطاياهم وذنوبهم كشرط لتطهّرهم بالماء. ورغم أنّ سيّدنا عيسى (سلامُهُ علينا) لم يكن له ذنوب وخطايا يتوب عنها، لكنّه تطهّر بالماء ليعلن استعداده لتولّي منصب المسيح الملك من الله تعالى. 16 وما إن خَرَجَ عيسى (سلامُهُ علينا) مِن الماءِ حتّى انشَقَّت السَّماءُ، فرأى هُبوطَ رُوحِ اللهِ مِثل حَمامةٍ واستَقَرَّت عليهِ، 17 وأقبَلَ مِن السَّماءِ صَوتٌ يَقولُ: “هوذا الحَبيبُ، الابنُ الرُّوحيُّ لي، وقد رَضِيتُ عَنهُ كُلَّ الرِّضى”.§ ستكرّر عبارة “الابن الرّوحيّ لله” كثيرًا في هذا الكتاب. وهي في الترجمات العربية التاريخية “ابن الله”. ولا تشير مطلقًا إلى البنوّة ذات الطبيعة البشريّة. حاشا لله! إنّما كان هذا لقبا يشير إلى الملك المختار الذي يجب أن يكون من سلالة النبي داود (عليه السّلام). وفي هبوط روح الله على سيّدنا عيسى، بيّن الله أنه قد اختاره ليكون المسيح الملك على المملكة الرّبّانيّة. أمّا جلوس السّيّد المسيح على العرش فسيحدث بعد ثلاث سنوات ونصف السنة، عند قيامته من بين الأموات. ويشير الصوت القادم من السماء إلى كلمات الله الموجّهة إلى الملك المختار والتي جاء ذكرها في المزمور الثاني من الزبور، كما يشير في الوقت ذاته إلى نبوءة أشعيا عن المسيح المنتظر (كتاب النبي أشعيا، الفصل 42). وهذا اللقب يشير إلى الصلة الحميمة بين الله والسّيّد المسيح، وعلى هذا الأساس يمنح المسيح أتباعه الحقّ ليكونوا أهل بيت الله. وإنّه كلمة الله التي ألقاها إلى مريم العذراء فأصبحت إنسانًا بقوّة روح الله. وحسب الإنجيل، فإنّ كلمة الله هي صفة قائمة في ذاته تعالى. ومن هذا المنطلق نتمكّن من فهم كيف يتمتّع السّيّد المسيح (سلامه علينا) بسلطة على بيت الله كسلطة الابن البكر عند الناس.

*الفصل الثّالث:1 كان النبي يحيى بن زكريا يسير على خطى النبي إلياس وغيره من الأنبياء الذين توجّهوا إلى البريّة للانعزال بعيدًا بسبب جحود شعبهم الشديد. وتقع تلك البراري بين القدس والبحر الميت. وكان النبي يحيى ينشر دعوته ويطهّر الناس بالماء على الضفّة الشرقية من نهر الأردن.

الفصل الثّالث:6 عندما اعتنق الوثنيّون الديانة اليهوديّة، كان عليهم التوبة والتطهّر في الماء، وكان على الذكور منهم الختان. وهنا يقول النبي يحيى (عليه السلام) بأنّ هؤلاء اليهود أصبحوا كأنهم وثنيّون، وأنهم بحاجة إلى الأوبة إلى الله والرجوع إليه بصورة شاملة مرّة ثانية. وبيّن النبي يحيى بأنّ الله لا ينحاز إلى اليهود بسبب انحدارهم من سلالة النبي إبراهيم (عليه السّلام).

الفصل الثّالث:15 تقبّلُ الناس التطهّرَ في الماء على يد النبي يحيى دليلٌ على أنّهم مستعدّون للإيمان بالمسيح المنتظر قدومُه من بعده. وكان يجب عليهم أن يتوبوا عن خطاياهم وذنوبهم كشرط لتطهّرهم بالماء. ورغم أنّ سيّدنا عيسى (سلامُهُ علينا) لم يكن له ذنوب وخطايا يتوب عنها، لكنّه تطهّر بالماء ليعلن استعداده لتولّي منصب المسيح الملك من الله تعالى.

§الفصل الثّالث:17 ستكرّر عبارة “الابن الرّوحيّ لله” كثيرًا في هذا الكتاب. وهي في الترجمات العربية التاريخية “ابن الله”. ولا تشير مطلقًا إلى البنوّة ذات الطبيعة البشريّة. حاشا لله! إنّما كان هذا لقبا يشير إلى الملك المختار الذي يجب أن يكون من سلالة النبي داود (عليه السّلام). وفي هبوط روح الله على سيّدنا عيسى، بيّن الله أنه قد اختاره ليكون المسيح الملك على المملكة الرّبّانيّة. أمّا جلوس السّيّد المسيح على العرش فسيحدث بعد ثلاث سنوات ونصف السنة، عند قيامته من بين الأموات. ويشير الصوت القادم من السماء إلى كلمات الله الموجّهة إلى الملك المختار والتي جاء ذكرها في المزمور الثاني من الزبور، كما يشير في الوقت ذاته إلى نبوءة أشعيا عن المسيح المنتظر (كتاب النبي أشعيا، الفصل 42). وهذا اللقب يشير إلى الصلة الحميمة بين الله والسّيّد المسيح، وعلى هذا الأساس يمنح المسيح أتباعه الحقّ ليكونوا أهل بيت الله. وإنّه كلمة الله التي ألقاها إلى مريم العذراء فأصبحت إنسانًا بقوّة روح الله. وحسب الإنجيل، فإنّ كلمة الله هي صفة قائمة في ذاته تعالى. ومن هذا المنطلق نتمكّن من فهم كيف يتمتّع السّيّد المسيح (سلامه علينا) بسلطة على بيت الله كسلطة الابن البكر عند الناس.