الفصل السّابع عشر
تجلّي السّيّد المسيح
وبَعدَ سِتّةِ أيّامٍ اصطَحَبَ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) بُطرُسَ الصَّخَرَ ويَعقوبَ وأخاهُ يوحَنّا، وصَعِدوا جَبَلاً عاليًا ليَكونوا على انفِرادٍ. وهُناكَ تَجَلّى عيسى (سلامُهُ علينا) لهُم في مَشهَدٍ عَظيم، إذ شَعَّ وَجهُهُ كالشَّمسِ، وأصبَحَت ثيابُهُ ناصِعةَ البَياضِ والنّورُ يَشِعُّ مِنها. ثُمّ ظَهَرَ فَجأةً أمامَ الجَميعِ النَّبيّانِ موسى وإلياسُ وشَرَعا في الحَديثِ مَعَ سَيّدِنا عيسى (سلامُهُ علينا).* كان النبي موسى والنبي إلياس قائدين بارزين لبني يعقوب. وذكرهما هنا بمثابة استحضار للتوراة وكتب الأنبياء. فالتَفَتَ بُطرُسُ إلى عيسى (سلامُهُ علينا) قائلاً: “يا سَيِّدي ما أروَعَ هذه الصُّحبةَ! إن أرَدتَ، أقَمتُ هُنا ثلاثةَ مَقامات، مَقامٌ لكَ، ومَقامٌ للنَّبيِّ موسى، ومَقامٌ للنَّبيِّ إلياسَ”. كان بطرس يعتقد أنه من الضرورة أن يسكن النبي إلياس على الأرض مدّة من الزمن بعد رجوعه من الغيبة، ويكون هذا قبل يوم الدين. وكان اعتقاده يتّفق مع مفهوم عامة الناس لنبوءات الأنبياء، لذا استحسن بناء مقام له ولمرافقيه. وفَجأةً غَمَرَتْهُم سَحابةٌ مُضيئةٌ قَطَعَت حَديثَهُ وإذا بصَوتٍ يَرتَفِعُ مِنها قائلاً: “هوذا الحَبيبُ، الابنُ الرُّوحيُّ لي، وقد رَضيتُ عَنهُ كُلَّ الرِّضى، فأطيعوهُ!” ولمّا سَمِعَ أتباعُهُ (سلامُهُ علينا) ذاكَ الصَّوتَ خَرّوا أرضًا خِشيةً ورَهبةً فاقتَرَبَ مِنهُم عيسى (سلامُهُ علينا) ولَمَسَهُم قائلاً: “انهَضوا ولا تَخافوا”. فنَظَروا حَولَهُم فلم يَروا إلاّ عيسى (سلامُهُ علينا) وَحدَهُ.
وعِندَما غادَروا المَكانَ ونَزَلوا مِن الجَبَلِ، أوصاهُم سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) قائلاً: “لا تُخبِروا أحَدًا بما رَأيتُم حتّى اليَومِ الّذي يُبعَثُ فيهِ سَيِّدُ البَشَرِ حيًّا”. 10 وهُنا تَوَجَّهوا إليهِ بالسُّؤالِ مُستَفسِرينَ: “لِماذا يَقولُ عُلَماءُ التَّوراةِ إنّ عَودةَ النَّبيِّ إلياسَ مِن غَيبتِهِ ستَكونُ قَبلَ مَجيءِ المَسيحِ المُنتَظَر؟!” طرح الحواريون هذا السؤال لاعتقادهم أن النبي إلياس سيبقى في الأرض مدة من الزمن قبل بعث الأموات ويوم الدين. لكن عندما ظهر النبي إلياس أمامهم، ولم يبق فترة طويلة، احتاروا في كلام سيِّدنا عيسى عن قيامته في المستقبل القريب. وكانوا يشيرون هنا إلى نبوءة النبي ملاكي، الذي أنبأ بعودة النبي إلياس قبل يوم الدين ومجيء المسيح المنتظر قائلاً: “ها أنا أرسل إليكم النبي إلياس قبل أن يأتي يومُ قضاء الله العظيم الرهيب”. 11 فأجابَهُم: “صَدَقَ عُلَماءُ التَّوراةِ في هذا، إنّ إلياسَ قد عادَ فِعلاً للمُصالَحةِ بَينَ النّاسِ في كُلِّ شؤونِهِم، 12 لكنّهُم لم يُدرِكوا هويَّتَهُ، وأساؤوا مُعامَلتَهُ، فكذلِكَ حالُ سَيّدِ البَشَرِ الّذي سيَكونُ عَذابُهُ على أيدي هؤلاءِ”. 13 عِندئذٍ فَهِمَ الأتباعُ بأنّ ذلِكَ النَّبيَّ العائدَ إنّما هو يَحيى بِن زَكَريّا (عليه السّلام).§ كان السيد المسيح يقصد بهذا الكلام أن النبي يحيى حقق بظهوره الوعود التي جاءت عن النبي إلياس.
عيسى (سلامُهُ علينا) يحرّر ولدًا من مسّ شيطانيّ
14 وعِندَ وُصولِهِم إلى سَفحِ الجَبَلِ وعَودتِهِم إلى الجُموعِ، أقبَلَ على سَيِّدِنا عيسى (سلامُهُ علينا) رَجُلٌ ورَكَعَ أمامَهُ 15 قائلاً: “يا سَيِّدي، ارحَم ابنِي مِن داءِ الصَّرعِ الّذي يُعَذِّبُهُ كَثيرًا، فيَجعَلُهُ عُرضةً للخَطَرِ، إذ كَثيرًا ما يَسقُطُ في النّارِ أو يَغرَقُ في الماءِ. 16 وقد أحضَرتُهُ لأتباعِكَ ليَشفُوهُ إلاّ أنّهُم فَشِلوا في ذلِكَ”.
17 فالتَفَتَ (سلامُهُ علينا) إلى الحاضِرينَ قائلاً: “أيُّها الشَّعبُ الضّالُّ، أتَظُنّونَ أنّي باقٍ بَينَكُم إلى الأبَدِ؟ إلى مَتى أصبِرُ على ضَلالِكُم؟! هاتوا الصَّبيَّ”. 18 فحَمِلوهُ إليهِ فعَرَفَ سَيِّدُنا عيسى بأنّ هُنالِكَ شَيطانًا يَصرَعُهُ، فنَهَرَ الشّيطانَ ووَبَّخَهُ، فانسَلَّ مِنهُ سَريعًا وأصبَحَ الصَّبيُّ سالِمًا مُعافًى. 19 ثُمّ جاءَهُ أتباعُهُ وسَألوهُ على انفِرادٍ: “لِمَ عَجَزنا نَحنُ عن فِعلِ ذلكَ؟!” 20 فأجابَهُم قائلاً: “لِضآلةِ ثِقتِكُم باللهِ. والحقَّ أقولُ لكُم: لو كُنتُم تَملِكونَ مِن الثِّقةِ بِهِ تَعالى مِقدارَ حَبّةِ خَردلٍ، فحتّى الجَبَلُ يَنصاعٌ لأوامرِكُم بمُجَرَّدِ أن تَأمروهُ، فيَنتَقِلَ مِن مَكانِهِ إلى مَكانٍ آخَر! وما استَحالَ عليكُم شَيءٌ! 21 أمّا هذا النَّوعُ مِن الشَّياطينِ فلا تَستَطيعونَ قَهرَهُ مِن تِلقاءِ أنفُسِكُم، إلاّ بطَلَبِ عَونِ اللهِ بالصَّومِ والصَّلاةِ”.
نبوءة السّيّد المسيح مرّة ثانية بموته
22 وذاتَ مَرّةٍ عِندَما كانَ (سلامُهُ علينا) وأتباعُهُ في الجَليلِ، أخبَرَهُم قائلاً: “ستَتِمُّ خِيانةُ سَيّدِ البَشَرِ بتَسليمِهِ إلى جَماعةٍ مِن النّاسِ 23 لِقَتلِهِ، ولكنّهُ سيُبَعثُ في اليومِ الثّالثِ حيًّا”. وعِندئذٍ حَزِنَ أتباعُهُ (سلامُهُ علينا) حُزنًا شَديدًا.* فهم الحواريون من كلام سيِّدنا عيسى أنه كان يشير إلى موته ثم بعثه مع جميع الموتى يوم القيامة، لذلك لم يفهموا المقصود من كلامه. فقد كان يتنبأ بأنه سيبعث من الموت في زمنهم، قبل يوم القيامة، ولن يموت بعد ذلك أبدًا.
عيسى (سلامُهُ علينا) والضّريبة الّتي تقدّم لبيت الله
24 وعِندَ وُصولِهِ (سلامُهُ علينا) وأتباعِهِ بَلدةِ كَفْرَناحومَ، أقبَلَ جامِعو ضَريبةِ الدِّرهمَين على بُطرُسَ الصَّخَر سائلينَ: “مُعَلِّمُكُم يؤدّي ما يَجِبُ عليهِ مِن ضَريبةٍ لبَيتِ اللهِ المُقَدَّسِ، ألَيسَ كذلِكَ؟” أظهر اليهود انتماءهم إلى شعبهم في فلسطين ودعمهم لبيت الله المقدّس من خلال دفع هذه الضريبة. لكن بما أن السيد المسيح انتقد فساد نظام بيت الله، فكر جُباة الضرائب أنّه ربّما سيرفض دفع الضريبة. 25 فأخبَرَهُم بالإيجابِ. وعِندَ دُخولِ بُطرُسَ الدّارِ بادَرَهُ (سلامُهُ علينا) بقولِهِ: “أخبِرني يا بُطرُسُ، مِمَّن يأخُذُ مُلوكُ الأرضِ الضَّريبةَ أو الجِزية؟ هل يَجْبونَها مِن أهلِ بيتِهِم أم مِن الآخَرينَ؟!” 26 فأجابَهُ: “إنّهُم يَجمَعونَها مِن الآخَرينَ”. فقالَ (سلامُهُ علينا): “ فالضَّريبةُ إذن غَيرُ مَفروضةٍ على بُيوتِ المُلوكِ. 27 وهكذا يَجِبُ أن يَكونَ حالي وحالُ أتباعي، أهل بَيتِ اللهِ، لَيسَ علينا أداءُ تِلكَ الضَّريبةِ، ولكن حتّى لا نُثيرَ حَولَنا الشُّبُهاتِ، اذهَبْ إلى البُحيرةِ وألقِ الصِّنّارةَ والتَقِطْ أوّلَ سَمَكةٍ، فستَجِدُ في فَمِها قِطعةَ نَقدٍ قيمتُها أربَعة دَراهِم. فخُذها وادفَعها عنّا نَحنُ الاثنَين”.

*الفصل السّابع عشر:3 كان النبي موسى والنبي إلياس قائدين بارزين لبني يعقوب. وذكرهما هنا بمثابة استحضار للتوراة وكتب الأنبياء.

الفصل السّابع عشر:4 كان بطرس يعتقد أنه من الضرورة أن يسكن النبي إلياس على الأرض مدّة من الزمن بعد رجوعه من الغيبة، ويكون هذا قبل يوم الدين. وكان اعتقاده يتّفق مع مفهوم عامة الناس لنبوءات الأنبياء، لذا استحسن بناء مقام له ولمرافقيه.

الفصل السّابع عشر:10 طرح الحواريون هذا السؤال لاعتقادهم أن النبي إلياس سيبقى في الأرض مدة من الزمن قبل بعث الأموات ويوم الدين. لكن عندما ظهر النبي إلياس أمامهم، ولم يبق فترة طويلة، احتاروا في كلام سيِّدنا عيسى عن قيامته في المستقبل القريب. وكانوا يشيرون هنا إلى نبوءة النبي ملاكي، الذي أنبأ بعودة النبي إلياس قبل يوم الدين ومجيء المسيح المنتظر قائلاً: “ها أنا أرسل إليكم النبي إلياس قبل أن يأتي يومُ قضاء الله العظيم الرهيب”.

§الفصل السّابع عشر:13 كان السيد المسيح يقصد بهذا الكلام أن النبي يحيى حقق بظهوره الوعود التي جاءت عن النبي إلياس.

*الفصل السّابع عشر:23 فهم الحواريون من كلام سيِّدنا عيسى أنه كان يشير إلى موته ثم بعثه مع جميع الموتى يوم القيامة، لذلك لم يفهموا المقصود من كلامه. فقد كان يتنبأ بأنه سيبعث من الموت في زمنهم، قبل يوم القيامة، ولن يموت بعد ذلك أبدًا.

الفصل السّابع عشر:24 أظهر اليهود انتماءهم إلى شعبهم في فلسطين ودعمهم لبيت الله المقدّس من خلال دفع هذه الضريبة. لكن بما أن السيد المسيح انتقد فساد نظام بيت الله، فكر جُباة الضرائب أنّه ربّما سيرفض دفع الضريبة.