الفصل الثّامن عشر
قيم أهل المملكة الرّبّانيّة: التّواضع
وبَعدَ حَديثِهِ (سلامُهُ علينا) مَعَ بُطرُسَ الصَّخَر بقَليلٍ، أقبَلَ عليهِ أتباعُهُ وسألوهُ: “مَن أعظَمُ شأنًا في أهلِ المَملَكةِ الرَّبّانيّةِ؟” فاستَدعى (سلامُهُ علينا) طِفلاً وطَلَبَ مِنهُ الوقوفَ في وَسَطِهِم قائلاً: “الحقَّ أقولُ لَكُم، إن لم تَتَغَيّروا وتُصبِحوا مِثلَ الأطفالِ بغَيرِ مَراكِز، فلن يَكونَ بمَقدورِكُم الانضِمامُ إلى مَملكةِ اللهِ المَوعودةِ.* في عصر السيد المسيح لم تكن للأطفال أية مرتبة أو سلطة أو اعتبار في حد ذاتهم، بل كانوا معتمدين بشكل تام على والديهم. والسيد المسيح يحثّ أتباعه هنا على التواضع أمام الله، والخضوع له والاعتماد عليه تعالى كأنهم أطفال. مَن استَطاعَ مِنكُم التَّواضُعَ كالأطفالِ، كانَ الأرفَعَ شأنًا في مَملكةِ اللهِ. ومَن قَبِلَ مَبعوثي ولو كانَ طِفلاً، فقد قَبِلَني”.
“وأقولُ لكُم: مَن ضَلَّلَ أحَدَ المؤمنينَ بي، وإن كانَ صَغيرَ الشّأنِ، فسَوفَ يَنوءُ بذَنبِهِ. عِندئذٍ خَيرٌ لهُ أن يَحمِلَ حَجَرَ الرَّحى على كاهِلِهِ، ويَغوصَ في البَحرِ بَعيدًا مِن أن يواجِهَ خالقَهُ بهذا الذَّنبِ. والوَيلُ ثُمّ الوَيلُ لمَن يَحمِلُ النّاسَ على الضّلالِ. إنّ الضَّلالَ مَوجودٌ في الدُّنيا لا مَحالة، ولكنِ الوَيلُ والثُّبورُ لمَن يُضَّلِّل النّاسَ!
وأقولُ: إن كانَت يَدُكَ أو رِجلُكَ سَببًا لضَلالِكَ، فاقطَعْها وارمِها بَعيدًا، فالأفضَلُ أن تَدخُلَ دارَ الخُلدِ بيَدٍ واحدةٍ أو برِجْلٍ واحدةٍ مِن أن يَكونَ لكَ يَدانِ ورِجلانِ وتُرمى في النّارِ الأبديّة. وإن كانَ لِعَينكَ دورٌ في ضَلالِكَ فاقلَعْها وارمِ بها بَعيدًا، فخَيرٌ لكَ أن تَدخُلَ دارَ الخُلدِ بِعَينٍ واحدةٍ مِن أن يَكونَ لكَ عينانِ وتُلقى في نارِ جَهَنَّم.
10 إيّاكُم أن تَحتَقِروا أحدَ أتباعي حتّى لو كانَ ضَعيفًا، فإنّهُم يَحظَونَ بحِراسةِ مَلائكتِهِم الأعلى دَرَجةً في السَّماءِ إذ يَنظُرونَ في كُلِّ حينٍ إلى وَجهِ اللهِ أبي الصَّمَدِ في عُلاه.”
الخروف الضّائع
11 “لقد جاءَ سَيِّدُ البَشَرِ مِن أجلِ هؤلاءِ الضّالّينَ ليُنقِذَهُم إلى الأبَدِ. 12 وما رأيُكُم، إن كانَ لرَجُلٍ مِئةُ خَروفٍ، وضَلَّ واحدٌ مِنها، ألا يَترُكُ القَطيعَ كُلَّهُ بعُهدةِ آخرَ ويَذهَبُ للبَحثِ عَنهُ في التِّلالِ؟ 13 وحينَ يَجِدُهُ ألا يَفرَحُ بِهِ كَثيرًا؟! الحقَّ أقولُ لكُم: ستَكونُ فَرحَتُهُ بالعُثورِ عليهِ أكثَرَ مِن فَرحَتِهِ بالخَرافِ التِّسعةِ والتِّسعينَ الّتي لم تَضِلّ. 14 كذلكَ هو فَرَحُ اللهِ أبيكُم الرَّحيمِ في عُلاه، لأنّهُ لا يُريدُ ضَلالَ أيِّ واحدٍ مِنكُم يا أتباعي”.
الأخ الّذي يخطئ
15 “وأقولُ لكُم، إنْ أخطَأ أخوكَ المؤمنُ في حَقِّكَ، فاذهَب إليهِ، وأفصِحْ لهُ عَمّا في قَلبِكَ وعاتِبْهُ على انفِرادٍ. فإن أصغى إليكَ فُزتَ بأخيكَ، 16 وإن لم يَسمَع فعُدْ إليهِ مَرّة أُخرى بصُحبةِ واحدٍ أو اثنينِ مِن إخوانِكَ، لأنّ الحُكمَ في القَضايا لا يَكونُ إلاّ بِناءً على شَهادةِ شاهدَينِ أو ثلاثةٍ، كما جاءَ في التَّوراةِ. 17 فإن رَفَضَ ذلِكَ، فأخبِرْ جَماعةَ المؤمنينَ، فإن أقرّوا أنّكَ على صَوابٍ، ورَفَضَ الاستِماعَ إليهِم جَميعًا، فاعتَبِرْهُ كالوَثَنيِّ أو جابي ضَرائبِ الرُّومان. 18 والحقَّ أقولُ لكُم: إنّ اللهَ مَنَحَكُم القُدرةَ على تَفسيرِ تَعاليمي وخُصوصًا مِنها تِلكَ الّتي تَتَعَلَّقُ بالحَلِّ والرَّبطِ. 19 فإن اتَفَّقَ اثنانِ مِنكُم على أمرٍ يَطلُبانِهِ في دُعائهِما، فإنّ اللهَ أبي الصَّمَدَ في عُلاه يَستَجيبُ لهُما، 20 لأنّهُ حَيثُ يَجتَمِعُ اثنانِ أو ثلاثةٌ مِن أتباعي باسمي، فأنا مَعَهُم”.
ضرورة المسامحة
21 ثُمّ أقبَلَ بُطرُسُ الصَّخَرُ على سَيِّدِنا عيسى (سلامُهُ علينا) قائلاً: “يا سَيِّدي، كَم مَرّةً أُسامِحُ أخي المؤمنَ إن اخطَأ بحَقّي؟ أسبعَ مَرّات أُسامِحُهُ؟” 22 فأجابَهُ (سلامُهُ علينا): “لَيسَ سَبعًا بل سَبعًا وسَبعينَ مَرّة! كان فقهاء اليهود في ذلك الوقت يعلّمون الناس أن مسامحة أخطاء شخص ما ثلاث مرات كان أمرا محمودا، لذلك ظن بطرس الصخر أن مسامحة الأخطاء سبع مرات عمل كريم جدا. لكن سيِّدنا عيسى يدعو هنا إلى ضرورة الاستعداد لمسامحة الأخطاء دون حدود. واختياره العدد الرمزي 77 كان إشارة إلى أحد المقاطع في التوراة (سفر التكوين 4: 23‏-24) عن شخص من نسل قابيل بن آدم، أول المجرمين القَتلة، وهذا الشخص يدعى لامِك. وقد أعلن في ذلك المقطع بشكل وحشي أنه ينتقم لنفسه سبعة وسبعين مرة. وهو الموقف الذي يتنافض تماما مع تعاليم السيد المسيح.
23 فإنّ مَثَلَ التَّسامُحِ في مَملكةِ اللهِ كمَثَلِ مَلِكٍ أرادَ أن يُحاسِبَ رِجالَ حاشيتِهِ الّذينَ اقتَرَضوا مِنهُ مالاً. 24 فجيءَ إليهِ بواحدٍ مَدين لهُ بمِليون قِطعةٍ مِن الفِضّة، 25 ولم يَكُن يَملِكُ ما يُسَدِّدُ بِهِ الدَّينَ، فأمَرَ المَلِكُ ببَيعِ الرَّجُلِ وامرأتِهِ وأولادِهِ عَبيدًا، وكُلِّ ما يَملِكُ لسَدادِ الدَّين. 26 إلاّ أنّ الرَّجُلَ ألقى بنَفسِهِ أمامَ المَلِكِ مُتَضَرِّعًا قائلاً: “أمهِلني عَلَّني أُسَدِّدُ ما عليّ مِن دَينٍ!” 27 فأشفَقَ عليهِ المَلِكُ وسامَحَهُ بما لهُ عليهِ مِن دَينٍ، وأطلَقَ سَراحَهُ. 28 وعِندَما غادَرَ ذلكَ الرَّجُلُ المَكانَ، لقي زَميلاً لهُ مِن رِجالِ الحاشيةِ كانَ لهُ عليهِ دَينٌ بَسيطٌ بقيمةِ مِئة دِرهَمٍ، فأمسَكَ بِهِ وأخَذَ بِخِناقِهِ قائلاً: “ادفَع ما لي عليكَ مِن دَينٍ!” 29 فرَمى زَميلُهُ بنَفسِهِ عِندَ قدميهِ مُتَوَسِّلاً قائلاً: “أمهِلني عَلَّني أُسَدِّدُ ما عليّ مِن دَين!” 30 إلاّ أنّ صاحِبَ الدَّينِ رَفَضَ تَوَسُّلَ الرَّجُلِ وألقاهُ في السِّجنِ لِسَدادِ الدَّينِ. يُلقى هذا الشخص في السجن بسبب ديونه التي لا يستطيع تسديدها وذلك طمعا في أن يسددها له أهله وأصدقاؤه. 31 ورأى الآخَرونَ مِن رِجالِ الحاشيةِ ما حَصَلَ فاستاؤوا كَثيرًا، وأخبَروا سَيِّدَهُم المَلِكَ بكُلِّ ما جَرى. 32 فنادى المَلِكُ على الرَّجُلِ قائلاً: “أيُّها الفاسِدُ، تَوَسَّلتَ إليّ فأسقَطتُ عَنكَ دُيونَكَ، 33 ألم يَكُن الأجدَرُ بكَ أن تَرحَمَ زَميلَكَ كَما رَحَمتُكَ أنا؟!” 34 وغَضِبَ المَلِكُ وسَلَّمَهُ إلى الجَلاّدينَ في السِّجنِ حتّى يَدفَعَ كُلَّ ما عليهِ مِن دَينٍ. 35 وأقولُ لكُم هكذا يُعامِلُكُم اللهُ أبي الصَّمَدُ إن لم يَصفَح أحَدُكُم عن أخيهِ المؤمنِ مِن كُلِّ قَلبِهِ”.

*الفصل الثّامن عشر:3 في عصر السيد المسيح لم تكن للأطفال أية مرتبة أو سلطة أو اعتبار في حد ذاتهم، بل كانوا معتمدين بشكل تام على والديهم. والسيد المسيح يحثّ أتباعه هنا على التواضع أمام الله، والخضوع له والاعتماد عليه تعالى كأنهم أطفال.

الفصل الثّامن عشر:22 كان فقهاء اليهود في ذلك الوقت يعلّمون الناس أن مسامحة أخطاء شخص ما ثلاث مرات كان أمرا محمودا، لذلك ظن بطرس الصخر أن مسامحة الأخطاء سبع مرات عمل كريم جدا. لكن سيِّدنا عيسى يدعو هنا إلى ضرورة الاستعداد لمسامحة الأخطاء دون حدود. واختياره العدد الرمزي 77 كان إشارة إلى أحد المقاطع في التوراة (سفر التكوين 4: 23‏-24) عن شخص من نسل قابيل بن آدم، أول المجرمين القَتلة، وهذا الشخص يدعى لامِك. وقد أعلن في ذلك المقطع بشكل وحشي أنه ينتقم لنفسه سبعة وسبعين مرة. وهو الموقف الذي يتنافض تماما مع تعاليم السيد المسيح.

الفصل الثّامن عشر:30 يُلقى هذا الشخص في السجن بسبب ديونه التي لا يستطيع تسديدها وذلك طمعا في أن يسددها له أهله وأصدقاؤه.