مدخل إلى مرقس
كان الهدف من الوحي الذي سجَّله مرقس هو تعريف الناس بكون سيدنا عيسى هو المسيح الملك؛ وهو لقب لا يحقّ لأحد سواه. والكثير من الأمور التي سجّلها مرقس مذكورة في سِجِلَيْ كلٍّ من متّى ولوقا (وبقدر أقلَّ في سجلّ يوحنّا)، ولكن قصب السبق في تسجيل الوحي يعود إلى مرقس. كان مرقس يُدعى أيضا يوحنّا، وكان مؤمنا وثيق الصلة بحواريي سيدنا عيسى المسيح، لاسيما بطرس الصخر. فقد رافق الحواري بطرس في أسفاره حسب ما هو معروف، واشتغل ترجمانا له. لذلك تسنّى له أن يعرف بطرس وتعاليمه عن قرب. كما يخبرنا الكتاب أنّه رافق خاله يوسف برنابا في رحلة الدعوة، وبخاصّة إلى جزيرة قبرص. بعد ذلك نجده في روما صحبة الحواري بولس، ويبدو أنّ الله اختاره هناك ليسجّل وحي سيدنا عيسى. ذلك أنّ روما كانت عاصمة الإمبراطوريه الرومانية، وكان انتشار سجلّ الوحي من هناك إلى كلّ أطراف الإمبراطورية سريعا وسهلا.
يعتبر سجلّ مرقس لِوَحي وسيرة سيدنا عيسى المسيح هو الأقصر بين السجلات الأربعة المثبتة في الإنجيل. كما تتّسم سيرة السيد المسيح في سجلّ مرقس بحركية أكبر لتركيزها على معجزاته وأعماله المدهشة. ويبدو أنّ هذا السجلّ موجَّه لغير اليهود نظرا لاهتمام الكاتب بتفسير الكلمات الآرامية والعادات اليهودية الواردة فيه.
لقد صنع سيدنا عيسى العديد من المعجزات منذ بداية رسالته، كاشفا من خلال ذلك سلطته على الأمراض، والعاهات، والجن، وقوى الطبيعة، وحتّى الموت. وهذه المعجزات العظيمة أظهرت صدق رسالته كنبي مرسل من الله. كما تشهد تعاليمه وأعماله أنّه المسيح المنتظر الذي اختاره الله ليكون المنقذ لشعبه والحاكم عليه إلى الأبد. وقد اعتقد العديد من القادة الدينيين أنّ المسيح المنتظر سوف يأتي لتخليص اليهود من اضطهاد الرومان، وإعادة عظمة مملكة إسرائيل التي كانت لها على عهد النبي داود (عليه السّلام). ولأنّ سيدنا عيسى لم يظهر كقائد سياسي عظيم كما كانوا يتوقّعون، فقد رفضوا أن يعتبروه المسيح المنتظر.
لكنّ الكثير من النّاس آمنوا بسيدنا عيسى المسيح واتّبعوا تعاليمه. فكان أن اعتبره القادة الدينيون خطرا على امتيازاتهم السياسية في ظلّ الاحتلال الروماني، نظرا لاحتمال قيام الاضطرابات بسبب تلك التعاليم. فدبّروا خطة لقتله على يد السلطات الرومانية، لكنّهم لم يكونوا يعلمون أنّ ذلك كان جزءا من الخطة التي أعدّها الله مسبّقا لموت سيدنا عيسى ككبش أضحى (سيرة الحواريين 4: 28) كي يفتح طريق النجاة من نار الجحيم أمام البشر من جميع الأعراق، ويمنحهم الخلود في نعيمه (مرقس 10: 45).
بسم الله تبارك وتعالى
الإنجيل الشّريف
الوحيُ الذّي سجّله مَرقُس الرّفيق
الفصل الأوّل
ظهور النّبيّ يحيى بن زكريا
هُنا تَبدَأُ سِيرةُ الابنِ الرُّوحيِّ للهِ،* إن مصطلح “الابن الروحي لله” هنا تعريب للمصطلح الذي يُترجم عادة بـ”ابن الله”. ولكن لا علاقة لمعناه مطلقا في لغة الوحي اليونانية بعملية الإنجاب المألوفة؛ معاذ الله! بل هو لقب للملك المختار الذي يجب أن يكون من سلالة النبي داود، فهذا اللقب يشير إلى الصلة الحميمة بين الله والسيد المسيح، وعلى هذا الأساس يمنح المسيح أتباعه الحقَّ ليكونوا أهل بيت الله. وهذا اللقب يعني أيضا أنّه المسيح المنتظر الذي يحكم المملكة الأبدية التي وعد الله بها عباده الصالحين. وإنّه كلمة الله التي ألقاها إلى مريم العذراء وأصبحت إنسانًا بقوّة روح الله. وحسب الإنجيل، كلمة الله هي صفة قائمة في ذاته تعالى. ومن هذا المنطلق نستطيع أن نرى كيف يكون لدى المسيح (سلامه علينا) سلطة على بيت الله كسلطة الابن البكر عند الناس. البِشارةُ بسَيّدِنا عِيسى المَسيحِ. “المسيح” وهو لقب يعني (الممسوح بالزيت) ويعني أيضًا (الذي اختاره الله). وكان المقصود من هذه العبارة أنّ الله أيّد بروحه الشخص الذي اختاره ليكون المسيح الملك وأعانه على تتميم مسؤولياته. وورد في التوراة كما في كتب الأنبياء أن من يُدعى المسيح سيكون هو المنقذ الموعود الذي سوف يقيم مملكة النبي داود (عليه السّلام) من جديد ويبسط عدالة الله وسلامه على الأرض. كَتَبَ النَّبيُّ مَلاكي عن قُدومِ المَسيحِ (سلامُهُ علينا): “قالَ اللهُ تَعالى: ها أنا أبعَثُ أمامَكَ رَسولي يُمَهِّدُ لكَ الطَّريقَ”. لقد أعلن الله للنبيّ ملاكي (عليه السّلام) عن قدوم المسيح المنتظر، وقدوم النبي يحيى (عليه السّلام) الذي سبق مقدم السيد المسيح، مع أنّ النبي ملاكي عاش تقريبًا في سنة 450 قبل الميلاد. والله سبحانه وتعالى خاطب السيد المسيح (سلامُهُ علينا) قبل ولادته في علمه وكلامه الأزليين. وأبانَ كِتابُ أشعيا النَّبيِّ§ عاش النبي أشعيا (عليه السّلام) في مملكة يهوذا من العام 740 إلى 701 ق.م. ذلِكَ بقَولِهِ: “وسيُنادي هذا الرَّسولُ في البَراري أنّ على النّاسِ أن يُهيِّئوا نُفوسَهُم لمَولاهُم كَما تُمَهَّدُ السُّبُلُ لِمَقدَمِ مَلِكٍ عَظيمٍ”. وظَهَرَ هذا الرَّسولُ.
وهو النَّبيُّ يَحيى بِن زَكَريّا (عليه السّلام) يُنادي في الأَودِيةِ والقِفارِ،* كان النبي يحيى (عليه السّلام) يقيم على الأرجح في منطقة في صحراء يهوذا التي تقع بين القدس والبحر الميت. أن تَطَهَّروا أيّها النّاسُ بالماءِ وتُوبوا إلى اللهِ واستغفِروهُ. وأقبَلَ عليهِ النّاسُ مِن جَميعِ أنحاءِ يَهوذا ومِن القُدسِ، فطَهَّرَهُم بماءِ نَهرِ الأُردُنّ بَعدَ أن اعتَرَفوا بخَطاياهُم.
وكانَ النَّبيُّ يَحيى (عليه السّلام) رَجُلاً زاهِدًا، يَستَتِرُ بثَوبٍ مِن وَبَرِ الجِمالِ، ويَضَعُ نِطاقًا مِن الجِلدِ على وَسَطِهِ، ويأكُلُ جَرادًا وعَسَلاً بَرّيًّا. كانَ يُبَشِّرُ بقُربِ قُدومِ سَيِّدِنا عيسى المَسيحِ (سلامُهُ علينا) ويَقولُ: “لَيأتيَنَّ مِن بَعدي مَن هو أشَدُّ مِنّي قوّةً وأسمى مَنزِلةً، حتّى إنّي لَستُ أهلاً لِحَلِّ رِباطِ نَعليهِ. ولئن طَهَّرتُ أجسادَكُم بالماءِ، فسَيُطَهِّرُ هو أرواحَكُم بحُلولِ رُوحِ اللهِ فيكُم”.
النّبيّ يحيى يطهّر المسيح بالماء
وقَدِمَ سَيِّدُنا عِيسَى (سلامُهُ علينا)، في تِلكَ الأيّامِ، مِن بَلدةِ النّاصِرةِ في الجَليلِ، وتَطَهَّرَ على يَدِ النَّبيِّ يَحيى في ماءِ نَهرِ الأُردُنّ. 10 وعِندَ خُروجِهِ مِن الماءِ، رأى السَّماواتِ وقد انشَقَّتْ، ورُوحُ اللهِ كحَمامةٍ عليهِ نَزَلَت، 11 وسُمِعَ صَوتٌ مِن السّماءِ يَقولُ: “أنتَ الحَبيبُ، الابنُ الرُّوحيُّ لي، وقد رَضِيتُ بكَ كُلَّ الرِّضى”.
الشّيطان يحاول إغواء سيّدنا عيسى
12 وفي الحالِ تَوَجَّهَ مُنقادًا برُوحِ اللهِ إلى البَوادي، 13 فأقامَ فيها بَينَ الوُحوشِ أربعينَ يَومًا، تَخدِمُهُ المَلائكَةُ، والشَّيطانُ يُحاوِلُ إغواءَهُ اِمتِحانًا لهُ.
سيّدنا عيسى وأوائل أتباعه
14 وبَعدَ أن اُعتُقِلَ النَّبيُّ يَحيى بِن زَكَريّا، خَرَجَ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) إلى الجَليلِ ببِشارَتِهِ قائلاً: 15 “ها قد حانَ الوَعدُ الحَقُّ، واقترَبَت مَملكَةُ اللهِ المَوعودَةُ! فتوبوا أيُّها العِبادُ، وآمِنوا بهذِهِ البِشارةِ”. 16 وفيما كانَ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) يُبَشِّرُ بالدَّعوةِ، مَرَّ، على شاطئ بُحَيرةِ طَبَرِيّا (بُحيرة الجَليل) بصَيّادَينِ هُما سَمعانُ وأخوهُ أنْدَراوسُ يُلقيانِ الشّباكَ، 17 فدَعاهُما لاتّباعِهِ وقالَ: “اتبَعاني، فكَما تَجمَعانِ السَّمَكَ بمَهارةٍ، ستَجمَعانِ حَولَكُما البَشَرَ بالمَهارةِ نَفسِها. 18 فبادَرا بتَركِ شِباكِهِما واتّبَعاهُ على الفَورِ. 19 وواصَلَ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) المَسيرَ فالتَقى يَعقوبَ بِن زَبَدي وأخاهُ يُوحَنّا وكانا في القارِبِ يُصلِحانِ شِباكَهُما، 20 وما إن دَعاهُما تِلكَ الدَّعوةَ حتّى تَرَكا أباهُما زَبَدي ومُعاونَيْهِ في القارِبِ وتَبِعاهُ. سبب اتّباع هذين الصيادين للمسيح (سلامُهُ علينا) دون تفكير هو الخلفية التي كانت لديهما عند شيوع خبر ظهور المسيح الذي بشّر به النبي يحيى (عليه السّلام) والذي جاء في الكتب السماوية بالإضافة إلى شيوع تعاليمه التي كان قد باشر نشرها بين الناس.
المسيح عيسى ومعجزته في طرد شيطان
21 وقَصَدَ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) وأتباعُهُ مَعَهُ قَريَةَ كَفرَناحومَ، ودَخَلَ يَومَ السَّبتِ بَيتًا للعِبادةِ حَيثُ كانَ النّاسُ يَجتمِعونَ كعادتِهِم، وبَدأ يُعَلِّمُهُم 22 فذُهِلَ مَن حَولَهُ، لأنّهُ كانَ يُعَلِّمُهُم بحُجّةٍ وسُلطانٍ، مُميَّزًا في تَعليمِهِ عن عُلماءِ التّوراةِ. 23 وفَجأةً دَخَلَ ذلِكَ البَيتَ رَجُلٌ بِهِ مَسٌّ مِن الشّيطانِ فصَرَخَ قائلاً: 24 “دَعنا وشأنَنا يا عِيسى النّاصِريّ، أي عيسى من بلدة الناصرة. أجِئتَ لِتُهلِكَنا نحنُ الشَّياطين؟ فأنا أعلَمُ أنّ لكَ سُلطانًا علينا، فأنتَ رَسولُ اللهِ المُقَدَّس!” 25 فأمَرَ سَيِّدُنا عِيسَى (سلامُهُ علينا) الشّيطانَ قائلاً: “اِخرَسْ واُخرُجْ مِن الرَّجُلِ!” 26 مِمّا جَعَلَ الرَّجُلَ يَتَخَبَّطُ صارِخًا صَرخَةً انسَلَّ إثرَها الشّيطانُ مِن جَسَدِهِ.
27 ووَقَفَ النّاسُ أمامَ هذا المَشهَدِ، مَشدوهينَ مُتَسائلينَ: “أهي رِسالةٌ جَديدةٌ مِن حَكيمٍ خَبيرٍ، يَمتدُّ سُلطانُها إلى الشَّياطينِ، يأمُرُهُم فيَخِرّونَ مُطيعينَ؟!” 28 وكذا شاعَ في أنحاءِ الجَليلِ خَبَرُ مُعجِزتِهِ (سلامُهُ علينا) في طَردِ الشّياطينِ وسُلطانِهِ عليهِم.
معجزة المسيح في إبراء أمّ زوجة بطرس
29 وخَرَجَ سَيِّدُنا عِيسى (سلامُهُ علينا) مِن بَيتِ العِبادةِ، ومَعَهُ تابِعاهُ يَعقوبُ ويُوحَنَّا إلى بَيتِ سَمعان (الّذي سَمّاهُ المَسيحُ، فيما بَعدَ، بُطرُس) وأنْدَراوسَ. 30 وكانَت حَماةُ بُطرُسَ تَرقُدُ طَريحَةَ الفِراشِ لِحُمّى أصابَتها. فحَدَّثوا سَيّدَنا عِيسى عن مَرَضِها، 31 فاقتَرَبَ مِنها وأمسَكَ بيَدِها وأنهَضَها وقد زالَت عَنها الحُمّى، فقامَت تَخدِمُهُم.
32 وبَعدَ المَغيبِ، جاءَ النّاسُ إلى عيسى (سلامُهُ علينا) ومَعَهُم مَرضاهُم، ومَن بِهِم مَسٌّ مِن الشَّياطينِ،§ سبب مجيء الناس بعد الغروب أنّهم انتظروا نهاية يوم السبت تحاشيًا لوقوعهم في حُرمة يوم السبت. 33 ووَقَفَ كُلُّ أهلِ البَلدةِ على البابِ في انتِظارِ مُعجِزَتِهِ في شِفاءِ المَرضى، وطَردِ الشّياطينِ مِن أجسامِ الكَثيرينَ. 34 فاستَجابَ لهُم سَيّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا)، وشَفى كثيرًا مِن المَرضى وطَرَدَ الشّياطينَ مِن النّاسِ، وأمَرَ (سلامُهُ علينا) الشَّياطينَ بعَدَمِ الحَديثِ عَنهُ، لأنّهُم كانوا على عِلمٍ بحَقيقتِهِ.* سبب ذلك يعود إلى أنّ السيد المسيح (سلامُهُ علينا) خاف أن يرتبط في أذهان الناس بصلة مع الشياطين لكونهم أوّل من أخبر عن حقيقته. وهناك ربّما سبب آخر، وهو أنّه (سلامُهُ علينا) أراد أن تكون هدايته للناس أولاً، بعدها سيعرف الناس من خلال تعليمه أنّه المسيح المنتظر لكن ليس كما كان مصوّرًا في الأذهان بأنّه ذاك البطل الوطني الذي يحارب أعداء بني إسرائيل بالسيف.
نشر الرّسالة في الجليل
35 وفي اليومِ التّالي، تَرَكَ سَيِّدُنا عِيسَى (سلامُهُ علينا) بَلدةَ كَفْرَناحومَ في كَبِدِ اللّيلِ، وقَصَدَ مَكانًا قَفرًا اختَلى فيهِ بنَفسِهِ، خاشِعًا مُصلِّيًا مُناجيًا اللهَ، 36 وخَرَجَ بُطرُسُ وبَقيّةُ أتباعِهِ يَبحَثونَ عَنهُ، وعِندَما وَجَدوهُ، سَألوهُ مُلاقاةَ النّاسِ وقالوا: 37 “جَميعُ النّاسِ في البَلدةِ يَطلُبونَكَ”. 38 لكنّهُ قالَ لهم: “لا بُدَّ مِن نَشرِ رِسالةِ اللهِ في القُرى المُجاوِرةِ أيضًا، لأنّي مِن أجلِ ذلِكَ بُعِثتُ”. 39 وسارَ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) يَطوفُ في أنحاءِ الجَليلِ ومَعَهُ أتباعُهُ، مُبَشّرًا بالرّسالةِ في بُيوتِ العِبادةِ، مُستَمِرًّا في طَردِ الشّياطينِ مِن النّاس.
شفاء الأبرص
40 وأقبَلَ رَجُلٌ مُصابٌ بالبَرَصِ على سَيِّدِنا عِيسَى، مُتَوَسّلاً إليهِ، جاثيًا على رُكبتَيهِ قائلاً: “إن شِئتَ، فأنتَ قادِرٌ على تَطهيرِ مَرَضي الرَّجِسِ”. 41 فلم يَشمَئزَّ سَيِّدُنا عِيسَى (سلامُهُ علينا) مِن الرَّجُلِ لِكَونِهِ نَجِسًا، أمر الله في التوراة باعتزال الأبرص بسبب نجاسته، والحكمة في ذلك عدم انتقال العدوى إشفاقًا على الناس. بَل دَنا مِنهُ مُشفِقًا، لامِسًا جَسَدَهُ بيَدِهِ قائلاً: “بل مَشيئَتي أن تَطهُرَ، فَليُرفَعْ عَنكَ الرِّجسُ”. 42 فبَرِئَ الرَّجُلُ في الحالِ وذَهَبَ عَنهُ البَرَصُ، 43 وصَرَفَهُ سَيِّدُنا عِيسَى (سلامُهُ علينا) مُحَذِّرًا إيّاهُ بشِدّةٍ قائلاً: 44 “إيّاكَ أَن تُخبِرَ أحَدًا بشَيءٍ الآن، ولكِنِ اذهَبْ إلى أحَدِ الأحبارِ فيَراكَ، ويُعطيكَ الشَّهادةَ بأنّكَ بَرِئتَ، ثُمّ قَدِّم الذّبَائحَ المَفروضَةَ حَمدًا للهِ على سَلامتِكَ وتَحقيقًا لِما جاءَ في تَوراةِ النَّبيِّ موسى، ويَكونُ ذلِكَ بُرهانًا بأنّكَ بَرئتَ”. 45 إلاّ أنّ الرَّجُلَ بَعدَ انصِرافِهِ أشاعَ خَبَرَ شِفائِهِ في كُلِّ مَكانٍ، حتّى صَعُبَ على سَيِّدِنا عِيسَى (سلامُهُ علينا) الدُّخولُ إلى أيّةِ بَلدةٍ عَلانيةً، فأصبَحَ يَنزِلُ في القِفارِ والبَراري، ولكِنّ ذلِكَ لم يَمنَعِ النّاسَ مِن الإقبالِ عليهِ مِن كُلِّ حَدبٍ وَصَوبٍ.

*الفصل الأوّل:1 إن مصطلح “الابن الروحي لله” هنا تعريب للمصطلح الذي يُترجم عادة بـ”ابن الله”. ولكن لا علاقة لمعناه مطلقا في لغة الوحي اليونانية بعملية الإنجاب المألوفة؛ معاذ الله! بل هو لقب للملك المختار الذي يجب أن يكون من سلالة النبي داود، فهذا اللقب يشير إلى الصلة الحميمة بين الله والسيد المسيح، وعلى هذا الأساس يمنح المسيح أتباعه الحقَّ ليكونوا أهل بيت الله. وهذا اللقب يعني أيضا أنّه المسيح المنتظر الذي يحكم المملكة الأبدية التي وعد الله بها عباده الصالحين. وإنّه كلمة الله التي ألقاها إلى مريم العذراء وأصبحت إنسانًا بقوّة روح الله. وحسب الإنجيل، كلمة الله هي صفة قائمة في ذاته تعالى. ومن هذا المنطلق نستطيع أن نرى كيف يكون لدى المسيح (سلامه علينا) سلطة على بيت الله كسلطة الابن البكر عند الناس.

الفصل الأوّل:1 “المسيح” وهو لقب يعني (الممسوح بالزيت) ويعني أيضًا (الذي اختاره الله). وكان المقصود من هذه العبارة أنّ الله أيّد بروحه الشخص الذي اختاره ليكون المسيح الملك وأعانه على تتميم مسؤولياته. وورد في التوراة كما في كتب الأنبياء أن من يُدعى المسيح سيكون هو المنقذ الموعود الذي سوف يقيم مملكة النبي داود (عليه السّلام) من جديد ويبسط عدالة الله وسلامه على الأرض.

الفصل الأوّل:2 لقد أعلن الله للنبيّ ملاكي (عليه السّلام) عن قدوم المسيح المنتظر، وقدوم النبي يحيى (عليه السّلام) الذي سبق مقدم السيد المسيح، مع أنّ النبي ملاكي عاش تقريبًا في سنة 450 قبل الميلاد. والله سبحانه وتعالى خاطب السيد المسيح (سلامُهُ علينا) قبل ولادته في علمه وكلامه الأزليين.

§الفصل الأوّل:3 عاش النبي أشعيا (عليه السّلام) في مملكة يهوذا من العام 740 إلى 701 ق.م.

*الفصل الأوّل:4 كان النبي يحيى (عليه السّلام) يقيم على الأرجح في منطقة في صحراء يهوذا التي تقع بين القدس والبحر الميت.

الفصل الأوّل:20 سبب اتّباع هذين الصيادين للمسيح (سلامُهُ علينا) دون تفكير هو الخلفية التي كانت لديهما عند شيوع خبر ظهور المسيح الذي بشّر به النبي يحيى (عليه السّلام) والذي جاء في الكتب السماوية بالإضافة إلى شيوع تعاليمه التي كان قد باشر نشرها بين الناس.

الفصل الأوّل:24 أي عيسى من بلدة الناصرة.

§الفصل الأوّل:32 سبب مجيء الناس بعد الغروب أنّهم انتظروا نهاية يوم السبت تحاشيًا لوقوعهم في حُرمة يوم السبت.

*الفصل الأوّل:34 سبب ذلك يعود إلى أنّ السيد المسيح (سلامُهُ علينا) خاف أن يرتبط في أذهان الناس بصلة مع الشياطين لكونهم أوّل من أخبر عن حقيقته. وهناك ربّما سبب آخر، وهو أنّه (سلامُهُ علينا) أراد أن تكون هدايته للناس أولاً، بعدها سيعرف الناس من خلال تعليمه أنّه المسيح المنتظر لكن ليس كما كان مصوّرًا في الأذهان بأنّه ذاك البطل الوطني الذي يحارب أعداء بني إسرائيل بالسيف.

الفصل الأوّل:41 أمر الله في التوراة باعتزال الأبرص بسبب نجاسته، والحكمة في ذلك عدم انتقال العدوى إشفاقًا على الناس.