الفصل الحادي عشر
السيّد المسيح يدخل مدينة القدس
ثُمّ تَوَجَّهَ سَيِّدُنا عِيسَى (سلامُهُ علينا) وأتباعُهُ إلى مَدينةِ القُدس، ولمّا اقتَرَبوا مِنها وَصَلوا إلى قَريةِ بَيتَ فِجَّ وقَرية بَيتَ عَنْيا عِندَ جَبَلِ الزَّيتونِ. فأرسَلَ سَيِّدُنا عِيسَى اثنَينِ مِن أتباعِهِ وأوصاهُما: “اُدخُلا تِلكَ القَرية، فسَتجِدانِ في الحالِ جَحشًا مَربوطًا لم يَمتَطِهِ أحَدٌ مِن قَبلُ، فحُلاّ رِباطَهُ، وجيئا بِهِ. وإنِ اعترَضَكُما أحَدٌ فقُولا لهُ إنّ سَيِّدَنا بحاجةٍ إليهِ، وسَيُعيدُهُ إليكُم في الحالِ”. وهكَذا ذَهَبا، وفَعَلا كَما أوصاهُما سَيّدُنا عِيسَى (سلامُهُ علينا)، فوَجَدا جَحشًا قد رُبِطَ إلى جانبِ بابٍ في بَيتٍ على الطَّريقِ، فحَلاّ رِباطَهُ، فاعتَرَضَهُما بَعضُ النّاسِ قائِلينَ: “لماذا تَفعَلانِ ذلِكَ؟” فأجابا بِما أوصاهُما عِيسَى (سلامُهُ علينا). ومَضَيا بالدّابّة إليهِ، مُلقيَيْنِ بثوبَيْهِما على ظَهرِها، فرَكِبَ عليها سَيِّدُنا عِيسَى ومَضَى في طَريقِهِ فأخَذَ عَدَدٌ كَبيرٌ مِن النّاسِ يَفرِشونَ ثِيابَهم على تِلكَ الطَّريق،* في التراث الديني اليهودي، أن المسيح المنتظر عندما يأتي، سيكون راكبًا حصانا أبيضَ ليعلن الحرب على أعداء قومه، من هنا كان لركوب السيد المسيح (سلامُهُ علينا) الجحش دلالة خاصّة تتعلّق بما كان متعارفا عليه في التقاليد الشرقية من أنّ الملك الذي يريد السلام لا يمتطي حصانًا بل يركب جحشا، وكان ركوب السيد المسيح (سلامُهُ علينا) الجحش تعبيرًا عن رغبته بدخول القدس الشريف بالسلام. وافتَرَشَ آخَرونَ أغصانًا قطعوها مِنَ الحُقولِ. وأخَذَ مَن يَتقَدّمونَ مَوكِبَهُ ومَن يَتبَعونَهُ يَهتِفونَ قائلينَ: “عاشَ المُنقِذُ المُحَرِّرُ! تَبارَكَ المَلِكُ الآتي باسمِ اللهِ، 10 وبَرَكاتُهُ على مَملكتِهِ الّتي سَتَقومُ على الأرضِ، مَملَكةِ سَيِّدِنا داود المُنتَظَرَة! اللهُمّ مُدّهُ بالنَّصرِ مِن عِندِكَ!” 11 ثُمَّ دَخَلَ عِيسَى (سلامُهُ علينا) القُدسَ مُتَوجِّهًا إلى حَرَمِ بيتِ اللهِ مُمعِنًا النَّظَرَ في كُلِّ شيءٍ. ثُمّ خَرَجَ بَعدَ ذلِكَ، مُتَوجِّهًا إلى بَلدةِ بَيتِ عَنيا مَعَ حَواريِّيهِ، وكانَ الوَقتُ قد تأخَّرَ.
السيّد المسيح وشجرة التّين
12 وبَعدَ خُروجِ سَيِّدِنا عِيسَى (سلامُهُ علينا) وأتباعِهِ مِن بَلدةِ بَيتِ عَنْيا في اليَومِ التّالي، شَعُرَ بالجُوعِ، 13 ولَمَحَ عن بُعدٍ شَجَرةَ تِينٍ مُورِقَة، ولم يَكُنْ قد حانَ أوانُ نُضجِ ثَمرِها، فأرادَ أن يأكُلَ شيئًا مِن تِلكَ الثِّمارِ الفَجَّةِ، فلمّا اقتَرَبَ مِنها، لم يَجِد ثَمَرًا، 14 فخاطَبَها قائلاً: “لن تَطرَحي بَعدَ الآنَ ثَمَرًا إلى الأبَدِ!” وسَمِعَهُ أتباعُهُ. رأى المسيح (سلامُهُ علينا) أن شجرة التين التي لم تحمل ثمرًا في أوان إثمارها لا أمل يرجى منها، وشجرة التين ترمز إلى بني إسرائيل كما جاء عند الأنبياء الأقدمين.
السيّد المسيح يطرد الباعة من حرم بيت الله
15 وعادَ سَيّدُنا عِيسَى (سلامُهُ علينا) وأتباعُهُ بَعدَ ذلِكَ إلى القُدس، ودَخَلَ الحَرَمَ الشَّريفَ طارِدًا الباعةَ والزُّبُنَ، مُبَعِثرًا مَناضِدَ الصَّيارِفة من فرائض العبادة دفع ضريبة بيت الله بالعملة التي تسمّى “الشاقل”. ولم يكن رجال الدين يقبلون العملات الأجنبية. لذلك كان يجب على العابدين صرف النقود التي عليها نقوش ترمز إلى الوثنية. ومَقاعِدَ باعةِ الحَمامِ المُعَدِّ للذَّبائِحِ، 16 مانِعًا التُّجّارَ مِنَ المُرورِ بالحَرَمِ الشَّريفِ قَصدَ التّجارةِ، 17 مُخاطبًا إيّاهُم بقولِهِ: “أما عَلِمتُم ما جاءَ في الكِتابِ؟ قالَ تَعالى: “إنّي أقَمتُ بَيتي ليُصَلّي فيهِ النّاسُ مِن جَميع شُعوبِ الأرضِ”، إلاّ أنّكُم خالَفتُم ذلِكَ وجَعَلتُم بَيتَ اللهِ وَكرًا للُّصوصِ”.
18 وسَمِعَ رُؤساءُ أحبارِ اليَهودِ وعُلماءُ التّوراةِ بذلِكَ، فأخَذوا يَتَشاوَرونَ حَولَ طَرِيقَةِ التّخَلُّصِ مِنهُ بقَتلِهِ، وكانوا يَخشَوْنَ ذلِكَ لأنّ الجُمهورَ كُلَّهُ كانَ يُجِلّهُ مُعجَبًا بِتعاليمِهِ إلى دَرَجةٍ كَبيرَةٍ. 19 وفي المَساءِ غادَرَ سَيِّدُنا عِيسَى وأتباعُهُ المَدينة.
العبرة من شجرة التّين
20 وعادَ سَيِّدُنا عِيسَى وأتباعُهُ في الصَّباحِ التّالي إلى القُدسِ، ولَمَحوا شَجَرةَ التِّينِ وقد أصابَها اليُبْسُ مِن جُذورِها. 21 وتَذَكَّرَ بُطرُسُ الصَّخر حِينئذٍ أمْرَ عِيسَى (سلامُهُ علينا) السّابِق لشَجَرَةِ التِّين. فالتَفَتَ إليهِ قائلاً: “اُنظُرْ يا سَيِّدي، إنّ التِّينةَ الّتي طَلَبتَ أن تَحِلَّ عليها اللعنة قد يَبِسَتْ!” 22 فخاطَبَ سَيِّدُنا عِيسَى أتباعَهُ واعِظًا: “يَلزِمُكُم الإيمانُ باللهِ. 23 الحقَّ أقولُ لكُم، إذا آمَنَ أحَدُكم باللهِ دُونَ شَكٍّ ولا رَيبٍ، وطَلَبَ مِنَ الجَبَلِ أن يَنطَرِحَ في البَحرِ، انطَرَحَ فيهِ. 24 ولهذا فإنّي أُخبِرُكُم بأنّكُم إذا كُنتُم على يَقينٍ مِن أنّ اللهَ سيُجيبُ طَلبَكُم، فسيَكونُ لكُم ذلِكَ. 25 وإذا قُمتُم إلى الصَّلاةِ فطَهِّروا قُلوبَكُم مِن ضَغِينةٍ تَحمِلونَها على مَن أخطَأ في حَقِّكُم، وسامِحُوهُ ليَغفِرَ لكُم اللهُ أبوكُم الرَّحمَنُ الرّحيمُ في عُلاه، ولِيَعفُوَ عن زَلاَّتِكُم. 26 ولن يَعفوَ عنها ما دامَ في نُفُوسِكُم غِلٌّ للَّذينَ لم تَصفَحوا عَنهُم”.
السلطة الّتي منحها الله تعالى للسيّد المسيح
27 وقَفَلَ سَيِّدُنا عِيسَى (سلامُهُ علينا) وأتباعُهُ عائِدينَ إلى مَدينةِ القُدسِ مَرّةً أُخرَى، وبَينَما هو يَتَجَوّلُ في حَرَمِ بَيتِ اللهِ، جاءَ إليهِ رؤساءُ الأحبارِ وعُلماءُ التَّوراةِ وأعيانُ الشَّعبِ 28 قائِلينَ: “ما تِلكَ السُّلطةُ الّتي تُمَكّنُكَ مِن طَردِ التُّجّارِ مِنَ الحَرَمِ، ومَن مَنَحَكَ إيّاها حتّى تَقومَ بهذا العَمَلِ؟”§ رأى رجال الدين اليهود أنّ عمل السيد المسيح هذا داخلَ حرم بيت الله الواقع تحت سلطتهم هو تحدٍّ لهم. 29 فأجابَهُم قائلاً: “سَأخبِرُكُم إذا أجَبتُموني عَن سُؤالي: 30 مَنِ الَّذي مَنَحَ الحقَّ للنّبيِّ يَحيى ليُطَهِّرَ النّاسَ بالماءِ؟ النّاسُ أمِ اللهُ؟! أجيبُوني!” 31 فأخَذوا يَتَشاورونَ فيما بَينَهُم: “إن قُلنا إنّ اللهَ هو مَن مَنَحَهُ ذلِكَ فسيَقولُ: فلِمَ لم تُؤمِنوا بِهِ؟ 32 وإن قُلنا إنّ النّاسَ هُمُ الَّذينَ مَنَحوهُ ذلكَ الحَقَّ، فسَوفَ يُهاجِمُنا المُؤمِنون بِهِ لأنّهُم يَنسِبونَ إليهِ النُّبُوَّة!” 33 فأجابوهُ (سلامُهُ علينا) قائِلينَ: “لا نَدرِي مَن مَنَحَهُ ذلكَ الحَقَّ”. فقالَ لهُم: “إن كانَتْ تِلكَ إجَابتَكُم عن سُؤالي، فأنا أيضًا لن أخبِرَكُم عمَّن مَنَحَني سُلطتي لأقومَ بتِلكَ الأعمالِ!”

*الفصل الحادي عشر:8 في التراث الديني اليهودي، أن المسيح المنتظر عندما يأتي، سيكون راكبًا حصانا أبيضَ ليعلن الحرب على أعداء قومه، من هنا كان لركوب السيد المسيح (سلامُهُ علينا) الجحش دلالة خاصّة تتعلّق بما كان متعارفا عليه في التقاليد الشرقية من أنّ الملك الذي يريد السلام لا يمتطي حصانًا بل يركب جحشا، وكان ركوب السيد المسيح (سلامُهُ علينا) الجحش تعبيرًا عن رغبته بدخول القدس الشريف بالسلام.

الفصل الحادي عشر:14 رأى المسيح (سلامُهُ علينا) أن شجرة التين التي لم تحمل ثمرًا في أوان إثمارها لا أمل يرجى منها، وشجرة التين ترمز إلى بني إسرائيل كما جاء عند الأنبياء الأقدمين.

الفصل الحادي عشر:15 من فرائض العبادة دفع ضريبة بيت الله بالعملة التي تسمّى “الشاقل”. ولم يكن رجال الدين يقبلون العملات الأجنبية. لذلك كان يجب على العابدين صرف النقود التي عليها نقوش ترمز إلى الوثنية.

§الفصل الحادي عشر:28 رأى رجال الدين اليهود أنّ عمل السيد المسيح هذا داخلَ حرم بيت الله الواقع تحت سلطتهم هو تحدٍّ لهم.