الفصل الثّاني
التّواضع في السّيّد المسيح
بما أنّكُم أصبَحتُم أقوياءَ بِانتِمائِكُم إلى السَّيّدِ المَسيحِ ومَحَبتُّهُ تُواسيكُم، وأنتُم مُتَوَحِّدونَ بِرُوحِ اللهِ، وقد حَلَّت الشَّفَقةُ والرَّحمةُ على قُلوبِكُم، فاغمُروني بالفَرَحِ عِندَما أراكُم على وِفاقٍ، تُوَحِّدُكُم المَحَبّةُ في قَلبٍ واحِدٍ وهَدَفٍ واحِدٍ. ولا تَتَنافُسوا مُتَحَزِّبينَ، ولا تَتَباهوا أمامَ النّاسِ، بَل تَواضِعوا بتَفضيلِ الآخَرينَ على أنفُسِكُم. واسعَوا إلى ما فيهِ الخَيرُ لِلآخَرينَ، ولا تَسعوا إلى ما فيهِ خَيرُكُم فُرادى، وكونوا على فِكرِ سَيِّدِنا عيسى المَسيحِ:
 
إنّهُ قائِمٌ مُنذُ الأزَلِ في ذاتِ اللهِ وُجودًا، ولم يَكُن إلى مُساواةِ اللهِ ساعيًا قَصودًا،* يرى أغلب العلماء أنّ بولس اقتبس هذا المقطع 2: 6‏-11 من نشيد أو من عقيدة موجزة تعبّر عن الإيمان الذي انتشر في ذلك العصر، واستندوا في ذلك إلى بنية المقطع وأسلوبه. وشاعت الاقتباسات الشّعريّة عند الكتاب الإغريق في تلك الفترة، غير أنّ بعض العلماء يرون أنّ هذا المقطع من إبداع بولس نفسه.
بل تَرَكَ مَقامَهُ العالي، واتَّخَذَ مَكانةَ العَبدِ، وجاءَ إلينا في هَيئةِ إنسانٍ تَجسيدًا،
وأطاع اللهَ بِذُلِّ ذَليلٍ حَتّى كانَ على صَليبِ المُجرِمينَ شاهِدًا مَشهودًا، طالب أتباع سيّدنا المسيح الأوائل بتفسير لمغزى موته على الصّليب، لأنّ الصّلب كان شكلا من أشكال الإعدام الأكثر تعبيرًا عن وضاعة المصلوب، ويُنفّذ فقط على المجرمين من غير الرّومان عبيدًا كانوا أو من بقية المنتمين إلى طبقات المجتمع الدّنيا. وقد كان اليهود يقدّرون الشّهداء كثيرا بسبب طاعتهم لله التي تصل حدَّ الموت. وفي هذا المقطع يوصف السيّد المسيح بالطّريقة نفسها بـ “عبد الله المخلص الأمين،” وهو أسلوب مقتبس من كتاب النّبي أشعيا (انظر الفصلين 52 و53).
فرَفَعَ اللهُ شأنَهُ عاليًا وجَعَلَ لهُ أعظَمَ الأسماءِ تَمجيدًا،
10 لذلِكَ سَتَنحَني مَلائِكةُ السَّماءِ كُلِّها،
وكُلُّ البَشَرِ على الأرضِ،
وكُلُّ الشَّياطينِ والجِنِّ في العالَمِ السُّفليِّ
وسيَركَعونَ أمامَ سَيِّدِنا عيسى
11 ويُبايعونَهُ جَميعًا على المَلإ بِقَولِهِم: “إنّ عيسى المَسيحَ سَيِّدُ العالَمينَ”،
تَمجيدًا للهِ الأبِ الرَّحيمِ. يلمّح الحواري بولس هنا إلى كتاب النّبي أشعيا 45: 23 الذي ذكر أن كلّ الأمم ستخضع لله في النّهاية. ويشير في ذلك إلى السيّد المسيح على اعتبار أنّه صفيُّ الله المختار، كما يقول إنّ الذين يكَرّمونه إنما يكَرّمون الله الذي اختاره، وسيكون من بين الرّاكعين، الملائكة “في السّماء”، إذ كان الوثنيّون اليونان يعبدون آلهة السّماء والأرض والبحر والعالم السفلي، وكانت أرواح الموتى حسب الأساطير اليونانيّة تقيم في العالم السفلي. لذلك يقول بولس إنّ جميع المخلوقات مهما كان نوعها ستعترف بسلطة السيّد المسيح الذي يفوق مقامُه كل مقام.
تضيئون كالنّجوم
12 يا أحبابي، لقد أطَعتُموني دائمًا عِندَما كُنتُ بَينَكُم، فاحرِصوا على طاعتي عِندَ غَيابي، واصمُدوا في إيمانِكُم واتَّقوا اللهَ كَي تَفوزوا بِالنَّجاةِ في النِّهايةِ. 13 لأنّ اللهَ هو الّذي يُنشئُ فيكُمُ الإرادةَ والقُدرةَ على العَمَلِ لإرضائِهِ.§ لا نجد نظيرًا في الكتابات التي تسبق زمن الإنجيل لفكرة الحواري بولس هنا بأنّ الله يُنشئ في المؤمنين الإرادة والعمل لأجل طاعته، باستثناء ما جاء في التّوراة والزّبور وغيرهما من كتب الأنبياء في إطار حديثها عن روح الله.
14 فاعمَلوا بِما أمَرَكُم بِهِ تَعالى دونَ تَذَمُّرٍ أو جِدالٍ،* يشير الحواري بولس إلى معاملة بني يعقوب للنّبي موسى (عليه السّلام) عندما كان في صحراء سيناء، حيث كانوا يتذمّرون ويشتكون باستمرار، وهو ما أدّى بهم إلى أن الله اعتبر أنّهم من غير أهل بيته بل هم جيل فاسد ضالّ (انظر التوراة، سفر التّثنية 32: 5). ويحثّ بولس سامعيه على اتّباع سلوك يخالف سلوك هؤلاء الضّالّين. 15 حَتّى تَكونوا عِيالَ اللهِ نُزَهاءَ طاهِرينَ. فكَما تُنيرُ النُّجومُ ظَلامَ السَّماءِ، أنيروا بِأعمالِكُم بَينَ أهلِ الفَسادِ والضَّلالِ. يستخدم بولس هنا صورة تشبه كثيرًا تلك الصورة التي استخدمها النبي دانيال (عليه السّلام) عندما شبّه عباد الله الصالحين بالنجوم. (انظر كتاب دانيال 12: 3) ونجد صورًا مشابهة لذلك في الإنجيل أيضا، (انظر متى 5: 16 و13: 40‏-43). 16 واعتَصِموا بِرِسالةِ الخُلدِ، حَتّى إذا تَجَلَّى سَيِّدُنا المَسيحُ، أمكَنَني أن أفتَخِرَ أنّ سَعيي وتَعبي لم يَذهَبا هَباءً، 17 ولقد دَفَعَكُم إيمانُكُمُ القَويُّ إلى تَقديمِ أنفُسِكُم قَرابين للهِ، وخِدمتِهِ بِكُلِّ إخلاصٍ، فحَتّى إن سُفِكَ دَمي قُربانًا مِن أجلِكُم، فسأفرَحُ بِذلِكَ كَثيرًا، وسأفرَحُ أكثَر بِثَباتِ إيمانِكُم. فرضت التوراة على بني يعقوب تقديم الأضاحي لله، وقرابين من الماء والشّراب تكريمًا له تعالى. ويقول بولس هنا إنّ مضطهديه سيقتلونه بسبب إيمانه بسيّدنا المسيح (سلامه علينا)، وستكون حياته بمثابة شراب مسكوب فوق قربان طاعتهم وصلاحهم. 18 فافرَحوا لأنّي مُستَعِدٌ أن أُضَحِّي بِحَياتي مِن أجلِكُم، واستَعِدّوا أنتُم بِدَورِكُم لِلتَّضحيةِ في سَبيلِ الآخَرينَ بِكُلِّ سُرورٍ.
الأخ تيموتاوي
19 وقَريبًا سأرسِلُ الأخَ تيموتاوي بِمَشيئةِ سَيِّدِنا عيسى، فيُريحُ قَلبي بالأخبارِ الّتي سيَحمِلُها عَنكُم، 20 فلا أحَدَ لي مِثلَهُ يُشارِكُني في مَشاغِلِ المُؤمِنينَ مُشارَكةً صادِقةً. 21 فالجَميعُ يَسعى إلى مَصلَحتِهِ الخاصّةِ، مُتَجاوزًا ما يَقصدُهُ سَيِّدُنا عيسى المَسيحُ. 22 أمّا تيموتاوي، فتَعرِفونَهُ وقد سَبَقَ لكُم أن امتَحَنتُم مَعدَنَهُ، وكانَ نِعمَ المُعينُ يُساعِدُني في الدَّعوةِ إلى سَيِّدِنا المَسيحِ كَما يُساعِدُ الابنُ أباهُ، 23 لِذلِكَ سأُرسِلُهُ إليكُم حالما أعرِفُ القَرارَ الّذي سيُصدِرُهُ القُضاةُ الرّومانُ في حَقّي،§ كان إرسال الأخبار في ذلك العصر صعبًا جدًّا، لأنه يستوجب رسولاً وكان هذا الأمر محفوفًا بالمخاطر في غالب الأحيان. لذلك فضّل بولس الانتظار حتّى يتمكّن من إرسال معلومات تتعلّق بنتيجة محاكمته. 24 ومَولاي عيسى المَسيحُ جَعَلَني على ثِقةٍ أنّي سألقاكُم قَريبًا.* من المحتمل أن بولس تمكّن من الذهاب إلى فيليبّي بعد إطلاق سراحه من إقامته الجبرية في روما، لأنه ذكر حقيقة عودته إلى مقاطعة مقدونيا في رسالة وجّهها بعد ذلك إلى الأخ تيموتاوي (انظر الرسالة الأولى إلى تيموتاوي 1: 3)
الأخ زهرائي
25 أمّا أخونا زَهرائي الّذي أرسَلتُموهُ إليّ فكانَ سَنَدي في ضِيقي فهو يُجاهِدُ إلى جانِبي كَمُعاوِنٍ ورَفيقِ لي، اسم زهرائي هو تعريب للاسم اليوناني Epaphroditus. وهو يعني “محبّ الإلهة أفروديت” وتدعى أيضا “فينوس”، و”الزهراء” باللّغة العربية، لكنه يختلف عن الأخ زُهري المذكور في رسالة كولوسي ورسالة فليمون. ولكنّي رأيتُ أن يَعودَ إليكُم 26 لأنّهُ مُشتاقٌ إليكُم جَميعًا. ولقد انزَعَجَ لأنّكُم عَلِمتُم بمَرضِهِ، 27 وقد مَرِضَ فِعلاً مَرَضًا شَديدًا أوشَكَ فيهِ على المَوتِ، واللهُ لم يُشفِقْ عليهِ وَحدَهُ، بل أشفَقَ عليّ أنا أيضًا، لِكَي لا يَزيدَني حُزنًا على حُزنٍ، 28 وهذا ما جَعَلَني أُعَجِّلُ في عَودتِهِ إليكُم، فإذا أبصَرتُموهُ فَرِحتُم كَثيرًا، وقَلَّ هَمّي. 29 فاستَقبِلوهُ بفَرَحٍ وسُرورٍ، كَما يَليقُ بشَهامةِ أتباعِ سَيّدِنا المَسيحِ، واكرِموا أمثالَهُ، كان بولس يحرص في ثنائه على زهرائي بسبب مرضه الخطير الذي منعه في غالب الأحيان من مساعدة بولس، وقد عيّنه أهل فيليبّي من أجل هذا الغرض. ولأن فيليبّي كانت مستعمرة رومانية، فربّما تأثّر المؤمنون هناك بفكرة الرومان السلبية عن الشخص الذي يفشل في المهمّة التي توكل إليه، فيجلب لنفسه الخزي مهما كانت ظروف فشله. لذلك يطلب بولس من أهل فيليبّي تكريم زهرائي لأنه خاطر بحياته في سبيل خدمته عوضًا عنهم. 30 لأنّهُ خاطَرَ بِحَياتِهِ مِن أجلِ سَيِّدِنا المَسيحِ ليُساعِدَني، وعَرَّضَ نَفسَهُ للمَوتِ في تَقديمِ المُساعَدَةِ نيابةً عنكُم لأنّكُم عَجَزتُم عن ذلِكَ بسَبَبِ بُعدِكُم.

*الفصل الثّاني:6 يرى أغلب العلماء أنّ بولس اقتبس هذا المقطع 2: 6‏-11 من نشيد أو من عقيدة موجزة تعبّر عن الإيمان الذي انتشر في ذلك العصر، واستندوا في ذلك إلى بنية المقطع وأسلوبه. وشاعت الاقتباسات الشّعريّة عند الكتاب الإغريق في تلك الفترة، غير أنّ بعض العلماء يرون أنّ هذا المقطع من إبداع بولس نفسه.

الفصل الثّاني:8 طالب أتباع سيّدنا المسيح الأوائل بتفسير لمغزى موته على الصّليب، لأنّ الصّلب كان شكلا من أشكال الإعدام الأكثر تعبيرًا عن وضاعة المصلوب، ويُنفّذ فقط على المجرمين من غير الرّومان عبيدًا كانوا أو من بقية المنتمين إلى طبقات المجتمع الدّنيا. وقد كان اليهود يقدّرون الشّهداء كثيرا بسبب طاعتهم لله التي تصل حدَّ الموت. وفي هذا المقطع يوصف السيّد المسيح بالطّريقة نفسها بـ “عبد الله المخلص الأمين،” وهو أسلوب مقتبس من كتاب النّبي أشعيا (انظر الفصلين 52 و53).

الفصل الثّاني:11 يلمّح الحواري بولس هنا إلى كتاب النّبي أشعيا 45: 23 الذي ذكر أن كلّ الأمم ستخضع لله في النّهاية. ويشير في ذلك إلى السيّد المسيح على اعتبار أنّه صفيُّ الله المختار، كما يقول إنّ الذين يكَرّمونه إنما يكَرّمون الله الذي اختاره، وسيكون من بين الرّاكعين، الملائكة “في السّماء”، إذ كان الوثنيّون اليونان يعبدون آلهة السّماء والأرض والبحر والعالم السفلي، وكانت أرواح الموتى حسب الأساطير اليونانيّة تقيم في العالم السفلي. لذلك يقول بولس إنّ جميع المخلوقات مهما كان نوعها ستعترف بسلطة السيّد المسيح الذي يفوق مقامُه كل مقام.

§الفصل الثّاني:13 لا نجد نظيرًا في الكتابات التي تسبق زمن الإنجيل لفكرة الحواري بولس هنا بأنّ الله يُنشئ في المؤمنين الإرادة والعمل لأجل طاعته، باستثناء ما جاء في التّوراة والزّبور وغيرهما من كتب الأنبياء في إطار حديثها عن روح الله.

*الفصل الثّاني:14 يشير الحواري بولس إلى معاملة بني يعقوب للنّبي موسى (عليه السّلام) عندما كان في صحراء سيناء، حيث كانوا يتذمّرون ويشتكون باستمرار، وهو ما أدّى بهم إلى أن الله اعتبر أنّهم من غير أهل بيته بل هم جيل فاسد ضالّ (انظر التوراة، سفر التّثنية 32: 5). ويحثّ بولس سامعيه على اتّباع سلوك يخالف سلوك هؤلاء الضّالّين.

الفصل الثّاني:15 يستخدم بولس هنا صورة تشبه كثيرًا تلك الصورة التي استخدمها النبي دانيال (عليه السّلام) عندما شبّه عباد الله الصالحين بالنجوم. (انظر كتاب دانيال 12: 3) ونجد صورًا مشابهة لذلك في الإنجيل أيضا، (انظر متى 5: 16 و13: 40‏-43).

الفصل الثّاني:17 فرضت التوراة على بني يعقوب تقديم الأضاحي لله، وقرابين من الماء والشّراب تكريمًا له تعالى. ويقول بولس هنا إنّ مضطهديه سيقتلونه بسبب إيمانه بسيّدنا المسيح (سلامه علينا)، وستكون حياته بمثابة شراب مسكوب فوق قربان طاعتهم وصلاحهم.

§الفصل الثّاني:23 كان إرسال الأخبار في ذلك العصر صعبًا جدًّا، لأنه يستوجب رسولاً وكان هذا الأمر محفوفًا بالمخاطر في غالب الأحيان. لذلك فضّل بولس الانتظار حتّى يتمكّن من إرسال معلومات تتعلّق بنتيجة محاكمته.

*الفصل الثّاني:24 من المحتمل أن بولس تمكّن من الذهاب إلى فيليبّي بعد إطلاق سراحه من إقامته الجبرية في روما، لأنه ذكر حقيقة عودته إلى مقاطعة مقدونيا في رسالة وجّهها بعد ذلك إلى الأخ تيموتاوي (انظر الرسالة الأولى إلى تيموتاوي 1: 3)

الفصل الثّاني:25 اسم زهرائي هو تعريب للاسم اليوناني Epaphroditus. وهو يعني “محبّ الإلهة أفروديت” وتدعى أيضا “فينوس”، و”الزهراء” باللّغة العربية، لكنه يختلف عن الأخ زُهري المذكور في رسالة كولوسي ورسالة فليمون.

الفصل الثّاني:29 كان بولس يحرص في ثنائه على زهرائي بسبب مرضه الخطير الذي منعه في غالب الأحيان من مساعدة بولس، وقد عيّنه أهل فيليبّي من أجل هذا الغرض. ولأن فيليبّي كانت مستعمرة رومانية، فربّما تأثّر المؤمنون هناك بفكرة الرومان السلبية عن الشخص الذي يفشل في المهمّة التي توكل إليه، فيجلب لنفسه الخزي مهما كانت ظروف فشله. لذلك يطلب بولس من أهل فيليبّي تكريم زهرائي لأنه خاطر بحياته في سبيل خدمته عوضًا عنهم.