الفصل الحادي عشر
الشّاهدان
ثُمّ أعطاني اللهُ عَصًا طَوِيلةً لِلقِياسِ، وأوحى إليّ قائِلاً: “عليكَ أن تَذهَبَ وتَقيسَ بَيتَ اللهِ ومَحرَقةَ القَرابينِ، واحصِ عَدَدَ العابِدينَ هُناكَ. ولا تَقِسِ الحَرَمَ الخارِجيَّ للبَيتِ، فقد خُصِّصَ للأُمَمِ الضّالةِ الّتي ستَدُوسُ المَدينةَ المُقَدَّسةَ تَحتَ أقدامِها ثَلاثَ سِنينَ ونِصف”.* تحدث سيدنا عيسى أيضا عن القدس التي داسها غير اليهود فترة من الزمن (انظر لوقا، 21: 24). ورد ذكر عدد ثلاث سنين ونصف في هذا الموقع (أو 42 شهراً في النص اليوناني) وورد أيضا في الرؤيا (13: 5) حيث طغى الوحش على الناس في تلك الفترة. ويرمز هذا الرقم إلى فترة حدّدها الله (وغالبا ما تحلّ فيها محنة وابتلاء)، وجاء ذكرها في البداية من كتاب النبي دانيال (7: 25)؛ (12: 7). ووُصفت هذه الفترة بطريقة مختلفة في كتاب الرؤيا، أي 1260 يوم بدل ثلاث سنين ونصف (الرؤيا 11: 3؛ 12: 6) كما وُصفت بـ “زمن، وزمنين، ونصف زمن” (12: 14). وقد استعمل يوحنّا رقم ثلاثة ونصف للدلالة على عدد الأيام الواقعة بين موت النبيين الشاهدين وصعودهما (11: 9، 11). ومن المرجّح أنّ ما تشير إليه عبارة “زمن، وزمنين، ونصف زمن” يدفع إلى الغموض عمدا. وتحمل هذه الدلالة معنى معين ولكنه غامض في الوقت نفسه. وعدد “ثلاث سنين ونصف” ينتمي إلى فترة زمنية أطول وتساوي سبع سنوات وهذا الرقم يدلّ على الأبدية، غير أنّ هذه السنوات انقسمت نصفين فجأة. وأوحى إليّ أيضًا: “سأُرسِلُ لِلنّاسِ شاهِدينِ اثنَينِ، لا توجد إشارة واضحة إلى هوية هذين الشاهدين. وتشترك شجرة الزيتون هنا في الرمز مع ما جاء في رؤيا النبي زكريّا بن بركيّا (زكريا، 3: 4؛ 3: 11 – 14) وفيها ذكر للملك وكبير الأحبار، على أنّهما القائدان المختاران اللذان سيوظفهما الله تعالى لتجديد بيته المقدّس وشعب ميثاقه. وتشبه الأعمال الخارقة التي جاء ذكرها في 11: 5 – 6 عقاب الأعداء الذي نفّذه النبي إلياس (انظر كتاب الملوك الثاني 1: 10؛ وكتاب الملوك الأول، 17: 1) شأن النبي موسى (انظر التوراة، سفر الخروج، 7: 17 – 19). وربّما تضمّنت صورة الشاهدين إشارة إلى شهادة أتباع السيد المسيح (أي جماعة الله) وقد وصفهم الحواري بطرس الصخر بأحبار الملك العظيم (انظر رسالة صخر الأولى 2: 9). يَلبَسانِ الخَيشَ حُزنًا على ضَلالِ النّاسِ، وسيَتَنَبّآنِ ثَلاثَ سِنينَ ونِصف”.
وسيَقِفُ هذانِ الشّاهِدانِ في مَحضرِ رَبِّ الأرضِ كُلِّها، وسيَكونان كَشَجَرَتَي زَيتُونٍ ومِصباحَينِ عِندَ رَبِّهِما. انظر الفصل الرابع من كتاب النبي زكريّا. فإن حاوَلَ أحَدٌ أن يُلحِقَ الأذى بِهِما، خَرَجَت نارٌ مِن أفواهِهما وقَضَت على أعدائِهما. هكذا يُهلِكُ اللهُ كُلَّ مَن يَسعى لإيذائِهِما. فهُما يَملِكانِ قُدرةً تُضاهي قُدرةَ النَّبيِّ إلياسَ لغَلقِ السَّماءِ وحَبسِ هُطولِ المَطرِ في الزَّمَنِ الّذي فيهِ يَتَنَبّآنِ. ويَملِكانِ قُدرةً بها يُحَوِّلانِ المياهَ إلى دِماءٍ شأن النَّبيِّ موسى، وبِها يُنزِلانِ كُلَّ أنواعِ البَلايا على النّاسِ مَتى أرادا.
وحِينَ يُكمِلُ الشّاهِدانِ شَهادتَهُما، يَصعدُ مِن الهُوّةِ السَّحيقةِ وَحشٌ فيُعلِنُ عليهِما الحَربَ فيَغلِبُهُما ويَقتُلُهُما.§ جاء في بداية الفصل الثالث عشر من كتاب الرؤيا وصف مفصّل لهذا الوحش. وعند مقارنة هذه الآية بما جاء في الآية 13: 1 نلاحظ أنّ ذكر “الهوّة السحيقة” هنا، يحيل إلى المياة العميقة. وقد اعتقد القدامى أنّ البحار بأعماقها المجهولة مصدر لشرور غير مألوفة. عِندئذٍ تُطرحُ جُثّتاهُما في ساحةِ المَدِينةِ العَظيمةِ حَيثُ صُلِبَ مَولاهُما (سلامُهُ علينا). وهذِهِ المَدينةُ تُسَمّى على سَبيلِ الرَّمزِ مَدينةَ قَومِ لوطٍ سَدُوم، أو مِصرَ أيّامِ فِرعون. ويَبقى النّاسُ مِن كُلِّ الشُّعوبِ والقَبائِلِ واللُّغاتِ والأُمَمِ في العالَمِ يُحْدِقونَ بجُثَّتَيْهِما ثَلاثةَ أيّامٍ ونِصف ويَمنَعونَ كُلَّ مَن أرادَ دَفنَهُما. 10 ويَتَشَفَّى بِمَوتِهِما أهلُ الدُّنيا ويَبتَهِجونَ ويَتَبادَلونَ الهَدايا ويَحتَفِلونَ، إذ أنزَلَ هذانِ النَّبيّانِ العَذابَ على أهلِ الأرضِ كُلِّها.
11 وبَعدَ مُرورِ ثَلاثةِ أيّامٍ ونِصفٍ على مَوتِ النَّبيّينِ، بَعَثَ اللهُ فيهِما الرُّوحَ فعادا إلى الحَياةِ، ووَقَفا على أقدامِهِما، فارتاعَ كُلُّ المحْدِقينَ بِهِما. 12 ثُمّ جاءَهُما مِن السَّماءِ صَوتُ هاتِفٍ عَظيمٍ: “اِصعَدا إلى هُنا!” فصَعِدا إلى السَّماءِ في سَحابةٍ بَينَما كانَ أعداؤهُما يُشاهِدونَهُما.
13 ووَقَعَ زِلزالٌ عَنيفٌ لَحظةَ رَفعِهِما إلى السَّماءِ، دُمِّرَ فيهِ عُشرُ المَدينةِ، وماتَ سَبعةُ آلافِ شَخصٍ. فارتَعَبَ النّاجونَ وسَبَّحوا رَبَّ العالَمينَ خَوفًا ورَهبةً. 14 ها قد مَضى الوَيلُ الثّاني وأصبَحَ الوَيلُ الثّالِثُ على الأبوابِ.
البوق السّابع والأخير
15 ثُمّ نَفَخَ المَلاكُ السّابِعُ في بُوقِهِ، فتَعالَت أصواتُ المَلائِكةِ في السَّماءِ قائلةً: “لقد صارَت كُلُّ مَمالِكِ العالَمِ مَملَكةً للهِ ولِلسَّيِّدِ المَسيحِ، وهي مُلكٌ للهِ إلى أبَدِ الآبِدينَ”. 16 وقامَ الشُّيوخُ الأربَعةُ والعِشرونَ عن عُروشِهِم وسَجَدوا للهِ في المَلإ الأعلى وتَعَبَّدُوهُ، 17 وقالوا: “اللهُمَّ، إنّكَ على كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ! يا حَيُّ يا قَيّومُ مُنذُ الأزَلِ وإلى الأبَدِ، نَحمَدُك لأنّكَ أظهَرتَ سُلطانَكَ العَظيمَ، وأسَّستَ مَملَكتَك المَوعودةَ بَينَ النّاسِ. 18 لقد غَضِبَتْ الأُممُ الضّالّةُ، وها قد حانَ يَومُ غَضَبِكَ، وآن أوانُ حِسابِ الأمواتِ وجَزاءِ الأنبياءِ والأولياءِ مِن عِبادِكَ، وكُلِّ الّذينَ يَهابونَ اسمَكَ صِغارًا وكِبارًا، أمّا الّذينَ أهلَكوا الأرضَ فتُهلِكُهُم”.
19 ثُمّ انفَتَحَ حِجابُ المِحرابِ الأقدَسِ في بَيتِ اللهِ في السَّماءِ، وظَهَرَ داخِلهُ صُندوقُ مِيثاقِ اللهِ،* صندوق الميثاق هو الصندوق الخشبي الكبير الذي أمر الله النبي موسى بصنعه (انظر التوراة، سفر التثنية، 10: 1 – 2). ويرمز إلى تجلّيات الله بين الذين يعبدونه. وربّما يكون الصندوق المادي الملموس قد تحطّم عندما أمر نبوزردان قائد حرس ملك بابل جيشه بإحراق بيت الله في القدس (انظر كتاب الملوك الثاني 25: 8 – 10). وجاء ذكر صندوق الميثاق في الرسائل الإنجيلية للدلالة على عهد الله بالتزامه بميثاقه الذي أقامه بينه وبين عباده الصالحين. وانفَلَقَت بُروقٌ وأزيزٌ ورُعودٌ، وزِلزالٌ، وانهالَ بَرَدٌ شَديدٌ.

*الفصل الحادي عشر:2 تحدث سيدنا عيسى أيضا عن القدس التي داسها غير اليهود فترة من الزمن (انظر لوقا، 21: 24). ورد ذكر عدد ثلاث سنين ونصف في هذا الموقع (أو 42 شهراً في النص اليوناني) وورد أيضا في الرؤيا (13: 5) حيث طغى الوحش على الناس في تلك الفترة. ويرمز هذا الرقم إلى فترة حدّدها الله (وغالبا ما تحلّ فيها محنة وابتلاء)، وجاء ذكرها في البداية من كتاب النبي دانيال (7: 25)؛ (12: 7). ووُصفت هذه الفترة بطريقة مختلفة في كتاب الرؤيا، أي 1260 يوم بدل ثلاث سنين ونصف (الرؤيا 11: 3؛ 12: 6) كما وُصفت بـ “زمن، وزمنين، ونصف زمن” (12: 14). وقد استعمل يوحنّا رقم ثلاثة ونصف للدلالة على عدد الأيام الواقعة بين موت النبيين الشاهدين وصعودهما (11: 9، 11). ومن المرجّح أنّ ما تشير إليه عبارة “زمن، وزمنين، ونصف زمن” يدفع إلى الغموض عمدا. وتحمل هذه الدلالة معنى معين ولكنه غامض في الوقت نفسه. وعدد “ثلاث سنين ونصف” ينتمي إلى فترة زمنية أطول وتساوي سبع سنوات وهذا الرقم يدلّ على الأبدية، غير أنّ هذه السنوات انقسمت نصفين فجأة.

الفصل الحادي عشر:3 لا توجد إشارة واضحة إلى هوية هذين الشاهدين. وتشترك شجرة الزيتون هنا في الرمز مع ما جاء في رؤيا النبي زكريّا بن بركيّا (زكريا، 3: 4؛ 3: 11 – 14) وفيها ذكر للملك وكبير الأحبار، على أنّهما القائدان المختاران اللذان سيوظفهما الله تعالى لتجديد بيته المقدّس وشعب ميثاقه. وتشبه الأعمال الخارقة التي جاء ذكرها في 11: 5 – 6 عقاب الأعداء الذي نفّذه النبي إلياس (انظر كتاب الملوك الثاني 1: 10؛ وكتاب الملوك الأول، 17: 1) شأن النبي موسى (انظر التوراة، سفر الخروج، 7: 17 – 19). وربّما تضمّنت صورة الشاهدين إشارة إلى شهادة أتباع السيد المسيح (أي جماعة الله) وقد وصفهم الحواري بطرس الصخر بأحبار الملك العظيم (انظر رسالة صخر الأولى 2: 9).

الفصل الحادي عشر:4 انظر الفصل الرابع من كتاب النبي زكريّا.

§الفصل الحادي عشر:7 جاء في بداية الفصل الثالث عشر من كتاب الرؤيا وصف مفصّل لهذا الوحش. وعند مقارنة هذه الآية بما جاء في الآية 13: 1 نلاحظ أنّ ذكر “الهوّة السحيقة” هنا، يحيل إلى المياة العميقة. وقد اعتقد القدامى أنّ البحار بأعماقها المجهولة مصدر لشرور غير مألوفة.

*الفصل الحادي عشر:19 صندوق الميثاق هو الصندوق الخشبي الكبير الذي أمر الله النبي موسى بصنعه (انظر التوراة، سفر التثنية، 10: 1 – 2). ويرمز إلى تجلّيات الله بين الذين يعبدونه. وربّما يكون الصندوق المادي الملموس قد تحطّم عندما أمر نبوزردان قائد حرس ملك بابل جيشه بإحراق بيت الله في القدس (انظر كتاب الملوك الثاني 25: 8 – 10). وجاء ذكر صندوق الميثاق في الرسائل الإنجيلية للدلالة على عهد الله بالتزامه بميثاقه الذي أقامه بينه وبين عباده الصالحين.