الفصل السّابع
تحرّرنا من حكم شريعة بني يعقوب
أيُّها الإخوةُ في اللهِ، وخاصّةً مِنكُم المُطَّلِعينَ على الشَّريعةِ، ألا تَعرِفونَ أنّ الشَّرِيعَةَ إنَّما تَسري على الأحياءِ فقط؟ فالنِّساءُ المُتَزَوِّجاتُ، حَسَبَ العُرفِ المُتَّبِعِ، مُرتَبِطاتٌ بأزواجِهِنَّ ما دامَ أزواجُهُنّ على قَيدِ الحَياةِ، فإذا ماتَ زَوجُ إحداهنّ، يُلغى هذا الرِّباطُ. أمّا إذا سَعَتْ إحداهُنَّ إلى رَجُلٍ آخَر، وزَوجُها لا يَزالُ على قَيدِ الحَياةِ، فإنّها تُعتَبرُ زانيةً. أمّا إذا ماتَ زَوجُها، فإنّها تُصبِحُ حُرَّةً حَسَبَ شَرعِ التّوراةِ، فإذا تَزَوَّجت رَجُلاً آخَرَ، في هذِهِ الحالةِ لن تُصبِحَ زانيةً.
يا إخوتي، كذلِكَ شأنُكُم أنتُم، فبِتَضحيَةِ السَّيِّدِ المَسيحِ بحَياتِهِ اتَّحَدتُم بِهِ، وانفَصَلتُم عَن نُفوذِ شَريعةِ بَني يَعقوبَ، بَعدَ أن أصبَحتُم تابِعينَ لهُ (سلامُهُ علينا)، هو الّذي بُعِثَ مِن المَوتِ حَيًّا خالِدًا، لكَي نَعودَ جَميعًا إلى اللهِ وأيدينا مَليئةٌ بحَصادِ أعمالِنا الحَسَنةِ. وعِندَما اتَّبَعنا النَّفسَ الأَمّارةَ بالسُّوءِ، أثارَتِ الشَّريعةُ فينا أهواءَ النَّفسِ وجَعَلَتْنا نَستَحِقُّ عِقابَ الهَلاكِ. أمّا الآنَ فقد تَحَرَّرنا مِن هذِهِ الشَّريعةِ، لأنّ حَياتَنا القَديمةَ انتَهَتْ ولم نَعُد مُقَيَّدينَ بها. ولهذا السَّبَبِ نَحن نَعبُدُ اللهَ بطَـريقةٍ جَديدةٍ، كأهلِ رُوحِ اللهِ، ولم نَعُد نَخضَعُ للطَّريقةِ القَديمةِ كأهلِ شَريعةِ بَني يَعقوبَ.
شريعة النّبيّ موسى أظهرت خطايانا
فما هو المَغزى إذن مِمّا ذَكَرناهُ سابِقًا؟ هل يُعقَلُ أن نَقولَ إنّ شَريعةَ النَّبيِّ موسى كُلُّها شَرٌّ؟ كَلاّ، لقد جَعَلَت هذِهِ الشَّريعةُ النّاسَ يَعرِفونَ الشَّرَّ. فلو لم يَقُلِ اللهُ في التّوراةِ: “لا تَحسُد”، ما كانَ النّاسُ لِيَنتَبِهوا إلى خَطيئةِ الحَسَدِ.* يقتبس بولس هنا من التوراة (سفر الخروج 20: 17). ويقرّ أنّ الناس لم يعودوا تحت حماية الشريعة اليهودية، لكنّ بعض خصومه ظلوا يفترون عليه ويقولون أنّه اعتبر شريعة النبي موسى (عليه السّلام) كلّها شرّ. ولكن بولس فنّد هذا القول مُبيّنًا أن الوظيفة الحقيقية لشريعة الله هي إظهار بشاعة الشرّ. ويتّخذ بولس في خطابه باللغة اليونانية صيغة المتكلّم ابتداء من هذا المقطع حتّى نهاية الفصل السابع. ولكن معظم المفسّرين يجمعون على أنه يتكلّم بصفة مطلقة عن أمور تتعلّق بكل البشر معتمدًا في ذلك على قصة أبينا آدم. واستَغَلَّ الإثمُ المَنعَ الرَّبّانيَّ فجَعَلَ النّاسَ يَرغَبونَ في ارتِكابِ أنواعِ الشُّرورِ كُلِّها، ولو لم تَمنَعِ الشّريعةُ هذِهِ السَّيِّئات، ما استَطاعَت أن تَتَمَلَّكَ إرادتي. عاشَ النّاسُ في القَديمِ دونَ شَريعةٍ، ولمّا عَلِموا، مَثلاً، ما وَرَدَ في التَّوراةِ: “لا تَحسُد”، تَوَلَّدَت في قُلوبِهِم رَغبةٌ شَديدةٌ في ارتِكابِ الإثمِ، وبِسَبَبِ خَطاياهُم حَلَّ عليهُم المَوتُ. 10 إنّ غايةَ اللهِ مِن وَصاياهُ هي خُلودُ النّاسِ في النَّعيمِ، ولولا الإِثمُ لَقادَتهُم الوَصايا إلى النَّعيمِ، ولكنّ وجودَ الإثمِ جَعَلَها تَقودُهُم إلى الهَلاكِ حينَ أخطَأوا. 11 فاستَغَلَّ الإِثمُ الوَصايا وجَعَلَها سَبيلاً لهُ فخَدَعَ النّاسَ ومِن خِلالِها قادَهُم إلى الهَلاكِ. 12 ورَغمَ كُلِّ ذلِكَ فإنّ التّوراةَ كِتابٌ صالِحٌ، وكُلُّ وَصاياها مُقَدَّسةٌ مُستَقيمةٌ وطاهِرةٌ.
الصّراع بين الشّريعة والإثم
13 ولكن كَيفَ يَكونُ هذا؟ هل قادَت الشَّريعةُ الصّالِحةُ النّاسَ إلى الهَلاكِ؟ كَلاّ! بل جَعَلَ الإِثمُ الشَّريعةَ الصّالِحةَ دَربًا يَهلِكُ فيهِ النّاسُ، وهكذا تَبَدَّت خُطورةُ الإثمِ بَينَهُم. 14 لَيسَ العَيبُ في الشَّريعةِ، كَلاّ، فهي مِن رُوحِ اللهِ، إنّما انقادَ النّاسُ للنَّفسِ واستَعبَدَتهُم ذُنوبُهُم، 15 فنَحن نَجهَلُ حَقيقَةَ أنفُسِنا، حَتّى لو كانَت غايتُنا فِعلَ الخَيرِ، إلا أنّنا، بَدلاً مِن ذلِكَ، نَفعَلُ ما نُبغِضُهُ. 16 ونَحن نُبغِضُ السُّوءَ، حَتّى وإن آتيناهُ، وفي هذا دَليلٌ على أنّنا نَتَفِّقُ مَعَ أحكامِ شَريعةِ موسى، وإنّنا لَنَراها على حَقٍّ. 17 فجَليٌّ إذن، أنّنا لا نَفعَلُ السَّيِّئاتِ طَوعًا، بل يأمُرُ الشَّرُّ نُفوسَنا الآثِمةَ فنَنقادُ إليهِ. 18 ونَحن نَعرِفُ أنّ النَّفسَ خاليَةٌ مِن الخَيرِ، أعني بذلِكَ النَّفسَ الأمّارةَ بالسُّوءِ، فنَحن مَثلاً نَرغَبُ في فِعلِ الخَيرِ، ولكنّنا نَعجُزُ عن ذلِكَ. 19 أجل، نحن نَعجُزُ عن فِعلِ الخَيرِ الّذي نُريدُهُ، ونَفعَلُ الشَّرَّ الّذي لا نُريدُهُ. 20 فنَحن في الحَقيقةِ، لا نَقصِدُ فِعلَ السَّيِّئاتِ، بل الشَّرُّ الكامِنُ فينا هو الّذي يأمُرُنا فنَفعَلُها كَرهًا.
21 والخُلاصةُ أنّي وَجَدتُ شَريعةَ النَّبيِّ موسى تَجعَلُني أَعلَمُ الخَيرَ، فأسعى إلى العَمَلِ بِهِ، ولكنّي وَجَدتُ أنّ السُّوءَ أقوى فأسعى إليهِ. 22 نَحن في باطِنِنا فَرِحونَ بشَريعةِ اللهِ، 23 ولَكِنّ السُّوءَ الّذي تَسَلَّلَ إلى قُلوبِنا يُحارِبُ إرادتَنا، ويَجعَلُنا تَحتَ سَيطَرتِهِ عن طَريقِ الشَّريعةِ. 24 يا لنا مِن تُعَساءَ! مَن يُنَجِّينا مِن هذِهِ النَّفسِ الَّتي ستَلقى الهَلاكَ؟ 25 ولكن الحَمدُ للهِ أنّهُ أَرسَلَ لنا سَيِّدَنا عيسـى المَسيحَ ليُنقِذَنا!
كَذلِكَ نَحن في هذِهِ الحَياةِ: نُريدُ مِن كُلِّ قُلوبِنا أن نَعمَلَ بشَريعةِ اللهِ، فنَفعَلُ الحَسَنات، وَلكنّ نُفوسَنا مُقَيَّدةٌ إلى السُّوءِ.

*الفصل السّابع:7 يقتبس بولس هنا من التوراة (سفر الخروج 20: 17). ويقرّ أنّ الناس لم يعودوا تحت حماية الشريعة اليهودية، لكنّ بعض خصومه ظلوا يفترون عليه ويقولون أنّه اعتبر شريعة النبي موسى (عليه السّلام) كلّها شرّ. ولكن بولس فنّد هذا القول مُبيّنًا أن الوظيفة الحقيقية لشريعة الله هي إظهار بشاعة الشرّ. ويتّخذ بولس في خطابه باللغة اليونانية صيغة المتكلّم ابتداء من هذا المقطع حتّى نهاية الفصل السابع. ولكن معظم المفسّرين يجمعون على أنه يتكلّم بصفة مطلقة عن أمور تتعلّق بكل البشر معتمدًا في ذلك على قصة أبينا آدم.