الفصل الثّامن
الاقتداء بروح الله
أمّا نَحن الّذينَ نَعتَصِمُ بسَيِّدِنا عيسـى المَسيحِ، فلَن يَدِينَنا اللهُ بَعدَ الآنَ. ولأنّنا نَنتَمي إليهِ (سلامُهُ علينا)، فإنّ الشَّريعةَ لم تَكُن أداةَ إثمٍ وهَلاكٍ فينا، ولكنّها أَصبَحَت صِراطًا يَقودُنا بقوّةِ رُوحِ اللهِ إلى الخُلدِ. فقد عَجَزَتِ الشَّرِيعةُ أن تُنَجِّينا، لأنّ النَّفسَ جَعَلَتها غَيرَ قادِرةٍ على ذلِكَ. غَيرَ أنّ اللهَ كَرَّمَنا بما قَصَّرَت فيهِ الشّريعةُ، فأرسَلَ سَيِّدَنا عيسى الابنَ الرُّوحيَّ لهُ تَعالى في جِسمٍ بَشَريٍّ يُشبِهُ جِسمَ بَني آدمَ الّذي يَميلُ إلى الخَطيئةِ، ليُضَحِّيَ بنَفسِهِ قُربانًا للتَّكفيرِ عن خَطايا البَشَرِ، ولكَي يَقضي على ما في النَّفسِ مِن سُوءٍ. نَعم، إنّهُ أرسَلَ سَيِّدَنا عيسى لنَتَمَكَّنَ مِن تَنفيذِ مَقاصِدِ الشَّريعةِ، لأَنّنا نَقتَدي برُوحِ اللهِ، لا بأَهواءِ النَّفسِ.
إنّ الّذينَ يَسيرونَ بأَهواءِ نُفوسِهِم لا يُفَكِّرونَ إلاّ بشُؤونِ النَّفسِ. أمّا الّذينَ يَقتَدونَ برُوحِ اللهِ، فكُلُّ ما يَهُمُّهُم هو إرضاءُ رُوحِهِ تَعالى. إنّ الهَلاكَ المَحتومَ مَصيرُ السَّعي وَراءَ شَهَوات النَّفسِ، أمّا الخُلودُ والسَّلامُ فمَآلُ كُلِّ مَن يَقتَدي بِرُوحِ اللهِ. لأنّ الانقيادَ إلى أهواءِ النَّفسِ عَداوةٌ للهِ، فالنَّفسُ لا تُطيعُ شَريعةَ اللهِ، لأنّها تَعجُزُ عن ذلِكَ، إنّ الّذينَ يُطيعونَ أنفُسَهُم الأمّارةَ بالسُّوءِ يَعجُزونَ عن إرضاءِ اللهِ.
أمّا إذا كُنتُم تَنعَمونَ بحُلولِ رُوحِ اللهِ فيكُم، فلن تَعيشوا حَسَبَ هَوى النَّفسِ، بل ستَعِيشونَ بهِدايةِ رُوحِهِ تَعالى. ومَن لم يَفِض قَلبُهُ برُوحِ اللهِ، فلَيسَ تابِعًا لِلسَّيّدِ المَسيحِ، لأنّ الرُّوحَ رُوحُ المَسيحِ. 10 والسَّيِّدُ المَسيحُ في قُلوبِكُم، فرَغمَ أنّ أجسادَكُم ستَفنى بسَبَبِ الإثمِ، لكنّكُم ستَنعَمونَ بالخُلودِ بفَضلِ رُوحِ اللهِ، إنّ اللهَ وفيٌّ لوعودِهِ. 11 إنّ اللهَ أقامَ بروحِهِ سَيِّدَنا عيسى مِن المَوتِ خالِدًا، وأحَلَّ رُوحَهُ فيكُم. فكَما بَعَثَ اللهُ سَيِّدَنا عيسى مِن المَوتِ، فإنّهُ سيَبعَثُكُم أيضًا برُوحِهِ ويَجعَلُكُم مِن الخالِدينَ.
12 فيا إخواني، يَجِبُ أَن لا نَخضَعَ للنَّفسِ وأَهوائِها. 13 لأنّنا إذا اتَّبَعنا شَهَوات النَّفسِ هَلَكنا. ولكن إذا تَخَلَّصنا مِن شَهَواتِها وسَيِّئاتِها بفَضلِ رُوحِ اللهِ، أصبَحنا مِن الخالدِينَ. 14 وكُلُّ الّذينَ يَقتَدونَ برُوحِ اللهِ هُم مِن أهلِ بَيتِهِ تَعالى. 15 أجل، إنّنا نَنعَمُ بحُلولِ رُوحِ اللهِ فينا، فلا نَكونُ عَبيدًا للخَوفِ، بل إنّنا مِن أهلِ بَيتِ اللهِ وبرُوحِهِ نَقتَدي، ونَدعوهُ هاتِفينَ: “يا اللهُ، أنتَ أبونا الرَّحمنُ!” 16 وبرُوحِ اللهِ نَتأكّدُ أَنّنا عِيالُهُ. 17 وبما أنّنا عِيالُ اللهِ، فنَحنُ مَعَ سَيّدِنا المَسيحِ وَرَثةُ بَركاتِهِ تَعالى، شَرطَ أن نُقاسيَ مَعَ سَيِّدِنا المَسيحِ في الدُّنيا الآلامَ، فنَتَمَتَّعَ مَعَهُ برَفيعِ المَقامِ.
كشف أهل بيت الله للعالمين
18 وإنِّي أُخبِرُكم أنّ ما نُعانيهِ في هذِهِ الدُّنيا مِن أوجاعٍ لا يُساوي شَيئًا أمامَ المَقامِ المَجيدِ الّذي أعَدَّهُ اللهُ لنا في الآخِرةِ. 19 فالمَخلوقاتُ كُلُّها تَنتَظِرُ بفارغِ الصَّبرِ يَومَ يَكشِفُ اللهُ أهلَ بَيتِهِ للعالَمينَ. 20 لأنّ المَخلوقاتِ أخضِعَت لتَزيغَ عن غايتِها الأساسيّةِ بسَبَبِ آثَامِ الإنسانِ، ورَغمَ ذلِكَ فإنّها مُتَلَهِّفةٌ 21 للحُصولِ على نَفَحاتِ التَّحَرُّرِ مِن الفَناءِ، وهو التَّحَرُّرُ المَجيدُ الّذي سيَنالُهُ عِيالُ اللهِ. 22 ونَحن نَعلَمُ أنّ كُلَّ المَخلوقاتِ ما تَزالُ تَئِنُّ إلى الآنَ مِن آلامٍ شَبيهةٍ بمَخاض.* تذكر الكتابات اليهودية المنتشرة في ذلك الزمن أنّ فِتَنا عظيمة ستحدث قبل مجيء المسيح المنتظر ونهاية العالم، ثم يبدأ زمن حكم السيّد المسيح (سلامه علينا). وشبّه الناس تلك الفتن بمخاض الولادة. وينحو بولس المنحى نفسه حين يرى أن كل فتن عصره شبيهة بمخاض الولادة، وهي تَعِدُ ببزوغ عهد جديد. 23 ونَحن، البَشَرُ المُؤمنونَ، ما زِلنا نَئِنُّ أيضًا رَغمَ حُلولِ بَوادِرِ تَجَلِّياتِ رُوحِ اللهِ فينا، وما زِلنا نَنتَظِرُ تَحريرَ أجسامِنا مِن أَثرِ الخَطايا والذُّنوبِ، ونَحن نَتَرَقَّبُ كذلِكَ حُصولَنا على جَميعِ حُقوقِنا كأهلِ بَيتِ اللهِ عِندَما تُبعَثُ أجسادُنا يَومَ القيامةِ. 24 وقد وَهَبَنا اللهُ هذا اليَقينَ عِندَما أنجانا مِن ذُنوبِنا وخَطايانا، لكنّنا ما زِلنا نَنتَظِرُ النَّعيمَ الّذي لم نَملِكهُ بَعد. ولكن أيُعقَلُ أن نَكونَ مالِكينَ لِما نَنتَظِرُه؟ 25 كَلاّ، نَحن نَتَرَقَّبُ الدّارَ الّتي لا نَراها، فَلنَصبِر حَتّى حينٍ.
26 إنّ اللهَ يُعينُنا برُوحِهِ عِندَ ضُعفِنا، فنَحن مَثَلاً لا نَعلَمُ تَحديدًا ما نَدعو اللهَ مِن أجلِهِ دائمًا، عاجِزينَ عن الإفصاحِ بما هو خَيرٌ لنا، ولكنّ رُوحَهُ تَعالى تَقودُنا وتَشفَعُ لنا عِندَهُ بأنّاتٍ لا تُفصحُ عنها الكَلِمات. 27 واللهُ عَليمٌ بذاتِ الصُّدُورِ، ويَعرِفُ مُبتَغى الرُّوحِ، إذ أرسَلَ رُوحَهُ تَقَدَّسَ وتَعالى بإذنِهِ وبِرِضاهُ حَتّى تَشفَعَ لعِبادِهِ الصالِحينَ، 28 ونَحن نُدرِكُ أنّ اللهَ يُسَيِّرُ كُلَّ الأحوالِ، السَّرّاءِ مِنها والضَّرّاءِ، نَحوَ الخَيرِ لِمُحِبِّيهِ تَعالى، للّذينَ دَعاهُم حَسَبَ تَدبيرِهِ فاستَجابوا. 29 فقد عَرَفَ اللهُ أحبابَهُ مِن قَبلِ خَلقِ الكَونِ، وقَدَّرَ أنّهُم سيَكونونَ على مِثالِ صِفاتِ سَيِّدِنا عيسى، الابنِ الرُّوحيّ لهُ تَعالى، وأنّهُم سيُصبِحونَ مِن أهلِ بَيتِ اللهِ، وسَيِّدُنا عيسى يَحظَى بأشرَفِ مَكانةٍ فهو الأوّلُ بَينَ إخوةٍ كَثيرينَ. 30 أَجل، كَتَبَ اللهُ لنا أن نَكونَ مِن أهلِ بَيتِهِ، فدَعانا ورَضيَ عنّا ورَفَعَ مَقامَنا.
لا شيء يفصلنا عن محبّة الله
31 إذن ماذا نَقولُ في هذا الشأنِ العَجيبِ؟ إن كانَ اللهُ مَعَنا، فمَن علينا؟ 32 إنّ اللهَ لم يَبخَل عَلينا بسَيِّدِنا عيسى، الابنِ الرُّوحيِّ لهُ تَعالى، بل جَعَلَهُ يُضَحِّي بنَفسِهِ مِن أجلِنا جَميعًا، فإضافةً إلى ذلِكَ كَيفَ لا يُسَخِّرُ لنا كُلَّ شَيءٍ؟ 33 ومَن يَجرؤُ أن يَتَّهِمَ عِبادَ اللهِ المُختارينَ؟! فاللهُ هو مَن رَضيَ عنّا. 34 ومَن ذا الّذي يَحكُمُ علينا؟ لا أحَدَ! فسَيِّدُنا عيسـى المَسيحُ ضَحَّى بنَفسِهِ فِداءً لنا، وبَعَثَهُ اللهُ حَيًّا وأجلَسَهُ على يَمينِهِ، وهو مَن يَشفَعُ فينا الآنَ.
35 لا شَيءَ يَحرِمُنا مِن مَحبَّةِ المَسيحِ لنا: لا الضِّيقُ، ولا البَلاءُ، ولا الاضطِهادُ، ولا الجوعُ ولا العُريُ ولا الخَطَرُ، ولا المَوتُ بالسَّيفِ. 36 كَما وَرَدَ في كِتابِ الزَّبورِ الشَّريفِ: “في سَبيلِكَ اللَّهُمَّ نُواجِهُ المَوتَ مِن أعدائِنا كُلَّ يَومٍ، ويَذبَحونَنا كالأغنامِ”. كتاب الزبور، مزمور 44: 22.
37 ورَغمَ هذِهِ الابتِلاءاتِ كُلِّها فإنّنا نَنتَصِرُ عليها نَصرًا عَظيمًا بفَضلِ سَيِّدِنا المَسيحِ الّذي أحَبَّنا! 38 نعم، إنِّي على يَقينٍ أن لا شَيءَ يَحولُ بَينَنا وبَينَ مَحَبَّةِ اللهِ، لا المَوتُ ولا الحَياةُ، ولا المَلائكةُ ولا الشّياطينُ، ولا أُمورُ الدُّنيا ولا أُمورُ الآخِرةِ، ولا الجِنُّ 39 ولا قِوى الكائِناتِ الغَيبِيّةِ الّتي بَينَنا أو تَحتَ الأرضِ، لا شَيءَ في هذا الكَونِ يُمكِنُهُ أن يَفصِلَ عنَّا مَحَبَّةَ اللهِ، تِلكَ المَحَبَّة الّتي تَجَلَّت في مَولانا عيسى المَسيحِ.

*الفصل الثّامن:22 تذكر الكتابات اليهودية المنتشرة في ذلك الزمن أنّ فِتَنا عظيمة ستحدث قبل مجيء المسيح المنتظر ونهاية العالم، ثم يبدأ زمن حكم السيّد المسيح (سلامه علينا). وشبّه الناس تلك الفتن بمخاض الولادة. وينحو بولس المنحى نفسه حين يرى أن كل فتن عصره شبيهة بمخاض الولادة، وهي تَعِدُ ببزوغ عهد جديد.

الفصل الثّامن:36 كتاب الزبور، مزمور 44: 22.