الفصل الثّالث
الحَواريون ليسوا زعماء بل عباد الله
إخوَتي في الإيمانِ، أنا لم أُحَدِّثكُم كَما أُحَدِّثُ مَن انقادَ برُوحِ اللهِ حينَ كُنتُ بَينَكُم قَبلَ سَنَواتٍ قَليلةٍ، بَل حَدَّثتُكُم كأطفالٍ يَنقادونَ بأهوائِهِم غَيرَ راشِدينَ في الإيمانِ بالسَّيِّدِ المَسيحِ.‏‏ ولقد كُنتُ فيكُم كالأُمِّ مَعَ رَضيعِها، تُطعِمُهُ الحَليبَ، وتَنأى بِهِ عن الطَّعامِ الثَّقيلِ، فشَرَحتُ لكُم ما كانَ مِن أُمورِ الإيمانِ عليكُم يَسيرًا، لعَجزِكُم عَمّا كانَ مِنها عَسيرًا، بَل إنّكُم إلى الآنَ عاجِزونَ، لأنّكُم مازِلتُم تَنقادونَ بالنَّفسِ. أفلا تُبصِرونَ ما فيكُم مِن تَنافُسٍ وخِصامٍ، ألَيسَ هذا دَليلاً على أنّكُم تَنقادونَ بالنَّفسِ وأن سُلوكَكُم كَسُلوكِ باقي البَشَرِ؟ تَنقَسِمونَ شِيَعًا، هذا يُعلِنُ: “أنا مَعَ جَماعةِ بولُسَ”، وذاكَ يُرَدِّدُ: “وأنا مَعَ شَمسيّ”. كذلِكَ أنتُم كأهلِ الدُّنيا تَتَنافَسونَ!
فمَن يَكونُ بولُسُ ومَن يَكونُ شَمسيّ حَتّى تَكونوا لهُما تابِعينَ؟ إنّهُما عَبدانِ مِن عِبادِ اللهِ، اهتَدَيتُم على أيديهِما إلى الإيمانِ. فنَحنُ نَعمَلُ بمُقتَضى مَسؤوليّاتِنا الّتي حَدَّدَها سَيِّدُنا (سلامُهُ علينا) لكُلِّ واحِدٍ مِنّا. ومَثَلُنا فيكُم كمَثَلِ الزّارِعِ والسّاقي، فلقد غَرَستُ فيكُم شَجَرةَ الإيمانِ وشَمسيّ سَقاها، ولكنَّ اللهَ تَعَهَّدَ الزّرعَ فيكُم فنَما ونَما. كذلِكَ، دَعوتُكُم إلى الإيمانِ فأقبَلتُم، وشَدَّ شَمسيّ عَزيمتَكُم بإرشادِهِ فما كَلَلْتُم، ولكنّ اللهَ وَحدَهُ هو الّذي جَعَلَكُم في الإيمانِ راسِخينَ، فلا فَضلَ للزّارِعِ ولا فَضلَ للسّاقي، الفَضلُ والمِنَّةُ للهِ أن جَعَلَكُم مؤمنينَ فما عَدِلتُم، أمّا الزّارِعُ والسّاقي فلكُلٍّ مِنهُما أجرُهُ عِندَ اللهِ ولكُلٍّ مِنهُما الغايةُ نَفسُها. أمّا نَحنُ فلا سَعْيَ لنا إلاّ في سَبيلِ اللهِ وما أنتُم إلاّ غَرسُ اللهِ الزَّهيرُ.
إنّما مَثلُكم عِندَ اللهِ كمَثلِ بِناءٍ للهِ تَعالى، 10‏-12 أنا باعتِباري حَواريًّا هَدَيتُ النّاسَ بفَضلِ اللهِ ومِنِّهِ إلى أساسِ هذا البِناءِ ألا وهو رِسالةُ سَيِّدِنا عيسى، فكُنتُ مِثل مُهَندِسٍ خَبيرٍ يَضعُ أساسَ بِناءٍ ثابِتٍ. لذلِكَ لا يَقدِرُ أحَدٌ أن يَضعَ أساسًا غَيرَ الأساسِ الّذي وَضَعَهُ اللهُ، وهو سَيِّدُنا عيسى المَسيح. وإنّ للصَّرحِ بَعدَ بِنائِهِ عُمّالاً آخرينَ يُعمّرونَهُ، كذلكَ يأتي مِن بَعدي دُعاةٌ آخرونَ يُرشِدونَكم إلى سَواءِ السَّبيلِ. فعلى كُلِّ واحدٍ أن ينتبِهَ كيفَ يُثبِّتُ إيمانَكم بالسّيِّدِ المَسيحِ.
إنّ الباني الحَكيمَ لَيَبني بَيتَ اللهِ على أساسِ الإيمانِ بسَيِّدِنا (سلامُهُ علينا)، لَبِنَةً مِن ذَهَبٍ وأُخرى مِن فِضةٍ وثالثةً مِن حَجَرٍ كَريمٍ. وعلى مُرشِديكُم كذلِكَ أن يُعَلِّموكُم بمُقتَضى رِسالةِ عيسى المَسيحِ. وإن كانَ أحَدٌ يُعَلِّمُكم حَسَبَ هَواهُ، فإنّما يُعَمِّرُ بَيتَ اللهِ مِن خَشَبٍ وقَشٍ وتِبنٍ مَركومٍ. 13 ولَيَبْدُوَنَّ عَمَلُ البانينَ ولَتُمَحِّصَنَّهُ النّارُ يَومَ الحِسابِ، يَومَ تَظهَرُ أعمالُكُم وقيمتُها جَميعًا، ذلِكَ هو اليَومُ المَوعودُ، 14 فمَن يُزوِّدُ جَماعةَ المؤمنينَ بالتَّعاليمِ والأخلاقِ الّتي تَتَّفِقُ مَعَ رسالةِ سَيِّدِنا المَسيحِ، فَلَهُ أجرٌ مِن اللهِ يَومَ الدِّينِ.‏‏ 15 أمّا مَن انحَرَفَ عن هذا، فمَثلُهُ مَثلُ الّذي احتَرَقَ ما أنجَزَهُ، فخَسِرَ أجرَهُ، وذَهَبَ جُهدُهُ هَباءً، وإنّهُ مِن الحَريقِ ناجٍ وقد كادَ أن يَكونَ في الحَريقِ مُنجَرِفًا.
16 فاعلَموا يا أحبابَ سَيِّدِنا المَسيحِ، أنّكُم بَيتُ اللهِ وتَنعَمونَ بحُلولِ رُوحِهِ فيكُم، 17 فإنْ أدّى سُلوكُ بَعضِكُم إلى تَخريبِ بَيتِ اللهِ، فسَوفَ يُهلكُهُ اللهُ لأنّكُم صَرحُهُ، وإنّ صَرحَ اللهِ كانَ مُقدَّسًا مَنذورًا.
18 إنّ خُلاصةَ ما كُنتُم تَقرؤونَ: ألاّ يَخدَعَنّ أحَدُكُم نَفسَهُ، ولا يَظُننَّ أنّهُ حَكيمٌ إن انتَسَبَ إلى حِكمةِ أهلِ هذه الدُّنيا. كَلاّ، بَل عليهِ أن يُقيمَ حَياتَهُ على رِسالةِ سَيِّدِنا المَسيحِ. نَعم، كذلِكَ يَكونُ حَكيمًا، وإن اعتَبَرَهُ أهلُ الدُّنيا غَبيًّا، كذلِكَ يَكونُ حَكيمًا بحقٍّ. 19 فلا يَهمُّهُ مِن أهلِ الدُّنيا رأيٌ، فما كانَ عِندَهم حِكمةً، كانَ عِندَ اللهِ غَباءً. ولقد جاءَ في كِتابِ النَّبيِّ أيّوبَ: “يأخُذُ اللهُ الحُكَماءَ بمَكرِهِم”.* من سفر النبّي أيُّوب، 5: 13.20 وجاءَ في زَبورِ النَّبيِّ داود: “إنّ اللهَ بأفكارِ الحُكَماءِ بَصيرٌ، وبحُمقِهِم عَليمٌ خَبيرٌ”. كتاب الزبور، مزمور 94: 11.
21 فلا يَفخَرَنَّ أحَدٌ مِنكُم أنّهُ مِن أتباعِ أولئكَ أو مِن أتباعِ هؤلاءِ. إنّ قادتَكُم مُتَساوونَ جَميعًا في خِدمتِكُم، وما أنتُم لهُم شِيَعٌ. 22 أجل، نَحنُ جَميعًا سَواسيةٌ، بولُسُ أو شَمسيُّ أو بُطرسُ، كُلُّنا مُتَطَوِّعونَ في خِدمتِكُم. كذلِكَ جَعَلَ اللهُ مِن أجلِكُم العالَمَ والحَياةَ والمَوتَ، والحاضِرَ والمُستَقبَلَ، 23 وإنّكُم تَنتَمونَ إلى السَّيِّدِ المَسيحِ، والمَسيحُ (سلامُهُ علينا) يَنتَمي إلى اللهِ.

*الفصل الثّالث:19 من سفر النبّي أيُّوب، 5: 13.

الفصل الثّالث:20 كتاب الزبور، مزمور 94: 11.