الفصل الرّابع
يجب على قادة المؤمنين أن يقتدوا بالسّيّد المسيح
يا إخواني وأخَواتي في اللهِ، عليكُم اعتِبارُنا أنا وشَمسيّ وبُطرُس، لا زُعَماءَ في الدُّنيا بَل مُجَرَّدَ خُدامِ للسَّيِّدِ المَسيحِ، مُوَكَّلِينَ على كَشفِ أسرارِ اللهِ. ويَجِبُ على الوُكَلاءِ أن يَجِدَهُم سَيِّدُهم أُمَناءَ مُخلِصينَ. أمّا أنا فما هَمَّني أبَدًا إن حاسَبتُموني أو حاسَبَني غَيرُكُم مِن البَشَر. بل إنّي لا أُحاسِبُ نَفسي، ولا يُلقي إليَّ ضَميري بمَقالٍ. ولكن هذا لَيسَ دَليلاً أنِّي على الحقِّ، فمَولاي عِيسى المَسيحُ هو الّذي يُحاسِبُني. فلا تَحكُموا على النّاسِ قَبلَ الأوانِ، قَبلَ أن يأتيَ سَيِّدُنا عيسى بفَصلِ الخِطابِ، فيَكشِفَ مِن النّاسِ الخَفايا، ويَفتَحَ القُلوبَ، وعِندئذٍ يَحصُلُ كُلُّ واحِدٍ مِنكُم على الثَّناءِ الّذي يَستَحِقُّهُ مِن اللهِ.
إخوةَ المَحبَّةِ في اللهِ، لقد جَعَلتُ مِن نَفسي ومِن الأخِ شَمسيّ مِثالاً تَحتَذونَ بِهِ، فيَجبُ ألا تَتَجاوَزوا ما كَتَبتُهُ لكُم مِن كُتُبِ الأوَّلينَ سابِقًا. فلا تَتَفاخَروا بمَن تَتبَعونَهُ احتِقارًا للقادةِ الآخَرينَ. فمَن أعطاكَ الحقَّ حَتّى تَحكُمَ على النّاسِ؟ إنّ اللهَ هو الّذي أعطاكَ ما عِندَك! فكَيفَ تَتَباهى بما عِندَكَ كَأنّما صَنَعَتْهُ لكَ يَداكَ؟ يا لخُسرانِكُم بكِبريائِكُم، تَمشُونَ في الأرضِ كَأنّما وَصَلتُم إلى النَّعيمِ وشَبِعتُم، واكتَفَيتُم مِن كُلِّ أنواعِ الكَراماتِ، وصِرتُم حُكّامًا، وتَرَكتُمونا هُنا في دُنيا الشَّقاءِ! وليْتَكُم حقًّا وَصَلتُم إلى النّعيمِ، حَتّى نُشارِكَكُم في هذا الشَّرفِ!* رأى المفسّرون اليهود في ذلك العصر أنّ عباد الله الصالحين سيشاركون الله الحكم في الآخرة، إلاّ أنّهم لن يصبحوا ملوكا. ويشير بولس إلى أن مملكة المسيح المنتظر قد قامت بانبعاث سيدنا عيسى من الموت، ولكنها لم تتجلَّ كاملة بعد. لذا يرى أنّ افتخار المؤمنين بامتيازاتهم الروحية في الآخرة هو افتخار بشيء لم يكتمل بعد، ومن ثمّ لا يَحقّ لهم هذا الافتخار الآن. وبَدلاً مِن ذلِكَ، فإنّي أرى أنّ اللهَ جَعَلَنا نَحنُ الحَواريّينَ في آخرِ الصَّفِّ، وإنّ مَثلَنا فيكُم كَمَثلِ الأسرى المُنقادينَ في مُؤخَّرةِ مَوكبِ انتِصارِ القائدِ، والمَحكومِ عليهِم بالإعدامِ، فنَحنُ صِرنا مَشهَدًا لكُلِّ مَن في الكَونِ، للمَلائكةِ والنّاسِ على حَدٍّ سَواءٍ، يقارن الحواري بولس حالته وحالة الحواريين الآخرين بحالة مؤمني كورنتوس المفتخرين، وذلك باستخدام صورة عن الجنود العائدين من المعركة. فقد كان القائد العسكري الرومانيّ يقود جيشه في موكب انتصار عند عودته إلى وطنه منتصرا، في حين كان الأسرى يُسْحَبُون في مؤخّرة الموكب ويجبرون على مصارعة الوحوش في الحلبة أمام الجمهور. وقد شبّه بولس الحواريين بهذا المشهد إذ شعر كما لو أنّ الله قد وضعهم فرجة أمام الجميع ليسخروا منهم. 10 ولا يَهُمُّنا النّاسُ وما يَزعُمونَهُ. أمّا أنتُم، فبكَلامِهِم تَهتَمّونَ. إنّهُم يَقولونَ إنّنا أغبياءُ مَجانينَ، لأنّنا دُعاةٌ للهِ والسَّيِّدِ المَسيحِ.ِ وهل تَعتَبِرونَ أنفُسَكُم عُقَلاءَ لأنّكُم مؤمنونَ؟ تَنظُرونَ باحتِقارٍ إلينا، كَأنّما كُنتُم أسيادًا أقوياءَ. أنتُم المُكَرَّمونَ، ونَحنُ المُحتَقَرونَ. 11 كذلِكَ، إنّنا هُنا جياعٌ، عَطاشى عُراةٌ مُعَذَّبونَ مُشَرَّدونَ، 12 إنّنا نَتعَبُ ونَعمَلُ بأيدينا لنَحصُلَ على قوتِ يَومِنا. نَسألُ اللهَ أن يُبارِكَ الّذينَ يَشتُمونَنا، وإذا اضطَهَدونا كُنّا على ذلِكَ مِن الصّابِرينَ، 13 يُفْتَرى علينا فنَتَكَلَّمُ بلُطفٍ. وما زالَ أهلُ الدُّنيا يَحتَقِرونَنا ويَعتَبِرونَنا مِثلَ الحُثالةِ أو نُفايةِ العالَمِ، وإلى يَومِنا هذا.
نصيحة أبويّة
14 وما كَتَبتُ هذا لألومَكُم أو أُذِلَّكُم، بل لأنصَحَكُم كأولادي المَحبوبينَ، 15 فاتَّخِذوا إن رَغِبتُم آلافًا مِن المُرشِدينَ، فأنا وَحدي أبوكُم الّذي أخرَجَكُم إلى النّور، فآمَنتُم برِسالةِ سَيِّدِنا عيسى حينَ لبَّيتُم النِّداءَ مِنّي، كان بولس أوّل من دعا المؤمنين في كورِنْتوس إلى رسالة سيدنا عيسى، وهو ما جعله أبًا لهم، لا مرشدا فقط. فقد كان المرشد (في اللغة اليونانية القديمة “بيداغوغوس” paidagogos) إنسانًا، من العبيد عادة، مهمّته الاعتناء بالأطفال واصطحابهم من بيوتهم إلى مدارسهم أو العكس. ويرى بولس أنّ المعلمين والدُّعاة الجوّالين الذين وفدوا على كورنتوس بعده، كانوا أشبه بمرشدين لا بآباء كما كان هو. 16 فأُناشدُكُم أن تَقتَدوا بي. 17 وهذا هو سَبَبُ قُدومِ الأخِ تيموتاوي عليكُم، إنّهُ ابني الحَبيبُ المُرتَضى، وهو تابِعُ المَسيحِ المُرتَجى، يُذكِّرُكُم بسِيرتي، لأنّي أتبَعُ صِراطَ سَيِّدِنا عيسى المَسيحِ وسِيرتي تَتَّفقُ مَعَ التَّعاليمِ الّتي أبَثُّها في جَماعاتِ المؤمنينَ في كُلِّ مَكانٍ.§ كان تيموتاوي رجلا من أهل بلدة لِسْـتَرَةَ التي تقع اليوم جنوب تركيا. وفي رحلة بولس الثانية إليها (انظر سيرة الحواريين، 16 :1‏-3)، طلب من تيموتاوي أن يصحبه في ترحاله وفي نشره لرسالة السيد المسيح للعالمين.
18 ولقد ظَنَّ بَعضُكُم أنّي لن أحضُرَ بَينَكُم لأُعاتبَكُم، فانتَفَخَتْ صُدورُكُم زَهوًا، 19 ولكنّي سأحضُرُ إن شاءَ اللهُ قَريبًا لأرى، هل للمُتَكَبِّرينَ قوَّةٌ أم أن قوَّتَهم لَغوٌ وهُراءٌ؟! 20 فالسُّلطانُ في مَملَكةِ اللهِ المَوعودةِ لا يَكونُ بالكَلامِ بل بقوَّةِ رُوحِ اللهِ. 21 فماذا تُريدونَ؟ هل تُريدونَ أن أُلاقيَكُم باللَّومِ والتَّقريعِ أم بالمَحبَّةِ واللُّطفِ واللّينِ؟

*الفصل الرّابع:8 رأى المفسّرون اليهود في ذلك العصر أنّ عباد الله الصالحين سيشاركون الله الحكم في الآخرة، إلاّ أنّهم لن يصبحوا ملوكا. ويشير بولس إلى أن مملكة المسيح المنتظر قد قامت بانبعاث سيدنا عيسى من الموت، ولكنها لم تتجلَّ كاملة بعد. لذا يرى أنّ افتخار المؤمنين بامتيازاتهم الروحية في الآخرة هو افتخار بشيء لم يكتمل بعد، ومن ثمّ لا يَحقّ لهم هذا الافتخار الآن.

الفصل الرّابع:9 يقارن الحواري بولس حالته وحالة الحواريين الآخرين بحالة مؤمني كورنتوس المفتخرين، وذلك باستخدام صورة عن الجنود العائدين من المعركة. فقد كان القائد العسكري الرومانيّ يقود جيشه في موكب انتصار عند عودته إلى وطنه منتصرا، في حين كان الأسرى يُسْحَبُون في مؤخّرة الموكب ويجبرون على مصارعة الوحوش في الحلبة أمام الجمهور. وقد شبّه بولس الحواريين بهذا المشهد إذ شعر كما لو أنّ الله قد وضعهم فرجة أمام الجميع ليسخروا منهم.

الفصل الرّابع:15 كان بولس أوّل من دعا المؤمنين في كورِنْتوس إلى رسالة سيدنا عيسى، وهو ما جعله أبًا لهم، لا مرشدا فقط. فقد كان المرشد (في اللغة اليونانية القديمة “بيداغوغوس” paidagogos) إنسانًا، من العبيد عادة، مهمّته الاعتناء بالأطفال واصطحابهم من بيوتهم إلى مدارسهم أو العكس. ويرى بولس أنّ المعلمين والدُّعاة الجوّالين الذين وفدوا على كورنتوس بعده، كانوا أشبه بمرشدين لا بآباء كما كان هو.

§الفصل الرّابع:17 كان تيموتاوي رجلا من أهل بلدة لِسْـتَرَةَ التي تقع اليوم جنوب تركيا. وفي رحلة بولس الثانية إليها (انظر سيرة الحواريين، 16 :1‏-3)، طلب من تيموتاوي أن يصحبه في ترحاله وفي نشره لرسالة السيد المسيح للعالمين.