الفصل الثّاني
طبيعة الدّعوة في تسالونكي
يا إخواني وأخواتي في الإيمانِ، أنتُم تَعلَمونَ أنّ زيارتَنا لكُم لم تَذهَب سُدى، وإنّكُم تَعرِفونَ أيضًا أنّنا قَبلَ أن نَحضُرَ إليكُم، أساءَ قادةُ مَدينةِ فيليبّي مُعامَلتَنا وأهانونا.* لقد تعرّض بولس وسِلواني إلى معاملة سـيّئَة في مدينة فيليـبي قبل فترة وجيزة من وصولهما إلى تسالونكي، وبأمر من السلطات تمّ نزعُ ثيابهما وضرْبُهما بالعصي بطريقة مُذلّة أمام الناس، فتعرّضا إلى التعذيب دون محاكمة (انظر سيرة الحواريين، 16: 22‏-23). وفي ذلك انتهاكٌ لحقوقهما بوصفهما مواطنين رومانـيَّـيْن. ورَغمَ ذلِكَ وَهَبَ اللهُ لنا الجُرأةَ لنُعلِنَ لكُم بُشراهُ تَعالى، رَغمَ شِدّةِ المُعارَضةِ في تَسالونكي.
وإنّا لقادِرونَ على مُواجَهةِ المُعارِضينَ، لأنّنا لا نُضِلُّ أحَدًا ولا نَحتالُ على أحَدٍ ولا نُغري أحَدًا. يقارن بولُس نفسَه بالدُّعاة الذين يدّعون إعلانَ رسالة سيدنا عيسى (سلامه علينا) وهم في الحقيقة يشوّهون الرسالة لكسب مالٍ أو نيل شهرة (انظر هذه الرسالة 2: 5‏-6). وقديمًا انتشر في منطقة البحر الأبيض المتوسّط فلاسفة ومتديّنون دجّالون محتالون، وهو ما جعل الفلاسفة الصادقون يترفّعون عنهم في ممارساتهم ويستنكرون ما قام به هؤلاء الدجّالون.وما حَديثُنا إليكُم إلاّ حَديثُ المُمتَحَنينَ الّذينَ امتَحَنَهمُ اللهُ فائتَمَنَهُم على رِسالتِهِ، فلا نَسعى إلى مَرضاةِ النّاسِ، بل نَسعى إلى مَرضاةِ اللهِ العَليمِ بِما تُكِنُّ صُدورُنا. وإنّكُم لتَعلَمونَ أنّ كَلامَنا هو الحَقُّ، وما هو بِزُخرُفِ القَولِ، وما أضمَرْنا طَمَعًا بِما في أيديكُم. واللهُ يَشهَدُ على صِدقِنا، ولم نُحاوِل أبَدًا الحُصولَ على مَديحِ المادِحينَ،‏ سَواءٌ مِنكُم أو مِن غَيرِكُم، رَغمَ حَقِّنا في طَلَبِ الكَثيرِ مِنكُم،‏ باعتِبارِنا حَواريّي السَّيِّدِ المَسيحِ. كان الحَواريون يتمتّعون بحقّ حصولهم على الدّعم الماديّ من قِبل جماعة المؤمنين، ورغم ذلك لم يكن بولس نفسُه يستفيد دائمًا من هذا الحقّ (انظر رسالة كورنتوس الأولى، 9: 3‏-14؛ وكورنتوس الثانية 11: 7‏-11). وكُنّا نَحْنو عليكُم كَما تَحنو الأُمُّ على أولادِها. فنَحنُ نُحِبُّكُم حُبًّا شَديدًا إلى دَرجةِ أنّنا لم نَكُن على استِعدادٍ لتَقديمِ البُشرى بسَيِّدِنا المَسيحِ وَحدَها، بل خاطَرنا بحَياتِنا مِن أجلِكُم، فأنتُم قُرّةُ أعيُنِنا.§ أكّد الحواري بولُس أنّ هذا الادّعاء لم يكن مجرّد كلام، بدليل أنّه خاطر بحياته في تسالونكي وتعرّض للضرب المبرّح في سبيل المؤمنين. أيُّها الإخوةُ والأخَواتُ، إنّكُم تَذكُرونَ بِلا شَكٍّ كَيفَ كُنّا نَجتَهِدُ ونَتعَبُ عِندَما كُنّا مَعَكُم. أجل، عَمِلنا لَيلاً نَهارًا حَتّى نَكسِبَ رِزقَنا كَي لا نُصبِحَ عالةً على أحَدٍ. وهكذا كانَ دأبُنا عِندَما بَلّغناكُم البُشرى مِن اللهِ.* واصل بولس عمله في صناعة الخيام لتأمين عيشه رغم ارسال مؤمني فيليبي مالاً لدعمه في تسالونكي عندما كان يقوم بالدّعوة. وفي تلك الفترة كان عدد كبير من المرشدين يزاولون تعليمهم بالتوازي مع ممارسة حرفة تعلّموها عن آبائهم.
10 واللهُ يَشهَدُ، وأنتُم تَشهَدونَ، كَيفَ كُنّا في تَسالونْكي، مُخلِصينَ مُستَقيمينَ نُزَهاء مَعَ المؤمنينَ جَميعًا. 11 وتَعرِفونَ جَيِّدًا أنّنا عامِلنا كُلَّ واحِدٍ مِنكُم كَما يُعامِلُ الأبُ أبناءَهُ! فكُنّا نُشَجِّعُكُم، ونَشُدُّ على أيديكُم، ونُلِحُّ عليكُم 12 أن تَعيشوا كَما يَليقُ بمَعرِفةِ اللهِ الّذي يَدعوكُم إلى مَملَكتِهِ المَوعودةِ وحُضورِهِ المَجيدِ.‏ سيدفع إيمان هؤلاء المؤمنين الجدد إلى تضحية كبيرة، فمنذ الآن لن يشاركوا في المراسم التي تُقام عادةً في تسالونكي لتعظيم الإمبراطور وتقديم القرابين والأضاحي له، استنادًا إلى الزّعم الشائع أنّه إله. وسيعتبر الناس انتماءهم إلى المملكة الرّبّانيّة الموعودة رفضًا لتقديم الولاء للإمبراطور.
13 ونَحنُ يا إخواني نَشكُرُ اللهَ شُكرًا لا يَنقَطِعُ لأنّكُم عِندَما سَمِعتُم رِسالةَ اللهِ الّتي بَلَّغناكُم إيّاها قَبِلتُموها، لا كَرِسالةٍ مِن البَشَرِ، بَل رِسالةٌ مِن رَبِّ العالَمينَ! أجل، إنّها رِسالةٌ تُغَيِّرُ ما في أنفُسِكُم. 14 يا إخوتي، لقد تَحَمَّلتُم مَتاعِبَ شَديدة مِن أبناءِ شَعبِكُم في تَسالونْكي، وبهذِهِ الطَّريقةِ اقتَدَيتُم بالمؤمنينَ بسَيِّدِنا عيسى المَسيحِ الّذينَ اضطَهَدَهُم شَعبُهُم بَنو يَعقوبَ في مُقاطَعةِ يَهوذا في فِلَسطينَ. 15 إنّ اليَهودَ هُم الّذينَ قَتَلوا سَيِّدَنا عيسى وأنبياءَ قَبلَهُ، وها هُم الآنَ يَضطَهِدونَنا نَحنُ أيضًا ويُطارِدونَنا. إنّ عَمَلَهُم هذا لا يُرضي اللهَ أبَدًا، ويُعادونَ النّاسَ جَميعًا 16 بمُحاوَلةِ مَنْعِنا مِن إرشادِ غَيرِ اليَهودِ إلى دَربِ النَّجاةِ. وهكذا يُراكِمونَ آثامَهُم وذُنوبَهُم، وفي النِّهايةِ يَحُلُّ عليهِم غَضَبُ اللهِ. في زمن نشر هذه الرسالة، ازداد استياءُ يهودِ مقاطعةِ يهوذا في فلسطين ورفضُهم للاحتلال الرّوماني، واشتدّ كُرهُهم ونفورُهم من غير اليهود عمومًا، وهو ما أدّى إلى تصدّيهم لأولئك اليهود الناطقين باليونانية والذين آمنوا بسيدنا عيسى وأخذوا في نشر رسالته بين غير اليهود (انظر سيرة الحواريين 21: 20‏-22).
الشّوق لزيارة المؤمنين
17 أيُّها الأحبابُ، لقد اشتَقنا إليكُم كَثيرًا بَعدَما أُجبِرنا على فِراقِكُم،§ اُضطُرّ بولس ورفاقُه إلى مغادرة تسالونكي والذهابِ إلى بلدة بيريّة بسبب الاضطهاد الذي تعرّضوا له من اليهود الذين لم يؤمنوا برسالة المسيح (انظر سيرة الحواريين، 17: 5‏-10). ثم ذهب بولس من هناك إلى مدينة أثينا (سيرة الحواريين، 17: 13‏-15). رَغمَ أنّهُ لم يَمضِ على فِراقِنا إلاّ زَمَنٌ قَصيرٌ. وبَذَلنا جَهدًا كَبيرًا لرُؤيتِكُم مَرّة أُخرى. ومَعَ أنّكُم كُنتُم غائبينَ عن أعيُنِنا، فإنّكُم تَسكُنونَ قُلوبَنا! 18 ولقد كُنّا عازِمينَ على زيارتِكُم مَرّة بَعدَ مَرّةٍ، وخُصوصًا أنا بولُس، لكنّ الشَّيطانَ عاقَنا.* لم يتمكّن بولس من العودة إلى تسالونكي بسبب مانع ملموس حال دون ذلك، وهو ما عبّر عنه بعبارة “الشيطان عاقنا”، وربّما المانع تمثّل هذا المانع في معارضة حكّام المدينة وتأثيره على رفاق بولس هناك. وأجبر رجالُ السلطة أصحابَ بولس في جماعة المؤمنين في تسالونكي، على دفع كفالة تجعلهم مسؤولين قانونيًا عن بولس وسلواني، كما أجبروا بولس وسلواني على مغادرة المدينة دون العودة إليها ثانيةً. (انظر سيرة الحواريين، 17: 8‏-9) 19‏-20 ونَحنُ على يَقينٍ أنّكُم راسِخونَ في إيمانِكُم، ولهذا غَمَرَتنا الفَرحةُ والفَخرُ بكُم. ولأنّكُم آمَنتُم برِسالةِ سَيِّدِنا عيسى الّتي بَلَّغناكُم إيّاها، فإنّكُم أنتُم إكليلُنا الّذي سنَفتَخِرُ بِهِ يَومَ يَتَجَلَّى (سلامُهُ علينا) بَينَنا مَلِكًا. استُخدمتْ كلمتا “التاج” و”الإكليل” في جميع الأدبيات اليهودية والإغريقية والرومانية في ذلك الزمن للإشارة إلى المكافأة عن الأعمال الجليلة. وليس المقصود به من الإكليل هنا التاج المَلكي بل المقصود إكليل الزهور أو ورق الغار الذي يوضع على رأس المنتصر. ووردت كلمتا “التيجان” و”الأكاليل” في كتب الأنبياء الأوّلين كرمز للثواب في الآخرة في بعض الأحيان.

*الفصل الثّاني:2 لقد تعرّض بولس وسِلواني إلى معاملة سـيّئَة في مدينة فيليـبي قبل فترة وجيزة من وصولهما إلى تسالونكي، وبأمر من السلطات تمّ نزعُ ثيابهما وضرْبُهما بالعصي بطريقة مُذلّة أمام الناس، فتعرّضا إلى التعذيب دون محاكمة (انظر سيرة الحواريين، 16: 22‏-23). وفي ذلك انتهاكٌ لحقوقهما بوصفهما مواطنين رومانـيَّـيْن.

الفصل الثّاني:3 يقارن بولُس نفسَه بالدُّعاة الذين يدّعون إعلانَ رسالة سيدنا عيسى (سلامه علينا) وهم في الحقيقة يشوّهون الرسالة لكسب مالٍ أو نيل شهرة (انظر هذه الرسالة 2: 5‏-6). وقديمًا انتشر في منطقة البحر الأبيض المتوسّط فلاسفة ومتديّنون دجّالون محتالون، وهو ما جعل الفلاسفة الصادقون يترفّعون عنهم في ممارساتهم ويستنكرون ما قام به هؤلاء الدجّالون.

الفصل الثّاني:6 كان الحَواريون يتمتّعون بحقّ حصولهم على الدّعم الماديّ من قِبل جماعة المؤمنين، ورغم ذلك لم يكن بولس نفسُه يستفيد دائمًا من هذا الحقّ (انظر رسالة كورنتوس الأولى، 9: 3‏-14؛ وكورنتوس الثانية 11: 7‏-11).

§الفصل الثّاني:8 أكّد الحواري بولُس أنّ هذا الادّعاء لم يكن مجرّد كلام، بدليل أنّه خاطر بحياته في تسالونكي وتعرّض للضرب المبرّح في سبيل المؤمنين.

*الفصل الثّاني:9 واصل بولس عمله في صناعة الخيام لتأمين عيشه رغم ارسال مؤمني فيليبي مالاً لدعمه في تسالونكي عندما كان يقوم بالدّعوة. وفي تلك الفترة كان عدد كبير من المرشدين يزاولون تعليمهم بالتوازي مع ممارسة حرفة تعلّموها عن آبائهم.

الفصل الثّاني:12 سيدفع إيمان هؤلاء المؤمنين الجدد إلى تضحية كبيرة، فمنذ الآن لن يشاركوا في المراسم التي تُقام عادةً في تسالونكي لتعظيم الإمبراطور وتقديم القرابين والأضاحي له، استنادًا إلى الزّعم الشائع أنّه إله. وسيعتبر الناس انتماءهم إلى المملكة الرّبّانيّة الموعودة رفضًا لتقديم الولاء للإمبراطور.

الفصل الثّاني:16 في زمن نشر هذه الرسالة، ازداد استياءُ يهودِ مقاطعةِ يهوذا في فلسطين ورفضُهم للاحتلال الرّوماني، واشتدّ كُرهُهم ونفورُهم من غير اليهود عمومًا، وهو ما أدّى إلى تصدّيهم لأولئك اليهود الناطقين باليونانية والذين آمنوا بسيدنا عيسى وأخذوا في نشر رسالته بين غير اليهود (انظر سيرة الحواريين 21: 20‏-22).

§الفصل الثّاني:17 اُضطُرّ بولس ورفاقُه إلى مغادرة تسالونكي والذهابِ إلى بلدة بيريّة بسبب الاضطهاد الذي تعرّضوا له من اليهود الذين لم يؤمنوا برسالة المسيح (انظر سيرة الحواريين، 17: 5‏-10). ثم ذهب بولس من هناك إلى مدينة أثينا (سيرة الحواريين، 17: 13‏-15).

*الفصل الثّاني:18 لم يتمكّن بولس من العودة إلى تسالونكي بسبب مانع ملموس حال دون ذلك، وهو ما عبّر عنه بعبارة “الشيطان عاقنا”، وربّما المانع تمثّل هذا المانع في معارضة حكّام المدينة وتأثيره على رفاق بولس هناك. وأجبر رجالُ السلطة أصحابَ بولس في جماعة المؤمنين في تسالونكي، على دفع كفالة تجعلهم مسؤولين قانونيًا عن بولس وسلواني، كما أجبروا بولس وسلواني على مغادرة المدينة دون العودة إليها ثانيةً. (انظر سيرة الحواريين، 17: 8‏-9)

الفصل الثّاني:19‏-20 استُخدمتْ كلمتا “التاج” و”الإكليل” في جميع الأدبيات اليهودية والإغريقية والرومانية في ذلك الزمن للإشارة إلى المكافأة عن الأعمال الجليلة. وليس المقصود به من الإكليل هنا التاج المَلكي بل المقصود إكليل الزهور أو ورق الغار الذي يوضع على رأس المنتصر. ووردت كلمتا “التيجان” و”الأكاليل” في كتب الأنبياء الأوّلين كرمز للثواب في الآخرة في بعض الأحيان.