مدخل إلى رسالة صخر الأولى
جاء في كتابات بعضِ المؤمنين الأوائل اقتباساتٌ من هذه الرّسالة في نهاية القرن الأوّل للميلاد، حيث اعتبروا أنّ الحواري بطرس (أي صخر) هو مَن ألّفها. وقد تساءل بعضُ المفسّرين المعاصرين، كيف يستطيع بطرس، وهو صيّاد سمك من الجليل، أن يكتب هذه الرسالةَ بأسلوبٍ راقٍ في اللغة اليونانية. وتوجد في هذه الرسالة إشارةٌ إلى أنّ سلواني (المعروف أيضا باسم سيلا) قد ساعده في كتابتها (5: 12)، حيث أخذ أفكارَ بطرس ودوّنها بأسلوبٍ رفيع. وكان هذا الأمر منتشرا في تلك الفترة.
إنّ هذه الرسالة مُوجَّهةٌ إلى أتباع السيد المسيح (سلامه علينا) في خمس مقاطعات رومانيّةٍ ذاتِ ارتباط جغرافي وهي موجودة في تركيا اليوم. ويبدو من خلال محتويات الرسالة أنّ مُعظمَ هؤلاء الأتباع كانوا من غير اليهود ومن أصل وثنيٍّ، ويبدو أنّهم يُعانون من بعض الضغوطات وربّما يتعرّضون إلى اضطهاد وَشيكٍ. غير أنّ الكاتب يؤكّد أنّه لا يُمكن هزيمتهم بالاضطهاد والعذاب، لأنّ سيدنا عيسى (سلامه علينا) تَعذّب أيضا كي يحرّرهم من الخطايا، والله نَصَرَه وبعثه حيّا إلى الأبد. وسيشاركه هؤلاء حقيقةَ القيامة والفوز عندما يَتمسّكون به (سلامه علينا) بكلّ تصميم وثبات.
ويبدو أنّ هذه الرسالة قد كُتبتْ في فترة الاضطهاد الذي لم يَصْدُر بأمرٍ رسميّ من القيصر في القرن الأوّل للميلاد. وقد اتَّفق الباحثون على أنّ ذكر بابل (5: 13) في هذه الرسالة إشارةٌ خفيّة إلى روما. ويبدو أنّ الحواري بطرس قد كتب هذه الرسالةَ في ظروف شاعَ فيها اضطهادٌ شديد في المدينة، فنَبَّه المؤمنين الذين يخاطبهم إلى ضرورة تَوقِّع اضطهاد وشيك في منطقتهم.
بسم الله تبارك وتعالى
رسالة الحَواريّ صخر الأُولى إلى أحباب الله
الفصل الأوّل
تحيّة
مِن بُطرُسَ الصَّخرِ، حَواريِّ سَيِّدِنا عيسى المَسيحِ (سلامُهُ علينا). إلى عِبادِ اللهِ المُختارينَ المُغتَرِبينَ في هذِهِ الدُّنيا، المُشَتَّتينَ* اليهود الذين عاشوا خارج فلسطين يُلقَّبون بـ “يهود الشتات”. ورغم أنّ معظم قُرّاء هذه الرسالة لم يكونوا من اليهود، فقد استعمل الحواري بطرس هذا المصطلحَ كنايةً عنهم، ويشير بذلك إلى انضمامهم إلى أمّة الله. في مُقاطَعات البُنْطِ وغَلاطِيَة وكَبْدُوكيَة وآسيا وبِتَنْيَةَ. يا إخوتي، إنّ اللهَ الأبَ الرَّحيمَ قد قَدَّرَ فاختارَكُم وخَصَّكُم برُوحِهِ لِكَي تُطيعوا سَيّدَنا عيسى المَسيحَ، إذ بتَضحِيتِهِ بدَمِهِ طَهَّرَكُم مِن ذُنوبِكُم. وليَفِضْ عليكُم فَضلُ اللهِ وسَلامُهُ.
الحياة الجديدة
تَبارَكَ اللهُ الأبُ الرَّحيمُ لسَيِّدِنا عيسى المَسيحِ، فهو بِرَحمَتِهِ الواسِعةِ جَعَلَنا نُولَدُ مِن جَديدٍ، حِينَ بَعَثَهُ (سلامُهُ علينا) مِن بَينِ الأمواتِ، ولذلِكَ فنَحنُ نَعيشُ الآنَ على يَقينٍ أنّنا سنَرِثُ الكَنزَ المَحفوظَ لنا في السَّماءِ، بَعيدًا عنِ التَّلَفِ والفَسادِ والبِلى. ولأنّكُم مُؤمِنونَ، فسيَحميكُمُ اللهُ بقُدرتِهِ كَي تَفوزوا بالنَّجاةِ الّتي سيَكشِفُها في اليَومِ الآخِرِ أمامَ العالَمينَ.
ها إنّكمُ الآنَ تَبتَهِجونَ بهذا الوَعدِ، مَعَ أنّكُم لا بُدَّ أن تُقاسوا أنواعًا مِن المِحَن إلى حينٍ. فكَما أنّ النّارَ تَكشِفُ قيمةَ الذَّهَبِ الثّمينِ، فإنّ المِحَن تَكشِفُ إيمانَكُم فيَظهَرُ راسِخًا مَتينًا. وإنّ الإيمانَ أغلى مِن الذَّهَبِ الفاني، فَبِسَبَبِ الإيمانِ تَنالونَ المَديحَ والجَلالَ والكَرامةَ حينَ يَتَجَلّى سَيِّدُنا عيسى المَسيحُ للعالَمينَ. إنّكُم لم تُبصِروهُ، ولكنّكُم تُحِبّونَهُ. فرَغمَ أنّكُم لا تَرَونَهُ، فإنّكُم تؤمنونَ بِهِ. ولذلِكَ تَفرَحونَ فَرَحًا عَظيمًا جَليلاً لا يوصَفُ. وإذ كُنتُم بِهِ مُؤمِنينَ، فإنّكُم ستَحصُلونَ على الجَزاءِ العَظيمِ، ألا وهو نَجاةُ نُفوسِكُم.
10 تَنَبَّأَ الأنبياءُ الأوّلونَ بفَضلِ اللهِ عليكُم، فاجتَهِدوا في البَحثِ بعُمقٍ عن مَوضوعِ هذِهِ النّجاةِ. 11 وقد أوحى اللهُ إليهِم أنّ المَسيحَ المُنتَظَرَ سيُقاسي الآلامَ، ثُمّ يَموتُ فيَنالُ مَقامًا مَحمودًا. فتَحَرَّوْا لمَعرِفةِ زَمانِ حُدوثِ هذِهِ الأُمورِ وأحوالِ العالَمِ الّتي تُشيرُ إليها رُوحُ السَّيِّدِ المَسيحِ فيهِم. 12 فأَوحَى اللهُ إليهِم أنّ رِسالتَهُم لم تَكُن لصالِحِهِم بل كانَت لِصالِحِكُم أنتُم. إنّها البُشرى الّتي سَمِعتُموها مِن الّذينَ جَعَلَهُمُ اللهُ دُعاةً، مُؤيَّدينَ في ذلِكَ برُوحِ اللهِ الّتي أرسَلَها مِن السّماءِ. ما أعظَمَ هذِهِ الأُمورَ! فحَتّى المَلائِكةُ تَتوقُ إلى الاطّلاعِ عليها.
تقرّبوا إلى الله بقدسيّة
13 فاحتَكِموا إلى البَصيرةِ وطاعةِ اللهِ. وأيقِنوا بِفَضلِهِ تَعالى الّذي سيَحُلُّ عليكُم حينَ يَتَجَلَّى سَيِّدُنا عيسى المَسيحُ لِلعالَمينَ. 14 أنتُم عِيالُ اللهِ المُطيعونَ، فلا تَستَسلِموا لأهوائِكُم كَما حَدَثَ مَعَكُم حِينَ كُنتُم جَهَلةً. 15 بل كونوا مَنذورينَ للهِ، وتَحَلَّوْا بالقُدسيةٍ في كُلِّ ما تَعمَلونَهُ. فاللهُ القُدّوسَ هو الّذي دَعاكُم، 16 وهو يَقولُ في التَّوراةِ: “تَقَرّبوا إليّ بقُدسيةٍ لأنّي أنا القُدّوسُ”. تعني هذه العبارة: “تقرّبوا لي بقُدسيةٍ” أنّه على الناس أن يَهَبوا أنفسهم لله كلّيّا.
17 أنتُم تَستَنجِدونَ بِاللهِ أبيكُم الرَّحيمِ، وهو الحَكَمُ العَدلُ دونَ مُحاباةٍ على أعمالِ النّاسِ أجمَعينَ. فاتّقوا اللهَ إذن وأنتُم مُغتَرِبونَ في هذِهِ الدُّنيا. 18 فلقد حَرَّرَكُمُ اللهُ مِن حَياتِكُم التّافِهةِ الّتي وَرِثتُموها عن آبائِكُمُ، وما فَدَتْكُم فِضّةٌ ولا ذَهَبٌ ولا غَيرُهُما مِن ثَرواتٍ تَفنى، 19 بل حَرَّرَكُم بدَمِ سَيّدِنا المَسيحِ الكَريمِ، ودَمُهُ أزكى من دَمِ كَبشٍ دونَ نَقصٍ أو عَيبٍ. 20 وقد قَدَّرَهُ اللهُ لِهذِهِ المُهِمّةِ مِن قَبلِ خَلقِ العالَمينَ، وأرسَلَهُ في أواخِرِ أيّامِ هذِهِ الدُّنيا فِديةً لكُم. 21 وقد أحياهُ اللهُ مِن المَوتِ ورَفَعَهُ إلى مَقامٍ كَريمٍ، فأصبَحتُم بِهِ واثِقينَ باللهِ ومُؤمِنينَ إيمانًا راسخًا.
22 وبَعدَ أن اتّبَعتُم رِسالةَ الحَقِّ وطَهَّرتُم نُفوسَكُم، صِرتُم قادِرينَ على مَحَبّةِ إخوتِكُم حُبًّا صادِقًا. فأحِبُّوا بَعضُكُم بَعضًا بعُمقٍ. 23 فلقد وُلِدتُم الآنَ مِن جَديدٍ، لا مِن أبٍ بَشَريٍّ يَفنى، بل برِسالةِ اللهِ الخالِدةِ الّتي لا تَفنى. 24 وقد جاءَ على لِسانِ النَّبيِّ أشعيا (عليه السّلام) في الكِتابِ: “كالعُشبِ هُمُ البَشَرُ، وكزَهرِ العُشبِ بَهاؤُهُم. يَموتُ العُشبُ، ويَسقُطُ الزَّهرُ، 25 أمّا بَلاغُ اللهِ فيَبقى إلى أبَدِ الآبِدينَ”. وهذِهِ الرِّسالةُ هي البِشارةُ بسَيّدِنا عيسى الّتي بَلَغَتكُم.

*الفصل الأوّل:1 اليهود الذين عاشوا خارج فلسطين يُلقَّبون بـ “يهود الشتات”. ورغم أنّ معظم قُرّاء هذه الرسالة لم يكونوا من اليهود، فقد استعمل الحواري بطرس هذا المصطلحَ كنايةً عنهم، ويشير بذلك إلى انضمامهم إلى أمّة الله.

الفصل الأوّل:16 تعني هذه العبارة: “تقرّبوا لي بقُدسيةٍ” أنّه على الناس أن يَهَبوا أنفسهم لله كلّيّا.